GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم
          قد أنكرت عليّ بعض الجهات عندما كتبت بتاريخ 15/11/2001، مقالاً عن الطالبان بعنوان " حقاً إن الطالبان أكابر " بسبب معاملتهم الراقية العادلة للأسرى الغربيين، والتي كانت منهم الصحفية البريطانية " إيفون ريدلي " والتي انتهى بها الأمر ـ منذ أكثر من شهر ـ إلى أن تعلن ـ حرة مختارة ـ عن اعتناقها للإسلام .. بسبب المعاملة الحسنة الراقية التي عُوملت بها من قبل الطالبان .. والتي كان مبعثها تعاليم هذا الدين الحنيف .. مما حملها على أن تدرس الإسلام .. وتقرأ عن الإسلام .. بعيداً عن ضغط الشبهات والشهوات .. فوجدت نفسها مشدودة ـ رغم التحديات المحيطة بها كصحفية مشهورة تعيش في مجتمع غربي ـ لأن تُصرح بملء فيها وعلى الملأ وعبر وسائل الإعلام الغربية: بأن الإسلام هو الحل .. وهو المنقذ الوحيد للبشرية .. وأنها وجدت في الإسلام من معاني الحق والخير ما لم تجده في سواه!
          هذا هو النصر الحقيقي الذي حققته الطالبان؛ وهو أن تغزو القلوب .. والعقول .. لتحييها بالإسلام .. لا أن تغزو الجبال والصخور بآلاف الأطنان من القنابل الفتاكة التي تحصد الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ قبل غيرهم .. لتزرع الأحقاد والكراهية في النفوس والقلوب .. التي تتوارثها الأجيال ـ جيلاً بعد جيل ـ عبر قرونٍ عديدة قادمة .. كما تفعل ذلك ـ ولا تزال ـ قائدة الكفر والاستكبار العالميين .. أمريكا!

          كسرات من الخبز .. وقليل من الماء .. أثمرت أكثر بكثير من تلك الأطنان من الدقيق والمواد الغذائية التي تلقيها الطائرات الأمريكية على الشعب الأفغاني الفقير والمنكوب .. وسبب ذلك يعرفه الجميع: وهو أن كسرات الخبز الجافة كانت تُقدم ـ رغم الحاجة الماسة إليها ـ مع الكلمة الطيبة الصادقة المخلصة .. والمعاملة الراقية العادلة التي يُلزم بها الإسلام أتباعه .. بينما أطنان الغذاء والدقيق التي تلقي بها أمريكا ـ من فائض مخزونها الغذائي ـ تراها كانت مغموسة بدماء الأطفال والنساء والأبرياء .. تفوح منها رائحة الدم، وقتل الأنفس بغير وجه حق .. فأنى تثمر ثمر تلك الكسرات من الخبز .. وتُعطي عطاءها؟!!
          صدق الله العظيم:) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (البقرة:263.
          لتعلم أمريكا ومن دخل في حلفها وحملتها الصليبية .. أن النصر في نهاية المطاف للذي يملك القيم والمبادئ العادلة التي تحتاجها البشرية جمعاء .. وليس للذي يملك القنابل والطائرات وغيرها من وسائل الفتك والدمار، والتعذيب .. ولتعلمنّ نبأ ذلك ولو بعد حين! 
          هاأنتم تملكون جميع وسائل الفتك والدمار .. والإرهاب .. وتملكون السجون، والسلاسل، وأدوات التعذيب كلها .. وتملكون المال .. ومع ذلك تزدادون بعداً ونفرة من قلوب الناس..!!
          ومما كنت قد ذكرته في مقالي السابق " حقَّاً إن الطالبان أكابر ": أن أمريكا قد تنتصر اليوم ـ مؤقتاً على المدى المنظور ـ عسكرياً ومادياً .. لكن المنتصر على المستوى الأخلاقي .. وعلى مستوى القيم والمبادئ .. وعلى المدى البعيد .. هم المسلمون .. هم الطالبان .. ماداموا متمسكين بتعاليم الإسلام الحنيف.
          ولكي نستجلي الحقائق أكثر نجري مقارنة سريعة بين الطالبان وعهدهم .. وبين المليشيات المتفرقة والمتناحرة التي أتت بهم أمريكا كبديل عن الطالبان .. والتي ترعاهم بالمال والسلاح .. مع تسجيل الاعتذار المسبق لإخواننا الطالبان لما في هذه المقارنة من انتقاص لقدرهم وقيمتهم؛ إذ لا وجه للمقارنة بين الطهر والنجاسة .. ولكن من قبيل إظهار الحق .. ولعلهم يعلمون!
          في عهد الطالبان كانت تُحكم البلاد بسلطة مركزية موحدة .. تخضع لإدارة موحدة وواحدة .. يُرجع إليها في جميع شؤون البلاد .. بينما في عهد المليشيات الأمريكية كل عصابة ومليشيا تحكم ـ على طريقة شريعة الغاب ـ المنطقة التي تحتلها وتتواجد فيها كسلطة ذات نفوذ مستقل .. مما يُشعر أن في أفغانستان أكثر من عشرين دولة وحكومة .. بحسب تعداد الأحزاب والقبائل الموجودة هناك .. وكلها متنافرة فيما بينها ومتحاربة متقاتلة .. كل حزبٍ بما لديهم فرحون!
          في عهد الطالبان ـ بشهادة الجميع ـ كان الأمن والأمان يسود جميع ربوع أفغانستان، وبصورة تسمح للمرأة ـ فضلاً عن غيرها ـ أن تسافر بمفردها من قرية إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى وهي آمنة مطمئنة من دون أن يتجاسر أحد على التفكير في الاعتداء عليها فضلاً عن أن يمسها بسوء ..!
          بينما في عهد المليشيات الأمريكية .. ساد الخوف والسطو على الحرمات في جميع ربوع وأطراف البلاد .. وسُفك الدم الحرام لأتفه الأسباب .. وبصورة لا تسمح للعصبة من الرجال ـ فضلاً عن غيرهم ـ أن يُسافروا من مكانٍ إلى آخر إلا بعد غطاء عسكري من إحدى المليشيات والعصابات الحاكمة .. خشية من اللصوص وقطاع الطرق المنتشرين في كل مكان ..!!
          في عهد الطالبان .. من كان يجرؤ أن يمس امرأة أو يقترب منها بسوء .. أما في عهد المليشيات الأمريكية .. تُغتصب المرأة جهاراً نهاراً .. وبصورة لم تسلم منها حتى النساء الأوربيات اللاتي يعملن هناك كصحفيات أو غير ذلك ..!!
          في عهد المليشيات الأمريكية ـ وبإشراف من أمريكا ـ ساد القتل الجماعي للأسرى .. وسادت المجازر والمقابر الجماعية للأبرياء وبصورة إجرامية بشعة لا يمكن أن يتصورها عقل إنسان .. من ذلك ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخراً عن خبرٍ مفاده أن المليشيات الموالية لأمريكا والمتحالفة معها قد قامت بقتل أكثر من ألف أسير ـ أسير!! ـ من أنصار طالبان ..؟!!
          والسؤال: هل فعلت طالبان شيئاً من ذلك .. وقد حكمت البلاد لأكثر من ست  سنوات ..؟!!
          في عهد الطالبان استُئصلت مادة الحشيش " الخشخاش " من أرض أفغانستان .. كل أفغانستان .. وهاهي اليوم في عهد المليشيات الأمريكية ـ تحت الرعاية الأمريكية ـ يُعاد زرعها من جديد .. وهذا باعتراف الأمم المتحدة ذاتها!
          الطالبان أفرزهم الشعب المسلم الأفغاني .. فكانوا يمثلون أكثر من 95% من شعب أفغانستان، ويحكمون أكثر من 95% من أرض أفغانستان .. بينما العصابات الأمريكية التي أتت بها أمريكا .. لا يمثلون إلا أنفسهم .. ولا يحكمون إلا أنفسهم .. ومن أدخلته الحاجة الماسة في سلطانهم وتكتلاتهم .. لا يهمهم من شؤون الحكم إلا إشباع غرائزهم وأطماعهم!
          أفغانستان في عهد الطالبان كانت تُحكم من قبل حكومة شرعية ذات استقلالية وسيادة .. تحكم بما أنزل الله .. بينما في عهد المليشيات الأمريكية .. تُحكم عن طريق أمريكا وبإدارة أمريكية .. تتخللها بعض الوجوه العميلة الأفغانية ..!
          هذه بعض أوجه الفرق بين الطالبان وبين العصابات الأمريكية التي تحكم أفغانستان في هذه الأيام ..!
والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة: أي الفريقين أولى بالحق والثناء .. وأولى بالبقاء .. الطالبان وعهد الطالبان .. أم عهد المليشيات والعصابات الأمريكية .. التي ترعاها أمريكا وتُغدق عليها المساعدات والأموال .. والذين يعيثون ـ بالمساعدات والأموال والحماية الأمريكية ـ في الأرض فساداً ..؟!!
لا شك أن كل منصف ـ مهما كان متحاملاً على الطالبان ـ يشهد بأن الطالبان هم أولى بالحق من عصابات السوء التي أتت بها أمريكا كبديل عن الطالبان .. وأنهم كانوا أفضل لأفغانستان وشعب أفغانستان من تلك العصابات المتناحرة التي جاءت بعدهم!
وأن التعامل مع الطالبان كسلطة تمثل الشعب الأفغاني كان ممكناً وأيسر بكثير من التعامل مع هذه المليشيات الأمريكية المتفرقة المتناحرة التي لا تمثل إلا نفسها، والتي لا يهمها من شؤون الحكم سوى مصالحها الحزبية الذاتية الضيقة ..!
لأجل ذلك قلنا ـ وسنظل نقول إنصافاً للحق وللتاريخ ـ بأن الطالبان أكابر .. أكابر .. ولو كره الكافرون والمنافقون.

والحمد لله رب العالمين.

          19/جمادى الثانية، 1423 هـ.               عبد المنعم مصطفى حليمة

          27/8/2002 م.                                        أبو بصير


           
         

إرسال تعليق

 
Top