GuidePedia

0
بسم الله الرحمن الرحيم
          السؤال: هل التوبة تنقطع وتُرفَع بحيث لا تُقبل من أحدٍ وذلك حين نزول المسيح عليه الصلاة والسلام، كما يُفيد الحديث الذي يرويه مسلم والترمذي:" ثلاثٌ إذا خرجن لا ينفغ نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدّجال، والدابة ". ومعلوم أن ظهور الدجال يكون قبل المسيح عليه الصلاة والسلام .. وإذا كانت التوبة تنقطع بخروج الدجال .. فيكون من باب أولى أن لا تُقبل التوبة بعد نزول المسيح عليه الصلاة والسلام المتأخر عن ظهور الدجال وخروجه ..؟

          الجواب: الحمد لله رب العالمين. دلت النصوص على أن الآية التي تنقطع بها التوبة؛ فلا ينفع نفساً إيمانها إن لم تكن قد آمنت من قبل هي ظهور آية " طلوع الشمس من مغربها "؛ أي أن التوبة في زمن خروج الدجال .. وما بعده من ظهور ونزول لعيسى عليه الصلاة والسلام .. تكون معروضة ومقبولة .. ولا يزال بابها مفتوحاً لمن أراد أن يلج منه ويتوب، كما في الحديث المتفق عليه:" لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين ) لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً (. الأنعام:158. وهذه رواية البخاري في صحيحه. 
          وقال صلى الله عليه وسلم:" لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " صحيح الجامع:7469. فحصر الحديث بدء انقطاع التوبة بطلوع الشمس من مغربها.
          ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل " أخرجه أحمد، وصححه أحمد شاكر، والألباني.
          وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" إن الله U يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها " أخرجه مسلم وغيره. أفاد الحديث أن التوبة معروضة إلى حين تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت رُفعت التوبة.
          وعن ابن مسعود رضي الله عنه: الآية التي يختم بها الأعمال؛ طلوع الشمس من مغربها ثم قرأ الآية:) يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً (الأنعام:158. قال: فهي طلوع الشمس من مغربها، وبنحو قوله قال جميع من وقفت على أقوالهم من المفسرين المعتبريين من علماء الأمة.
          وقال صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده ليوشِكَنَّ أن ينزل فيكم ابنُ مريم صلى الله عليه وسلم حكَماً مُقسِطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويَفيضُ المالُ حتى لا يقبله أحدٌ " مسلم.
          قال النووي في الشرح 2/190:" ويضع الجزية " فالصواب في معناه أنه لا يقبلها ولا يقبل من الكفار إلا الإسلام، ومن بذل منهم الجزية لم يكف عنه بها، بل لا يقبل إلا الإسلام أو القتل، هكذا قال الإمام ابو سليمان الخطابي وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى ا- هـ.
          قلت: كونه عليه الصلاة والسلام لا يقبل منهم إلا الإسلام .. هذا يعني أن التوبة حينئذٍ تنفعهم .. وإلا كيف يعرض عليهم شيئاً لا ينفعهم؟!
          وقال تعالى:) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً النساء:159. أفادت الآية الكريمة ـ باتفاق جميع المفسرين من السلف ـ أن أهل الكتاب سيؤمنون بعيسى عليه الصلاة والسلام بعد أن ينزل .. وقبل موته .. ومن لوازم إيمانهم ومتابعتهم لعيسى عليه السلام إيمانهم وتصديقهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته .. والشاهد من الآية أن توبة أهل الكتاب يومئذٍ وإيمانهم بالمسيح عليه الصلاة والسلام .. تنفعهم وتُقبل منهم .. فقوله تعالى ) لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ (؛ أي ) لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ( بعد أن كانوا كافرين .. فتابوا وآمنوا .. وأصبحوا بذلك من المؤمنين.
          أقول: هذا هو الأصل .. وهذا هو المحكم .. الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة .. وأقوال أهل العلم .. والذي لا يجوز أن نلتفت عنه إلى ما سواه من الأقوال.
          فإن قيل: كيف نوفق إذا بين هذه النصوص .. وبين الحديث الوارد ذكره أعلاه في السؤال؟
          أقول: التوفيق يكون أحد قولين: أولهما أن عبارة " والدجال " شاذة لمخالفتها للنصوص والروايات المحكمة والعديدة، والتي تقدم ذكر بعضها. 
          ثانياً: أو أن تحمل عبارة " والدجال " على محمل نهاية ظهور ومرحلة الدجال .. والتي يتوقف حينها الجهاد .. وتتوقف بتوقفه الهجرة .. وتتوقف بتوقف الهجرة التوبة .. كما أفاد ذلك الحديث أعلاه .. وكما في قوله صلى الله عليه وسلم:" إن الهجرة لا تنقطع ما دام الجهاد " صحيح الجامع:1991. فإذا انقطع الجهاد بانتهاء مرحلة الدجال .. انقطعت الهجرة .. وبالتالي انقطعت معها التوبة .. وظهرت على إثرها مباشرة تلك الآيات الكبرى .. وبصورة متتالية.
          مما يُستدل به على هذا القول، قول ابن مسعود رضي الله عنه:" التوبة معروضة على ابن آدم ما لم يخرج إحدى ثلاث: ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو تخرج الدابة، أو يخرج يأجوج ومأجوج ". وخروج يأجوج ومأجوج .. يكون ما بعد الانتهاء من مرحلة الدجال .. وانقطاع الجهاد وتوقفه .. هذا الذي يظهر لي، والله تعالى أعلم. 
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
8/2/1430 هـ. 3/2/2009 م.




إرسال تعليق

 
Top