بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وبعد.
فقد تسلط على أمة الإسلام أنظمة عميلة خائنة مرتدة .. ناصبت الإسلام والمسلمين الحرب والعداء .. ودخلت في موالاة أعداء الأمة على أبنائها .. نهبوا خيراتها وثرواتها .. وساموا الشعوب صنوف الإرهاب، والفقر، والقهر، والذل، والعذاب!
أثبت طواغيت الحكم هؤلاء، وبكل جدارة ـ وفق كل معايير الطغيان والظلم ـ أنهم طواغيت ظالمون .. ومستكبرون .. يعيثون في الأرض كفراً وفجوراً وفساداً ..!
أثبتوا أنهم لا يغارون على دينٍ .. ولا على عِرضٍ .. ولا أرض .. وأنهم لا يعرفون من مصالح الدنيا سوى سلامة عروشهم .. وإشباع كروشهم .. ونزواتهم .. ولو كان ذلك على حساب جماجم وأشلاء الشعوب!
الكل يشكو كفرَهم .. وظلمَهُم .. وخيانتهم .. وطغيانهم .. وسطوهم على الحقوق والثروات .. إلا قلة قليلة ممن باعوا أنفسهم ودينهم .. وعقولهم .. ودخلوا بصورة ذليلة وخسيسة في بطانة السوء لهؤلاء الطواغيت الظالمين .. ورضوا لأنفسهم بالعبودية لهم من دون الله .. وهؤلاء هم طرف مع الطاغوت .. وجزء من المرض والظلم الذي تعاني منه الأمة .. والذي يجب أن يُعالج ويُستأصل!
الكلّ يشكو طغيان هؤلاء الطواغيت .. ويسأل عن كيفية الخلاص منهم ومن أنظمتهم العميلة المهترئة الكافرة ..؟!
الكل يتكلم عن عمالتهم وخيانتهم لفلسطين وأهل فلسطين .. وغير فلسطين من بلاد المسلمين .. ويسأل عن ساعة الخلاص منهم ومن شرهم .. وما أكثر المقالات التي تُكتب في اليوم الواحد حول ذلك!!
الكل يسأل: ما هو الحل .. وكيف السبيل .. ومتى ساعة الخلاص .. وإلى متى ستظل الشعوب تدفع ضريبة باهظة من دينها .. وعِرضها .. وكرامتها .. وشبابها .. وكرائم أموالها وثرواتها .. لهؤلاء الطواغيت الظالمين؛ مصاصي دماء وعرق الشعوب!
هذه أسئلة ستظل تلاحق الطليعة النخبة من أبناء الأمة العاملين من أجل التغيير .. واستئناف حياة إسلامية أفضل .. إلى أن يجدوا لها الحل العملي الممكن والأنجع ..!
وأنا هنا في طرحي هذا لا أختزل جميع الحلول والطرق .. لأحصرها في طريقة معينة محددة .. وإنما أقدم اقتراحاً مشروعاً، وعملياً، وممكناً .. تمارسه كل الشعوب .. يساعد في الحل والخلاص، وإيجاد الجواب على الأسئلة المتقدمة الذكر أعلاه .. عسى أن ينال القبول عند الشعوب المقهورة، المهضومة الحقوق، وبخاصة منهم الطليعة النخبة من العلماء العاملين .. وغيرهم من المثقفين!
وخلاصة هذا الطرح الذي أتقدم به، وأطالب الناس به: هو العصيان المدني العام؛ الذي يشل على الطواغيت الحاكمين جميع مرافق الحياة .. ويضيِّق عليهم العيش والخناق .. عسى الله تعالى أن يجعل بعد هذا العسر يسراً .. وبعد هذا الضيق والكرب فرجاً ومخرجاً .. ويبدل الحال إلى أحسن وخير حالٍ بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.
وصفة هذا العصيان يجب أن يكون عاماً وشاملاً: فلا تُدفع لهم ضريبة ولا حقوق[[1]] .. ولا يُطاعون في أمرٍ ولا نهي .. ولا يُفتح مصنع .. ولا يذهب عامل إلى معمله .. ولا جندي إلى معسكره .. ولا تاجر إلى متجره .. ولا طالب إلى مدرسته .. فتغلق جميع المتاجر والمحلات .. وجميع أبواب المدارس والجامعات .. إلى أن يسقط الطاغوت، ويزول حكمه ونظامه!
ولو صبر الناس شهراً واحداً ـ وربما أسبوعاً واحداً ـ على هذا النوع من العصيان .. لتحقق لهم مرادهم .. ولزال عنهم ظلم الطواغيت الجاثمين على صدورهم .. وعلى مقاليد الحكم ومقدرات الأمة .. والذي طال لعشرات السنين ..!
فإن قيل: هذا أمر صعب المنال لا يمكن تحقيقه وإنجازه .. واجتماع الناس عليه ؟!
أقول: بل هو سهل جداً لو توفرت العزيمة الصادقة والإرادة القوية .. ولتسهيل الأمر نضيف التوضيح التالي:
هذا العصيان المدني المشار إليه يجب أن ينقسم إلى قسمين:
1- عصيان فردي: وهذا ممكن القيام به ومباشرته من الآن؛ وصفته أن يتمرد كل فرد ـ بحسب استطاعته ـ عن الطاعة وامتثال الأوامر .. ودفع الضرائب وغيرها من الرسوم التي تذهب إلى جيوب الجلادين الظالمين .. ولصالح الطواغيت وقصورهم، وعروشهم!
اعلم أيها الأخ أن أي ضريبة تدفعها لهؤلاء الطواغيت الظالمين .. فأنت بذلك تعينهم على شراء أدوات القمع، والتعذيب، والقهر التي يحمون بها عروشهم وقصورهم .. والتي بها كذلك يُمارسون على شعوبهم صنوف التعذيب، والقمع والإرهاب كلها، وبخاصة منهم المقهورين المعتقلين من إخوانك ـ صفوة هذه الأمة وخيرة شبابها ـ القابعين في غياهب زنازين وسجون الظالمين .. وأنت شريك لهم في هذا الإثم والوزر؛ بخاصة إذا كنت تستطيع أن تتهرب من دفعها ثم لا تفعل ..!
من هذه الضرائب وغيرها تُدفع رواتب الجلادين الذين يمارسون أنواع القمع والتعذيب، والإهانات على إخوانك المكبلين بأغلال الظالمين!
من هذه الضرائب وغيرها يشترون الأسلحة التي يحمون بها عروشهم وقصورهم .. والتي بها يحرسون ـ ككلاب حراسة أوفياء ـ دولة الصهاينة اليهود .. ويحمونها من نقمة وغضب الشعوب المقهورة .. المُعتدى عليها!
لا تكن عوناً لهم على الإثم .. وشريكاً لهم في الوزر والظلم وأنت تدري أو لا تدري .. والله تعالى يقول:) وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (المائدة: من الآية2. وقال تعالى:) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (الأنفال:73. وقال تعالى:) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ (التوبة:67.
2- العصيان الجماعي العام: ولكي يتحقق هذا العصيان .. وبصورة ناجحة .. لا بد أن تتبناه الصفوة والنخبة من أبناء الأمة .. والجماعات المخلصة العاملة من أجل نصرة هذا الدين .. ليقوموا بطرحه على الناس في جميع مجالسهم الخاصة والعامة .. وعلى جميع المستويات .. وعبر جميع الوسائل الإعلامية الممكنة والمتاحة .. وبصورة منظمة تراعي الجوانب الأمنية منها .. إلى أن يتحول ـ موضوع العصيان هذا ـ إلى أحاديث الناس في بيوتهم، ونواديهم، وأماكن تجمعاتهم .. وليصبح جزءاً من عقيدتهم وثقافتهم، وتفكيرهم اليومي .. لكي تتهيأ له نفوسهم!
فإن تحقق ذلك .. وتحققت التعبئة العامة .. سهل تحديد ساعة ابتداء العصيان العام .. وساعة انتهائه .. وساعة معاودته كلما دعت الحاجة إليه.
لا بد من فعل ذلك .. كما لا بد للناس من طاعة علمائهم وقياداتهم المخلصين العاملين في ذلك .. هذا إن أرادوا ـ بحق ـ الخلاص من طغيان وكفر هؤلاء الطواغيت الظالمين!
فإن قيل: هذا خيار صعب ومكلف .. يترتب عليه تضحيات!
أقول: نعم، قد يترتب عليه بعض التضحيات .. لكن مهما تعاظمت لن تبلغ معشار التضحيات والضرائب التي تُقدم على موائد الذل والطاعة والركون لهؤلاء الطواغيت الظالمين!
لم تكن يوماً من الأيام ضريبة العزة والكرامة .. كضريبة الذل والخنوع للظالمين، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع،
وتركتم الجهاد سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ". أي حتى ترجعوا وتعودوا إلى جهادكم .. والأخذ بأسباب العزة التي يوجبها عليكم دينكم.
وفي حديث القصعة التي تتداعى الأكلة إليها، يقول صلى الله عليه وسلم:" يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم الوهن، فقال: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهية الموت ".
لا بد من التحرر من الوهن، ومن عقدة شِرك الخوف والخشية من المخلوق .. هذا إذا أرادت الشعوب أن تنهض وتعيش بعز وكرامة ..!
ثم في هذا الخيار لم نطالبكم بحمل السلاح ـ وإن كانت الأمة بحاجة إلى حمله في مرحلة من مراحل التغيير والانقلاب ـ وإنما نطالبكم فقط بأن تدخلوا مساكنكم .. وتقفلوا عليكم أبواب بيوتكم .. ولفترة وجيزة محددة من الوقت ..!!
فإن عجزتم عن هذا الحد الأدنى من الجهاد .. والعطاء .. فلا تنشدوا التغيير .. ولا تشكو إلى الله ظلم الطواغيت .. ولا تلوموا إلا أنفسكم ..!!
فإن عجزتم عن هذا الحد الأدنى من البذل والعطاء ـ ونعيذ الأمة من أن تصل إليه ـ فروضوا أنفسكم للقبول بمزيدٍ من الذل والهوان .. وبمزيدٍ من البذل والعطاء .. ودفع الضرائب الباهظة .. تقدمونها ـ بنفوس سخية مقهورة وذليلة ـ من كرائم أموالكم وأعراضكم على موائد شهوات الطواغيت الظالمين .. التي لا تشبع ولا تقنع بحدٍّ من العطاء .. ولا تلوموا ـ حينئذٍ ـ إلا أنفسكم.
وفي الختام لنا طلب ورجاء من إخواننا العلماء، وطلبة العلم، وغيرهم من مثقفي الأمة المخلصين الأوفياء .. أن يتلقوا هذا البيان بشيء من القبول والعناية والدراسة .. عسى أن يتولد لديهم من الأفكار والسُّبل .. ما يجعل هذه الفكرة ممكنة التطبيق .. سهلة التنفيذ .. وبأقل خسارة ممكنة إن شاء الله.
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد:7.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
30 جمادى الأولى/1423 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
8/8/2002 م. أبو بصير