GuidePedia

0
بسم الله الرحمن الرحيم  
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
          ما إن حصلت تفجيرات لندن .. إلا ورئيس وزراء بريطانيا " توني بلير "، يعمل جاهداً ومن دون كلل ولا ملل على رمي كامل المسؤولية على الإسلام المتشدد .. وعلى المسلمين المتشددين .. فتوعد بطائفة من القوانين الجديدة التي تستهدف هذا الإسلام المتشدد .. وقسَّم الإسلام إلى إسلامَين: إسلام متشدد؛ وهو كل إسلام لا يرضاه، ولا ينسجم مع سياسته وسياسة حكومته الاستعمارية العدوانية الخارجية .. وإسلام معتدل؛ وهو كل إسلام يرضى بالدون والضيم والذل، ويسكت عن  غزو الغزاة المستعمرين المجرمين لبلاد المسلمين .. وتوعد بأن يضرب ويُحارب الإسلام المتشدد بالإسلام المعتدل .. وأن يدعم الإسلام المعتدل على الإسلام المتشدد .. وعلى مستوى العالم .. ومن داخل الإسلام ومن خارجه .. وكأنه على موعد مع هذا الحدث ليُعلن مباشرة عن خطته العالمية هذه في محاربة الإسلام المتشدد كما زعم! 

          هذا التوجه المكثف لبلير وحكومته جعل المجتمع البريطاني .. والرأي العام العالمي .. في أعلى درجات الغضب والسخط على هذا الإسلام المتشدد كما زعموا .. وأن ينظروا في اتجاه واحد نحو المسؤول عن تفجيرات لندن .. هذا المسؤول الأول والأخير هو الإسلام المتشدد .. والإسلاميين المتشددين .. لا غير .. مما حمل كثيراً منهم على الاعتداء على من يُساكنونهم ويُشاطرونهم العيش الآمن من المسلمين البريطانيين .. وغيرهم من الوافدين الآمنين .. وعلى ممتلكاتهم .. ومساجدهم .. وحرماتهم .. ومن دون أن يُميزوا بين المتشدد منهم من المعتدل .. وكردة فعل للطريقة الخاطئة الآنفة الذكر التي تعاملت معها حكومة " توني بلير " في معالجة ومناقشة الحدث!  
          هذا التوجه الخاطئ .. والطريقة الخاطئة التي تم التعامل بها مع الحدث .. والمسلك غير الأمين لبلير وحكومته في تحديد وتشخيص الداء .. والمسؤول عنه .. يحملنا على تسجيل الملاحظات والمآخذ التالية: 
          أولاً: أن ممن يتحملون مسؤولية ما حصل .. وبشكل كبير ومباشر هو رئيس وزراء بريطانيا وحكومته .. والسياسة العدوانية الظالمة التي يتبعونها في كل من العراق، وفلسطين، وأفغانستان .. وغيرها من البلدان .. وهذه حقيقة ظاهرة مُسلَّمٌ بها عند الصغير والكبير .. لا يُجادل فيها اثنان من ذوي الإنصاف .. ومع ذلك فإن بلير وحكومته يُكابرون فلا يريدون أن يعترفوا بها .. حتى لا يتحملوا شيئاً من تبعات ما حدث .. وحتى لا يرتد ذلك سلباً على المستقبل السياسي لبلير وحزبه، وحكومته .. وحتى تبقى السهام موجهة باتجاه الإسلام المتشدد .. وباتجاه تضييق الحريات على الجالية الإسلامية أكثر مما هي عليه الآن!
          ينبغي على بلير وحكومته أن يتوقعوا ردة فعل على جرائمهم المرعبة .. التي يرتكبونها على  مدار الوقت، مع حليفهم الرئيس الأمريكي جورج بوش وحكومته .. بحق الآمنين من عباد الله في العراق .. وفلسطين .. وأفغانستان .. وسجن جوانتنامو .. وسجن أبو غريب .. وغيرها من المواقع، بغض النظر عن مدى صواب أو خطأ ردة الفعل تلك!
          بالأمس القريب .. في تفجير واحد فقط ترتبه القوات الأمريكية .. يُقتل أكثر من ثلاثين طفل من أطفال العراق .. بعد أن أغرتهم القوات الأمريكية بشيء من الحلوى والألعاب .. ليتجمعوا حول سيارة قد قاموا مسبقاً بتفخيخها وتلغيمها ..!!
فمن المسؤول عن قتل هؤلاء الأطفال يا بلير .. وغيرهم المئات من الأطفال والأبرياء الذين يُقتَّلون يومياً؟!
          من المسؤول عن تدمير مدينة الفلوجة بكاملها على أهلها وساكنيها .. ومن دون أدنى رحمة ولا شفقة على المستضعفين من النساء والأطفال والشيوخ ممن يسكنون تلك المدينة المجاهدة؟!
          من المسؤول عن هذه الانتهاكات الصارخة لكرامة وحقوق الإنسان في سجن أبو غريب، وسجن جوانتنامو .. وغيرها من السجون؟!
          من المسؤول عن هذا الخراب والدمار والفساد الذي لحق بأفغانستان .. وأهل أفغانستان .. وقد بلغ مبلغاً لم تكن تعرفه البلاد من قبل .. بعد أن كانت آمنة مطمئنة تحت حكم طالبان؟!
          كنتم ولا تزالون تباركون وتدعمون وتبررون جرائم وعدوان الصهاينة اليهود المتكرر على أهل فلسطين .. وعلى حرماتهم وأراضيهم وممتلكاتهم .. ومقدساتهم .. وتعتبرون ذلك حقاً من حقوق الغزاة المعتدين  .. بينما في المقابل تُجرِّمون الضحية المعتدى عليها وعلى أرضها لو حاولت أن تُدافع عن نفسها، وعن حرماتها!
          تتعاملون مع دماء المسلمين في العالم وكأن دماءهم ليست دماء وإنما ماء وأرخص من الماء .. لا ينبغي أن يكون لها بواكي، ولا من يحزن عليها، ولا من يثأر لها!
          تريدون أن تُحاربوا الكراهية بين الشعوب .. وأنتم تزرعون بأيديكم وأفعالكم المشينة حقولاً
مليئة بالأحقاد والكراهية .. تتوارثها الأجيال من بعدكم جيلاً بعد جيل!
          تأملوا حجم ردة الفعل التي أعقبت تفجيرات لندن .. ولتي طالت مئات المسلمين الأبرياء ممن يسكنون هذه المدينة وغيرها من مدن بريطانيا .. وهو مجرد حدث واحد مُدان من الجالية الإسلامية كلها .. فما يكون القول في اعتداءات مستمرة ومنذ سنوات عدة يقوم بها بلير وحكومته على المسلمين في بلادهم .. يُقتِّل بجنوده أطفالهم ونساءهم .. ألا يُتوقع أن يعقبها ردة فعل ما بغض النظر عن طبيعته .. ومدى صوابه أو خطئه! 
          عند غلبة مشاعر الانتقام والثأر للحرمات والأعراض .. والمنازل المهدمة على رؤوس أصحابها بقنابلكم وصواريخكم .. لا تتوقعوا أن يكون أكثر من مليار ونصف المليار مسلم .. كلهم فقهاء وعلماء بشرائع الإسلام .. يستطيعون السيطرة على مشاعرهم .. وعواطفهم .. ويعرفون ـ شرعاً وعقلاً وسياسة ـ ما ينبغي أن يُقدِموا عليه وما ينبغي أن يُحجموا عنه!
          لذا كان حري من رئيس وزراء بريطانيا وحكومته .. أن يملكوا الشجاعة الأدبية التي تمكنهم من الاعتراف بمسؤوليتهم ـ أمام شعوبهم ـ عما حدث .. وأن يُراجعوا النظر في الأسباب والعوامل والسياسات التي أدت لهذا النوع من ردة الفعل ـ قبل النظر في ردة الفعل ذاتها ـ ليعملوا على إزالتها وإزالة آثارها .. هذا إذا كانوا فعلاً جادين في منع تكرار حصول مثل هذا النوع من ردة الفعل!
          ثانياً: لا يوجد في الإسلام شيء اسمه إسلام متشدد ومتطرف أو إسلام معتدل .. إنما يوجد شيء واحد فقط؛ وهو " الإسلام "؛ وهو دين الله تعالى .. كما قال تعالى:) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ (. وقال تعالى:) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (. فالإفراط والتفريط كلاهما خُلقان مذمومان في دين الله تعالى. 
          التشدد والغلو، والعدوان بغير حق .. مرفوض ومذموم في دين الله .. ولكن هذا ليس اسمه الإسلام المعتدل، وإنما اسمه الإسلام وحسب.
          احترام العهود والعقود والمواثيق فيما بين المسلمين وغيرهم .. والوفاء بها .. خلق ممدوح في دين الله، قد أمر الله به .. ولكن هذا ليس اسمه الإسلام المعتدل، وإنما اسمه الإسلام وحسب.
          تحريم قصد أطفال ونساء، وشيوخ الكافرين وغيرهم من الأبرياء ممن صان الشرع حرماتهم بأي نوع من أنواع الأذى والضرر .. هو من دين الله وشرعه .. ولكن هذا ليس اسمه الإسلام المعتدل وإنما اسمه الإسلام وحسب.
          الإسلام أمر بالرفق، ورغَّب به، وجازى عليه ما لم يُجاز على العنف، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:" من يُحرَم الرفقَ يُحرَم الخيرَ "، وقال صلى الله عليه وسلم :" إن الله رفيقٌ يحب الرفقَ ويعطي عليه مالا يُعطي على العُنف "، وقال صلى الله عليه وسلم :" عليك بالرفق؛ إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه "، وقال صلى الله عليه وسلم :" إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " .. ولكن هذا لا يُسمى الإسلام المعتدل .. وإنما يُسمى الإسلام وحسب!
قتال الغزاة المعتدين وردهم عن بلاد المسلمين .. وعن حرماتهم .. أمر قد شرعه الله ورضيه لعباده المؤمنين، وأوجبه عليهم .. ولكن هذا لا يُسمى الإسلام المتشدد، وإنما يُسمى الإسلام وحسب!
رد العدوان بعدوانٍ مقابل ومماثل .. أمر قد شرعه الله تعالى، وأذن به لعباده المؤمنين، كما قال تعالى:) فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (. وقال تعالى:) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (. ولكن هذا لا يُسمى الإسلام المتشدد وإنما يُسمى الإسلام وحسب!
إذا كنت يا بلير ـ في حملتك على الإسلام المتشدد ـ تبحث عن إسلام يُبرر لك غزوك لبلاد المسلمين .. ويُبرر لك ولحكومتك جرائمكم التي لا تُحصى والتي تُرتكب يومياً ضد المسلمين في بلادهم .. ويُجرِّم لك من يُجاهد ذوداً عن دينه، وعِرضه، وأرضه .. فلن تجد هذا الإسلام أبداً .. ومسعاك مردود عليك بالخسران!
نعم قد تجد من المنافقين ـ ممن ينتسبون لهذا الدين ـ الذين تُضفون عليهم الأوسمة والألقاب .. من يزينون لك باطلك .. وعدوانك على بلاد المسلمين .. ويُجرِّم لك من يُجاهد ذوداً عن دينه وعِرضه وأرضه .. لكن اعلم أن هؤلاء ليسوا بمسلمين .. وأنهم لم يصدقوك ولم يُصارحوك الحديث .. وهم لا يمثلون إسلاماً ولا مسلمين .. وإنما يُمثلون أنفسهم المريضة والساقطة وحسب!
ثالثاً: هذه الحرب الشعواء التي أعلن عنها بلير وحكومته على الإسلام المتشدد ـ كما زعموا ـ ومن داخله وخارجه .. وعلى جميع المستويات .. وعن تأييدهم للإسلام المعتدل ضد الإسلام المتشدد .. نفسرها نحن وغيرنا على أنها حملة صليبية عدوانية، تستهدف وحدة المسلمين ووحدة كلمتهم، وإحداث الفتنة والتفرقة فيما بينهم، وهي من ضمن وجملة أهداف الحرب الصليبية التي أعلن عنها مراراً الرئيس الأمريكي جورج بوش .. والتي تستهدف غزو الإسلام والمسلمين في بلادهم وأينما كانوا .. وهي لن تزيد الأمور إلا سوءاً وتفاقماً. 

13/6/1426هـ.                               عبد المنعم مصطفى حليمة

          19/7/2005 م.                                 أبو بصير الطرطوسي



 
           


إرسال تعليق

 
Top