GuidePedia

0
بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
          ما إن نشرتُ بياني " حولَ التفجيرات التي حصلَت في مدينة لندن "، إلا وانهمرت علي رسائل عدة، يصعب نقلها بنصها، لكن خلاصة كثير منها مفاده العتاب؛ فبعضهم يتساءل: هل هذا مراجعة أم تراجع .. هل هو تغير وتبدل في المنهج .. وهل .. وهل .. وبعضهم طرح أسئلة حول العهد والأمان في بلاد الكفر، ومدى شرعية الذي قررناه في البيان .. وبعضهم تمادى في إساءة الظن .. وبعضهم يُحيلني لبعض الروابط في الإنترنت .. وما يقوله بعض الناس حول البيان .. وعلى صاحب البيان؟!

          فوجدت نفسي ملزماً ـ من قبيل النصح والتواصي بالحق ـ في أن أجيب عن هذه التساؤلات .. وأن أوضح بعض الحقائق التي قد يجهلها البعض .. وذلك في النقاط التالية:
          أولاً: هناك فريق من الناس من أهل البدع والأهواء .. وذوي النفوس المريضة والمغرضة .. لشدة حقدهم وتحاملهم علينا وعلى منهجنا .. عندهم استعداد أن يحولوا حسناتنا إلى سيئات .. والحق إلى باطل .. والعدل إلى ظلم .. والأمانة إلى خيانة .. وما يحملهم على ذلك سوى حب الانتقام والتشفي .. وسوء الأخلاق .. وهؤلاء لا يمكن أن نقف عندهم كثيراً ولا قليلاً .. ولا أن ننشغل في الرد على كلماتهم العامرة بالحقد والجهل؛ لأن المحاولة معهم عبث ومضيعة للأوقات .. وما يعتري صدورهم من الحقد والكراهية لنا ولمنهجنا وعقيدتنا .. يحيل بينهم وبين أن يفهموا الحق .. إلا أن يشاء الله! 
          ثانياً: بفضل الله تعالى ومنته لم أراجِع ولم أتراجع .. ولا غيرت ولا بدَّلت .. فالذي أنا عليه منذ أكثر من ثلاثين عاماً أنا عليه الآن .. لا أعرف متى بدأت الصلاة؛ لأنني ـ بفضل الله تعالى ـ لا أعي وجودي في الحياة إلا وأنا من أهل الصلاة .. ولا أعرف متى اعتقدت والتزمت منهج التوحيد والاجتهاد والجهاد؛ لأنني ـ بفضل الله تعالى ـ لا أعي وجودي في هذه الحياة إلا وأنا من أهل هذا المنهج الرباني .. وعيت الحياة ـ ومنذ نعومة أظافري ـ وأنا مطارد من طواغيت الأرض .. لا أعرف التذبذب .. ولا التنقل من منهج إلى منهج .. ولا من طريق إلى طريق .. وما ورد في البيان المذكور أعلاه لا يعني مطلقاً خلاف ذلك .. وأنا لا أزكي نفسي على الله .. وإنما أسأله تعالى دائماً
الثبات وحسن الختام.
          ثالثاً: عندما أقولُ أو أكتبُ .. لا أضع نصب عيني ماذا يريده المستمعون .. أو المشاهدون .. أو الجماهير .. أو الأنظمة الطاغية الحاكمة .. أقبل الناسُ أو أدبروا .. وإنما أضع نصب عيني فقط ماذا يريد رب الناس مني .. وما هو القول الحق الذي يحبه ويرضاه .. فمرضاة الناس غاية لا تُدرك .. ومرضاة الحق غاية سهلة تُدرك لمن سهلها الله له .. ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه الناسَ ولو بعد حين!
          رابعاً: عُرف عني ـ ولله الحمد والمنة والفضل ـ ولا أزال، تأييدي ومباركتي للجهاد في فلسطين، وأفغانستان، والعراق، والشيشان .. وفي البلدان التي تحكمها أنظمة الكفر والظلم والردة .. وهذا لا يعني بالضرورة أنني أوأيد وأبارك كل عمل يقوم به المجاهدون أو غيرهم في تلك البلاد والديار بغض النظر عن مدى شرعيته وإصابته للحق .. وعندما أشير ـ أنا أو غيري من قبيل النصح أو التنبيه أو التحذير ـ إلى عملٍ خاطئ قام به المجاهدون في هذه البلدة أو تلك .. لا يعني مطلقاً أننا ضد الجهاد والمجاهدين في هذه البلدة أو تلك .. أو أننا خذلنا ـ والعياذ بالله ـ الجهاد والمجاهدين .. كما يُحاول أن يُصور بعض المغرضين ممن يهوون الصيد في المياه العكرة!
          خامساً: أعترفُ أن لي بعض الاجتهادات قد خالفت فيها بعض الإخوان أو الشيوخ المعاصرين ـ منها العمليات التي تُسمى بالاستشهادية أو الانتحارية .. ومنها قصد قتل أطفال ونساء، وشيوخ المشركين، ومن كان على شاكلتهم ممن لا شأن لهم بأمور الحرب والقتال، ولو على وجه ردة الفعل أو المقابلة ـ لكن عزائي أنني بذلت قصارى جهدي في طلب الحق، ومعرفة النصوص الشرعية ذات العلاقة فيم تم عليه الاختلاف .. وهذا وارد بين أهل العلم من قبل، واليوم، وغداً .. فمن استراح لاجتهادي وأدلتي فله ذلك، وليحمد الله .. ومن لم يسترح لاجتهادي وأدلتي .. فله أن يدع ويجتهد في البحث عن الحق ويطلبه من مظانه .. ولكن بأدب .. وخلُق .. ومن دون صخب أو أذى أو فجور .. أو يُحدث فتنة بين الإخوان!
          سادساً: لكل عالم كلام محكم ومتشابه .. والعدل يقضي برد متشابهه إلى محكمه ليُفهم ويُحسن تفسيره، وليس العكس .. أو يُنظر إلى متشابهه من دون الالتفات إلى محكمه .. ومن ثم تُبنى الأحكام، وتُحدد المواقف بناء على متشابهه .. وكأنه ليس له سوى هذا المتشابه!
          سابعاً: حذَّرت مراراً .. وأعيد التحذير هنا بأن لا يُمارس الإخوان سياسة وأسلوب الإرهاب الفكري مع كل فكرة لم ترق لهم .. أو لم يفهموها .. أو لم يقتنعوا بها .. وبخاصة عندما تصدر هذه الفكرة أو المشورة .. عن إخوانٍ أو دعاة لهم سابقة علم، وبلاء، وجهاد .. فهذا يضر بالحركة الإسلامية المعاصرة ـ وبخاصة المجاهدين من أبناء هذه الأمة ـ كثيراً، ويحرمها، من آراء، وخبرات، وعلوم لا غنى لها عنها .. وهي بحاجة إليها أكثر من حاجتها إلى أي شيء آخر! 
          أعرف عدداً من الدعاة والشيوخ الصادقين لا يجرءون أن يُعربوا عن قناعاتهم وآرائهم في كثير من المسائل، بصورة كاملة وصريحة .. حرصاً على أعراضهم وسمعتهم .. وخوفاً من هذا النوع من الإرهاب الذي يُمارسه الجماهير والعامة من الناس .. وقد ساءني جداً هذا الصخب الذي أحدثه بعض الناس ـ لسوء فهمهم وجهلهم ـ ممن يُحسنون ممارسة هذا النوع من الإرهاب عقب مقابلة أجراها أخونا الشيخ أبو محمد المقدسي ـ فك الله أسره ـ مع قناة الجزيرة .. إلى درجة أن منهم من أخذ يخوض في عرض الأخ، ونيته، وإخلاصه، وجهاده ..؟!
          هناك محاولات حثيثة وخبيثة .. ينشط لها أكثر من طرف .. ترمي للفصل والتفريق بين المجاهدين وبين شيوخهم ومرجعياتهم العلمية .. وتشكيك كل طرف بالآخر .. وعلى مبدأ فرق تسد .. ومبدأ تجفيف الينابيع .. فإن نجحوا في ذلك ـ لا قدَّر الله ـ فلا تسأل عن آثار وعواقب ذلك!
          ثامناً: في كثيرٍ من قضايا الجهاد يتزاحم حبُّ التشفِّي، والرغبة في الانتقام، مع الحكم الشرعي؛ فمن قدم الحكم الشرعي على حب التشفي فهو المجاهد بحق .. ومن قدم التشَفِّي والرغبة في الانتقام على الحكم الشرعي .. فقد خاب وخسر .. وارتدت النتائج على رأسه!
كما في الحديث عن المقداد بن الأسود قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله r:" لا تقتله "، قال: فقلت يا رسول الله إنه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟ قال رسول الله r :" لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال " متفق عليه.
فإن قيل: هل يجتمع التشفي مع الحكم الشرعي؟
أقول: نعم؛ إذا كان تبعاً للحكم الشرعي، وضُبط بضوابط الحكم الشرعي!
تاسعاً: الذي أنكرته وأنكره من أحداث وتفجيرات مدينة لندن أمران، كلاهما أنكرهما الشرع أشد الإنكار، أحدهما: قصد قتل المسلمين، والأطفال، والنساء، والشيوخ العُجَّز، وغيرهم من الأبرياء الذين صان الشرع حرماتهم ـ بغض النظر عن هوية الفاعل ـ لأن وسائل النقل لا يُمكن أن تخلو من هذه الأصناف .. وتبرير ما حصل قياساً على مسألة الترس أو التترس قياس فاسد، لا
يُمكن أن يُسلم به!
ثانياً: أن يكون الفاعلُ ـ لا قدَّر الله ـ واحداً من الجالية الإسلامية البريطانية ممن يربطه مع المجتمع البريطاني والدولة البريطانية عهد، وعقد، وأمان؛ لأن ذلك من الغدر الصريح الذي لا يرضاه الله، ولا رسوله، ولا المؤمنون!
هذا الموقف مني ـ إضافة إلى كونه موقف الشرع ـ لم أظهره اليوم وحسب، حتى يأتي من يقول:" قد راجعت وتراجعت .. وغيرت وبدَّلت "، بل قلته قبل أكثر من عشر سنوات .. وألَّفت حول المسألة ومتعلقاتها كتاباً قبل أكثر من خمس سنوات، بعنوان:" حكم استحلال أموال المشركين لمن دخل في أمانهم وعهدهم من المسلمين "، وهو منشور في موقعنا على الإنترنت لمن شاء الاطلاع عليه!
ثم إذا كنت أحرم على من يدخل من المسلمين في أمانهم وعهدهم في ديارهم ـ سواء كانت هذه الديار بريطانيا أم غيرها ـ من أن يعتدي على أموالهم أو شيء من حرماتهم .. أترون أنني أحل له أن يروعهم ويسفك دماءهم؟!
فإن قيل: هم يغدرون بنا .. ويقتلون أطفالنا ونساءنا .. فعلام لا نقابلهم بالمثل؛ فنغدر بهم ونقتل أطفالهم ونساءهم ..؟!
أقول: المقابلة والمعاملة بالمثل لا تجوز على إطلاقها .. ولو فعلنا نكون قد غلَّبنا حب التشفي والانتقام على الحكم الشرعي .. وهذا لا يجوز كما تقدم.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي r أنه قال:" أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانَكَ ".
قد قلت مراراً، وأعيد فأقول هنا: إذا أردنا أن يتنزل النصر على أمة الإسلام .. ويُرفع عنها ما حلَّ بها من ضيم .. لا يمكن أن نقاتل العدو ونعامله بأخلاقه .. وإنما لا بد من أن نقاتله ونعامله بأخلاق الإسلام .. وأخلاق وتعاليم نبينا محمدٍ صلوات ربي وسلامه عليه.  
عاشراً: ألحظ في كثير من الأحيان ـ تحت عنوان الحماسة الزائدة وحب التَّشفي والانتقام ـ استخفافاً واستهتاراً بمسألة العهد والأمان .. حتى صار من يتكلم عن ضرورة مراعاة واحترام العهد والأمان عرضة للتهكم والاستهزاء .. وسوء الظن .. رغم تشديد الشارع على حرمة العهد والأمان .. ووفرة النصوص الشرعية الدالة على ذلك .. وتشديد السلف الصالح على ذلك .. واعتبارهم شبهة الأمان أمان ..!
فيا من تريد أن ترفع عدوان العدو عنك وعن أمتك أذكرك بقول حبر الأمة ابن عباس t:" ما خَتَرَ قومٌ العهدَ إلا سلَّط الله عليهم العدو "؛ فإن أبيت إلا أن تنقض العهد، ولم تُراع له حرمة .. ثم سلَّط الله عليك العدو .. ومكَّنه منك .. فلا تلومَنَّ إلا نفسك!

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

5/6/1426 هـ.                          عبد المنعم مصطفى حليمة
          11/7/2005 م.                              أبو بصير الطرطوسي



إرسال تعليق

 
Top