recent
آخر المشاركات

الملائِكَةُ بين إبراهيم وبين لوط عليهما السلام.

           لما جاءت الملائكة إبراهيمَ عليه السلام، لم يكن إبراهيم في شدة أو كرب، أو عجلة من أمره، وكان في سعة من الأمن، والأمان، والاطمئنان، والوقت .. لذا أخذ وقتاً ليس بقصير حتى تعرّف على الملائكة، وحتى عرَّفت الملائكة عن نفسها له بأنهم رُسل الله، والمهمَّة التي جاؤوا لأجلهاوَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ ]؛ وهذه مرحلة السلام، والترحيب بالضيوف، قد استغرقت وقتاً .. [ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ]؛ أي عجل كامل النضج، صغير السن، لحمه طري، مشوي على الرِّضْفِ؛ وهي الحجارة المُحمّاة .. وهذه مرحلة من إعداد الطعام، والعجل الحنيذ لا شك أنها استغرقت وقتاً .. وإلى هنا إبراهيم عليه السلام لا يعرف أن ضيوفه الذين أمامه هم ملائكة الله .. فقدم لهم العجل الحنيذ ليأكلوافَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ ]؛ أي إلى الطعام [ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ]؛ وهذه مرحلة من الحدث أيضاً استغرقت جزءاً من الوقتقَالُوا لَا تَخَفْ ]؛ ومع ذلك فالخوف لا يزال قائماً، ولماذا لا يخاف .. إلى أن جاءه الخبر اليقين المطمئن، والمزيل للخوف كلياً [ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ]هود:69-70. فعلم حينئذٍ أنهم ملائكة، وأنهم مرسلون من الله، فهدأت نفسه، وذهب عنه الرَّوع.

          بينما لمَّا جاؤوا لوطاً عليه السلام، كان الموقف مختلفاً؛ كان الموقف عصيباً، وشديداً، ومحرجاً لنبي الله لوط، لا يحتمل هذا التريث والتأخير في الإخبار بأنهم ملائكة مرسلون من الله، وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ . وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ . قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ . قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ] إلى هنا تصوير للمشهد والحَدَث، ولحجم الكرب، والضيق، والشدة، والحرج الذي نزل بنبي الله لوط عليه السلام .. وهو حجم ضخم بلا ريب .. ولما رأت الملائكة ما رأت، وسمعت ما سمعت .. لم تقل للوطٍ عليه السلام لا تخف .. لا عليك .. أو تنتظر منه الترحيب بهم، وبضيافتهم كما حصل بينهم وبين إبراهم عليه السلام .. لا .. ولا حتى مجرد السلام ورد السلام .. فالمسافة طويلة .. ولوط عليه السلام في كربٍ، وموقف عصيب لا يحتمل التأخير، يحتاج إلى إغاثةٍ عاجلةٍ، وإلى أقل كلمات ــ وأقصر مسافة، وزمن ــ تُدخِل الاطمئنان والأمان إلى قلبه، وتُذهِب عنه الرَّوع، والحرج، وضيق الصدر .. يندفع بها شر قومه .. فقالت الملائكة مباشرة:[ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ ]؛ أقل كلمات، بأقل زمن، وأقصر مسافة .. فلما سمع لوط هذه الكلمات .. انتهى الأمر مباشرة، وفي حينه .. أنَّى للأشرار أن يقتربوا منه ومن رُسل الله  بسوء .. فذهب عنه الروع والحرج، والضيق كله .. واستبدل كل ذلك بالأمن، والاطمئنان .. ثم بعد ذلك بدأوا يزفّون له مزيداً من البشرى والاطمئنان، والتوجيهات[ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ . فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ]هود:77-81. إلى آخر الآيات الكريمات.

 


author-img
الشيخ أبو بصير الطرطوسي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent