GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وبعد.
          فقد استوقفني مقال بعنوان " علماء ومواقف " منشور في ميدان التوحيد للحوار التابع لصفحة التوحيد الإسلامية .. ورد فيه التالي:" تسليم فلسطين لليهود .. أفتى الشيخ الألباني بأن أهل فلسطين يجب عليهم الخروج من أراضيهم، وان يُغادروها إلى بلاد أخرى، وأن كل من بقي في فلسطين منهم فهو كافر، وذلك بحجة أن اليهود يحتلونها فوجب عليهم تركها والخروج منها [ راجع المجلة الدولية عدد 168سبتمر 1993 ].

ولقد علق على هذه الفتوى العجيبة بعض رجال الفكر والدين في الأردن، ومنهم الدكتور علي الفقير فقال: إن هذه الفتوى صادرة عن شيطان، وأن منطق الشيخ منطق يهودي صرف، ولم يبرئ الفتوى من غاية مدسوسة قد يكون الشيخ على دراية بها .. وذلك حسب رواية المجلة الدولية " ا- هـ.
والذي آلمنا أكثر أن الإخوان قد أخذوا كلام هذا الضال الظالم على وجه الاستحسان كدليل على أن الشيخ أفتى بتسليم فلسطين لليهود .. وقول الإخوان " حسب رواية المجلة الدولية " لا يبرر لهم ولا لغيرهم نقل كلام هذا الضال الظالم .. وإطلاقاته الجائرة بحق الشيخ الواردة أعلاه ..!
فالقول:" حسب رواية المجلة الدولية " يفيد توثيق النقل .. ولا يفيد صدق النقل أو براءتنا من تبعات هذا النقل .. لو نشرناه على وجه الاستحسان والاستدلال .. ومن دون أدنى تعقيب أو رد!
لذا لزم التنبيه والبيان .. إنصافاً للحق .. وذباً عن الشيخ وعِرضه، فأقول:
أولاً: لكي نعرف الدافع الذي حمل علي الفقير على إطلاق عباراته الظالمة أعلاه بحق الشيخ .. لا بد من أن نعرف شيئاً عن سيرته، وعقيدته، ومواقفه.
فهو أولاً رجل صوفي جلد .. حاقد على السنة وأهلها وعلمائها، وبخاصة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية .. فقد ارتضى لنفسه مرةً أن يكون حكماً بين علي الحلبي والصوفي الخبيث حسن السقاف في جدالهما حول مسألة: هل شيخ الإسلام ابن تيمية كافر أم لا .. حيث كان السقاف الخبيث يرى كفر ابن تيمية .. وذكر لي بعض من حضر المجلس أن علي الفقير بحكم صوفيته كان قلبه مائلاً مع صاحبه السقاف ..!!
          وهو من جهة أخرى فقد قضى حياته وشبابه في خدمة الطاغوت كضابط في الجيش الأردني .. ومع ذلك كان يُزاول الخطابة في مسجد " حمزة " في ماركا الشمالية .. مستغلاً المنبر في الدعاية لنفسه إلى أن تمكن من دخول مجلس النواب الأردني كنائب ومشرع .. بعد أن أقسم على الوفاء والطاعة والولاء للطاغوت والدستور .. وقد سُجلت عليه وعلى مواقفه يومئذٍ مآخذ عديدة  كلها تصب في خدمة وموالاة ونصرة الطاغوت ضد التكتل الإسلامي المتواجد معه في البرلمان .. مما حمل الطاغوت الأردني على أن يكافئه ويرقيه .. فقلده منصب وزارة الأوقاف الأردنية .. وما إن وصل الفقير إلى منصبه هذا الذي كان ينتظره منذ زمن إلا ووجد فرصته السانحة للانتقام من أئمة مساجد السنة في الأردن والتضييق عليهم .. ليستبدلهم بحبايبه الصوفيين وغيرهم من أهل البدع..!
          فكان الرجل ـ بحكم خلفيته الصوفية وعصبيته المذهبية ـ يبغض الشيخ ناصر أشد البغض .. لا للمآخذ التي أخذت على الشيخ في مسائل الإيمان .. فالفقير أفقر من الشيخ في هذا الجانب بكثير؛ بل لأن الشيخ عالم بالحديث والسنة .. يدعو إلى السنة .. والتمسك بالسنة الصحيحة ونبذ البدع .. والتعصب المذهبي .. ومحاربة الصوفية .. والشركيات التي مبعثها عبادة القبور وتعظيمها .. حيث كان الشيخ المجدد لهذه المعاني في هذا العصر بلا منازع .. وهذا الذي أغاظ الفقير!
          فإذا عرفت ذلك .. عرفت الدافع الذي حمل الفقير على ظلم الشيخ والتجني عليه .. وعرفت الدافع الذي حمله على إطلاق كلمة " الشيطان!" على الشيخ في خطبة له يوم الجمعة .. وعلى ملأ من الناس ..!
          فهو كان ينتظر هفوة للشيخ لتكون مطيته للطعن بالشيخ .. ومن ثم الطعن بالسنة .. والمنهج السلفي الذي يدعو إليه الشيخ ..!
          لذا لا أرى أن يُصنف هذا الجاهل الضال ـ كما هو وارد في كلام إخواننا أعلاه ـ بأنه من رجال الفكر والدين .. مع التنبيه إلى أنه لا يوجد عندنا شيء اسمه رجل دين .. فكل مسلم هو رجل دين .. ودنيا معاً!
          ثانياً: ما يتعلق بفتوى الشيخ .. قدر الله أنني كنت في الأردن يوم أن أفتى الشيخ فتواه بخصوص أهالي فلسطين .. وكنت ـ بحكم الشغب الذي أثاره الفقير وغيره من أهل البدع ـ حريصاً على سماع كلام الشيخ في المسألة .. وقد تمكنت من ذلك عن طريق السماع إلى شريط مُسجل فيه كلام الشيخ .. وأذكر منه التالي: أن سائلاً شكا إلى الشيخ شدة ما يعانيه المسلمون في فلسطين .. وأنهم لا يستطيعون أن يُظهروا دينهم .. وأنهم يفتنون في دينهم وغير ذلك .. فما هو الحل ؟ فأجابه الشيخ: هاجروا إلى حيث تجدون الأمان وتستطيعون أن تظهروا دينكم .. ولم يذكر الشيخ مطلقاً أن من لم يهاجر هو كافر .. فالشيخ من مآخذنا عليه أنه لا يكفر طواغيتاً صريحي الكفر .. فكيف تراه يكفر شعباً بكامله إن لم يهاجر ..؟!!
          وكذلك أخوة من ليبيا وجهوا للشيخ نفس السؤال: بأنهم في ليبيا لا يستطيعون أن يُظهروا دينهم .. وأنهم يفتنون في دينهم .. فما هو الحل ؟ فأجابهم الشيخ: هاجروا .. وكل من كان يسأل الشيخ هذا السؤال .. بالصيغة الآنفة الذكر .. كان يجيبه بقوله: هاجروا ..!
          فهل الشيخ مخطئ في جوابه هذا ..؟
          أقول: جواب الشيخ من وجه حق وصواب .. ومن وجه خطأ وباطل!
          أما وجه الحق في الجواب: فإنه لا شك أن المرء إن وصل في البلد المقيم فيه إلى درجة لا يستطيع معها أن يُظهر دينه .. وأنه يُفتن في دينه .. ثم وجد الأرض التي يستطيع أن يُظهر فيها دينه .. ويأمن بها على نفسه وأهله .. فإن نصوص الشريعة توجب عليه الهجرة ولا بد .. فالهجرة كما جاء ذلك في الحديث ماضية إلى يوم القيامة .. لا يمكن تعطيلها أو إيقاف العمل بها .. والله تعالى حض على الهجرة في كتابه في أكثر من موضع عندما تتوفر دواعيه وأسبابه، فقال تعالى:) يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (. فوسع الله تعالى الأرض لتحقيق سلامة العبادة والدين لعباده المؤمنين .. فإن ضيق عليهم في أرض .. وعجزوا عن إظهار دينهم فيها .. انطلقوا وهاجروا إلى الأرض التي لا يجدون فيها تلك الصفات والمعاناة. 
          وقال تعالى:) وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (.
وقال تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (. وغيرها كثير من الآيات التي تحض على الهجرة في حال تعرض المرء للفتنة في دينه .. وعجز عن إظهار دينه في البلدة المقيم فيها .
          فالشيخ من هذا الوجه مصيب .. والنصوص الآنفة الذكر هي التي حملته على أن يقول: هاجروا .. وليس رغبة منه ـ حاشاه ـ في تسليم فلسطين لليهود .. أو لغاية مدسوسة قد تواطأ الشيخ عليها مع الصهاينة اليهود .. كما يقول هذا الدعي الكذاب علي الفقير !! 
          أما وجه الخطأ في الجواب: أن الشيخ ـ في فتواه ـ لم يعتبر آلية وواقعية العمل بهذه
الفتوى .. وفاته أن دول الجوار لفلسطين التي يمكن أن يهاجر إليها المسلمون والفلسطينيون .. هي أشد عداوة للمسلمين والفلسطينيين .. من دولة يهود .. وأنهم أحرص على حماية دولة اليهود من اليهود أنفسهم .. وأن ما يجده المسلمون الفلسطينيون في تلك الدول من إذلال وإهانات .. وتقتيل ومجازر .. لا يجدونه في دولة الصهاينة اليهود .. وما أكثر المجازر التي حصلت بحق هذا الشعب المسلم المهجَّر على أيدي هؤلاء الطواغيت المجرمين ـ تقرباً لأسيادهم من بني يهود ـ لو أردنا إحصاءها!!
          فالشيخ لم يُقدِّر حجم المصالح والمفاسد الناتجة عن العمل بفتواه .. فهو من هذا الوجه لا شك أنه مخطئ .. وخطأه ناتج عن اجتهاد وهو أهل لذلك .. والشيخ ـ وغيره! ـ يؤخذ منه ويُرد عليه .. لا يُتابع فيما أخطأ فيه .. يُرد عليه كما يُرد على غيره .. حاشا نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم!
          كما أن هذا الخطأ لا يجوز أن يتحول إلى منهج يُتبنى ويُدعى إليه .. كما بلغني ذلك عن بعض ممن يتسمون بتلامذة الشيخ في الأردن .. فيرددون خطأ الشيخ تعصباً لاسم الشيخ!!
          ولكن هل هذا الاجتهاد الخاطئ للشيخ .. يمكننا من أن نرميه بما رماه به هذا الضال الفقير: بأنه شيطان .. وأن الشيخ عميل لليهود .. وأن منطقه منطق يهودي صرف ..؟!!
          فإنا نبرأ إلى الله من هذا القول .. ومن قائله!
          فإني أعرف الاثنين .. وسمعت للاثنين .. وجالست الاثنين .. ولنا مآخذ على الاثنين  .. ولكن الحق يُقال أن الفارق بين الشيخ وبين هذا الضال الجاهل فارق كبير؛ كالفارق بين الثريا والثرى .. وبين الحق والباطل!
          نحن لنا مآخذ على الشيخ ـ اقتضاها البحث العلمي وإنصاف الحق ـ يعرفها كل من قرأ لنا شيئاً .. ولكن هذا لا يعني أبداً أن نرضى أن يُقال في الشيخ ما قاله هذا الظالم المفتري!
          هل يجرؤ هذا الخبيث الضال أن يقول في سيده ومولاه الطاغوت الهالك ـ الذي أقسم على طاعته وموالاته وطاعة دستوره ـ ما قاله في الشيخ ناصر .. علماً أن سيده ـ وعلى الملأ ـ قد باع فلسطين .. وشعب فلسطين .. منذ عهد جده .. وهو مع نظامه ـ الذي هذا الفقير جزء منه وركن من أركانه ـ يعمل ككلب حراسة وفيّ على حدود دولة أسياده اليهود..؟!!
          ألم يكن هذا الفقير جندياً مخلصاً في جيش الطاغوت لما قام هذا الجيش ـ بإيعاز ودعم من الصهاينة اليهود ـ بذبح الآلاف من الفلسطينيين المهجرين سنة 1970م .. في بلد الكرم والضيافة .. الأردن ؟!
          ألم يكن هذا الفقير وزيراً في دولة الطاغوت الهالك .. لما وقع هذا الآخر علناً على السلام مع اليهود .. وعلى الاعتراف بأن فلسطين دولة رسمية وشرعية للصهاينة اليهود ..؟!!
          كل هذا يجعلنا نجزم أن حملة هذا الفقير الظالم على الشيخ ـ رحمه الله ـ لم تكن بدافع حبه لفلسطين .. أو حبه لشعب فلسطين .. أو حبه لتحرير أرض فلسطين .. وإنما كانت بدافع الحقد على السنّة وأهلها .. وعلى المنهج السني السلفي .. الذي كان الشيخ واحداً من أبرز أعلامه ودعاته في هذا العصر..!
          فإن عرفنا ذلك .. بقي أن نشير إلى خطأ إخواننا ـ عفا الله عنهم ـ لما نقلوا كلام هذا الكذاب الضال ونشروه .. من دون أن يعقبوا عليه .. أو يتحروا من ملابساته ودوافعه ..!
وكون كلام هذا الخبيث الظالم ورد في المجلة الدولية أو غيرها فإنه لا يبرر لنا ولا لغيرنا نقله ونشره ـ على وجه الاستحسان والاستدلال ـ ومن دون أن نشير إلى جوانب الخطأ والظلم فيه .. وهي هنا ظاهرة لا تخفى على أحد ..!
          لذا فإني أهيب بالإخوان ـ المشرفين على ميدان التوحيد للحوار ـ بأن يقوموا بحذف هذا المقطع من المقال المذكور .. وهم أهل لذلك إن شاء الله.
          هذا ما رأيت من الواجب بيانه إنصافاً للحق .. وذبَّاً عن عِرض الشيخ المفترى عليه .. وهذا حقه علينا .. والله تعالى حسبنا ونعم الوكيل.

          12/6/1422هـ.                        عبد المنعم مصطفى حليمة
          31/8/2001 م.                                    أبو بصير 

        

إرسال تعليق

 
Top