بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وبعد.
فقد تناها إلى مسامعنا وأبصارنا ما تناقلته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ما حصل مؤخراً في أمريكا من تدمير لبعض منشآتها العسكرية والاقتصادية .. وقد خاض الخائضون بين مؤيد ومعارض .. وكثير منهم حكّم الهوى والعاطفة لجبن أو لارتباط بجهات حكومية مشبوهة تحتم عليهم أن يُطلقوا تصريحاتهم وأحكامهم في اتجاه معين وفق ما ترتضيه بعض الجهات أو الهيئات الرسمية الحكومية .. فضلوا وأضلوا .. وأساءوا من حيث يعلمون أو لا يعلمون .. مما حملنا على الشعور بضرورة تسجيل بعض الملاحظات حول ما حدث .. إنصافاً للحق .. وإبطالاً للباطل ولو كره المنافقون الكافرون .. والله تعالى وحده حسبنا ونعم الوكيل.
وألخص هذه الملاحظات في النقاط التالية:
1- إلى ساعة كتابة هذه الكلمات كل ما صدر عن مكاتب التحقيق الأمريكية لا يفيد أن من قاموا بتلك العمليات هم مسلمون .. أو من الجماعات الإسلامية .. وأن كل ما قيل إنما هو من قبيل الظن والتخريص، والاشتباه .. والظن والاشتباه لا يُغني من اليقين والحق شيئاً، بدليل أن كثيراً ممن اشتبه بهم، وكثر كلام الإعلام عليهم .. لم يبقوا في الحجز للتحقيق معهم سوى سويعات .. لإدراك الجهات الأمنية المختصة ببراءتهم!
إضافة إلى ذلك فإن الجهة الإسلامية التي يُشار إليها بأصابع الاتهام؛ وهي حركة الطالبان .. فقد أعلنوا أكثر من مرة إدانتهم لذلك العمل .. وأنهم برآء منه .. وكذلك الشيخ أسامة المتهم الأول في هذه القضية .. أعلن أكثر من مرة أنه لم يكن له أدنى ضلوع أو مشاركة فيما حصل .. وأن ظروف إقامته في أفغانستان لا تمكنه من القيام بمثل هذا العمل.
الذي نريده من هذه الحقائق الآنفة الذكر .. أننا لسنا مضطرين ـ كمسلمين ـ للبحث أو الخوض في مدى شرعية تلك الأعمال التي حصلت في أمريكا أو عدم شرعيتها .. إذ أن الأمر لا يعني ولا يخص المسلمين من هذا الوجه .. وبالتالي فلسنا مسؤولين أو ملزمين شرعاً وعقلاً للبحث في شرعية أعمال يقوم بها أناس مجهولي الحال والهوية .. كما أننا نجهل غايات ومقاصد وظروف من قاموا بذلك العمل!!
فالحكم الشرعي لكي يكون صائباً لا بد أولاً من الإحاطة بجميع جوانب وفروع المسألة ذات العلاقة .. وإلى حين ثبوت ضلوع طرف إسلامي بعينه في ذلك الحدث .. ومعرفة جميع أبعاد ما حصل .. فحينئذٍ يكون التأصيل العلمي الشرعي له مبرراته ومسوغاته .. وذلك أن الفتوى يلزمها أمران: معرفة النصوص الشرعية ذات العلاقة بالفتوى أو المسألة .. ومعرفة واقع المسألة على وجه التدقيق والتحقيق التي تُحمل عليها تلك النصوص .. والله تعالى أعلم.
ومن جهة فإننا لا نعمل كموظفين في دائرة الإفتاء الأمريكي .. لكي نسرع إلى إصدار الفتاوى لكل نازلة تنزل في المجتمع أو الدولة الأمريكية ..!!
2- لا بد من الاعتراف أن أمريكا .. دولة محاربة معادية للإسلام والمسلمين .. بل هي الدولة الكبرى التي ترعى عمليات قتل، وحصار، وتجويع الشعوب الإسلامية .. وما من جريمة إرهابية تحصل بحق المسلمين هنا أو هناك إلا وتجد البصمات والدعم الأمريكي من ورائها ..!
فها هي فلسطين ومنذ أكثر من خمسين عاماً تعاني من وطأة وإرهاب الاحتلال الصهيوني اليهودي .. يقتلون أبناء المسلمين .. ويهدمون بيوتهم .. ويصادرون أراضيهم وممتلكاتهم ويستحلون حرماتهم ومقدساتهم .. تحت مرأى ومسمع .. بل ودعم أمريكا ..!
كم هي المجازر الجماعية الإرهابية التي قامت بها عصابات يهود بحق المسلمين الفلسطينيين .. بأسلحة ودعم وتأييد أمريكي ..!
مجزرة صبرا وشاتيلا .. وقتل المسلمين وهم في المسجد الإبراهيمي وهم ركعاً وسجداً .. على أيدي عصابات يهود .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!!
أين كانت أمريكا .. والعالم الذي يتباكى على عتبات الإرهاب .. من كل ذلك .. لماذا لم تحصل ذات الحملة على الإرهاب الحاصلة اليوم .. ولماذا لم تُعبأ الشعوب والأمم على محاربة الإرهاب كما هي تُعبأ اليوم ؟!
الجواب يعرفه الجميع: وهو أن ضحايا صبرا وشاتيلا .. من المسلمين الفلسطينيين .. بينما ضحايا اليوم هم من الأمريكيين النصارى..!!
كم من مرة يدان الإرهاب اليهودي الإسرائيلي من قبل المجتمع الدولي .. ويقف الفيتو الأمريكي حائلاً دون أن يوجه إلى ربائبهم من اليهود أدنى نقد أو إدانة فضلاً عن أن تنزل بهم العقوبات التي تنزل بغيرهم لأدنى مخالفة .. وأحياناً بلا مخالفة!!
هذا الحصار الضارب على رقاب الشعب العراقي المسلم منذ أكثر من عشر سنوات .. أليس من الإرهاب الذي ترعاه وتحميه أمريكا وحلفاؤها ..!
قتل مليون طفل من أبناء الشعب المسلم العراقي جوعاً ومرضاً بسبب ذلك الحصار الجائر الذي ترعاه وتفرضه أمريكا .. أليس من الإرهاب ..؟!
كم من مرة يقتل الأمريكان أطفال ونساء العراق .. براجمات صواريخهم وطائراتهم ..
ومن دون أن يُقدموا أدنى اعتذار .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!!
تدمير مصانع الأدوية في السودان وقتل الأبرياء .. بصواريخ أمريكية عابرة للقارات .. وعلى أيدي الجنود الأمريكيين .. أليس هذا من الإرهاب ؟!!
قتل شعب بكامله في الشيشان .. على مرأى ومسمع ورضى من الأمريكان .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!
المقابر الجماعية التي حصلت لعشرات الآلاف من المسلمين في البوسنة والهرسك .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!
هذا الحصار الظالم على أفغانستان .. وشعب أفغانستان المسلم .. ليقتل يومياً مئات الأطفال جوعاً .. والذي ترعاه وتفرضه أمريكا .. أليس هذا من الإرهاب ؟!
هذا الدعم الأمريكي المباشر لجرائم الهندوس عبدة البقر في حق مسلمي كشمير .. أليس من الإرهاب ..؟!!
قتل المئات من المسلمين .. وحرق المساجد على من فيها من المصلين .. في جزر مولاكو في إندونيسيا .. على مرأى ومسمع ودعم من العالم الغربي والأمريكي المتحضر .. أليس من الإرهاب؟!!
من الذي يدعم الأنظمة الطاغية الدكتاتورية العميلة المنتشرة في بلاد العرب والمسلمين .. التي تقهر وترهب شعوبها بفنون من التعذيب والقتل والتنكيل .. أليس أمريكا راعية الإرهاب العالمي ..؟!!
عندما قتل الطاغية الهالك النصيري حافظ الأسد ـ عميل اليهود والأمريكان ـ أكثر من عشرين ألف من أهالي مدينة حماه وفي يوم واحد .. أليس هذا من الإرهاب .. أين كانت أمريكا يومئذٍ وحملتها هذه ضد الإرهاب ..؟!
من الذي ألقى القنابل النووية الذرية .. التي أبادت شعباً بكامله في اليابان وغيرها .. والتي لا تزال آثارها السيئة بادية على الناس إلى الساعة .. أليست أمريكا التي تتزعم اليوم الحرب على الإرهاب .. زعمت ..؟!!
هذه الجرائم الإرهابية وغيرها الكثير الكثير .. لماذا لم نسمع صوتاً لأمريكا وحلفائها من قوى الكفر والنفاق .. ينددون ويتوعدون فيه الإرهاب .. والإرهابيين الحقيقيين ؟!
الجواب ما قلناه من قبل: هو أن الضحايا كانوا من المسلمين .. الدم المسفوك كان دماً إسلامياً رخيصاً لا يستحق من أمريكا والمجتمع الغربي الصليبي المتحضر بيان تنديد للفاعلين .. فضلاً عن أن يشنوا لأجله الحروب كحالهم اليوم!!
ولو صدقت أمريكا ـ ولن تصدق ـ بأنها ستحارب الإرهاب .. ومن يدعم الإرهاب .. أو يأوي الإرهاب .. لحاربت نفسها بنفسها .. لأنها هي أم الإرهاب .. وراعية الإرهاب المنظم الدولي في العالم .. المتمثل ـ بالدرجة الأولى ـ في رعايتها وحمايتها للإرهاب اليهودي الصهيوني في فلسطين، وغير فلسطين ..؟!
وهاهي اليوم تُعلن أمريكا وبكل وضوح عن عزمها ورغبتها في إلغاء العمل بالقانون الذي يحرم الاغتيالات الشخصية .. لاحتياجها إلى الاغتيالات في حملتها الصليبية ضد الإسلام والمسلمين .. أليس هذا من الإرهاب المنظم .. أم أنه يجوز لها مالا يجوز لغيرها ؟!!
هذا وغيره يجعلنا نجزم بأن أمريكا دولة إرهابية محاربة للإسلام والمسلمين أينما كانوا .. بكل ما تعني كلمة المحاربة والإرهاب من معنى.
وبالتالي فإن أمريكا ـ بتاريخها الحافل في الإرهاب .. وفي نصرة الإرهـاب .. وإيواء إرهاب الصهاينة اليهود والدفاع عنهم ـ هي السبب والمسؤولة الأولى لما حصل لها في هذه الأيام .. فجنت على نفسها بنفسها .. وعاقبها الله تعالى من جنس أعمالها بحق الآخرين!
3- فإن قيل أمريكا ليست دولة محاربة .. وإنما هي دولة معاهدة .. تربطها عهود ومواثيق مع المسلمين ..؟!!
أقول: أي عهد وهي ترعى الإرهاب العالمي .. وتشن الحرب تلوى الأخرى على الإسلام والمسلمين ..؟!
أي عهد وهي ترعى وتحمي وتدرب عصابات الصهاينة اليهود في أراضيها .. على اغتيال وقتل وإرهاب المسلمين في فلسطين ..؟!
أمريكا لا يوجد بينها وبين أي مسلم عهد .. إلا مسلم دخل طواعية أراضي أمريكا معاهداً مستأمَنا .. فهذا العهد لا يُلزم إلا شخص المعاهد المستأمَن فقط .. فهو لا يُلزم مجموع الأمة .. أو أحداً غيره من المسلمين .. لأن أمريكا في حرب صريحة مع الأمة كل الأمة ..!
ثم هذا الفرد المستأمَن .. يتعرض للأذى في نفسه وعرضه .. مما يقلل من قيمة هذا العهد الذي بينه وبينهم ..!
فكم من مسلم .. ومسلمة .. اعتدي عليهم في أمريكا .. وفي بلاد الغرب المتحضر .. لمجرد أن سمعوا من الإعلام الذي يهيمن عليه عصابات صهيون .. بأن هذه العمليات وراءها نفر من المسلمين ..؟!
كم من امرأة اعتدي على حجابها وشرفها في الشارع .. من قبل هذا الإنسان الأمريكي .. أو الغربي المتحضر .. فهل هذا من الوفاء بالعهد والأمان ..؟!!
عشرات الآلاف من المسلمين في أمريكا .. وغيرها من بلاد الغرب .. إلى الساعة هم حبيسي بيوتهم لا يستطيعون الخروج من منازلهم خشية الاعتداء عليهم وعلى نسائهم .. فهل هذا من الوفاء بالعهد والأمان ..؟!
وكان آخر ما تناها إلى مسامعي حول هذا الأمر: أن رجلاً خليجياً يمشي في شوارع لندن وبجواره زوجته المتحجبة .. فقام أحد المتحضرين الحاقدين من أبناء البلد .. وكان بيده زجاجة خمر فكسرها وطعن بها وجه ذلك المسلم الخليجي .. فهل هذا من الوفاء بالعهد والأمان ؟!
قد لفت نظري معلق غربي صليبي .. وهو يتهكم على الثياب المهترئة التي يرتديها الإنسان الأفغاني التي توحي ـ على حسب قول هذا المعلق ـ أنه إنسان متخلف يعيش في القرون الوسطى ..!!
ولنا أن نسأل: رغم هذا الحصار الشديد الظالم على أفغانستان وعلى شعب أفغانستان الذي ترعاه وتفرضه أمريكا وحلفائها من دول الغرب .. هل يستطيع أحد أن يثبت أن أحداً من الأمريكيين أو الغربيين العاملين هناك في مجالات الإغاثة وغيرها .. قد تعرض للأذى من قبل آحاد الناس من الأفغان .. رغم أن السلاح متوفر للجميع .. ولا يصعب على أحدٍ تأمينه ..؟!
ما الذي منع هذا الأفغاني الفقير ذي الثياب الرثة أن يعتدي على الإنسان الأوربي الغني .. رغم ظلم الآخر له ظلماً حقيقياً .. واعتداء الآخر عليه وعلى بلاده وأهله، وقوت يومه اعتداء حقيقياً ..؟!
إنه دينه وعقيدته وثقافته التي تعرفه أن للمستأمَن حق يجب أن يُعطاه وإن كان عدوا..؟!
أيهما أكثر تحضراً ورقياً هذا الإنسان الأمريكي أو الغربي ذي الثياب الفخمة الجميلة .. الذي يغدر بالعهد .. ويعتدي على حرمات ونساء المستأمنين .. أم ذلك المسلم الفقير ذي الثياب المهترئة الرثّة .. الذي يُنصف الظالم المعتدي من نفسه؟!
وما قلناه عن أفغانستان وشعب أفغانستان، نقوله عن العراق وشعب العراق .. وعن فلسطين .. وشعب فلسطين ..!
فرغم أن أمريكا وراء جرائم اليهود في فلسطين .. وعلى مدار أكثر من خمسين عاماً .. فهل يعرف أحد أن الفلسطينيين المسلمين قاموا بالتعرض بالأذى لأمريكي واحد أو أوربي زائر مستأمن ..؟!
أنظر الفارق الكبير بين معاملة الأمريكيين والأوربيين السيئة لمسلمي أهل الخليج المستأمنين في بلاد الغرب في هذه الأيام .. وبين معاملة أهل الخليج للأمريكيين والأوربيين الموجودين في بلاد الخليج ..؟!!
الذي نريد قوله: أن الرقي والتقدم وكذلك التخلف لا يمكن أن يُقاس بحسب جمال الثياب وغلائها .. أو بحسب الغنى وكثرة المتاع والاستهلاك للأشياء .. وإنما بالأخلاق والقيم العليا التي يتحلى بها شعب دون الآخر .. وتحكم شعباً دون الآخر!
ونريد القول كذلك: أن هذا المسلم المعاهد المستأمَن في أمريكا وبلاد الغرب الذي يتعرض لصنوف من الأذى والإهانات .. مما يجعلنا نشك بقيمة هذا العهد أو الأمان وبمدى فعاليته وقوته .. أو شرعيته!
4- يجب العلم أن هذه الحملة التي تقودها أمريكا ضد الإرهاب هي في حقيقتها حملة صريحة ضد الإسلام والمسلمين تحت ذريعة حرب الإرهاب والإرهابيين، دل على ذلك أمران:
أولهما: التصريحات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين والغربيين: فهاهو الرئيس الأمريكي جورج بوش يعلنها بكل صراحة ووضوح ـ كما تناقلت ذلك وسائل الإعلام ـ بأنها حرب صليبية ضد الإرهاب .. ستكون طويلة الأمد .. وأن أمريكا غضبت .. ولويل كل الويل لمن تغضب عليه أمريكا وتتسخطه ..!!
وكأن أمريكا هي الرب الذي إذا غضب لا يقوم لغضبه شيء .. وهذا عين الكفر .. والطغيان .. وذروة التكبر والفساد في الأرض .. وما كان كذلك لن يدوم .. وهو أقرب ما يكون إلى الزوال والدمار بإذن الله، كما قال تعالى:) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (.
وكذلك رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير يعلنها صراحة حيث يقول: يجب على الغرب أن يخوض حرباً ضد الإرهاب ..؟!
لماذا الغرب الصليبي .. لماذا لا يكون الغرب والشرق ..؟!
مما دل أنه يقصد الغرب الصليبي ضد الشرق المسلم مبعث الإرهاب الحقيقي في نظرهم!
دل على ذلك التصريحات المتكررة للمسؤولين الأمريكيين بأن الحرب ضد الإرهاب قد يطال ستين دولة .. من دول الشرق الإسلامي ..؟!!
ثانياً: هذا التبييت المسبق لضرب أفغانستان .. وقبل أن تنتهي أو حتى تبدأ التحقيقات .. فما إن حصل ما حصل إلا وعبارات الوعيد والتهديد تتوجه مباشرة إلى أفغانستان .. تلك الدولة التي تعمل بصدق على إحياء المشروع الإسلامي الشامل لجميع جوانب الحياة .. واستئناف حياة إسلامية في ربوع البلاد .. ولعل هذا مما جعلها الهدف الأول للضربات الأمريكية والغربية..!
وإلا كيف يُفسر هذا الحرص الشديد على إبادة شعب بكامله بجميع مرافق حياته .. من أجل شخصٍ واحدٍ ـ كما زعموا! ـ لم تثبت حتى الساعة إدانته فيما حصل ..؟!
لا يمكن تفسير ذلك إلا أنه حقد صليبي .. وأنها حرب صليبية شعواء على الإسلام والمسلمين .. يرتبون لها منذ أمد!
الهدف الأمريكي ليس أسامة الموجود في أفغانستان .. وإنما الإسلام .. والتجربة الإسلامية برمتها الموجودة في أفغانستان ..!!
وتسليم أسامة للسلطات الأمريكية ـ كما صرح بذلك الأمريكان أنفسهم ـ لا تنهي المشكلة .. ولا ينهيها إلا القضاء الكامل على الدولة الإسلامية الناشئة في أفغانستان !!
5- هذا الحدث الذي حصل في أمريكا يُعتبر فتنة لكثير من أبناء الأمة .. يُعرَف فيه الحق وأهله من الباطل وأهله .. يُعرف فيه المنافق من المؤمن .. ويميز فيه الخبيث من الطيب، كما قال تعالى:) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (.
وقال تعالى:) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (.
فهاهي دول الشقاق والنفاق كلها ومن دون استثناء تتسارع في الإعلان عن تأييدها الكامل لأمريكا في حربها ضد الإرهاب .. أي ضد الإسلام!
فدولة السعودية ـ دولة العقيدة والتوحيد كما زعموا !ـ تعلن بكل وضوح وقوفها الكامل مع أعداء الأمة ضد الأمة .. وتأييدها الكامل لأمريكا فيما تقوم به من حرب للإسلام والمسلمين .. باسم حرب الإرهاب .. زعموا!
وكذلك إيران .. تلك الدولة التي كانت تنادي في كل مناسبة " الموت لأمريكا .. الموت لأمريكا " فلما أمات الله أمريكا .. وأنزل بها سخطه .. صلوا عليها صلاة الغائب .. ووقفوا دقيقة صمت .. مما يجعلنا نجزم أن شعارات التنديد بأمريكا التي كانوا يرفعونها ما هي إلا من قبيل الاستهلاك المحلي .. وتضليل الشعوب .. من أجل ترويج عقائدهم ومذاهبهم الباطلة الضالة بين أبناء الأمة ..!
وهم لم يكتفوا بذلك وحسب .. بل ما إن شعروا باقتراب ضرب أمريكا والغرب لأفغانستان .. إلا وقاموا بإغلاق حدود إيران مع أفغانستان حتى لا يُعطوا فرصة لامرأة أو طفل أو شيخ كبير للنفاد من نيران الضربات الأمريكية .. وما ذلك إلا لأن الشعب الأفغاني شعب مسلم سني لا ينتمي إلى مذهب الرافضة الاثنى عشرية الذي تنتمي إليه إيران ..!
هل كانت إيران ستقف هذا الموقف السلبي لو كانت حركة طالبان حركة شيعية ..؟!
وكذلك القذافي ذلك الطاغية الظالم .. الذي كان دائماً يضحك على شعبه وأمته .. ويتظاهر بأنه ضد أمريكا وظلم أمريكا .. فهاهو يبيح لأمريكا بأن تنتقم لنفسها بالطريقة التي تشاء .. ويأمر شعبه ـ الذي حاصرته أمريكا لأكثر من عشر سنوات! ـ بأن يتبرع بدمه لأمريكا ..!!
ومثله عرفات .. عميل اليهود والأمريكان .. الذي يحرص في هذه الأيام على إخماد وإيقاف الانتفاضة ـ نزولاً عند رغبة الصهاينة والأمريكان ـ ليتفرغ العالم المتآمر على الإسلام ـ بأقل حرج ـ للقتال على جبهة أفغانستان ..!!
هذا على المستوى الرسمي .. أمّا على المستوى الشخصي فحدث ولا حرج:
فهاهو القرضاوي الذي كان يطالب الأمة بأن تقاطع البضائع الأمريكية .. وأن تمسك عن شراء البيبسي والكوكولا ـ يوم أن كان الحديث عن ذلك سهلاً ـ من باب إضعاف وزعزعة الاقتصاد الأمريكي .. فلما ضرب الله اقتصاد أمريكا .. واضطرب اقتصادها .. فإذا هو يناشد الأمة بأن تتبرع بدمها لأمريكا ..!
وكذلك الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى السعودي .. فقد هالنا البيان الذي صدر عنه .. وإليك بعض مقاله .. ويا ليته ما قال!
قال:" فصار الناس إثر ذلك ـ أي إثر انهيار العمارة ـ كأنما القيامة قامت وكأن الفزع فزع قيام الساعة .. وكأنما قامت قيام الساعة!! " ا- هـ.
أقول: قوله هذا فيه استهانة واستخفاف بيوم القيامة .. وبما وصف الله تعالى هول ذلك اليوم العظيم ..!
أتُشبه يا " اللحيدان " إنهيار عمارة .. بقيام الساعة .. وما أدراك ما قيام الساعة:) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (.
اتق الله يا اللحيدان .. هذه اللغة لا تناسب مكانتك ووظيفتك .. وهي تذكرنا بلغة أهل الشارع من عوام الناس الذين اعتادوا أن يقولوا لأي أمر مفاجئ: كأن القيامة قامت .. والعياذ بالله!!
ثم قال:" ومما أثير عما قد يُقال أو تردد في بعض وسائل الإعلام عن الشعب الأمريكي وما قد يكون ينظر للمسلمين المتواجدين في أمريكا من أصل أمريكي أو من وافدين إليها من العرب أو غيرهم، وهل هذا مما يُقبل عقلاً ؟
ذكرت وأذكر هنا أنه لا يتوقع أن الشعب الأمريكي الذي يقول عن نفسه أنه من أبرز حماة الديمقراطية، وحامل لواء العدل، لا يُعقل أن ينظر إلى مواطنيهم أو ضيوفهم من العرب والمسلمين ومن غير المسلمين من العرب أيضاً لا يمكن أن ينظر لهم الشعب الأمريكي مع ما هو فيه من مناعة وما يفترض فيهم العقل، ومعرفة التجانس، وتذكر ما قد حدث في أيام المحن لا يمكن أن ينظر إلى غير المسيء بنظرة للمسيء؛ فإنه لا يستوي المجرم مع غير المجرم، ولا يحمل مسالم موالي ذنب وجريرة معتد ظالم " ا- هـ.
نراك معجباً بأمريكا ونظامها وشعبها كثيراً .. يا اللحيدان !!
نراك معجباً بالديمقراطية الأمريكية .. وبالشعب الأمريكي أبرز حماة الديمقراطية كما قلت ..؟!!
نراك معجباً بالعدالة الأمريكية التي تنزه شعبها عن ظلم الآخرين ..؟!!
كل هذا الظلم الذي ترعاه أمريكا بحق الشعوب المستضعفة من المسلمين .. الذي يعرفه القاصي والداني .. الجاهل والعالم .. لم تر منه شيئاً ياللحيدان .. حتى تصف أمريكا وشعبها بالعدل والعقل .. وغير ذلك من عبارات الإطراء والمديح ..؟!!
ثم على أمريكا العادلة أن تميز بين المسالم الموالي .. وبين المذنب المعتدي .. كما قال اللحيدان ..!
والسؤال الذي نوجهه للحيدان: هل يجوز عندك للمسلم أن يكون موالياً لأمريكا راعية الكفر والإرهاب العالميين ..؟!!
لم يبق لك إلا أن تطالب المجتمع السعودي ليقتدي بالنموذج الأمريكي حامي حمى الديمقراطية، والعدل، والعقل ..!!
حقاً أنك قاضٍ .. ولكنك قاضٍ على الطريقة السعودية .. وفق ما يمليه عليك حكام آل سعود .. وليس على الطريقة الإسلامية وفق ما يأمرك به الله تعالى .. فقضاؤك يميل مع أهواء ورغبات الساسة المتنفذين ـ وهذا شرط عما يبدو لكي تكون رئيس مجلس القضاء الأعلى! ـ وليس مع الحق الذي يُفترض منك أن تنصره وتنصفه .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
6- فإذا عرفنا ما تقدم فاعلم أنه لا يجوز لأحد من المسلمين أن يدخل في موالاة ونصرة أمريكا أو غيرها من ملل الكفر على أي طرف إسلامي .. تحت أي زعم أو ذريعة كانت .. ومن يفعل ذلك فهو منهم كافر خارج من الملة .. كما قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً (.
وقال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (.
وقال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (.
وقال تعالى:) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (.
وقال تعالى:) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً ( فهذا لا يمكن أن يكون .. ولا يمكن أن يجتمع إيمان واتخاذهم أولياء في قلب امرئٍ .. لذا أجمع أهل العلم على أن مظاهرة المشركين على المسلمين من الكفر الأكبر، كما نقل ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وغيره من أهل العلم.
7- يجب على جميع المسلمين ـ وكل بحسب طاقته واستطاعته ـ أن يمدوا يد العون والغوث، والنصرة إلى أي طرف إسلامي تعتدي عليه أمريكا وحلفاؤها ..!
وهذا واجب شرعي لا مناص للمسلم أن يتفلت منه .. أو يتنكب عنه، كما قال تعالى:) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" المسلمون يد على من سواهم، يرد مُشدُّهم ـ أي قويهم ـ على مُضعفهم ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" المؤمن من أهلِ الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لما يصيب أهل الإيمان، كما يألم الرأس لما يُصيب الجسد ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" المؤمنون كرجل واحدٍ إذا اشتكى رأسَه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى عينَه اشتكى كلُّه ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه .." أي لا يُسلمه للظلم والقهر والعدوان ..!
هذا نداء النبي صلى الله عليه وسلم لك يا عبد الله يا مسلم .. فلا تلتفت عنه إلى نداءات أهل النفاق والشقاق والإرجاف ـ مهما تظاهروا لك بالعلم أو الحكمة .. واتسع صيتهم وذكرهم في الأمصار ـ ممن أشربوا في قلوبهم حب الطاغوت .. فتهلك وتخسر دنياك وآخرتك، كما قال تعالى:) فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبها صبراً واحتساباً
30/6/1422 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
18/9/2001 م. أبو بصير