بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من
لا نبي بعده، وبعد.
من
أهم ما يتميز به العمل الإسلامي الراشد الجاد، وكذلك المجتمع الإسلامي ــ وبخاصة
نظام الحكم فيه ــ العمل بمبدأ الشورى على وجه الوجوب والإلزام، وعلى جميع
المستويات العامة والخاصة، وفي جميع مرافق الحكم والحياة .. وبخاصة في الزمان الذي
تَضعفُ فيه الأمانة، ويفشو فيه الكذب، ويُقال في بني فلان رجل أمين .. ونحن في هذا
الزمان وللأسف!
لا
بد للمجتمع الإسلامي من أن تكون الشورى فيه هي الثقافة الرائجة فيما بين الناس ..
التي يتحلى ويتزين بها الجميع .. والجميع ــ سواء كانوا حكاماً أم محكومين ــ
يمارسونها ويُطبقونها في حياتهم العملية، والعلمية، والسياسية .. وعلى جميع
المستويات، وبخاصة في الأمور الهامة التي يرتد الخطأ فيها على مجموع أبناء الأمة!
كما
قال تعالى:) وَأَمْرُهُمْ شُورَى
بَيْنَهُمْ (الشورى:38.
وقال
تعالى:) وَشَاوِرْهُمْ فِي
الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ (آل
عمران:159. وهذا الأمر بالشورى موجه من رب العالمين إلى المسدّد سيد الخلق الذي لا
ينطق عن الهوى، صلوات ربي وسلامه عليه .. فيكون مَن دونه أولى بالالتزام والعمل بمبدأ
الشورى.
وقد
روي عن أبي هريرة t أنه قال:" ما
رأيتُ أحدًا قطُّ كان أكثرَ مشورةً لأصحابهِ من رسولِ اللهِ r
".
وكان r يقول لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما:" لو اجتمعتما في مشورةٍ ما خالفتكما ".
عندما
يَسُود العمل بمبدأ الشورى في دولة من الدول، تكون هذه الدولة دولة الجميع، وحمايتها
ورعايتها مسؤولية الجميع، وما يُصيبها يعني الجميع، ويتحمل مسؤوليته الجميع ..
بخلاف الدولة التي تُغيِّب العمل بمبدأ الشورى، ويسودها حكم الفرد، وقرار الفرد ..
وهوى الفرد .. فهي حينئذٍ تكون دولة هذا الفرد، وما يصيبها وينتابها لا تعني سواه،
ولا يتحمل مسؤوليته أحد سواه .. ودولة هذا وصفها لا تقوى على مواجهة الصعاب
والتحديات، ثم هي ما أسرع انهيارها وسقوطها!
العمل
بمبدأ الشورى فيه تطييب لخاطر الجميع، كما أنه يحيي في الأمة والشعوب روح العمل
الجماعي، والتكافل الجماعي، والترابط والتوحد الجماعي الشامل لجميع المسلمين، الذي
أثنى الله ورسوله عليه خيراً، إذ كل واحد ــ بسبب الشورى ــ يشعر أنه مسؤول، وأنه
على ثغر من ثغور الأمة والإسلام، يحرص أن لا يُؤتى من قبله، كما قال تعالى:) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ
اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا (آل
عمران:103. هذا الاعتصام بحبل الله جميعاً، ومن دون أن يعقبه تفرق بين المسلمين لا
يمكن أن يتحقق من غير شورى، وتشاور بين المسلمين .. ومالا يتم الواجب إلا به فهو
واجب.
وقال
تعالى:) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (الصف:4.
وهذا الواجب لا يمكن أن يتحقق من غير شورى، ومشورة بين المسلمين .. ومالا يتم
الواجب إلا به فهو واجب.
وقال
تعالى:) وَلا تَنَازَعُوا
فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (الأنفال:46.
ومن أعظم الأسباب التي تُذهب التنازع فيما بين المسلمين تقرير مبدأ الشورى، والعمل
بها .. كما أنه لا شيء يجلب التنازع والتفرق بين المسلمين ويوغر صدور بعضهم على
بعض كتغييب العمل بالشورى، وتجاهل الخلق وحقهم في الشورى، رغم أن الأمر يعنيهم،
ويخصهم .. وإذا كان الأمر كذلك، وبهذه الأهمية والخطورة، فإن العمل بالشورى واجب
حتمي، لا ينبغي الشكّ أو التردد في ذلك.
وفي
الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" إن الله يرضى لكم أن
تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " مسلم.
وقال
r:" عليكم بالجماعة وإياكم
والفرقة "[صحيح سنن الترمذي:" 1758]. وقال r:" الجماعة رحمة والفرقة عذاب "[
السلسلة الصحيحة:667]. وهذا كله لا يمكن تحقيقه على الوجه المطلوب شرعاً من دون
العمل بمبدأ الشورى.
وفي
الأثر عن عمر بن الخطاب t قال:" فمن بايعَ رجلاً على غير مشورةٍ من المسلمين فلا
يُتابَع هو ولا الذي بايعه؛ تَغِرَّة أن يُقتلا " متفق عليه. أي خشية وحذَر
أن يُقتلا؛ لأنه عندما غرّر بنفسه، وبصاحبه الذي بايعه على غير مشورة من المسلمين،
فقد عرّضهما للقتل.
وقال
t:" الإمارةُ مشورةٌ "؛ أي إنما تقوم الإمارة وتثبت
بالمشورة.
لا
شيء يُحصّن الدّول من السّقوط والانهيار كالعمل بمبدأ الشورى .. ولا شيء يُعجّل من
سقوطها وانهيارها كتغييب العمل بعقيدة
ومبدأ الشورى.
والناظر
في أسباب تفرق الأمة في هذا العصر وضعفها، يجد من أهمها تغييب وإهمال العمل بمبدأ
الشورى فيما بين المسلمين .. فيما بين الجماعات الإسلامية بعضها مع بعض، وفي داخل
الجماعات ذاتها .. كما أن الناظر في أسباب
توحد الأمم الكافرة في هذا العصر ــ على ما بينها من اختلاف وتنوع وتباين ــ يجد
من أهمها تفعيل الشورى فيما بينهم!
أعجب
لقوم من بني جلدتنا .. تراهم لا هم يريدون الديمقراطيّة .. ولا هم يريدون الشورى؛ فيعملون
لها عملها، ويفعِّلون آلياتها في واقعهم، وحياتهم العامة والخاصة .. وهؤلاء لم
يبقَ أمامهم سوى خيار النظام الديكتاتوري الاستبدادي .. سوى عقلية حكم الفرد، على
مبدأ فرعون القائل ) مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا
أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (غافر:29.
وهو خيار مرفوض بالنقل والعقل، ترفضه وتستعديه جميع الشعوب الحرة الكريمة.
قد
كثرت الجماعات الوافدة إلى سوريا الحبيبة .. ومع كل جماعة أجندتها الخاصة بها، نحو
حكم سوريا، ومستقبل سوريا السياسي .. يريدون فرضها على الشام، وأهل الشام من غير
مشورة منهم .. وكأن أهل الشام قاصرون عن إدارة شؤونهم، وشؤون بلادهم بأنفسهم!
ولهؤلاء
نصارحهم فنقول: وفّروا عليكم الجهد والوقت .. مهما كانت مشاريعكم تحمل عناوين
شريفة ومقدسة .. لا يمكن أن يُكتَب لها القبول والنجاح في الشام .. أو أن تُفرَض
على أهل الشام فرضاً من غير مشورة ومباركة منهم، ومن علمائهم، ومجاهديهم .. ولو
حاولتم فرض مشاريعكم بالقوة والعنف من غير مشورة ولا تشاور مع علماء ومجاهدي وثوار
الشام .. لن تفلحوا .. ومثلكم حينئذٍ كمثل من يأتي البيوت من غير أبوابها .. ومن
يريد أن يُدخل الجمل في سَمِّ الخياط، وأنَّى .. ثم لو حصلت فتنة ومقتلة بسبب ذلك
.. فهو بسببٍ من عند أنفسكم .. لأنكم تجاهلتم الشورى .. وأعرضتم عن العمل بمبدأ
وفريضة الشورى .. ونسيتم حظاً عظيماً من الدين باسم الدين .. ولا تلوموا حينئذٍ
إلا أنفسكم!
هذا
ليس رأي صاحب هذه الكلمات وحسب، بل هو رأي كل من التقيناهم وعرفناهم من أهالي،
وعلماء ومجاهدي الشام!
اللهم
احفظ الشام، وأهل الشام من كل شرٍّ، وذِي شر .. ومن الفتن ما ظهر منها وما بطن ..
اللهم آمين، آمين، وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
8/9/1434 هـ. 17/7/2013 م