GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم 

          الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد.

          لم يعمل الإسلام على تغييب وإلغاء القوميات، والجنسيات، أو القبائل والعشائر، والأوطان، من حيث وجودها ومن حيث انتساب الإنسان لتلك القوميات، والجنسيات، أو القبائل والعشائر، والأوطان وما أكثر الأدلة الشرعية الدالة على ذلك. 

          فلم يمنع المرء من أن يقول عن نفسه بأنه عربي أو فارسي أو رومي، أو يمني أو شامي، أو قرشي أو خزرجي .. كما لم يمنعه من التعبير عن الحب والحنين لما ألفه من أوطان وديار .. فهذا وارد، والشارع أقره ولم يُلغه، ولا أظنني بحاجة للاستدلال على مشروعية ذلك إذ أنه من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة .. لا يُجادل فيها اثنان.

          ولكن الذي منع منه الإسلام وعمل على إلغائه هو تلك العصبيات الجاهلية لتلك القوميات والجنسيات، ولتلك الأوطان، والقبائل، وغيرها من المسميات والانتماءات التي تغيب الولاء والبراء في الله. 

          كما منع أن يكون التفاضل بين الشعوب على أساس الانتماء لتلك القوميات والجنسيات والأوطان، وجعل ميزان التفاضل والتمايز بين العباد مقصوراً ومحصوراً على ميزان التقوى، والأحسن عملاً بغض النظر عن الجنس أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الموطن، كما قال تعالى:) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات:13. وقال تعالى:) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (الملك:2.
          لا يجوز أن ننتقص دور العرب كمادة لنصرة قضايا الإسلام وعقيدته، ارتبط مصيرهم بمصير هذا الدين عزاً وذلاً، عزاً إن نصروه، وذلاً إن خذلوه وتخلوا عنه، كما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" كنا في الجاهلية أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ما ابتغينا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله ". 
          وفي الحديث عن جابر بن عبد الله، قال: حدثتني أُم شُرَيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ليفِرَّنَّ الناسُ من الدجال حتى يلحقوا بالجبال ". قالت أم شريك: يا رسول الله فأين العرب يومئذٍ؟ قال:" هم قليلٌ "[[1]].
          فسؤال أم شريك عن العرب يومئذٍ يوحي بما يجب على العرب خاصة من نصرة لهذا الدين؛ وكأنها تريد أن تقول: كيف يؤول أمر الناس إلى أن يلتحقوا بالجبال خوفاً من الدجال .. والعرب موجودون .. " فأين العرب يومئذٍ " يا رسول الله الذين من شأنهم نصرة هذا الدين ودفع طغيان الطواغيت؟!
          فأجابها صلى الله عليه وسلم:" هم قليلٌ "؛ أي هم قليل يومئذٍ ..!
لماذا هم قليل ..؟!
هم قليل لأنهم مادة الجهاد والاستشهاد .. فما أن ينادي منادي الجهاد في أي بقعة من بقاع الأرض إلا وتجد من العرب من يلبي ذلك النداء .. وفي كثير من الأحيان يكونون قادة الجهاد وعصبه وركنه وطليعته[[2]] .. ومن كان كذلك لا شك أنه عرضة للقتل والموت والاستشهاد .. لذا فهم قليل[[3]]!
وفي الحديث الضعيف:" أحبوا العرب وبقاءهم؛ فإن بقاءهم نور في الإسلام، وإن فناءهم ظلمة في الإسلام "[[4]]. 
هذه المكانة للعرب في الإسلام لا يجوز أن ننكرها أو نجحدها، ولكن لا يجوز أن تكون كذلك مدعاة أو مبرراً للدعوة إلى العروبة أو " القومية العربية " التي تقوم على مبدأ فصل الدين عن الدولة والحياة، وعلى تكريس مبدأ عقد الموالاة والمعاداة، وكذلك تقسيم الحقوق والواجبات على أساس الانتماء القومي للجنس العربي بغض النظر عن العقيدة والدين والعمل .. ومبدأ ) إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (
فالقومية العربية أو العروبة بهذا المفهوم الآنف الذكر هي دعوة عصبية جاهلية نتنة حرمها الإسلام وحذر منها أيما تحذير، كما في الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الله قد أذهب عنكم عُبيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعنّ رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهَنِ أبيه ولا تكنوا ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" من ادعى دعوى الجاهلية فإنه جثا جهنم ـ أي من جماعات جنهم ـ فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله التي سماكم: المسلمين، المؤمنين، عباد الله ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" ليس منا من دعا بدعوى الجاهلية ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" إن أوليائي منكم المتقون مَن كانوا وحيث كانوا ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" لا فضل لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجمي على عربي، ولا أبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب ".
وغيرها كثير من النصوص الشرعية التي تحرم العصبيات القومية التي تُفاضل، وتوالي وتعادي على أساس الانتماء القومي أو غيره من الانتماءات العصبية الجاهلية.
وفي ذلك رد على بعض الدعاة والكتاب المعاصرين المصابين بلوثة الهزيمة النفسية والفكرية الذين يُحاولون تزلفاً مداهنة القومية والقوميين العرب على اعتبار أن ما كان من خلاف وتنافر بين الإسلام والإسلاميين من جهة وبين العروبة أو القومية والقوميين العرب من جهة ثانية لم يكن مُبرراً وليس له داعٍ إذ لا تعارض بين الإسلام والعروبة، ولا بين الدعاة إلى الله تعالى وبين الدعاة إلى القومية العربية أو العروبة .. فكل منهما حاضن للآخر .. لذا فإن المعركة القديمة الحديثة بين الطرفين لا بد من أن تهدأ وتزول، ليحل مكانها التلاقي والوئام!
كثير من الدعاة والكتاب المعاصرين ـ عن قصد أو غير قصد ـ لا يفرقون بين العرب والعربي والعربية وبين العروبة، ولا بين الوطن والموطن وبين الوطنية، ولا بين العشيرة أو القبيلة وبين العشائرية أو القبلية، ولا بين الناس، والإنسان، وكرامة الإنسان وحقوقه وبين الإنسانية كشعار ومبدأ يغيب عقيدة الولاء والبراء في الله .. فيخلطون بينهما عند الحديث عنهما وكأنهما شيء واحد في الدلالة والمعنى، فيخلطون بذلك حقاً مع باطل .. فيَضلون ويُضلون!
تراهم يستدلون بالأدلة الدالة على شرعية مصطلح ومعنى العرب، والعربي، والعربية على شرعية مصطلح ومعنى العروبة الدال على معاني التعصب القومي المقيت والمذموم ..!
وتراهم يستدلون بالأدلة الدالة على شرعية مصطلح ومعنى الوطن، والموطن، وحب الديار وموطن المنشأ على شرعية مصطلح ومعنى الوطنية الدال على العبودية للوطن من جهة عقد الموالاة والمعاداة، وكذلك الحقوق والواجبات على أساس الانتماء لحدود الوطن .. وتغييب وإلغاء كل ولاء وبراء يتعارض مع الولاء الوطني .. كما هو مشاهد في كثير من الأمصار! 
وتراهم كذلك يستدلون بالأدلة الدالة على شرعية مصطلح ومعنى العشيرة أو القبيلة على شرعية مصطلح ومعنى العشائرية أو القبلية التي تعني عقد الموالاة والمعاداة، والحقوق والواجبات على أساس الانتماء القبلي العشائري ..!
وتراهم كذلك يستدلون بالأدلة الدالة على شرعية مصطلح ومعنى الإنسان، وكرامة الإنسان وحقوقه على شرعية مصطلح ومعنى الإنسانية كمبدأ يُعلن الموالاة والمؤاخاة بين الإنسانية جمعاء بغض النظر عن اعتبار العقيدة والدين .. وميزان التقوى وأيكم أحسن عملاً .. وهذا من التلبيس والتضليل الذي ينبغي أن نحذره ونُحذِّر منه .. وهو كذلك علامة على حجم الهزيمة النفسية الفكرية التي يُعاني منها أولئك الدعاة أو الكتاب أمام التيار القومي العروبي المهترئ المتآكل التي لم تجن الأمة منه إلا الذل والهزيمة، والتخلف والدمار! 
الاتجاه القومي العروبي ـ منذ قرابة القرن وإلى الساعة ـ إضافة لما جلبه على الأمة من ذل وهزائم، وتخلف ودمار فهو ـ بحكم مناقضته لعقيدة الأمة ودينها ـ لم يستطع أن يحقق شيئاً 
من أهدافه التي ملأ بها الدنيا ضجيجاً وعويلاً ..!
لا على المستوى الوحدة العربية قد حققوا شيئاً .. بل هم من تفرق وتشرذم إلى آخر، ومن ضعف إلى آخر [[5]]!
ولا على مستوى التضامن العربي والدفاع العربي المشترك قد حققوا شيئاً .. فهم بعضهم على بعض أعداء ألداء أكثر مما هم على أعداء الأمة من خارجها .. بل هم يد مع العدو الخارجي المستعمر على بعضهم البعض! 
ولا على مستوى التضامن الاقتصادي والتكافل الاجتماعي العربي كذلك قد حققوا شيئاً .. فهم من تخلف إلى تخلف، ومن فقر إلى فقر .. ومن جهل إلى جهل!
ولا على مستوى تحرير البلاد المغتصبة في فلسطين وغيرها قد فعلوا شيئاً .. بل هم من خيانة إلى خيانة .. ومن هزيمة إلى أخرى .. إلى أن أوصلوا الأمة إلى موصل لا تُحسد عليه!
ومع كل ذلك وبعده نجد بعض الكتاب المعاصرين من ذوي الاتجاه الإسلامي يمدون لهم ـ بعد أن أذلهم الله وأخزاهم ـ حبلاً من القوة والحياة بمداهنتهم، والاعتراف بشرعيتهم وشرعية حكمهم وتوجههم القومي .. على اعتبار لا تعارض بين العروبة والتوجه القومي وبين الإسلام، وأن المعركة بينهما مفتعلة لا مبرر لها! 
) كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً (.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

5/3/1424 هـ.                                  عبد المنعم مصطفى حليمة
6/5/2003 م.                                        أبو بصير الطرطوسي 



[1] صحيح سنن الترمذي: 3084.
[2] حتى في هذه الأيام حيث ما من موقعة ولا ساحة يُعلن فيها الجهاد إلا ويفزع لها نخبة من شباب العرب المسلم المجاهد ملبين نداء الجهاد في سبيل الله متحدين الصعاب الجمة التي تعترض مسيرتهم وحركتهم وجهادهم .. وما أن يعلم العدو أن في الساحة مجاهدين من العرب إلا وتراه يحسب لواحدهم ألف حساب لما يرى منهم من الشجاعة، والرجولة، والإقدام!
[3] مما يدل على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال:" إن الساعة لا تقوم حتى لا يُقسَمَ ميراث ولا يُفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا ونحَّاها نحو الشام، فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام. قلت: الروم تعني؟ قال: نعم.
   ثم قال: فإذا كان اليوم الرابع ـ أي من المعركة ـ نَهَدَ إليهم بقيةُ أهل الإسلام فيجعل اللهُ الدَّبِرةَ عليهم ـ أي الهزيمة على أعدائهم ـ فيَقتْتُلُون مقتلة لا يُرى مثلها، وإما قال: لم يُرى مثلها، حتى أن الطائر ليمر بجنباتهم فما يُخلِّفهم حتى يخرَّ ميتاً، فيتعادُّ بنو الأب كانوا مائة، فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمةٍ يُفرح، أو أي ميراثٍ يُقاسم، فبينما هم كذلك إذا سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ: إن الدجال قد خلَفَهم في ذراريهم .."!
[4]  السلسلة الضعيفة: 578. قلت: الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن معناه صحيح قد دلت عليه مجمل نصوص
الشريعة، من ذلك ما جاء في فضل الشام وأهله، كما في قوله r:" عليكم بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه،
وليستق من غُدره، فإن الله U قد تكفل لي بالشام وأهله ". أي تكفل الله لنبيه بنصرة هذا الدين بالشام وأهله .. ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه. 
   وقال r:" ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام ". وقال r:" لن تبرح هذه الأمة منصورين أينما توجهوا، لا يضرهم من خذلهم من الناس حتى يأتي أمر الله، وهم بالشام ". وقال r:" إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ". وقال r:" عقر دار المؤمنين بالشام ". وغيرها كثير من الأحاديث الصحيحة التي تدل على فضل الشام وأهله .. والشام وأهله جزء من العرب.
   وهناك أحاديث عديدة كذلك تدل على فضل المدينة المنورة وساكنيها، وكذلك اليمن وأهله .. وكذلك الجزيرة العربية واستثناؤها من أن يسكنها مشرك غير موحد .. وهم جزء من العرب.
[5] يستدلون بالوحدة الأوربية على إمكانية تحقيق الوحدة العربية على أساس قومي .. ولهؤلاء نقول: الوحدة الأوربية لم تقم على أساسٍ قومي، فهي من قوميات شتى ومختلفة .. ولكن الذي جمع فيما بينها على تعدد قومياتها أمران: الدين .. والمصلحة، لذا نجدهم إلى الساعة لم يسمحوا بانضمام تركيا إلى وحدتهم  رغم أنها دولة علمانية إباحية معادية للإسلام والمسلمين، والسبب أنها لم تُصنف كدولة صليبية كباقي دول الاتحاد الأوربي!
   والقوميون العرب وإن كانوا قد يظهرون بأنهم حريصون على المصلحة إلا أنهم ليسوا بحريصين على الدين الإسلامي، ولا على التعامل معه كسبب لا يمكن للعرب أن يجتمعوا إلا عليه .. ولا يمكن أن يكون لهم شأن إلا به .. ثم ليتهم انتهى موقفهم عند عدم الاهتمام والحرص .. بل تعدوا ذلك إلى إعلان الحرب الشعواء على الإسلام وأهله وكل ما يمت لهذا الدين من صلة .. فحق عليهم هذا الذل والتفرق والعذاب، والدمار!

إرسال تعليق

 
Top