GuidePedia

0
بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
          منذ سنوات قد أصدرت فتوى ـ هي مبثوثة ضمن الفتاوى المنشورة في موقعي على الإنترنت ـ بكفر وردة يوسف القرضاوي .. وقد عللت في حينها بعض الأسباب التي حملتني على تكفيره .. إلا أن من الناس المتعصبة للرجل ـ لغرض في نفوسهم ـ نشروا الفتوى من دون أن ينشروا الأسباب التي حملتني على القول بكفره .. مما جعل كثيراً من الناس يسألونني عن هذه الفتوى .. وعن موضعها من الفتاوى .. والأسباب التي حملتني على أصدار هذا الحكم بحق الرجل .. وأظن أن هذا السؤال سيتكرر ما دام الطرف المغرض الآخر ينشر الفتوى من دون أن ينشر الأسباب التي حملتنا على إصدار هذه الفتوى .. لذا أجد نفسي ملزماً بأن أعيد بيان الفتوى من جديد في مقال مستقل .. ليسهل مراجعته لمن يشاء أن يعرف الأسباب التي حملتني على إصدار هذا الحكم .. ولأقطع دابر الأسئلة والمراجعة حول المسألة من جديد.

          لكن قبل أن أبين الأسباب التي حملتني على القول بكفر الرجل .. لا بد من ذكر جملة من الأمور، ينبغي أن يعلمها الجميع:
          منها: أن الزمن الذي يتخذ الناس فيه الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله؛ فيُتابعونهم في الباطل، وفي تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله تعالى .. قد ولَّى وانقضى منذ أن منَّ الله علينا بالإسلام وبنبي الإسلام صلوات ربي وسلامه عليه .. ومنذ أن أنزل الله تعالى قوله في أهل الكتاب منكراً عليهم اتخاذهم لأحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله:) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ (التوبة:31. وذلك عندما أطاعوهم واتبعوهم في التحليل والتحريم من دون سلطان من الله تعالى؛ فأحلوا ما حرم الله، وحرَّموا ما أحل الله .. فكانت تلك ربوبيتهم من دون الله .. وذلك كان اتخاذهم أرباباً من دون الله.
          وقال تعالى:) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران:64.
          وبعد، فلا يطمع القرضاوي ولا من كان على شاكلته من الأحبار والرهبان .. ولا من كان وراءهم من الجماهير الضالة المغفَّلة .. أن نتخذهم أرباباً من دون الله بعد أن منَّ الله علينا بعقيدة التوحيد .. فنطيعهم ونتابعهم في معصية الله .. وفي التحليل والتحريم .. والتقبيح والتحسين .. من غير سلطان ولا إذن من الله تعالى.
          ومنها: أن العصمة ليست لأحدٍ بعد الرسول صلى الله عليه وسلم .. فلا يوجد أحدٌ ـ بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ـ معصوم عن الزلل والخطأ .. أو أن يُشار إليه بالكفر، لو وقع بمقتضاه وانتفت عنه موانعه .. فكل يُؤخذ منه ويُرد عليه .. يُقال له أصبت وأخطأت .. عدا النبي محمد صلى الله عليه وسلم .. وهذا من أبرز ما يُميز عقيدة أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الفرق الضالة التي وقع بعضها في الغلو والإفراط في الأشخاص، ووقع بعضها الآخر في الجفاء والتفريط!
ومنها: أن قاعدة رفع الملام عن الأئمة الأعلام ـ التي كثر عنها الحديث في الآونة الأخيرة بطريقة خاطئة ـ ليست على إطلاقها .. فهي تنفع عندما يقع العلَم في اجتهادٍ خاطئ .. أو حتى في كفر متشابه حمّال أوجه ومعانٍ .. وبخاصة إن كان هذا العلَم من ذوي الجهاد والبلاء في الله .. وممن له سابقة نصرة لهذا الدين .. فيُقدَّم بحقه تحسين الظن .. ويُلتمَس له العذر والتأويل ما أمكن .. أما إن وقع في الكفر البواح الذي لنا فيه برهان من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .. فحينئذٍ لا يتشفَّع له شيء .. ولا يمنع من تكفيره شيء؛ فالكفر يطاله ويُحمَل عليه ولا بد .. حتى لو كان من الأعلام والنبلاء .. وبخاصة إن كان هذا العَلَم يُرى كثيراً في قصور ومجالس الطواغيت الظالمين .. يؤاكلهم ويُشاربهم ويُداهنهم .. يخدم دنياهم وأنظمتهم الباطلة الفاسدة بدينه وعلمه .. كالقرضاوي.
ومنها: أن التكفير أو التفسيق أو التضليل والحكم على شخص معينٍ بأنه كافر أو فاسق أو ظالم أو ضال .. ونحوها من الاطلاقات الشرعية .. مرده لله تعالى وحده .. فالحكم له سبحانه وتعالى لا لأحدٍ سواه .. ) إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ (يوسف:40. فمن حكم الله عليه بالكفر حكمنا عليه بالكفر ولا بد .. ومن حكم الله له بالإيمان والإسلام حكمنا له بالإيمان والإسلام ولا بد .. فالمسألة من هذا الوجه مردها لله تعالى وحده .. وهي خاضعة لقواعد ونصوص شرعية لا مجال فيها للهوى .. أو للرغبات .. أو حب التشفي والانتقام.
لا بد من أن نحكم بما أنزل الله .. في الأعمال والأقوال وعلى الأشخاص .. ونرضى بحكم الله تعالى ونسلِّم له تسليماً، وإلا حُمل علينا قوله تعالى:) وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ .. فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .. فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (المائدة:44-47. وقد أخطأ من حصرَ هذه الآيات في الحكام والسلاطين دون غيرهم!
فحكم الله تعالى لا بد من أن يُحمَل على مستحقيه؛ على من وقع بموجبه أيَّاً كان؛ سواء كان كبيراً أو صغيراً .. وسواء كان فقيراً أو غنياً .. وسواء كان وضيعاً ضعيفاً أو شريفاً .. أما أن نُكفِّر من كفَرَ من الفقراء والضعفاء وصغار الشأن المغمورين .. ونتجرأ عليهم .. ثم إذا كفَرَ منا الشرفاء والأغنياء .. والأعلام .. والمشهورون .. تركناهم .. وتأولنا لهم ـ رهبة أو رغبة ـ فهذا الخلق ليس من الإسلام في شيء .. فالإسلام منه بريء .. وقد حذَّر منه .. ولما أراد أسامة بن زيد t أن يتشفع للمرأة المخزومية التي سرقت .. غضب النبيُّ صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً .. وتلون وجهه، وقال:" أتشفعُ في حدٍّ من حدود الله .. أتكلمني في حدٍّ من حدود الله .. فإنما أهلك الناس قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، والذي نفسُ محمدٍ بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " البخاري.
ومنها: أن العبرة بالخواتيم .. وبما يُختم به على المرء؛ فالمرء قد يعمل بعمل أهل الجنة طيلة حياته حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبقه الكتاب وما كُتب في الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيموت فيدخل النار، وإن المرء ليعمل بعمل أهل النار طيلة حياته حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبقه الكتاب وما كُتب في الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت، فيدخل الجنة، كما في الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" فوالذي نفسي  بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " متفق عليه.
          وقال صلى الله عليه وسلم:" لا تعجبوا بعمل أحدٍ حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من دهره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً، وإن العبد ليعمل زماناً من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح، ثم يقبضه عليه "[[1]]. نسأل الله تعال الثبات وحسن الختام.
          ونحن نعترف أن للقرضاوي بدايات طيبة .. وبعض الكتابات الطيبة .. يُستفاد منها ..  لو ثبت عليها .. ولم يغير ولم يُبدل .. ونأى بنفسه عن مجالسة الطواغيت الظالمين .. وعن تزكيتهم .. لكن ـ عما يبدو وللأسف ـ قد غرّته بداياته .. وظن أنها تعصمه من الكفر .. وتجعله فوق أن يُشار إليه بالكفر .. أو الزلل .. مهما بدر منه من قول أو عمل!
          بِلعَام بن باعوراء كان أكثر منه عِلماً .. وكان ممن وُضع لهم القبول، وقد آتاه الله الآيات والكرامات .. وقيل أن دعاءه كان لا يُرَد .. فغرَّه ذلك من نفسه .. فدعا لقومه الكافرين الجبّارين على موسى ومن معه من المؤمنين بأن يرد الله بأسهم عن قومه .. ولم يفعل شيئاً آخر غير ذلك .. فانسلخ مباشرة من آيات الله .. وأنزل الله تعالى فيه آياتٍ كريمات تُتلى إلى يوم القيامة .. لتكون عبرة وعظة لمن يأتي بعده من البلاعمة الذين يسيرون على نهج وسيرة سلفهم الأول بلعام بن باعوراء .. فيجمعون بين العلم والانسلاخ منه، كما قال تعالى:) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف:175-176.
          فإن عُلم هذا الذي تقدم .. نبين الآن أوجه التبديل والتغيير والانسلاخ عند الرجل .. والأسباب التي حملتنا على القول بكفره وردته، أجملها في النقاط التالية:
          أولاً: إغاثته لكبير الأصنام في أفغانستان الذي يُعبد صراحة من دون الله .. وسعيه ـ نزولاً عند رغبة طواغيت الحكم ـ لإنقاذه .. وثني المجاهدين عن تحطيمه وإزالته .. وهذا مما هو معلوم وثابت عنه لا يُجادل في ذلك أحد .. فالرجل لم يقصد أفغانستان طيلة مراحل الجهاد التي مرت بها البلاد .. إلا مرة واحدة .. وهو عندما أراد أن ينقذ الطاغوت كبير الأصنام الذي يُعبد من دون الله من التحطيم والإزالة .. لم تُحركه دماء وأشلاء مئات الآلاف من المسلمين الأبرياء .. بينما من أجل الطاغوت الصنم قد تحرك وشد الرحال نزولاً عند رغبة وإرادة الظالمين!
          وهذا العمل في شرع الله تعالى كفر بواح .. لا خلاف فيه .. فهو يتنافى مع التوحيد وركنه وشرطه؛ وهو الكفر بالطاغوت والبراء منه ومن عابديه .. كما قال تعالى:) فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة:256. فالعروة الوثقى هي لا إله إلا الله .. فالذي يأتي بالركنين معاً: الكفر بالطاغوت .. ويؤمن بالله .. فهذا الذي يكون قد استمسك بالتوحيد وشهادة التوحيد .. أما من أتى بأحد الركنين دون الآخر .. فهذا لا يكون ممن استمسك بالعروة الوثقى .. ويكون ممن نقض التوحيد وأبطله بإتيانه لضده .. وبقوله بالشيء وضده في آنٍ معاً. 
وقال تعالى:) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ (النحل:36. وقال تعالى:) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (الزمر:17. والقرضاوي لم يجتنب الطاغوت بل دافع عن الطاغوت .. وجادل عنه .. وعن حيات وبقاء الطاغوت مع علمه أن هذا الصنم الطاغوت يُعبد صراحة من دون الله U .. وقوله عنه أنه آثار وهو يُدافع عن الآثار .. هو من الكذب المفضوح .. ومن الجدال عن الطاغوت الذي يُعبد من دون الله!
وقال تعالى:) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (الممتحنة:4. فأين صنيع القرضاوي هذا من هذا البراء ...؟!
فالرجل بفعله هذا ـ أقل أحواله ـ أنه جادل عن الشِّرك .. ورضي للشرك أن يبقى شامخاً قائماً .. والرضى بالكفر كفر بلا خلاف .. قال تعالى:) إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (النساء:48.
ثانياً: الفتوى الشهيرة التي صدرت عن الرجل، والتي تنص على أن للمسلمين في أمريكا أن يتجندوا للقتال مع الجيش الصليبي الأمريكي .. وأن يُقاتلوا مع الجيش الأمريكي ضد المجاهدين والمسلمين في أفغانستان .. وغير أفغانستان .. من قبيل وتعاونوا على البر والتقوى ـ كما زعم! ـ وأنهم ـ حتى لا يُشكك بولائهم الوطني ـ يجب عليهم أن يُغلبوا ولاءهم الوطني .. وللوطن الأمريكي .. على ولائهم لله .. وللعقيدة .. وأخوة العقيدة والدين!!
فمن كلماته في ذلك التي أُثِرت عنه ونُشِرت، قوله:" إن هذا السؤال يعرض قضية شديدة التعقيد وموقفاً بالغ الحساسية يواجهه إخواننا العسكريون المسلمون في الجيش الأمريكي، وفي غيره من الجيوش التي قد يوضعون فيها في ظروف مُشابهة .. ( فهي إذاً فتوى موجهة إلى إخوانه العسكريين الأمريكيين وغيرهم من إخوانه العسكريين الآخرين الذين يخدمون في جيوش الطواغيت الظالمين .. والمماثلة ظروفهم لظروف إخوانه العسكريين الأمريكيين ).
الواجب على المسلمين كافة أن يكونوا يداً واحدة ضد الذين يروعون الآمنين .. يجب على إخواننا العسكريين المسلمين في الجيش الأميركي أن يجعلوا موقفهم هذا ـ وأساسه الديني ـ معروفيْن لجميع زملائهم ورؤسائهم .. نرى ضرورة البحث عن الفاعلين الحقيقيين لهذه الجرائم، والمشاركين فيها بالتحريض والتمويل والمساعدة .. وهذا كله من واجب المسلمين المشاركة فيه بكل سبيل ممكنة، تحقيقاً لقوله تعالى:) وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة:2. .. ولكن الحرج الذي يصيب العسكريين المسلمين في مقاتلة المسلمين الآخرين، مصدره أن القتال يصعب ـ أو يستحيل ـ التمييز فيه بين الجناة الحقيقيين المستهدفين به، وبين الأبرياء الذين لا ذنب لهم في ما حدث، وأن الحديث النبوي الصحيح يقول:" إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار، قيل هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: قد أراد قتل صاحبه " رواه البخاري ومسلم. والواقع أن الحديث الشريف المذكور يتناول الحالة التي يملك فيها المسلم أمر نفسه فيستطيع أن ينهض للقتال ويستطيع أن يمتنع عنه، وهو لا يتناول الحالة التي يكون المسلم فيها مواطناً وجندياً في جيش نظامي لدولة، يلتزم بطاعة الأوامر الصادرة إليه، وإلا كان ولاؤه لدولته محل شك مع ما يترتب على ذلك من أضرار عديدة.
يتبين من ذلك أن الحرج الذي يسببه نص هذا الحديث الصحيح إما أنه مرفوع، وإما أنه مغتفر بجانب الأضرار العامة التي تلحق مجموع المسلمين في الجيش الأميركي، بل وفي الولايات المتحدة بوجه عام، إذا أصبحوا مشكوكاً في ولائهم لبلدهم الذي يحملون جنسيته، ويتمتعون فيه بحقوق المواطنة، وعليهم أن يؤدوا واجباتها.
وأما الحرج الذي يسببه كون القتال لا تمييز فيه؛ فإن المسلم يجب عليه أن ينوي مساهمته في هذا القتال أن يحق الحق ويبطل الباطل، وأن عمله يستهدف منع العدوان على الأبرياء أو الوصول الى مرتكبيه لتقديمهم للعدالة، وليس له شأن بما سوى ذلك من أغراض للقتال قد تنشئ لديه حرجاً شخصياً، لأنه لا يستطيع وحده منعها ولا تحقيقها، وإنما الأعمال بالنيات، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها ... فاذا كان يترتب على امتناع المسلمين عن القتال في صفوف جيوشهم ضرر على جميع المسلمين في بلادهم ـ وهم ملايين عديدة ـ وكان قتالهم سوف يسبب لهم حرجاً أو أذى روحياً ونفسياً، فإن الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام، كما تقرر القاعدة الفقهية الأخرى .. وإذا كان العسكريون المسلمون في الجيش الاميركي يستطيعون طلب الخدمة ـ مؤقتاً أثناء هذه المعارك الوشيكة ـ في الصفوف الخلفية للعمل في خدمات الإعاشة وما شابهها ـ كما ورد في السؤال ـ من دون أن يسبب لهم ذلك، ولا لغيرهم من المسلمين الأمريكيين، حرجاً ولا ضرراً فإنه لا بأس عليهم من هذا الطلب. أما إذا كان هذا الطلب يسبب ضرراً أو حرجاً يتمثل في الشك في ولائهم، أو تعريضهم لسوء ظن، أو لاتهام باطل، أو لإيذائهم في مستقبلهم الوظيفي، أو للتشكيك في وطنيتهم، وأشباه ذلك، فانه لا يجوز عندئذ هذا الطلب.
والخلاصة: أنه لا بأس ـ إن شاء الله ـ على العسكريين المسلمين من المشاركة في القتال في المعارك المتوقعة ضد من تُقَرِّر دولتهم أنهم يمارسون الإرهاب ضدها، أو يؤوون الممارسين له ويتيحون لهم فرص التدريب والانطلاق من بلادهم، مع استصحاب النية الصحيحة على النحو الذي أوضحناه، دفعاً لأي شبهة قد تلحق بهم في ولائهم لأوطانهم، ومنعاً للضرر الغالب على الظن وقوعه، وإعمالاً للقواعد الشرعية التي تبيح بالضرورات ارتكاب المحظورات، وتوجب تحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد، والله تعالى أعلم وأحكم "اهـ [ المصدر: إسلام أون لاين ].
يُرد على كلامه أعلاه، من وجهين أو منظورين: منظور واقع الفتوى وأثرها، ومنظور موقف الشّرع منها.
أما منظور واقع الفتوى وأثرها، فقد وقع صاحبها في مزالق وتناقضات خطيرة جداً، منها: اعتباره أن العسكريين المسلمين الأمريكيين لا خيار لهم سوى الرضى والموافقة على القتال .. وفاته ـ أو تعامَى ـ أن الخدمة العسكرية في الجيش الأمريكي، وغيره من الجيوش الأوربية تطوعية لا إكراه فيها .. فالفرد هو بنفسه .. ومن تلقاء نفسه .. ومن دون أن يُطلب منه أو يُكره على شيء .. يُقدم طلباً للالتحاق بعساكر تلك الجيوش .. وبالتالي .. حديثه عن الإكراه .. والضرورات .. كلام ساقط لا اعتبار له .. وهو من قبيل التلبيس على الناس .. ولكي يبرر جرمه الذي أقدم عليه!
ومنها: عندما تقرر أمريكا وغيرها من الدول الصليبية محاربة الإرهاب والإرهابيين .. فهي عملياً وواقعاً تقرر محاربة الإسلام والمسلمين .. تحت ستار وغطاء محاربة الإرهاب والإرهابيين .. وهذا أمر يعلمه صغار المراقبين والمتابعين للأحداث .. فكيف فات وغفل عن هذه الحقيقة العلاَّمة الفهّامة .. وحيد عصره؟!
والسؤال الذي يُطرَح على العلامة الفهّامة .. فقيه عصره: هل لمجرد أن تقرر هذه الدول الصليبية أنها تريد محاربة الإرهاب والإرهابيين ـ وهي حقيقة وواقعاً تعني الإسلام والمسلمين ـ يجب على المسلمين في تلك الدول أن يلبوا النداء للقتال معهم .. وينخرطوا في عساكرهم لمقاتلة المسلمين .. الإرهابيين .. كما يزعمون .. وكما يقررون؟!
ومنها: بعد مرور سنوات على كلامه والفتوى التي أصدرها أعلاه .. وبعد أن لبى من لبى من المسلمين الأمريكيين للقتال مع الجيش الأمريكي .. ما الذي حصل .. وكيف استخدمت أمريكا كلامه أعلاه  .. وكلام أمثاله من شيوخ الضلالة؟!
ها هم قد غزوا بلداً بكاملها وأسقطوا دولته الإسلامية المتمثلة في حينها  بدولة " الطالبان " .. واستبدلوها بحكومة عميلة خائنة كافرة مسلوبة الإرادة والقرار .. وقتلوا المسلمين في مساجدهم ركعاً سجداً .. وبالآلاف .. إن لم يكن بعشرات الآلاف .. كم من عرس وفرح قلبوه على أهله مأتماً وحزناً بواسطة صواريخهم وقاذفاتهم .. ولم يكتفوا بذلك .. فأتبعوا بأفغانستان العراق .. فغزوها .. وقتلوا عشرات الآلاف من أهلها المسلمين المسالمين .. وانتهكوا الأعراض .. وجميع الحرمات .. وهم فعلهم هذا كله .. يبررونه .. بضرورة ملاحقة ومحاربة الإرهاب والإرهابيين زعموا .. وفتوى العلامة الفهَّامة .. تلزم بالقتال مع الجيش الأمريكي متى يقرر قادته أنهم يُحاربون الإرهاب والإرهابيين ..!!
فأنت يا قرضاوي ـ بفتواك أعلاه ـ شريك الغزاة الصليبيين في جميع جرائمهم التي ارتكبوها في بلاد المسلمين .. ولك مثل وزرهم .. فاستعد للقصاص والمحاسبة .. عندما يكون خصمك يوم الحساب آلاف النساء التي انتهكت حرماتهن .. وآلاف الشيوخ الذين قُتِّلوا في مساجدهم وهم ركعاً سجداً .. وآلاف الأطفال الذين يُتموا على أيدي الغزاة المعتدين .. استعد للحساب .. وأعد للسؤال جواباً من الآن!!
أهذا هو البر والتقوى الذي تأمر الناس بأن يتعاونوا عليه .. وتحمل عليه ـ كذباً وزوراً وتلبيساً على الناس دينهم ـ قوله تعالى:) وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة:2.
ما أجرأك على الكذب .. وأن تقول على الله غير الحق؟!
في الدنيا .. تسخر من محدثيك .. وتنافق كالثعلب .. وتستخدم مهاراتك الكلامية والجدلية .. وترمي مخالفيك .. بأنهم لم يفهموا فتواك ولا كلامك .. وأنهم من العوام الذين يُغلّبون فقه الظواهر على المقاصد .. هذا تقوله في الدنيا .. لكن ما عساك أن تقول يوم الحساب .. في محكمة قاضيها رب العالمين .. وخالق الخلق سبحانه وتعالى؟!
أنت ـ يا قرضاوي ـ تعلم أكثر من غيرك قوله صلى الله عليه وسلم:" مَن أُفتِيَ بغيرِ علمٍ كان إثمه على من أفتاه ". فحذار أن تتملص .. وتتهرب ـ كالثعلب وكما هي عادتك ـ من المسؤولية؟!
ومنها: أن الرجل قد ميّع الدين كله عندما وجد في القاعدة الشرعية الصحيحة التي تنص على فقه الموازنات وضرورة ترجيح المصالح عند تضاربها .. مدخلاً لهواه .. ولباطله .. فجعل المرجوح راجحاً .. والراجح مرجوحاً .. والباطلَ حقاً .. والحق باطلاً .. والبر والتقوى إثماً وعدواناً، والإثم والعدوان براً وتقوى .. والمصلحة الكبرى مصلحة صغرى والمصلحة الصغرى مصلحة كبرى .. والمفاسد مصالح .. والمصالح مفاسد .. بحسب ما يهوى .. وبحسب المناسبة .. وما يُطلَب منه .. والجهة التي تطلب منه .. وما يريده الجمهور .. أو المستمعون .. وهذا منهج أدى بالرجل للوقوع في الزندقة .. إذ نراه كلما رُوجِع في خطأ من أخطائه .. وبُين له أن خطأه مخالف لنصوص الشريعة .. سرعان ما يتفلّت كالثعلب ـ ومن دون أن يعترف بخطئه ـ ويرد المنتقدين والمخالفين له .. إلى قاعدته التي يقبع خلفها قاعدة " فقه الموازنات " .. وأن المخالفين له من العوام الذين يُغلبون فقه الظواهر على المقاصد؟!
وفيما يتعلق بكلامه أعلاه .. نسأله .. أين تكمن المصلحة الكبرى .. وما الذي تقضي به قاعدة فقه الموازنات .. وما الذي يقرره النقل والعقل: أن يقتل المسلم أخاه المسلم ويُعين الكافر على قتله .. مقابل أن يُحافظ على مستقبله الوظيفي، وحتى لا يُساء به الظن، ويُشكك بولائه الوطني .. أم يُضحي بمستقبله الوظيفي وإن سيء به وبولائه الوطني الظن .. ولا أن يقتل المسلمين سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق مساعدة الآخرين على قتلهم ...؟!!
العلامة الفهّامة! .. يقول ـ كما في كلامه أعلاه ـ أن فقه الموازنات يقضي بتقديم ومراعاة مصلحة المستقبل الوظيفي، والسمعة الوطنية الجيدة ... على مصلحة حرمات ودماء المسلمين؟!
بينما صغار المسلمين يعلمون أن هذا الذي ذكره الرجل ـ بالنص وإجماع جميع العلماء والعقلاء من تقدم منهم ومن تأخر ـ لا يبرر للمسلم أن يعتدي على ظفر أخيه المسلم .. فضلاً عن أن يكون مبرراً لقتله أو التعاون على قتله!
قال تعالى:) وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (النساء:93.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمَّتهم أدناهم، ويُجيرُ عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على مَن سواهُم، يَردُّ مُشِدُّهُم على مُضعِفهم، ومُتَسَرِّعِهم على قاعِدهم، لا يُقتَلُ مؤمنٌ بكافرٍ، ولا ذُو عهدٍ في عهده "[صحيح سنن أبي داود:2391].  
وقال صلى الله عليه وسلم:" ما من امرئٍ يَخذُلُ امرءاً مسلماً في موطنٍ يُنتقصُ فيه عِرضُه، ويُنتهكُ فيه من حُرمَتِه، إلا خذَلَه اللهُ تعالى في موطنٍ يُحبُّ فيه نصرَتَهُ، وما مِن أحدٍ ينصرُ مُسلماً في موطنٍ يُنتقَصُ فيه من عِرضهِ، ويُنتهكُ فيه من حُرمتِه، إلا نصرَهُ اللهُ في موطنٍ يُحبُّ فيه نصرتَهُ "[صحيح الجامع:5690].
وقال صلى الله عليه وسلم:" المؤمنُ من أهلِ الإيمان بمنزلة الرأسِ من الجسد، يألَمُ المؤمنُ لما يُصيبُ أهلَ الإيمان، كما يألَمُ الرأسُ لما يصيبُ الجسدَ "[صحيح الجامع:6659].
وقال صلى الله عليه وسلم:" ترى المؤمنين في تراحُمِهم وتوادِّهم، وتعاطُفِهم، كمثلِ الجسدِ إذا اشتكى عضواً تداعى لهُ سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى " متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم:" المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظلِمهُ ولا يُسْلِمه " متفق عليه. اي لا يُسلِمه للظلم، ولعدوان المعتدين.
وقال صلى الله عليه وسلم:" كلُّ المسلمِ على المسلم حرامٌ: مالُه، وعِرْضُه، ودَمُه، حَسْبُ امرئٍ من الشرِّ أن يحقرَ أخاه المسلم " مسلم. 
وعن أبي بكرة الثقفي، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، خطبَ الناسَ ـ وذلك يوم حجة الوداع ـ فقال:" ألا تدرون أي يُومٍ هذا؟" قالوا: الله ورسولُه أعلم، قال:" فسكتَ حتى ظننَّا أنه سيُسمِّيه بغيرِ اسمه، فقال:" أليس بيوم النحر؟" قلنا: بلى يا رسولَ الله، قال:" أي بلدٍ هذه؛ أليست بالبلدةِ الحرام؟" قلنا: بلى يا رسولَ الله، قال:" فإن دماءَكم، وأموالَكُم، وأعراضَكم، وأبشارَكم عليكم حرام، كحرمة يومِكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلَّغت؟" قلنا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ؛ فإنه رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبلِّغُه مَن هو أوعَى له " فكان كذلك، قال:" لا ترجعوا بعدي كفَّاراً يَضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ " متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم:" لا يحلُّ للرجلِ أن يأخذَ عَصا أخيه بغير طِيبِ نفسِه؛ وذلك لشدَّة ما حرَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من مالِ المسلمِ على المسلمِ "[رواه أحمد وغيره].
وقال صلى الله عليه وسلم:" سُبابُ المسلمِ فسوقٌ، وقتالُه كفرٌ " متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا شهَرَ المسلمُ على أخيهِ سلاحاً؛ فلا تزالُ ملائكةُ الله تلعنُه حتى يَشيمَهُ عنه "[السلسة الصحيحة:3973].
وقال صلى الله عليه وسلم:" إنَّ الملائكةَ لتلعنُ أحدَكُم إذا أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ، وإن كان أخاهُ لأبيه وأُمِّه " مسلم. فكيف بالذي يرميه بالصواريخ والقنابل .. ويقتل من المسلمين ـ بواسطة الطيران والصواريخ ـ الآلاف .... وغيرها عشرات من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة التي تبين غِلظة حرمة المسلم على أخيه المسلم .. لكن هذه النصوص الشرعية ـ عند الرجل ـ كلها في كفة .. والمستقبل الوظيفي للجندي المقاتل مع العدو الكافر في كفة .. ومصلحة المستقبل الوظيفي للجندي المقاتل مع العدو الكافر ترجح عند القرضاوي .. على هذه النصوص الشرعية كلها .. وعلى مصلحة المسلمين ودمائهم وحرماتهم كلها .. كما تملي عليه قاعدته " فقه الموازنات "!!
الإكراه الصريح المحقَّق يبرر للمرء أن يقول كلمة الكفر .. وأن يُضحي بما هو أقل منه قيمة وحرمة .. لكن لا يبرر له قتل أخيه المسلم .. حتى لو هُدّد وأكره بالقتل ـ وليس فقط خسرانه لمستقبله الوظيفي ـ وكان قتله محققاً إن لم يفعل ما يُطلَب منه .. فالنص والإجماع على أن المُكرَه يُقتَل .. ويؤثر القتل لنفسه ولا يَقتُلَ أخاه .. لتساويهما في القيمة والحرمة .. فلا يجوز أن يفدي نفسه بأخيه!
هذا مثال عن فقه الموازنات كما يفهمه الرجل .. وكيف يسيء استغلاله واستعماله .. ولو أردنا أن نتتبع ما يمرره الرجل من باطل صراح .. تحت عنوان فقه الموازنات .. وفقه المصالح .. لكتبنا في ذلك مجلدات .. وليس مجلداً واحداً!
ومنها: أن حديثه عن " استصحاب النية " يثير الضحك والحزَن في آنٍ معاً .. فهو يعني من قوله عن استصحاب النية .. أن على إخوانه من الجنود الأمريكيين المسلمين .. عندما يقتلون المسلمين الأفغان .. ويقتلون أطفالهم ونساءهم .. أن يقصدوا وينووا من فعلهم هذا .. أنهم يقتلون الإرهابيين .. وأن مرادهم ونيتهم من قتل المسلمين التعاون على البر والتقوى .. وهذه النية تظل تصحبهم ـ حتى لا يقعوا تحت طائل الشعور بالندم والمؤاخذة ـ طيلة الفترة التي يُمارسون فيها عملية القتل للمسلمين ....؟!
أرأيتم التضليل .. والكذب .. والقول على الله غير الحق .. وعن سابق علم وإصرار .. فأنا متيقن أن الرجل يعلم أن هذا الكلام باطل نقلاً وعقلاً .. وأن النية الحسنة لا تبرر فعل الخطأ .. وأن أي عمل يُشترط له شرطان لا يُقبل إلا بهما معاً: سلامة القصد والنية، والإخلاص .. وأن يكون العمل مباحاً ومشروعاً .. فالرجل يعلم هذا كله .. ومع ذلك يتنكر لما يعلم .. ويُفتي بخلاف ما يعلم!
فقوله عن استصحاب النية والمسلم يقتل أخاه المسلم .. أشد بكثير من أن يفتي المرءَ بالزنى .. شريطة أن يستصحب نية التحصن وهو يزني .. أو نية التقوي على الطاعة .. أو ينصح المرءَ بأن يسرق شريطة أن يستصحب نية التصدق والإحسان على الفقراء .. فإن النيات ـ عند القرضاوي ـ تبرر فعل الجرائم .. والمنكرات .. والموبقات!
هذا بعض ما يؤخذ على فتوى الرجل وكلامه أعلاه من حيث واقع وأثر الفتوى .. وما نتج عنها .. أما من حيث المنظور أو البعد الشرعي العقدي .. فبيانه كالتالي:
فأقول: كلامه أعلاه كفر بواح .. يتضمن مزالق عقدية عدة:
منها: أنه أجاز وأباح للمسلم أن يكون جندياً في عسكر الكفر والشرك .. يُقاتل مع الكافرين والمشركين .. ضد المسلمين، وهذا كفر بواح، لقوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (المائدة:51. ولقوله تعالى:) لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ (آل عمران:28. ولقوله تعالى:) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (المائدة:81. فاتخاذهم أولياء دليل على انتفاء الإيمان بالله والنبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليه. وقال تعالى:) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً الكهف:102. فإن قدروا على أن يتخذوهم أولياء من دون الله .. خرجوا من دائرة العبودية لله .. ومن صفة كونهم عباد الله .. وغيرها كثير من الآيات القرأنية التي تدل على كفر من يُظاهر الكافرين المشركين على المسلمين .. وديارهم وحرماتهم .. كما أن إجماع أهل العلم منعقد على كفر من ظاهر الكافرين المشركين على المسلمين.
ومنها: أنه يتضمن تحليل ما حرم الله تعالى .. ولما هو معلوم حرمته من ديننا بالضرورة .. وهو مظاهرة الكافرين المشركين على المسلمين .. فهذه زيادة في الكفر .. فتحليل ما حرم الله تعالى كفر بلا خلاف .. فهو لم يُظاهر المشركين وحسب .. بل أحلّ وحسَّن مظاهرة الكافرين والمشركين على المسلمين .. والتطوع في عسكر وجيوش الكافرين والمشركين لأغراض دنيوية واهية .. وخاطب المتطوعين منهم للقتال في جيوش الكفر والشرك .. بأنهم إخوانه المسلمين .. وهذا زيادة في الكفر .. يُغلّظ الكفر ويُضاعفه. قال تعالى:) وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (النحل:116. وقال تعالى:) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (النحل:107. 
ثم نسأل أيهما أشد جرماً وإثماً بلعام بن باعوراء الذي تقدم الحديث عنه .. والذي اقتصر جرمه فقط على أن دعا الله لقومه الكافرين على المؤمنين المسلمين، فأنزل الله فيه قوله تعالى:) فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا (الأعراف:176.  أم القرضاوي الذي أباح للمسلمين بأن يُقاتلوا مع الكافرين المشركين ضد المسلمين .. وحضّهم عليه .. ورغبهم فيه .. وأوجب عليهم طاعة المشركين في ذلك .. وتمنى لهم النصر والظفر على المسلمين المجاهدين .. وزعم ـ ضاحكاً عليهم ـ أن ذلك من الدين .. ومن التعاون على البر والتقوى .. لا شك أن القرضاوي بفعله هذا أشد جرماً وإثماً وكذباً من سلفه وأستاذه بلعام بن باعوراء! 
ومنها: أنه جعل من الوطن وثناً يُعبَد من دون الله .. يُعقَد فيه الولاء والبراء .. وتُقدم الموالاة فيه وعلى أساس الانتماء إليه على الموالاة في الله وفي العقيدة .. وتُقدم حقوقه .. وحقوق المواطنة على حق الله تعالى .. وحق أخوة الإسلام .. وما توجبه عقيدة التوحيد .. وما أكثر كلمات الرجل الدالة على هذا المعنى لو أردنا أن نتتبع كلماته في مقالاته الأخرى .. وهذا كفر بواح .. قال تعالى:) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ (؛ أي يوالون فيهم ويُعادون كما يوالون ويعادون في الله ) وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (البقرة:165.
وقال تعالى:) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ . تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ . إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (الشعراء:98. أي يسوون الأنداد والأوثان برب العالمين في المحبة .. والطاعة .. والموالاة والمعاداة .. فيوالون بهم ويعادون كما يوالون في الله ويُعادون .. فتلك كانت تسويتهم للأنداد والأوثان برب العالمين!
ثالثاً: من الأسباب كذلك التي حملتنا على القول بكفره .. استخفافه واستهانته بالخالق سبحانه وتعالى وهو على المنبر في خطبة الجمعة .. وعلى الملأ .. وعبر الأثير .. بعد أن حيى الانتخابات الديمقراطية الإسرائيلية .. وأثنى عليها خيراً، وقارن بينها وبين الانتخابات التي تحصل لبعض حكام العرب الذين يحصلون فيها على نسبة 99,99%  قال:" هذا مما نحمده في إسرائيل، نتمنى أن تكون بلادنا مثل هذه البلاد؛ من أجل مجموعة قليلة يسقط واحد، والشعب هو الذي يحكم، ليس هناك التسعات الأربع أو التسعات الخمس التي نعرفها في بلادنا؛ تسعة وتسعين وتسعين من المائة ( 99,99% )، لو أن اللهَ عرَضَ نفسَه على الناس ما أخذَ هذه النسبة، ما هذا الكذب والغش والخداع، نُحيي إسرائيل على ما فعلت ..."ا- هـ.
ولما عُرِضت مقولته هذه على الشيخ ابن العثيمين قال:" أعوذ بالله، يجب أن يتوب، يتوب من هذا وإلا فهو مرتد؛ لأنه جعل المخلوق أعظم من الخالق فعليه أن يتوب إلى الله، والله يقبل التوبة من عباده، وإلا وجب على ولاة الأمور أن يضربوا عُنقَه "ا- هـ.
قلت: وقول من يقول بأن الشيخ ابن العثيمين رحمه الله لم يكن يعلم أن صاحب هذه المقولة الكفرية هو يوسف القرضاوي، ولو كان يعلم بأنه هو الذي قال هذا الكلام لما قال فيه ما قال ..!
أقول: هذا ظن .. وهو افتئات على الشيخ ابن العثيمين وتقويل له ما لم يقل .. فالذي يدعي عليه هذا الادعاء عليه بالبينة وأنى .. ثم علام بلغنا كلام الشيخ الأول بلفظه وصوته .. ولم يبلغنا استدراكه المشار إليه بلفظه وصوته ..؟!
وأياً كان الأمر، فإن الاستخفاف والطعن بالخالق سبحانه وتعالى .. مما لا يُعذر فيه كبير ولا صغير .. ولا عالم ولا متعلم .. ولا علَم ولا مغمور .. ولا يتشفع فيه تأويل ولا جهل .. ولا مانع من موانع التكفير إلا الإكراه .. والرجل يقيناً لم يكن مكرهاً .. بل كان ـ ولا يزال ـ متكبراً قد أخذته العزة بالإثم .. فهو على ما قيل فيه وفي مقولته .. ومن قِبَل عدد من أهل العلم .. لم يتراجع .. ولم يستغفر .. ولم يتب ويعتذر إلى خالقه!
لا نريده أن يعتذر للمخلوق .. وإنما يعتذر لخالقه؛ فيتوب ويستغفر الله .. ما أجملها منه لو قال في الخطبة التي تلت خطبته الآنفة الذكر: قد قلت في الخطبة السابقة كذا وكذا .. وهذا الكلام لا يجوز أن يُقال في حق الله .. وقد سقط مني سهواً وأنا لا أريده ولا أقصده .. وأستغفر الله وأتوب إليه .. ما أجملها منه لو فعل ذلك .. لكنه الكبر قد صده عن الحق .. والرجوع إلى الحق .. والتذلل للحق!
قال تعالى:) مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً . وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً (نوح:13-14. وقال تعالى:) يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ (التوبة:74. وقال تعالى:) قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (التوبة:65-66. والذين نزلت فيهم هذه الآيات فكفروا بعد إيمانهم قالوا كلاماً أقل خطورة من كلام القرضاوي أعلاه .. ومع ذلك قال تعالى عنهم:) قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (.
رابعاً: قوله بالديمقراطية بمعناها الإباحي الكفري، ومطالبته بفرضها على المسلمين في بلادهم: حرية الاعتقاد والارتداد عن الدين .. وحرية تشكيل وتعدد الأحزاب الكفرية المرتدة، بكل اتجاهاتها بما فيها الأحزاب الشيوعية الملحدة .. وما يتبع ذلك من نشاطات لتلك الأحزاب الكافرة المرتدة مؤداها إلى إفساد البلاد والعباد .. وصدهم عن دين الله .. وإغراق السفينة وجميع من فيها .. ثم التحاكم إلى الأكثرية المزعومة من الشعب والجماهير عبر صناديق الاقتراع .. والشعب هو الذي يختار النظام الذي يشاء .. والحاكم الذي يشاء .. وخياره مقدس لا يُرد .. يعلو ولا يُعلى عليه .. حتى لو اختار الكفر والإلحاد .. واختار الكافر الملحد المرتد .. ورفَض الإسلام ودولته .. فدولة الإسلام حينها ـ وبحسب تعبير القرضاوي الديمقراطي ـ: " اتروح في داهية " .. هذه الحرية الإباحية ـ بمعناها الآنف الذكر ـ والعمل من أجلها والمطالبة بها مقدم ومفضل ـ عند الرجل ـ عن المطالبة بتحكيم شرع الله .. والعمل من أجل تطبيق شرع الله .. وهو لا يتردد في أن يوصي المسلمين في بلاد الغرب وغيرها بأن ينخرطوا وينتموا إلى الأحزاب العلمانية المتنفذة في تلك البلاد .. على مال تتضمن تلك الأحزاب من تصورات واعتقادات تناهض وتغاير الإسلام وعقيدة الإسلام .. وإليك أيها القارئ بعض كلماته الدالة على هذه المعاني الكفرية الآنفة الذكر، والتي أكثرها منشور في موقعه:" بالنسبة لأي حزب ينشأ في المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية يهمني أمران أساسيان: أن يحترم الإسلام وغير الإسلام .. يعني يحترم الأديان كلها .. الثاني أن لا يكون هذا الحزب امتداداً لجهة خارجية كأمريكا أو روسيا .. القول بأننا نطالب الآخرين بأن يسمحوا لنا بتشكيل حزب شيوعي .. ثم إذا وصلنا إلى الحكم لا نسمح للشيوعيين والعلمانيين بتشكيل أحزاب سياسية .. هذا طرح خلاف الفقه الذي ندعو إليه ونؤمن به، بعض الناس يقولون: إن الإسلاميين من حقهم فقط والآخرون لا وجود لهم، لا؛ نحن نسمح للآخرين ... بما فيهم الشيوعيين إذا كانوا سيحترمون الدستور .. لا يليق حتى أخلاقياً إذا وصلنا عن طريق التعددية أن نمنع الآخرين .. لا يجوز هذا .. فالبعض يقولون: بعدما نحكم بالإسلام يعني نعرض أنفسنا إننا نسقط في الانتخابات؟ والله إذا بعد أن حكمت في الإسلام وصارت السلطة في يدك، وفي يدك مقاليد الأمور ثم أسأت حتى فقدت ثقة الناس .. يستهلوا إيروحوا في داهية .. التعددية الدينية، والتعددية الثقافية، والتعددية الحزبية كل هذه التعدديات شرعها الإسلام .. نحن ندعو المسلمين في المجتمعات الأوربية والأمريكية أن يشاركوا ولا ينعزلوا .. وحتى لا مانع أن ينضموا إلى أحد الأحزاب .. حتى في الدين من حق الإنسان أن يختار الدين الذي يراه .. شُرع القتال من أجل الحرية .. الإسلام يُقاتل من أجل تقرير الحرية للبشر .. كل الحريات متاحة لغير المسلمين: الحرية الدينية، والحرية المدنية، والحرية الفكرية، والحرية السياسية؛ كل الحريات متاحة لهم .. يفرق في حد الردة بين من خرج من الإسلام وكانت ردته عادية .. وبين من خرج على الإسلام وكانت ردته مثيرة للفتنة وتشكل خطراً على المجتمع .. فالأول لا حد عليه .. والآخر هو الذي يُطبق عليه الحد .. إحنا قلنا إنه ليس العقاب على الخروج من الدين، العقاب على الفتنة التي يثيرها المرتد .. كل شيء ممنوع مرغوب .. الكتب تُخدَم بالمنع .. مثل كتاب آيات شيطانية لسلمان رشدي .. حينما نمنع هذه الكتب التافهة نفتح لها أبواب الشهرة .. أنا لا أدعو إلى مصادرتها إطلاقاً .. أنا أفضل تحقيق الحريات على تطبيق الشريعة الإسلامية .. قلت في بعض برامجي إن تحقيق الحريات العامة للشعوب مقدم عندي على تطبيق الشريعة الإسلامية .. إطلاق الحريات في العالم العربي أهم من تطبيق الشريعة الإسلامية .. حكم النظام العلماني في بعض البلاد التي لا توجد بها أغلبية دينية ظاهرة قد يكون أفضل من الحكم الديني المتعصب؛ لأنه يقسم السلطة والثروة ويتيح الفرص للجميع .. كما في الهند .. هل الديمقراطية كفر .. هل الديمقراطية التي تتنادى بها شعوب العالم، والتي تكافح من أجلها جماهير غفيرة في الشرق والغرب .. هل هذه الديمقراطية منكر أو كفر كما يردد بعض السطحيين المتعجلين .. الواقع الذي يتأمل جوهر الديمقراطية يجد أنه من صميم الإسلام "ا- هـ. وغيرها كثير من الاطلاقات والعبارات التي تُصيب قارئها بالصداع والتقيء .. التي تدعو إلى الإباحية المطلقة تحت غطاء الحرية .. والحريات .. والدعوة إلى الديمقراطية .. والتي مؤداها ـ ولا بد ـ إلى تغييب وإلغاء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. التي بها أصبحت أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس .. والتي من دونها تفقد الأمة المناعة والمقاومة .. وتغرق السفينة في بحور من المنكرات والفتن والكفر والشرك والأهواء .. وتفقد مباشرة صفة الخيرية والريادة بين الأمم!
لم نُرِد مما تقدم الاستقصاء .. والإحصاء .. فاستقصاء كلمات الرجل حول هذا الموضوع .. يستغرق مجلداً كاملاً .. وجهداً مضنياً على صاحبه أن يستعد للتقيء وهو يقوم بجمع كلمات وعبارات الرجل .. وهذا ما لا نقدر عليه الآن .. وإنما أردنا فقط التدليل على منهجه .. وصحة مأخذنا عليه .. كما أننا لو أردنا أن نرد على كلماته عبارة عبارة .. ونبين وجه الباطل والكفر فيها .. لربما كتبنا أيضاً في ذلك مجلداً .. وأحسب أن الباطل في كلمات الرجل أعلاه معلومة للجميع .. كما أنني رددت على بعض كلمات الرجل حول الديمقراطية والإباحية ـ التي يحلو له أن يسميها بالحريات ـ في كتابي " حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية " ما يغني عن الإعادة هنا .. فليراجعه من شاء.
خامساً: تغييبه وإلغائه لعقيدة الولاء والبراء في الإسلام .. عقيدة الموالاة والمعاداة في الله .. أوثق عرى الإيمان وأمتنها .. فآخى الكافرين والزنادقة الملحدين .. وأثنى خيراً على كثير من الطواغيت الظالمين الحاكمين .. لم يدع ملة من ملل الكفر والشرك .. والزندقة .. إلا وجادل عنها .. وقال عنهم هم إخواننا .. هم منا ونحن منهم .. لهم ما لنا وعليهم ما علينا .. حتى الأيزيدية عبدة الشيطان في العراق قد قال عنهم ذلك ـ في اتصال هاتفي للجزيرة معه .. وقد سمعته بنفسي ـ بحجة أنهم مواطنون .. وأن حقوق المواطنة تستوجب لهم مثل هذه الحقوق والموالاة .. وأن الإسلام كفل لهم حرية عبادة الشيطان .. وفي كثير من الأحيان لخبثه .. ولكي يمرر باطله .. يخلط بين الإحسان وأدلته وبين الموالاة وأدلتها .. ويحمل الأدلة الدالة على إحسان المسلمين على غيرهم .. ممن دخلوا في سلمهم وأمانهم وعهدهم .. ممن يجوز لهم أن يدخلوا في سلم وعهد وأمان الإسلام .. على الموالاة .. وأنَّى للقارئ أو المستمع العامي ـ أو حتى المثقف ـ أن يميز بين الإحسان والبر والقِسط .. الذي يُعطى للمسلم ولغيره ممن يدخل في أمان وعهد وذمة الإسلام .. وبين الموالاة والأخوة التي لا تُعطَى إلا للمسلمين!
وإليك أيها القارئ بعض كلماته وعباراته الدالة على هذا الكفر والمروق .. والتي أكثرها منشورة في موقعه:" كن سنياً، كن شيعياً، كن كردياً، كن أيَّاً ما تكون، والكن الوحدة هي سبيل الخلاص .. أنا منذ ثلاثين سنة ألفت كتاباً سميته غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، مرضيتش أقول الكفَّار .. لا داعي أن تقول مثلاً الكفار .. يعتمد المنهج الإسلامي في مخاطبة غير المسلمين على جملة من الأسس الفكرية والأخلاقية يجب أن تُراعى، نذكر منها أهمها وأبرزها: استخدام كلمة غير المسلمين بدل كلمة الكفار، وكلمة المواطنين بدل كلمة أهل الذمّة .. التركيز على الجوامع المشتركة وتقوية نقاط الاتفاق وتعميقها وتوسيعها، وعدم التركيز على نقاط التمايز والاختلاف إلا في مجال البحث العلمي الخالص .. ومن الخطوات العملية التي يجب اتخاذها في التعامل مع غير المسلمين ومخاطبتهم سواء في الداخل أم الخارج: إنشاء ثقافة وسطية جديدة تقوم على الحب لا البغض، على التنوع لا الانفراد .. ليس مجرد الكفر هو المانع للولاء، لا؛ إنما المحادّة .. نحن  نعادي من يُعادينا ونوالي من يوالينا .. كل القضايا بيننا ـ أي بينه وبين نصارى مصر ـ مشتركة، فنحن أبناء وطن واحد، أمتنا واحدة، أنا أقول عنهم إخواننا المسيحيين، البعض ينكر علي هذا كيف أقول إخواننا المسيحيين؟ ) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات:10. نعم نحن مؤمنون، وهم مؤمنون بوجه آخر .. الأقباط إخوان لنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا .. هناك كلمات لم تعد مقبولة لدى إخواننا من الأقليات غير المسلمة وهي مصطلح أهل الذمة .. فلا أجد مانعاً من استخدام كلمة المواطنة والمواطن .. ومن التعبيرات المطلوبة في عصر العولمة التعبير بالإخوة عن العلاقة بين البشر كافة، والمراد بها الإخوة الإنسانية العامة .. المشكلة مع اليهود ليست مشكلة عقيدة ولا شريعة وإنما هي مشكلة أطماع .. سبب العداء بيننا وبين اليهود المظالم التي ارتكبوها .. المعركة بيننا وبين اليهود ليست من أجل العقيدة، بعض الناس يمكن بيظن أن إحنا بنحارب اليهود من أجل عقيدتهم، هذا خطأ، نحن لا نحارب اليهود من أجل عقيدتهم؛ نحارب اليهود من أجل الأرض التي اغتصبوها وشردوا أهلها، من أجل أنهم احتلوا الأرض .. اليهود الذين يبرؤون مما تفعله إسرائيل أنا أرحب بهم وأكون معهم .. نحن كما قلنا ليس بيننا وبين اليهود كدين أية مشكلة، نحن لا نعادي الصهاينة لأنهم يهود .. نقدم عزاءنا في هذا البابا ـ باب الفاتيكان ـ الذي كان له مواقف تُذكَر وتُشكر له .. مواقف الرجل العامة وإخلاصه في نشر دينه ونشاطه حتى رغم شيخوخته وكبر سنه، فقد طاف العالم كله وزار بلاداً ومنها بلاد المسلمين نفسها، فكان مخلصاً لدينه وناشطاً من أعظم النشطاء في نشر دعوته والإيمان برسالته .. لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلف من عمل صالح أو أثر طيب، ونقدم عزاءنا للمسيحيين في أنحاء العالم ولأصدقائنا في روما وأصدقائنا في جمعية سانت تيديو في روما ونسأل الله أن يعوِّض الأمة المسيحية فيه خيراً .. أنا لا أكفر العلمانيين؛ فكيف نكفر أحداً وهو يصلي ويصوم، ويقول: أشهد أنه لا إله إلا الله ..."ا- هـ. وغيرها كثير من الاطلاقات والعبارات ـ الثابتة عنه ـ التي تدل على المعنى الذي أشرنا إليه .. وقد تقدم معنا كيف أن الرجل يغلّب الولاء الوطني، وللجنسية، وللمستقبل الوظيفي على الموالاة في الله وفي العقيدة .. بزعم فقه الموازنات، والترجيح بين المصالح[[2]].
ويكفي القارئ النبيه لكي يعلم بطلان وكفر ما تقدم من كلام الرجل أعلاه .. أن يقرأ قوله تعالى:) لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ (آل عمران:28. وقوله تعالى:) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً (النساء:138-139. وقوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً (النساء:144. وقوله تعالى:)  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (المائدة:51. وقوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (المائدة:57. وقوله تعالى:) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (المائدة:81. وقوله تعالى:) وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (الأنفال:73. وقوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (التوبة:23. وقوله تعالى:) وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ (هود:113. وقوله تعالى:) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (الكهف:102. وقوله تعالى:) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (الممتحنة:4. وغيرها كثير من الآيات القرآنية التي تدل على بطلان كلام الرجل أعلاه.
سادساً: منهجه القائم على الزندقة: حيث بقليل من التأمل والمتابعة تجد أن منهج الرجل كله يقوم على أمرين: فقه الموازنات، والترجيح بين المصالح .. وانتهاج التيسير والتسهيل .. فهو تحت عنوان فقه الموازنات الذي يخضع لهواه .. ولهواه وحسب .. يحلل ويحرم من تلقاء نفسه ومن دون سلطان من الله .. ويمرر الكفر والشرك ويُضحي بمصلحة التوحيد لأدنى مصلحة مادية موهومة .. فهو ـ كما مر معنا ـ يضحي بالتوحيد .. ويبرر موالاة ومظاهرة المشركين على المسلمين والمجاهدين حتى لا تُفوّت مصلحة مستقبل الوظيفي، أو يُشكك بولاء المرء الوطني .. ويبرر الانتماء والمشاركة في الأحزاب العلمانية ـ كما في الدول الأوربية وغيرها ـ ويبرر انتخابها .. ويبرر العمل التشريعي النيابي الشركي .. مقابل مصالح مادية موهومة .. ومرجوحة .. كثير منها لا يتحقق .. والذي يتحقق منها لا يقوى أن يرجح على مصلحة التوحيد .. وعلى هذا الأساس والاعتبار نراه قد أغاث كبير الأصنام في أفغانستان الذي يُعبد من دون الله .. ونصح وأفتى طاغوت الجزائر بأن يحذف مادة الشريعة الإسلامية في المدارس لجميع المراحل الثانوية .. وأن يحرم الشباب من حقهم في تعلم الإسلام .. وأن تُبنى الكنائس في جزيرة العرب .. وأثنى خيراً على الدستور العراقي الحالي ـ الذي مزّق البلاد ووضِع بإشراف ورعاية الغزاة الصليبيين ـ وباركه .. وأثنى ويُثني خيراً على كثير من طواغيت الحكم والكفر الذين لا ينبغي أن يختلف على كفرهم اثنان .. فليس لمصلحة التوحيد في فقه الموازنات عند الرجل أدنى قيمة أو اعتبار .. فهو لأدنى مصلحة ـ وأحياناً بلا مصلحة ـ يُضحي بمصلحة التوحيد .. أعظم وأعلى وأغلى وأجل المصالح، والمقاصد التي جاء الإسلام لتحقيقها .. والتي من أجلها أرسل الله الرسل .. وأنزل الكتب .. وخلق الخلق .. هذا الإجرام بحق دين الله يرده ـ لكي يجد لترويجه مستساغاً وقبولاً عند الناس ـ إلى فقه الموازنات .. والترجيح بين المصالح والمفاسد .. ليظن الناس أن له مستند شرعي فيما يؤصل ويُفتي به .. فقه الموازنات ـ عند الرجل ـ في كثير من الأحيان كلمة حق .. يُراد بها باطل .. وعلى القارئ لكتب الرجل .. أو المستمع لحديثه أن يتنبه لذلك.
أما مبدأ التيسير والتسهيل .. فهو لأجل التيسير والتسهيل يحل الحرام ويحرم الحلال .. ويتتبع ذلات العلماء .. والشاذ من مذهبهم وأقوالهم ـ ليظن المرء أن له مستنداً معتبراً من علماء الأمة ـ ثم يُفتي به .. وقد صدق من قال: من تتبع زلات العلماء .. وشكل منها مذهباً جديداً لنفسه .. فقد تزندق!
من الأمثلة الدالة على هذا المنهج في التيسير والتسهيل ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ قوله: بتحليل الاختلاط؛ اختلاط الرجال مع النساء وبضرورة وغير ضرورة .. وأن تغني المرأة وهي على المسارح وبالمعازف .. وأحل بعض المعاملات والبيوع الربوية المحرمة .. كما جاء ذلك في النشرة الصادرة عن المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث والذي يترأسه القرضاوي، حيث جاء في النشرة كخلاصة للتوصيات التي توصلوا إليها في مؤتمرهم الثاني الذي عُقد في إيرلندا:" أباح المجلس بيع الخمر ولحم الخنزير في متاجر يملكها مسلمون إذا كان لا بد من بيعها، وشرط المجلس أن تكون نسبة تلك المواد المحرمة قليلة من جملة التجارة العامة .. وحرم المجلس بيع الخمر في المطاعم لأنها تحتل نسبة عالية من المبيعات .. وأباح المجلس اشتراء المنازل والسيارات بواسطة البنوك والدفع بالأقساط .. أباح المجلس اشتراك الرجال والنساء في مكان واحد، في إطار ضوابط الشرع مثل مجالس العلم والمحاضرات والدراسة، والنشاطات الاجتماعية وغيرها .. وجوز المجلس دخول النساء والرجال من باب واحد للقاعات والمجالس، ولم ير في ذلك بأساً، واعتبر كلمة اختلاط كلمة دخيلة على المصطلح الإسلامي .. وأباح المجلس أكل المطعومات التي تحتوي على كميات قليلة من مواد محرمة مثل لحم الخنزير وشحمه شرط أن لا تتجاوز نسبتها 1%  .. وأجاز المجلس المشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية في الدول الغربية بما يحقق مصالح المسلمين!
ومما حلله كذلك شرب الخمر إذا كان بنسبة قليلة مع الطعام أو الشراب .. وأباح للمرأة المسلمة أن تبقى في ذمة زوجها الكافر .. ولم ير في ذلك حرجاً .. وأن كفر الرجل لا يجوز أن يكون سبباً للتفريق بين الرجل وزوجته المسلمة .. وهكذا فهو يحلل ويحرم ما يشاء ومن تلقاء نفسه .. ومن دون سلطان من الله .. ومما يُخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة .. تحت رغبة وزعم التيسير والتسهيل .. ففتن الناس عن دينهم .. وأضلهم ضلالاً بعيداً!
قال تعالى:) وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (النحل:116.
وقال تعالى:) قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ (يونس:59.
والرجل لكي يجد لنفسه السعة الكافية في الكذب على الله .. لا يفوته بين الفينة والأخرى أن يكرر مقولته المشهورة والمتكررة حتى ملها السامعون منه، وهي: أن للإسلام ثوابت لا تتغير ولا تتبدل .. وهو الجزء اليسير القليل من الإسلام .. وهناك الفرعيات .. والظنيات .. والمساحة المرنة وهي الجزء الأكبر والأرحب والأوسع من الدين .. هذه المساحة يحق لنا أن نجتهد فيها ونغير ونبدل .. ونأخذ منها ما نشاء .. وما يناسبنا .. ونرد منها ما لا نشاؤه وما لا يناسبنا .. وهو على استعداد من أجل ذلك أن يستدل بالدليل الضعيف ويصححه .. وبالشاذ من أقوال العلماء .. ويرد الدليل الصحيح، والأقوال الراجحة الثابتة من أقوال أهل العلم .. لينصر مذهبه التيسيري التسهيلي .. القائم على الهوى!
وهو من أجل ذلك لا يتردد بأن يحذر من كتب السلف القديمة .. وما فيها من مفاهيم وخير ومصطلحات .. وأنها وجدت لزمانها .. وهي لم تعد تصلح لزماننا .. ليخلو له الجو بأن يؤصل لمنهجه الجديد القائم على التسهيل والتيسير ـ بمعنى التفريط ـ وعلى التعارف والتعايش لا التناكر، وعلى الحب لا البغض بين ملل وطوائف الأرض كلها، كما يقول في مقال له تحت عنوان " الإسلام يرى البشرية أسرة واحدة ":" تنقية ثقافاتنا العامة التي نلقنها للتلاميذ في المدارس، وللجماهير في الإعلام من بعض ما حوته كتبنا القديمة من مفاهيم مغلوطة تحمل طابع عصرها وبيئتها، ولا يجوز أن نعممها على الأجيال؛ فقد انتهت بانتهاء ظروفها .. وإنشاء ثقافة وسطية جديدة تقوم على التعارف لا التناكر .. وعلى الحب لا البغض، على التنوع لا الانفراد، على السلام لا الحرب "!!
سلمت من القرضاوي كتب سلمان رشدي وروايته الشيطانية " آيات شيطانية ".. ولم تسلم منه ـ ومن شره ـ كتب السلف الصالح!!
وبعد، لأجل جميع ما تقدَّم وذكرناه عن الرجل أعلاه .. حكمت ـ ولا أزال ـ إبراءً للذمة، ونصحاً للأمة على " يوسف القرضاوي " بأنه كافر مرتد زنديق .. تُجرى عليه جميع أحكام الكفر والردة والزندقة .. إلى أن يتوب مما ثبت عليه .. وتقدم ذكره أعلاه.
هذا الحكم لم يصدر عني عن هوى أو رغبة في التشفي .. أو على طريقة المتهورين المتسرعين .. من دون النظر في شروط وموانع التكفير .. وقد ترددت وراجعت نفسي مراراً وتكراراً قبل إصدار هذا الحكم .. وقد قلبت الأمور .. وعدت النظر فيها من كل جوانبها وأطرافها .. وأمسكنا عن الخوض في الرجل دهراً طويلاً .. حتى سدَّ علينا جميع منافذ التأويل والإعذار .. فلم يترك لنا فسحة ولا منفذاً للتأويل أو تحسين الظن .. وخشينا على أنفسنا الإثم والوزر لكتمان ما يجب علينا بيانه بحق هذا الرجل الذي شاعت وعمّت فتنته على البلاد والعباد .. وبخاصة أن الإعلام الفاسد ـ لغرضٍ خبيث في نفوس أصحابه والقائمين عليه ـ قد صنع للرجل رهبة بين الناس وعند بعض أهل العلم وطلابه .. حمل الكثيرين منهم على الإحجام عن بيان الحق فيه .. فكان لا بد مما لا بد منه .. فإن أمة محمدٍّ صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن تجتمع على ضلالة أو كتمان حق أو علم!
هذا الحكم الصادر عني أعلاه .. كنت ـ ولا أزال ـ أود أن ألمس أو أسمع من الرجل كلاماً يُجرئني على الرجوع عنه .. لكن الأيام تأتي لتُثبت أن الرجل في غيه وضلاله مستمر .. وأن الكبر يصده عن الرجوع إلى الحق أو إنصاف الحق من نفسه .. وأن أخطاءه وانحرافاته لم تكن ناتجة عن هفوة أو زلّة أو اجتهاد .. وإنما عن منهج وتأصيل وتخطيط مُسبق يُراد منه هدم الإسلام .. وتمييع الدين .. وهي في توسع وازدياد؛ فأخطاؤه في الأمس تهون تجاه أخطائه اليوم .. وأخطاؤه اليوم تهون تجاه أخطاء الغد .. ولا ندري إلى أي مستنقع آسنٍ سينتهي حال الرجل .. أراده الطغاة كاسحة ألغام لمآربهم وباطلهم .. وسياساتهم الظالمة الكافرة .. فأجابهم ـ وللأسف ـ لما يريدون .. ففعل ما فعله بلعام بن باعوراء وأشد!
أعلم أن للرجل أتباع وعوام ورعاع .. ومشبوهون يقتاتون بضلاله .. يتعصبون لاسمه وذكره ـ قد صنعتهم الدعاية والإعلام الفاسد ـ لا يقدرون على أن ينصفوا الحق منه .. ولا أن يسمعوا لحكم الحق فيه .. سيصيحون ويصرخون .. ويولولون .. ولهؤلاء أقول: كفوا عنا صراخكم .. وجهالاتكم .. بكم وبأمثالكم تقوَّى الرجل وطغى .. واستكبر .. ويتقوّى غيره من الطغاة والمنحرفين على هدم الدين .. المورد ليس لي ولا لكم .. والحكم ليس لي ولا لكم .. وإنما هو لله تعالى وحده .. فإن كان عندكم علم تردون به كلامنا أعلاه .. فأظهروه .. ونحن سنصغي إليه ونستفيد منه .. ونرحب به .. فالحق مطلبنا وغايتنا .. وليس لنا غاية ولا مطلب غيرَ الحق .. فالرجوع إلى الحق أحب إلى أنفسنا من أنفسنا .. أما غير ذلك من الجهالات .. والعصبيات .. والكلمات السوقية النابية .. فإنني لا أقف عندها .. ولا أستمع إليها .. ولا أسمح لبصري بأن يقع عليها .. ولو مررت عليها مررت مرور الكرام .. فوفِّروا عليكم الصراخ والعويل لمناسباتٍ أخرى خير لكم!
) إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (هود:88.
وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلَّم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
3/11/1429 هـ. 1/11/2008 م.






[1] رواه أحمد وغيره، السلسلة الصحيحة:1334.
[2] كذلك لو أردنا أن نحصي عباراته في الثناء على إخوانه الشيعة الروافض .. فهي أكثر من أن تحصى .. وموقفه الأخير الذي يُطالب فيه الشيعة الروافض بأن يمسكوا عن الدعوة إلى التشيع والرفض في بلاد المسلمين، والمناطق التي فيها أكثرية سنية .. مقابل أن يمسك المسلمون السنة عن الدعوة إلى الإسلام في المناطق ذات الأغلبية الشيعية .. قوله هذا على بطلانه وعدم واقعيته .. لا يغير شيئاً من حقيقة موقفه السابق والمضلل من الشيعة الروافض .. فهو إلى الساعة لا يزال يأخذهم ويأخذونه بالأحضان .. ويطريهم ويضفي عليهم ألقاب المديح: العلامة .. والسماحة .. والآيات .. كما أن نائبه على رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ـ الذي لا يمثل إلا نفسه وما حواه من أعضاء كثير منهم مشبوهون ـ هو من كبار آيات التشيع والرفض الصفوي " محمد علي تسخيري "، والذي باسمه وبعد توقيعه وموافقته .. تصدر فتاوى وتعليمات اتحادهم العالمي .. للناس!!

إرسال تعليق

 
Top