س678: تترد شبهة في مسألة تكفير الحكام بالتشريعات الوضعية وهي: أن الحاكم بالتشريعات الوضعية لا يكفر إلا أن يكون غالب أحكامه أو كلها من غير الشرع ، أما من خلط صالحاً وسيئا فحكم بنظام أو نظامين من الأحكام الوضعية فإنه لا يكفر. وعلى هذا يحمل كلام ابن كثير رحمه الله في حكاية الإجماع على تكفير من فعل فعل التتار .. ومبعث هذه الشبهة عند قائلها هو : أن هذا الفعل وقع من بني أمية وبني العباس حيث أقروا المكوس وجعلوها واقعاً معمولاً به ونظاما غير شرعي ولا يؤثر في ذلك كون تنظيمهم هذا شفهيا غير مكتوب ، فالمهم أنه نظام وضعي غير شرعي ومع ذلك لم يكفرهم السلف وما ذاك إلا لأنه لم يكن الوجه الغالب على حكمهم فنأمل منكم كشف هذه الشبهة نفع الله بكم وجزاكم خيراً؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. هذا القول غير صحيح على إطلاقه؛ فلو أن الحاكم حكم بما أنزل الله تعالى في جميع شؤون الحياة، لكنه في مسألة واحدة كالخمر مثلاً يحكم فيه بأنه حلال ومباح، أو الربا فيحكم فيه كذلك بأنه حلال ومباح، أو أن الزنى حلال ومباح وهو من الحقوق الشخصية .. أو أن الصلاة ليست واجبة .. أو حكم بالشرك ولو في حكم واحد .. فهذا الحاكم يكفر بهذا الحكم وحده إجماعاً .. وإن كان يحكم بما أنزل الله في جميع المسائل والأشياء الأخرى.
فالعبرة إذاً ليست هي بالكم كما هي بالكيفية والصفة التي رد فيها الحاكم الحكم بما أنزل الله، ولم يحكم فيها بما أنزل الله.
نعم الكثرة والقلة قرينة من جملة القرائن التي تعين على الحكم على الحاكم بالكفر أو الإسلام .. فمثلاً: الذي لا يحكم بما أنزل الله في جميع شؤون ومجالات الحكم والحياة .. فهذا كافر ولا يمكن أن نصدقه لو زعم أنه مؤمن ويحب الحكم بما أنزل الله، ويحرص عليه؛ إذ لو كان صادقاً في زعم المحبة، وصدق العبودية والانقياد، لظهر عليه نوع متابعة، كما قال تعالى:) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران:31.
كذلك الحاكم الذي يغلب عليه الحكم بما أنزل الله .. ويكون مجموع حاله قائم على الحكم بما أنزل الله .. فإن ذلك يتشفع له في حال وقوعه ببعض الكبوات والزلات أو المخالفات التي لا ترقى إلى درجة الكفر البواح، فالكثرة وغلبة الحال تتشفع في مثل هذه المواضع، كما هو حال حكام بني أمية والعباسيين، ومن جاء بعدهم، والله تعالى أعلم.