بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده،
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
قال لي أحد الأخوة المهاجرين إلى
الشام: قد أحببت الشَّام، وأحب أن أبقى فيها بقيّة حياتي.
قلت له: اضمن لي واحدة، وأضمن لك ــ
بإذن الله ــ ما تحب ..؟
قال: بل أضمن لك عشراً ..!
قلت: بل واحدة؛ وهي أن لا ترفع سلاحك
الذي تحمله في وجه أهل الشام .. ضد أهل الشام .. ضد من جئت لكي تدافع عنهم من شعب
ومسلمي الشام
..!
قال: أوكائن ذلك .. هذا مستحيل؟
!
قلت: نعم إنه لكائن .. قد رأيناه في
مناطق عدة، والشام ليست بدعة عن تلك المناطق .. وها هي الأيام تمضي لنرى بوادر ما
كنا نخافه، ونتوقعه، ونحذَره، ونحذِّر منه، تحصل في مناطق عدة من بقاع ومدن وقرى
سورية الحبيبة
.. وبصورة
متسارعة، ومتسعة، يصعب معها التحكّم والسيطرة .. تحت مسميات ومزاعم عدة، بعضها
باطل، والحق منها يراد به باطل!
أيها الأخوة المهاجرون، يا من قصدتم
الشام لغرض الدفاع عن الشام، وأهل الشام: ما دامت بنادقكم موجهة نحو الطاغوت بشار
الأسد، ومن معه من المجرمين .. فأهل الشام أسعد الناس بكم وبجهادكم، يقدِّرون لكم
ذلك أحسن تقدير .. أما إذا حرفتم بنادقكم ــ تحت أي زعم كان ــ نحو صدور أهل الشام
.. فتجمعون عليهم سيفكم وسيف الطاغوت، وحلفائه من الروافض الأشرار .. ظلمكم وظلم
الطاغوت
.. فحينئذٍ
يكون أهل الشام أشقى الناس بكم .. ونحن نكره لكم أن تبطلوا الحسنات بالسيئات، أو
أن تختموا الحسنات بالسيئات!
قال تعالى:[ وَمَن
يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ
اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ]النساء:93.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال:" كلُّ المسلمِ على المسلم
حرامٌ: مالُه، وعِرْضُه، ودَمُه، حَسْبُ امرئٍ من الشرِّ أن يحقرَ أخاه المسلم
" مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم:" لا ترجعوا بعدي كفَّاراً، يَضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ "
متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم:" المسلمُ من سلِمَ المسلمون من لسانِه ويدِه، والمهاجرُ من
هجَرَ ما نهى اللهُ عنه " البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم:" سُبابُ المسلمِ فسوقٌ، وقتالُه كفرٌ "متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم:" لا يزالُ المؤمنُ في فسحةٍ من دينِه، ما لم يُصِبْ دماً
حراماً " البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم:" من آذى مؤمناً، فلا جهادَ له "[صحيح الجامع:6378].
هذا فيمن يؤذي مؤمناً، فكيف بمن يقتل المؤمنين، ويشهر سلاحه عليهم ..؟!
وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا شهَرَ المسلمُ على أخيهِ سلاحاً؛ فلا تزالُ ملائكةُ
الله تلعنُه حتى يَشيمَهُ عنه "[السلسلة الصحيحة: 3973]. أي حتى يرفعه
عنه.
نظرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
إلى الكعبة فقال:" مرحباً بكِ من بيت، ما
أعظمَكِ، وأعظمَ حُرمَتكِ، ولَلْمؤمنُ أعظمُ حُرمةً عند الله منكِ؛ إن اللهَ
حرَّمَ منكِ واحدةً، وحرَّمَ من المؤمن ثلاثاً: دَمَه، ومالَهُ، وأن يُظنَّ به ظنُّ
السُّوءِ
"[ السلسلة
الصحيحة: 3420].
أيها الأخوة المهاجرون، أيها الأحبة: ستُدعَون للمشاركة في قتال الفتنة
فيما بين الثوار والمجاهدين .. لا تشاركوا فيها .. انأوا بأنفسكم ودينكم عنها ..
لا تلطخوا أياديكم البيضاء بها .. بل فروا منها فرار السَّليم من الأجرب .. ما
لهذا جئتم، ولا لهذا جاهدتم .. حتى لو اضطررتم أن تكسروا سلاحكم، وتنزووا في
البيوت، وتتخذوا سيفاً من خشب فافعلوا .. بل لو وجدتم أن هذه الفتن لا تندفع عنكم
إلا بهجرة عكسية إلى بلادكم، ودياركم الأصلية فافعلوا .. هو خير وأشرف لكم،
ولدينكم ..
من
أن تشاركوا في قتال الفتنة فيما بين المسلمين .. ومن أن تتلوث أياديكم الطاهرة
المتوضئة بالدماء البريئة المعصومة .. ولو أُمِرتم بخلاف ذلك ــ ولسوف تُؤمرون ــ
فلا تطيعوا الأمير كائناً من كان .. ومهما كانت مزاعمه مقدسة .. واعلموا أن لا
طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
هذا هو خيار النبي صلى الله عليه وسلم
لكم، ولكل مسلم، فقال:" إذا كانت الفتنةُ بين
المسلمين فاتَّخذ سيفاً من خشَبٍ "[صحيح الجامع:760].
وقال صلى الله عليه وسلم:" إِنَّه ستكونُ فُرْقَةٌ واختلافٌ، فإذا كان كذلِكَ فاكسِرْ
سيفَكَ، واتخذْ سيفاً مِنْ خَشَبٍ، واقعدْ في بيتِكَ حتى تأتِيكَ يدٌ خاطِئَةٌ،
أَوْ مَنِيَّةٌ قاضِيَةٌ "[صحيح الجامع:2392].
وعن عديسة بنت أهبان الغفاري، قالت:
لما جاء عليُّ بنُ أبي طالبٍ هاهنا البَصْرَةَ دخَلَ على أبي، فقال: يا أبا مسلمٍ،
ألا تُعِينُني على هؤلاء القومِ ــ يقصد قتال أهل الشام؛ معاوية ومن معه ــ؟ قال:
بلى. قال: فدعا جاريةً له، فقال: يا جاريةُ، أخرجي سيفي. قال: فأخرَجَتْه، فسَلَّ
منه قَدْرَ شبرٍ، فإذا هو خَشَبٌ! فقال: إن خليلي وابنَ عمِّك صلى الله عليه وسلم
عَهِدَ إليَّ:" إذا كانت الفتنةَ بينَ المسلمين
فأَتَّخِذُ سيفًا مِن خشبٍ ". فإن شِئْتَ خَرَجْتَ معك، قال: لا حاجةَ
لي فيك، ولا في سيفِك[صحيح سنن ابن ماجه:3214].
أصارحكم ــ وأنا المحب الناصح لكم ــ
أني قد لمست من بعضكم غلوّاً في التكفير .. وسوء ظنٍّ بعباد الله .. وهذا شرٌّ كبير
نحذّركم منه .. وله عواقب لا تُحمَد، فالغلو في التكفير .. يعقبه ــ غالباً ــ
التفجير .. والتّقتيل .. واستباحة الحرمات بغير حق، إضافة إلى ما يترتب عليه من
وعيد شديد يوم القيامة، وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال:" إذا قال الرجلُ لأخيه: يا كافر؛ فهو
كقتلِه، ولعنُ المؤمن كقتلِه "البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم:" من دعا رجلاً بالكفر أو قال عدوَّ الله، وليس كذلك، إلا
حارَ عليه "مسلم. أي عاد عليه الكفر، والوعيد.
هذا ما أردت بيانه، ونصحكم به،[ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ
عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ
بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ]هود:88.
عبد المنعم مصطفى حليمة 4/9/1434 هـ.
" أبو بصير الطرطوسي
" 13/7/2013
م