GuidePedia

0

 

مناقشة كلمة الشيخ أسامة الرفاعي في تأبينه للشيخ عدنان السَّقا رحمه الله

 

Pdf

Word

بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

          فقد كثر السؤال عن كلمة الشيخ أسامة الرفاعي في تأبينه للشيخ عدنان السَّقَّا رحمه الله .. وعن مدى موافقتها لصحيح المنقول، وما عليه أهل السنة والجماعة من اعتقاد .. وهل يجوز سؤال السابقين من الموتى الشفاعة، والحضانة، والرعاية، والكفالة لمن يأتيهم من الأموات الجدد؟

          وقبل أن نجيب عن هذا السؤال، ونناقش ما ورد في كلمة الشيخ، نضع كلماته التي قالها في التأبين ذات العلاقة بموضوع السؤال، فقال:" أخي الشيخ عدنان عليك رحمة الله ورضوانه، هنيئاً لك؛ فقد حقق اللهُ مرادك، وأعطاك أمنيتَك في أن تكون في حضانةِ سيدنا أبي أيوب الأنصاري، ونحن اليوم نضعك أمانة بين يديه، كي يشفع لك عند الله، أخي الشيخ عدنان هنيئاً لك، هنيئاً لك، وأنت في رعاية وحضانة وكفالة سيدنا أبي أيوب، يا سيدنا يا أبا أيوب هذه وديعتنا إليك، هذه وديعتنا إليك سيدنا الشيخ عدنان السقَّا .."ا- هـ.

          قلت: هذا كلام باطلٌ يتنافى مع النَّقْلِ الصَّحيح، والاعتقاد السَّليم، وإجماع علماء المسلمين ..  وبيان ذلك من أوجه:  

          منها: كيف عرف الشيخ أن عدنان السقّا رحمه الله قد حقق الله أمنيته، ورضي أن يكون في حضانة وأمانة، ورعاية، وكفالة أبي أيوب الأنصاري .. فهذا حكم غيبي لا يعلمه إلا الله، وهو من التألِّي على الله؛ الذي يعني الحكمَ على أمر غيبي يحتمل عند الله تعالى القبول أو عدمه .. الوعد أو الوعيد .. والسنة قد حكمت أنه لا يحكم لمعيَّنٍ من أهل القبلة بوعد أو وعيد، بقبول أو عدمه إلا بنصٍّ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم .. وفي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيح:" أنَّ رَجُلًا قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قال: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ ". وفي رواية صحيحة عند أحمد:" فبعث اللهُ إِلَيهِما مَلكًا، فقبض أَرْوَاحَهُما، واجْتَمَعا عندَهُ، فقال لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ برَحْمَتِي. وقال لِلآخَرِ: أَكُنْتَ بي عالِماً، أَكُنْتَ على ما في يَدِي قادِراً، اذْهَبُوا بهِ إِلَى النَّارِ.  قال: فوالَّذي نفْسُ أبي الْقَاسمِ بِيَدِهِ، لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أوْبَقَتْ دُنْياهُ وَآخِرَتَهُ ". وقرب القبر من القبر لا يخوّل الشيخ أن يقول ما قال! 

          ومنها: عندما يُقال لميت سابقٍ، قد جاءك ميت حديث العهد بالموت .. وهو في حضانتك، وأمانتك، وكفالتك، ورعايتك، وهو وديعتنا عندك .. هذا معناه أن على الميت السابق أن يحفظ ويحمي، ويرعى، ويجير، ويدافع عن الميت الحديث الموت، ويحيل بينه وبين أي وعيد أو خطر ينزل به بما أوتي من كرامة ومنزلة وقدرة .. وتسمية ذلك بالشَّفاعة لا يغير من هذه المعاني شيئاً .. والسؤال: يحفظه ويحميه، ويمنعه، ويجيره، ويرعاه ممن .. مِن الله؟!!

          هل يقدر أبو أيوب أو غيره من الخلائق ــ مهما كانت له من المنزلة والمكانة ــ أن يجير مخلوقاً من الله، أو أن يمنع عنه شيئاً يريده الله تعالى، أو أن يشفع أو يتدخل في عمل الله، أو أمرٍ يريده الله .. والله تعالى يقول:[ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ]المؤمنون:88. أي هو الذي يَحمي ولا يُحمَى عليه. وقال تعالى:[ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ]الزمر:44. ولما نادى نوح عليه السلام ربه، بسأله الرحمة لابنه، وهو سؤال النبي الحي لابنه الميت، وليس سؤال الميت للميت:[ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي ]هود:45. فأجابه الخالق سبحانه وتعالى:[ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ . قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ]هود:46-47. فإن قيل: ولد نوح مات كافراً .. أقول: الفائدة المستخلصة أن الله تعالى لا يُراجع في حكم أو قضاء، ولا يُسأل عمَّا يفعل، ولا يُجار عليه .. والله تعالى يعلم من عباده مالا يعلمه العباد عن العباد .. وهو أرحم بالعباد من العِباد.

          ونحو ذلك؛ أن الله تعالى لم يأذن للنبي صلوات ربي وسلامه عليه في أن يستغفر لعمه أبي طالب رغم ما كان منه من خدمة ورعاية للنبي صلى الله عليه وسلم، ولدعوته، [ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ]التوبة:113. بل لم يأذن له في أن يستغفر لأمّه، كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم:" اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أنْ أسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، واسْتَأْذَنْتُهُ أنْ أزُورَ قَبْرَها فأذِنَ لِي ". وحاشا نبينا صلوات ربي وسلامه عليه؛ وهو، هو .. أن يراجع ربه في أمرٍ ــ حتى لو كان هذا الأمر هو أمه ــ لم يأذن الله له به.

          ومنها: أيهما أرحم بالعباد، الله أم أبو أيوب ..؟! لا أظن مسلماً في قلبه ذرة من إيمان يجرؤ أن يقول: أن أبا أيوب ــ أو غيره ــ أرحم من الله .. بقي الجواب الآخر؛ وهو أن الله تعالى أرحم الراحمين، وهو الرحمن الرحيم، رحمته وسعت كل شيء، ورحمته سبقت غضبه، وهو أرحم من الخلائق أجمعين، وأرحم لأنفسِنا من أنفسنا بأنفسنا، وأرحم بعباده من الأم بولدها الرضيع، كما في الحديث، الذي أخرجه البخاري في صحيحه وغيره، قَدِمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إذَا وجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ أخَذَتْهُ، فألْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتُرَوْنَ هذِه طَارِحَةً ولَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا، وهي تَقْدِرُ علَى أنْ لا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا ".

          والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان الله تعالى أرحم من أبي أيوب .. لا يقبل وسيطاً بينه وبين

عباده؛ لا أبا أيوب، ولا غيره .. لا يخشى ترهيباً، ولا يخضع لترغيب سبحانه .. لا يخفى عليه شيء، ولا يعجزه شيء .. ولا يحتاج إلى حَضٍّ، ولا إلى تذكير من أحدٍ فيمن يرحم، وفيمن لا يرحم .. فما هي الحاجة أو الفائدة من إرسال أمواتنا أولاً إلى أبي أيوب أو إلى غيره من الأموات .. نرجوه بأن يحضن، ويكفل، ويرعى، ويحمي، ويجير ميتنا، كوديعة عنده ...؟!!

          ومنها: أن الشفاعة المشروعة الثابتة في الكتاب والسنة تكون يوم القيامة، وهي كلها لله تعالى وحده، إلا لمن ارتضى له أن يَشفعَ، ولمن يَشفع .. إذ ليس للشفيع مهما علا قدره، وعلت مكانته، أن يشفع من دون إذن من الله، أو أن يشفع لمن يشاء ويريد، من دون إذن من الله، ومن دون أن يحدد له الذين يُسمَح له أن يشفع لهم، كما قال تعالى:[ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ]الزمر:44. [ يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ]طه:109. [ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ]سبأ:23. [ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ]البقرة:255. حتى نبينا صلوات ربي وسلامه عليه عندما يأذن الله له أن يشفع، يحد اللهُ له حداً ممن يؤذن له أن يشفع لهم، فلا يتجاوزهم، كما في الحديث المتفق عليه:" ثم أشفَعُ، فيَحُدُّ لي حَدَّاً، فأدخِلُهُم الجنَّةَ ".

          أمَّا الشفاعة في عالم القبور والبرزخ والأموات .. بأن يشفع الأموات لبعضهم البعض .. فيشفع القديم للوافد الجديد، أو العكس .. فهي غير واردة، ولم يصح فيها نقل، ولا قول لعالم معتبر .. ففي عالم البرزخ لا توجد شفاعات .. كما لا يجوز أن تقاس الشفاعة المشروعة يوم القيامة، على الشفاعة في عالم البرزخ والقبور .. للفارق الكبير بين المسألتين، والصورتين، ولانتفاء النقل الصحيح .. ولأن مثل هذه الأمور الغيبية العقدية لا تثبت، ولا يُتكلَّم فيها إلا بنص صحيح صريح من الكتاب أو السنة، قال تعالى:[  وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه ]يونس:18. 

          ومنها: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم وغيره، أنه قال:" إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له ". فالميت لا يستطيع أن يُضيف إلى حسناته حسنة واحدة من عند نفسه، فضلاً عن أن يمنحها لغيره، أو يستجديها من غيره، لأن فرصة العمل بحقه قد توقفت .. وهو يستفيد فقط مما يأتيه من الخارج، من الأحياء، مما كان سبباً في وجوده، وجريانه، كما ورد في الحديث أعلاه، وكما في قوله تعالى:[ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ]المؤمنون:99-100. [ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى . يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ]الفجر:23-24. 

          ومنها: لو كان هذا الذي قاله الشيخ جائزاً، ووارداً، لكان من الواجب عليه أن يوجه الطلب والنداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ بأن يكفل، ويضمن، وبجير، ويحضن من يفد إليه من موتى المسلمين .. بدلاً من أبي أيوب رضي الله عنه .. فالنبي صلى الله عليه وسلم أولى وأعظم من أبي أيوب، ومن غيره .. والتباعد فيما بين القبور لا يمنع من ذلك، فعالم الأموات والأرواح، والبرزخ لا يخضع للاعتبارات الجغرافية التي يعرفها الإنسان في حياته!

          لو كان هذا الذي قاله الشيخ جائزاً ووارداً لكان الصَّحابة هم الأولى والأسرع إلى فعله .. ولكنه لما كان حراماً لا يجوز؛ فلم يُعرف عنهم، ولا عن بعضهم، بل ولا عن أحدٍ منهم من فعل شيئاً من ذلك!

          ومنها: كلمات الشيخ لا تدخل في معنى وخانة التوسّل؛ ليُنظَر هل هي من التوسل المشروع أم لا .. وإنما تدخل دخولاً واضحاً وصارخاً في معنى الدعاء، والطلب، والرجاء، والاستغاثة بالمخلوق؛ " أخي الشيخ عدنان هنيئاً لك، هنيئاً لك، وأنت في رعاية وحضانة وكفالة سيدنا أبي أيوب، يا سيدنا يا أبا أيوب هذه وديعتنا إليك، هذه وديعتنا إليك سيدنا الشيخ عدنان السقَّا .."، والدعاء عبادة، والعِبادة لا تُصرَف إلا لله تعالى وحده، كما في الحديث، الذي أخرجه أبو داود وغيره، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" الدُّعاءُ هو العِبادةُ ". وقال صلى الله عليه وسلم:" أفضلُ العِبادة الدُّعاء "صحيح الجامع:1122. وقال تعالى:[ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ]غافر:60. [ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ]النمل:63. أي أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تدعونه، فيجيب دعاءكم، ويكشف عنكم السوء ..؟!

          وقال تعالى:[ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ . وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم [يونس:106-107. قال صلى الله عليه وسلم:" من مات وهو يدعو لله ندَّاً دخل النار "البخاري.

          سُئل الشيخ ابن العثيمين رحمه الله: هل يجوز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الآن في قبره؛ أريد منك شفاعة يا رسول الله، وأنا عبد مذنب ..؟

          فأجاب:" لا يجوز، هذا حرام، بل قد يكون من الشرك؛ لأن هذا دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام، وبدلاً من أن يقول يا رسول الله أن تشفع لي، يقول يا رب شفِّع بي رسولَك؛ حتى يكون الدعاء موجه لله عز وجل، أما الرسول الآن ما يستطيع أن يشفع لك، ثم حتى يوم القيامة ما يستطيع أن يشفع لأحدٍ إلا بإذن الله، وهذه الكلمة حرام، وقد تكون شركاً بالله عز وجل "[[1]].

          ومن الأخطاء التي وقع بها الشيخ أنه توجه أولاً في الطلب والدعاء إلى أبي أيوب .. ثم بعد ذلك توجه في الطلب والدعاء إلى الله، وهذا إضافة إلى أنه حرام لا يجوز .. فهو يتنافى مع أدب الطلب والدعاء .. ولو فُعِل شيء من ذلك مع ملِكٍ من ملوك الأرض؛ فتوجّه السائل في حاجته إلى وزير من وزرائه في حضرته، لعد ذلك انتقاصاً ومهَانةً له .. ولله المثل الأعلى.

          قال تعالى:[ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ]البقرة:186. وقال تعالى:[ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ]ق:16. فالله تعالى أقرب إلينا من أبي أيوب، ومن غيره .. وهو وحده القادر على أن يجيب دعاءنا، ورجاءنا، دون أحدٍ من خلقه.

          ومنها: كلمات الشيخ أعلاه ــ والسكوت عنها ــ دعايةٌ، ومدخل واسع للشرك، ولعبادة القبور .. إذ لكل قومٍ قبورهم، وأولياءهم المعجبين بهم، الذين يصرفون لهم العبادة والدعاء من دون الله .. إذ كيف ننكر على الشيعة الروافض تقديسهم للقبور، وقولهم: يا علي .. يا حسين .. يا عباس .. يا زهراء .. يا زينب .. على أنه شرك يدخل في معنى الاستغاثة، والعبادة، والدعاء .. ثم يوجد منا من يقول: يا أبا أيوب .. ما الفرق بين الاثنين؟!

          سيقولون: كيف تنكرون علينا قولنا: يا علي .. يا حسين .. يا عباس .. يا زهراء .. يا زينب .. ومنكم، ومن مشايخكم من يقول: يا أبا أيوب ...؟!

          وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ والنصارى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ". قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْلَا ذلكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ خَشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا " متفق عليه. وفي رواية عند مسلم:" ألَا وإنَّ مَن كانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ وصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، ألَا فلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ، إنِّي أنْهَاكُمْ عن ذلكَ ". وعند أحمد وغيره:" اللهم لا تَجْعَلْ قبري وثناً يُعْبَدُ، اشتد غضبُ اللهِ على قومٍ اتخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ ". " اللهم لا تجعلْ قبري وَثَناً، لعنَ اللهُ قوماً اتخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ ". هذا التحذير الشديد من اتخاذ القبور مساجد حتى لا تبلغ القبور مبلغ الأوثان والأصنام التي تُعبَد من دون الله .. وحتى لا تُصبح مع الزمن والجهل معبودة من دون الله .. وما أكثر الذين وقعوا في هذا المحظور، رغم هذا التحذير الشديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

          ومنها: أن جميع الأدلة الشرعية ذات العلاقة بالقبور وعالم البرزخ، تفيد أن الأموات هم الذين يستفيدون من الأحياء؛ من سلامهم، ودعائهم، وأعمالهم، وهم الذين يحتاجون إلى الأحياء، دون العكس؛ فالميت لا ينفع ميتاً، ولا حَيَّاً.

          ومنها: جميع الأدلة التي اعتمدها الشيخ في تبريره لاعتقاده وكلماته الواردة أعلاه، والتي منها؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم يصله سلام وصلاة المؤمنين عليه، بواسطة ملَكٍ موكّل بنقل الصلاة والسلام عليه من أي شخص، وفي أي مكان كان، كما في الحديث:" وإنَّ أحداً لن يُصلي عليَّ إلا عُرِضت عليَّ صلاتُه حتى يفرغَ منها"[[2]]. وقال صلى الله عليه وسلم:" حيثما كنتم فصلُّوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلُغُني"[[3]]. وقال صلى الله عليه وسلم:" إن الله وكَّلَ بقبري ملَكاً أعطاهُ الله أسماءَ الخلائقِ؛ فلا يُصلِّي عليَّ أحدٌ إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه: هذا فلانُ ابنُ فلانٍ قد صلَّى عليكَ"[[4]]. وقال صلى الله عليه وسلم:" أكثروا الصلاةَ عليَّ، فإن اللهَ وكَّلَ بي ملَكاً عند قبري، فإذا صلَّى عليَّ رجلٌ من أمتي، قال لي ذلك الملَك: يا محمد إن فلانَ ابنَ فلان صلَّى عليك السَّاعة َ"[[5]]. وأن أموات المسلمين يسمعون سلامَ من يزورهم ويسلم عليهم، ويدعو لهم، كما في الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي أهل البقيع، فيَقول: السَّلَامُ علَيْكُم دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ ما تُوعَدُونَ غَدًا، مُؤَجَّلُونَ، وإنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ، بكُمْ لَاحِقُونَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ ". وفي رواية عند أبي داود، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ خرجَ إلى المقبرةِ، فقالَ:" السَّلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنينَ، وإنَّا إن شاءَ اللَّهُ بِكم لاحقونَ ". ونحو ذلك، سماع الميت عند دفنه خفق نعال مشيعيه، إذا ولّوا عنه منصرفين.

          والرد على هذا الاستدلال من وجهين:

          أوَّلهما: أن هذه الأدلة لا تفيد جواز التوجه إلى الأموات بالطلب والدعاء، والاستغاثة .. ولا تفيد أن للأموات أي أثر أو قدرة على إفادة وإغاثة من يلحق بهم من الأموات، أو الأحياء .. فهذه الأدلة في وادٍ، وكلمات الشيخ الواردة أعلاه في وادٍ آخر، لا وجه للتشابه والتلاقي بينهما، يجيز قياس أحدهما على الآخر!

          ثانيهما: أن هذه الأدلة، ونحوها من الأدلة الصحيحة ذات العلاقة بالموضوع، نؤمن بها وبدلالاتها، كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من دون أن نزيد عليها من الأفهام، والقياسات الفاسدة التي تخرجها عن موضوعها، ودلالاتها .. والتي قد تفضي بنا وبغيرنا إلى البدعة أو الشرك، وعبادة المخلوق .. فنَضِل، ونُضِل.  

          شُرع لنا أن نقول عندما نزور مقابر المسلمين:" السَّلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنينَ، وإنَّا إن شاءَ اللَّهُ بِكم لاحقونَ .. غفر الله لكم ". نفعل ذلك، ونقف عند ذلك، ولا نزيد فنقول: ما داموا قد سمعوا السلام .. هذا يعني أنهم قد يسمعون السواليف الأخرى، فلنعرض عليهم مشاكلنا، وحاجياتنا، وأحوالنا، ونتوجه إليهم بالطلب، والدعاء، ونحو ذلك .. لا؛ فهذا قياس فاسد وباطل، لم يقل به عالِم، يُفضِي بصاحِبه إلى الشرك والعياذ بالله .. ثم أن الحديث أفاد أنهم يسمعون السّلام فقط .. ولم يفد بأنهم يسمعون السّواليف، والحكايات الأخرى!

          ومنها: أن سماع الميت لقدرٍ معين من الكلام، قد دلت عليه السنَّة، لا يفيد كرامةً للميت .. فالكافرُ أحياناً يسمع كلاماً محدداً ومعيَّناً قد دلّت عليه السنّة، كما في الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عليهم فَنَادَاهُمْ، فَقالَ:" يا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ، يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ، يا عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، يا شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، أَليسَ قدْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا ". فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُوا وَأنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قالَ:" وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما أَنْتُمْ بأَسْمع لِما أَقُولُ منهمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ". وهناك من يقول: أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ليست لأحدٍ غيره، ولا بعده .. وأنا أقول: ليست خاصة؛ بل هي عامة لجميع المسلمين، فلكل مسلم إذا مر بقبر كافر أو مشرك، فله إن شاء أن يبشره بالنار، ويقول له:" هل وجدت ما وعد ربك حَقَّاً .. أبشر بالنار "، كما في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة وغيره، أنَّ أعرابيّاً جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ إنَّ أبي كانَ يصِلُ الرَّحمَ وَكانَ وَكانَ فأينَ هوَ؟ قالَ:" في النَّارِ ". قالَ فَكأنَّهُ وجدَ من ذلِكَ، فقالَ يا رسولَ اللَّهِ فأينَ أبوكَ؟ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ:" حيثُما مررتَ بقبرِ مشرِكٍ فبشِّرْهُ بالنَّارِ ". قالَ فأسلمَ الأعرابيُّ بعدُ، وقالَ لقد كلَّفني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ تعباً؛ ما مررتُ بقبرِ كافرٍ إلَّا بشَّرتُهُ بالنَّارِ[[6]]. وكونه يبشر الكافر وهو في قبره بالنار؛ فهذا يعني أن الكافر يسمعه، وإلا لما كان لتبشيره معنى.

          لكن هنا ننبه لما سبق إليه التنبيه؛ وهو أن السنَّة قد دلت أن الكافر الميت وهو في قبره يسمع هذا القدر من الكلمات:" يا فلان هل وجدت ما وعد ربك حَقَّاً .. أبشر بالنار "، فنؤمن بذلك، ونثبت للميت الكافر السماع لهذا القدر من الكلام والوعيد .. وأيما زيادة عليه، كأن تضيف على تبشيره بالنار، الشتائم، واللعنات، والحكايات، والقصص، بحجة أنه قد سمع ويسمع تبشيره بالنار .. فهذه الزيادات لا يسمعها، والدليل لا يفيد بأنه يسمعها .. وهي زيادة عن الحد أو القدْر الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وسمح وأذن به.

          فإن قِيل: كيف نفهم ونفسر قوله تعالى:[ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ]فاطر:22.؟ 

          قوله تعالى:[ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ]؛ حكم عام، يفيد أن جميع من في القبور لا يسمعون، مقيد بخاص؛ بستثني من هذا العام مَن خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسماع، وبالقدر الذي يسمعونه، كما تقدم.

          ويُقال أيضاً: كما أنك لا تستطيع أن تُسمع الموتى سماع إجابة وقبول، وإفادة، إلى ما تدعو إليه .. كذلك الكفار المعاندون المتكبرون لا تستطيع أن تسمعهم سماع إجابة، وقبول، وإفادة، كما قال تعالى:[ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ]القصص:56. [ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ]البقرة:272. حتى لو سمعوا دعوتك سماعاً آليَّاً، فهم صمٌّ بكمٌ لا يعقلون، ولا يهتدون، ولا يستفيدون .. فمثل الكفار المعاندين في ذلك مثل الأموات في القبور.   

          ومنها: أن الشيطان يتدرج في صرف المرء عن الحق إلى الباطل، وعن التوحيد إلى الشرك؛ فقد يعجز عن نقله دفعة واحدة إلى الشرك، فيزين له ابتداءً التوسل بذاوات الأنبياء والصالحين دون دعائهم، ومن ثم سؤال الله بما للأنبياء والصالحين من حق وجاه عنده .. ثم إطرائهم والغلو في تعظيمهم .. ثم شد الرحال إلى قبورهم، وممارسة الطاعات عند القبور؛ لظنهم أنها بقع مباركة، تقبل الطاعات عندها مالا يُقبل عند غيرها .. ثم تقبيل القبور والتمسح بها تبركاً .. ثم مخاطبة مَن في القبور، بأن يشفعوا لهم عند الله .. ثم التوجه إليهم بالحاجيات، بدفع الضر، وجلب النفع .. ثم دعوة الناس إلى عبادتها، وتحسينها في أعينهم، والجدال عنها، وربما عقدوا الولاء والبراء فيها .. فيقعون في الشرك الأكبر، ويتحقق للشيطان مُنَاه ومسعاه .. فالذَّنب لا يكتفي بنفسه، حتى يدل صاحبه على ما بعده، وما هو أكبر منه!

          قال تعالى:[ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ]نوح:23. أخرج البخاري في صحيحه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، قال:" صَارَتِ الأوْثَانُ الَّتي كَانَتْ في قَوْمِ نُوحٍ في العَرَبِ بَعْدُ؛ أمَّا ودٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بالجَوْفِ، عِنْدَ سَبَإٍ، وأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلَاعِ، أسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِن قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ إلى قَوْمِهِمْ، أنِ انْصِبُوا إلى مَجَالِسِهِمُ الَّتي كَانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَاباً وسَمُّوهَا بأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حتَّى إذَا هَلَكَ أُولَئِكَ، وتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ ". فلما ماتوا عكفوا على قبورهم .. ثم مع الزمن، واندراس العِلم عبدوهم من دون الله .. فالشيطان يُراهن على الزمن، والجهل، واندراس العِلم.

          ورحم الله ابن القيم فقد أشار إلى هذا المعنى في كتابه القيم إغاثة اللهفان 1/245، فقال:" فإذا قرر الشيطان عنده أن الإقسام على الله به ــ أي بالقبر ــ، والدعاء به أبلغ في تعظيمه واحترامه، وأنجع في قضاء حاجته، نقله درجةً أخرى إلى دعائه نفسه ــ أي القبر ومن فيه ــ من دون الله، ثم ينقله بعد ذلك درجة أخرى إلى أن يتخذ قبره وثناً؛ يعكف عليه، ويوقد عليه القنديل، ويعلق عليه الستور، ويبني عليه المسجد، ويعبده بالسجود له، والطواف به وتقبيله، واستلامه، والحج إليه، والذبح عنده، ثم ينقله درجة أخرى إلى دعاء الناس إلى عبادته، واتخاذه عيداً ومَنْسكاً، وأن ذلك أنفع لهم في دنياهم وآخرتهم. قال شيخنا ــ أي ابن تيميّة ــ وهذه الأمور المبتدعة عند القبور مراتب، أبعدها من الشرع: أن يسأل الميت حاجته، وويستغيث به فيها، كما يفعله كثير من الناس، وهؤلاء من جنس عُبَّاد الأصنام ا- هـ.

          ومنها: نختم مقالتنا وردَّنا بذكر طائفة من أقوال العلماء، ذات العلاقة بموضوع هذه المقالة:

          1- الشّوكاني رحمه الله، في كتابه الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد، وهي ضمن الرسائل السلفية، ص7، 17،18:" فاعلم أن الرزية كل الرزية، والبلية كل البلية .. وذلك ما صار يعتقده كثير من العوام وبعض الخواص في أهل القبور، ومن المعروفين بالصّلاح من الأحياء، من أنهم يَقْدِرون على ما لا يقدر عليه إلا الله جل جلاله، ويفعلون ما لا يفعله إلا الله عز وجل، حتى نطقت ألسنتهم بما انطوت عليه قلوبهم؛ فصاروا يدعونهم تارة مع الله، وتارة استقلالاً، ويصرخون بأسمائهم، ويعظمونهم تعظيم من يملك الضر والنفع، ويخضعون لهم خضوعاً زائداً على خضوعهم عند وقوفهم بـين يدي ربهم في الصلاة والدعاء، وهذا إذا لم يكن

شركاً فلا ندري ما هو الشرك، وإذا لم يكن كُفراً فليس في الدنيا كفر.

          وقال: إخلاص التوحيد لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله لله، والنداء والاستغاثة، والرجاء واستجلاب الخير، واستدفاع الشر له ومنه، لا لغيره ولا من غيره[  فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ]الجن:18. [ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ  ]الرعد:14.

          وإذا تقرر هذا فلا شك أن من اعتقد في ميت من الأموات أو حي من الأحياء أنه يضره أو ينفعه؛ إما استقلالاً أو مع الله تعالى، أو ناداه، أو توجّه إليه، أو استغاث به في أمرٍ من الأمور التي لا يقدر عليها المخلوق فلم يخلص التوحيد لله، ولا أفردده بالعبادة؛ إذ الدعاء بطلب وصول الخير إليه، ودفع الضر عنه، هو نوع من أنواع العبادة، ولا فرق بين أن يكون هذا المدعو من دون الله أو معه حجراً أو شجراً أو ملَكَاً أو شيطاناً، كما كان يُفعل ذلك في الجاهلية، وبين أن يكون إنساناً من الأحياء أو الأموات كما يفعله الآن كثير من المسلمين. 

          فإن الشرك هو دعاء غير الأشياء التي تختصُّ به، أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه، ومجرد تسمية المشركين لما جعلوه شريكاً بالصنم والوثن والإله لغير الله زيادة على التسمية بالولي والقبر والمشهد كما يفعله كثير من المسلمين، بل الحكم واحد إذا حصل لمن يعتقد في الولي والقبر ما كان يحصل لمن كان يعتقد في الصنم والوثن، إذ ليس الشرك هو مجرد إطلاق بعض الأسماء على بعض المسميات، بل الشرك هو أن يُفعل لغير الله شيئاً يختص به سبحانه، سواء أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية، أو أطلق عليه اسماً آخر، فلا اعتبار بالاسم قط، ومن لم يعرف هذا فهو جاهل لا يستحق أن يُخاطَب بما يُخاطَب به أهل العلم "ا- هـ.

          2- ابن القيم رحمه الله، في كتابه مدارج السالكين 1/346:" من أنواع الشرك؛ طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرَّاً ولا نفعاً، فضلاً عمَّن استغاث به، وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده "ا- هـ.

          وقال في كتابه الجواب الكافي، ص163:" فأما القادر على كل شيء، الغني بذاته عن كل شيء، العالِمُ بكلِّ شيء؛ الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء، فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه تَنقّص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده، وظن به ظن سوء، وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده، ويمتنع في العقول والفطر جوازه، وقبحه مستقر في الفطر السليمة فوق كل قبيح، ويوضح هذا أن العابد معظم لمعبوده، متأله له، خاضع ذليل له، والرب تعالى وحده هو الذي يستحق كمال التعظيم والجلال والتألّه والخضوع والذل، وهذا خالص حقه، فمن أقبح الظلم أن يُعطَى حقه لغيره، أو يُشرك بينه وبينه فيه "ا- هـ.

            3- محمد بن اسماعيل الصنعاني رحمه الله، في كتابه تطهير الاعتقاد، ص26:" ومن نادى الله ليلاً ونهاراً، سرًّا وجهاراً، خوفاً وطمعاً، ثم نادى معه غيره، فقد أشرك في العبادة؛ فإن الدعاء من العبادة، وقد سماه الله تعالى عبادة في قوله تعالى:[ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ]غافر:60.  بعد قوله:[ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ]غافر:60. "ا- هـ.  

          4- الألوسي رحمه الله، صاحب تفسير روح المعاني، في التفسير 6/128، وهو من كبار علماء الأحناف:" إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم، مثل يا سيدي فلان أغثني، وليس ذلك من التوسل المباح في شيء، واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك وأن لا يحوم حول حماه، وقد عده أناس من العلماء شركاً، وإن لا يُكنه فهو قريب منه، ولا أرى أحداً ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد أن المدعو الحي الغائب أو الميت المغيب يعلم الغيب أو يسمع النداء، ويقدر بالذات أو بالغير على جلب الخير ودفع الأذى، وإلا لما دعاه ولا فتح فاه، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم، فالحزم التجنب عن ذلك وعدم الطلب إلا من الله تعالى القوي الغني الفعال لما يريد "ا- هـ.

          5- ابن باز رحمه الله، في مجموع الفتاوى 6/461:" لا يجوز أن تطلب منه ــ أي من الحسين عليه السلام ورضي الله عنه ــ الشفاعة ولا غيرها، كسائر الأموات؛ لأن الميت لا يُطلب منه شيء، وإنما يُدعَى له ويُترحم عليه إذا كان مسلماً، لقول النبي ﷺ:" زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة "، فمن زار قبر الحسين أو الحسن أو غيرهما من المسلمين للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم كما يفعل مع بقية قبور المسلمين فهذا سنة، أمَّا زيارة القبور لدعاء أهلها أو الاستعانة بهم أو طلبهم الشفاعة فهذا من المنكرات، بل من الشرك الأكبر "ا- هـ.

          وقال:" ولا يجوز أن يدعى الميت مع الله، ولا أن يستغاث به، ولا يقال: يا سيدي! يا فلان! أغثني، أو انصرني، أو أنا في حسبك أو جوارك، أو يطلب منه الرحمة، أو المغفرة، أو شيء من أمور الخير، كالرزق، أو الزواج، أو النجاة من النار، أو دخول الجنة، أو ما أشبه ذلك، كل هذا كفرٌ بالله، كله شرك أكبر .. قال سبحانه:[ وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِين ]يونس:106. يعني: المشركين.

          أما أن تقول: يا سيدي البدوي؛ ارحمني، أو أنا في جوارك، أو أغثني، هذا هو الشرك الأكبر، أو يا سيدي الحسين! أو يا سيدي علي بن أبي طالب! أو يا سيدي الحسن! أو يا فاطمة! أو ما أشبه ذلك، هذا هو الشرك الأكبر، هذا عبادة غير الله، التي أنكرها الرسل، وأنكرها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام .. فنصيحتي لكل من يخاف الله، لكل من يرجو الله، أن يعبد الله وحده، وأن يخصه بدعائه، واستغاثته، ونذره، وذبحه، وغير ذلك، كما يخصه بصلاته، وصومه، وسائر عباداته، لله وحده، هذا هو التوحيد، وهذا هو الإيمان، وهذا معنى قوله جل وعلا:[ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]الذاريات:56. ومعنى قوله سبحانه:[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُم ]البقرة:21. يعني: وحدوه، خصوه بالعبادة، بدعائكم، وخوفكم، ورجائكم، وذبحكم، ونذركم، وصلاتكم، وصومكم. أما من يأتي أصحاب القباب، يدعوهم مع الله، هذا هو الشرك الأكبر، سواء كانوا أنبياء، أو غيرهم، من يقول: يا رسول الله! أغثني هذا شرك أكبر، بعد وفاته ﷺ"[[7]].

          6- أحمد بن علي المقريزي الشافعي، المتوفي سنة 845 ه، رحمه الله، في كتابه تجريد التوحيد المفيد، ص 19-20:" شرك الأمم نوعان: شرك في الإلـٰهية وشرك في الربوبية؛ فالشرك في الإلـٰهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك، وهو شرك عُبّاد الأصنام، وعبَّاد الملائكة، وعبَّاد الجن، وعُبَّاد المشايخ والصالحين الأحياء منهم والأموات، الذين قالوا:[ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ]الزمر:3. ويشفعوا لنا عنده، وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة، كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزُّلفى لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه وخاصته، والكتب الإلـٰهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب، وترده وتقبح أهله، وتنص على أنهم أعداء الله، وجميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم، وما أهلك الله تعالى أمةً من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله "ا- هـ.

          7- ابن العثيمين رحمه الله، في تعليق له على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم: سؤال الميت أن يسأل الله أو سؤال قضاء الحاجة بينهما فرق، إذا سأل قضاء الحاجة فهذا شرك أكبر، وإذا سأل أن يسأل الله فهذا بدعة وضلالة، لأن الميت إذا مات انقطع عمله، والدعاء من عمله، فكيف تسأله ما لا يمكن، فإذا جئت إلى ميت وقلت: ادع الله لي، فإنه لن يدعو الله لك، ومن ذلك تقول عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم: اشفع لي، فإن هذا حرام وبدعة منكرة، لكن إذا قلت: يا رسول الله أنجني من النار، كان شركاً أكبر ا- هـ.

          8- ابن تيميَّة رحمه الله:" فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط، يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار؛ مثل يسألهم غفران الذنوب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين.

          وقال: مَن أثبتهم وسائط ــ أي مشايخ العلم والدين ــ بين الله وبين خلقه، كالحجَّاب الذين بين الملك ورعيته، بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم وهم يسألون الله .. فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يُستتاب "[[8]].

          وقال:" وقد وقع دعاء الأموات والغائبين لكثير من جهال الفقهاء والمفتين، حتى لأقوام فيهم زهد وعبادة ودين؛ ترى أحدهم يستغيث بمن يحسن به الظن حيَّاً كان أو ميتاً، وكثير منهم تتمثل له صورة المستغاث به ويُخاطبه، وتقضي بعض حوائجه، وتخبره ببعض الأمور الغائبة، ويظن الغِرُّ أنه المستغاث به، أو أن ملَكَاً جاء على صورته، وإنما هي شياطين تمثلت له، وخيالات باطلة ...

          ومن ذهب إلى الاستغاثة بالموتى؛ فقد شرع له ديناً لم يؤذن له به، وليس معه في الاستغاثة بهم سوى فعل بعض المتأخرين وكلامهم ممن ليس هو معدود من أهل الإجماع والاختلاف؛ فليس معه تقليد المقلدين، ولا اجتهاد المجتهدين، ومن ابتدع بدعة في الدين بدون اجتهاد أهل الاجتهاد، أو التقليد لأهل الاجتهاد، كان من أهل الضلال والغَيّ، لا من أهل الهدى والرشاد.

          وقد نص غير واحد من العلماء على أنه لا يجوز السؤال لله بالأنبياء والصالحين، فكيف بالاستغاثة بهم؟! مع أن الاستغاثة بالميت والغائب مما لا نعلم بين أئمة المسلمين نزاع في أن ذلك من أعظم المنكرات، ومن كان عالماً بآثار السلف، علم أن أحداً منهم لم يفعل هذا، وإنما كانوا يستشفعون ويتوسلون بهم؛ بمعنى أنهم يسألون الله لهم مع سؤالهم هم لله؛ فيدعو الشافع والمشفوع له، كما قال عمر بن الخطاب:" اللهم إنَّا كنا إذا أجدبنا، نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنَّا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا، فيُسقون.

          هذه الأمور المبتدعة من الأقوال هي مراتب، أبعدها عن الشرع؛ أن يسأل الميت حاجة أو يستغيث به فيها كما يفعله كثير من الناس بكثير من الأموات، وهو من جنس عبادة الأصنام، ولهذا تتمثل لهم الشياطين على صورة الميت، أو الغائب كما كانت تتمثل لعبَّاد الأصنام، بل أصل عبادة الأصنام إنما كانت من القبور، كما قال ابن عباس، وغيره "[[9]].

          وقال:" ثم يُقال لهذا المشرك أنت إذا دعوت هذا فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك، وأقدر على عطاء سؤالك أو ارحم بك؛ فهذا جهل وضلال وكفر، وإن كنت تعلم أن الله أعلم وأقدر وارحمحم بك؛ فلم عدلت عن سؤاله إلى سؤال غيره؟! ألا تسمع غلى ما أخرجه البخاري وغيره عن جابر رضي الله عنه قال:" كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ: إذَا هَمَّ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي به، ويُسَمِّي حَاجَتَهُ ". أمر العبد أن يقول: أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم ".

          وقال:" ومن أعظم الشرك أن يستغيث الرجل بميت أو غائب، كما ذكره السائل، ويستغيث به عند المصائب، يقول: يا سيدي فلان! كأنه يطلب منه إزالة ضره أو جلب نفعه، وهذا حال النصارى في المسيح وأمه وأحبارهم ورهبانهم، ومعلوم أن خير الخلق وأكرمهم على الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلم الناس بقَدْره وحقه أصحابه؛ ولم يكونوا يفعلون شيئاً من ذلك؛ لا في مغيبه، ولا بعد مماته "[[10]].

          9- حسن البنَّا رحمه الله:" وزيارة القبور أيَّاً كانت مشروعة بالكيفيِّة المأثورة، ولكن الاستعانة بالمقبورين أيَّاً كانوا وندائهم لذلك، وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب  أو بُعد، والنَّذر لهم، وتشييد القبور وسترها وإضاءتها، والتمسح بها، والحلف بغير الله، وما يلحق بذلك من المبتدعات، كبائر تجب محاربتها، ولا نتأوَّل لهذه الأعمال "ا- هـ[[11]].  

          10- محمد رشيد رضا رحمه الله، في كتابه تفسير المنار، 3/347:" ومن جعل بينه وبين الله واسطة في العبادة كالدعاء فقد عبد هذه الواسطة من دون الله؛ لأن هذه الوساطة تنافي الإخلاص له وحده، ومتى انتفى الإخلاص انتفت العبادة، ولذلك قال تعالى:[ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ . وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى  ]الزمر:2-3. فلم يمنع توسلهم بالأولياء إليه تعالى أن يقول إنهم اتخذوهم من دونه "ا- هـ.

          وبعد، هذا قليل من كثير، ولو أردنا أن نحصي أقوال أهل العلم في المسألة، لجمعنا مجلداً كبيراً، ويزيد، وفيما تقدم ذكره كاف لمن نشد الحق، وتواضع، وحرَّرَ نفسه من التعصّب .. وأنا إذ أخط هذه المقالة كرد على مقالة وكلمات الشيخ، فكلي رجاء بأن يعود إلى الحق في المسألة، وأن ينصف الحق من نفسه ومن مقولته .. وعهدي بالشيخ أنه متواضع للحق، ولا أزكي نفسي وإياه على الله .. فالمسألة كما تقدم ورأينا هي أكبر بكثير من أن تكون مجرد مسألة فقهية أو عقديّة يُستساغ فيها الخلاف .. اللهم أرنا الحقَّ حقَّاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

عبد المنعم مصطفى حليمة

" أبو بصير الطرطوسي "

28/7/1442 هـ. 12/3/2021 م.

www.abubaseer.bizland.com



[1]  بصوته؛ لقاء الباب المفتوح ( 75 ).

[2] أخرجه ابن ماجة، صحيح الترغيب: 1672.

[3] رواه الطبراني، صحيح الترغيب: 1665. 

[4] رواه البزار، صحيح الترغيب: 1667.

[5] رواه الديلمي في مسنده، صحيح الجامع الصغير: 1207.

[6]  صحيح سنن ابن ماجه: 1288.

 بصوته رحمه الله، من موقعه.  [7]

[8]  رسالة الواسطة بين الحق والخلق، مجموعة التوحيد:1/119. والفتاوى:1/126.

[9]  تلخيص كتاب الاستغاثة المعروف بالرد على البكري: 1/93،112،145.

[10]  مجموع الفتاوى: 27/74،75،81،82. 

[11]  مجموع الرسائل، ص 358.





إرسال تعليق

 
Top