GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم
          إن الحمدَ لله نحمده ونستعينُه ونستهديه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له .
          وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم .
          وبعد: فإن القلوب تمرض وتموت كما تمرض الأبدان وتموت، وينتابها من الوهن والضعف كما ينتاب الأبدان ، كما قال تعالى:) أوَمن كان ميتاً فأحييناهُ وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلماتِ ليس بخارجٍ منها ( الأنعام:122. أي من كان قلبه ميتاً بالكفر فأحياه الله تعالى بنور الإيمان والتوحيد، فيمشي به بين الناس على بصيرة وعلم، يدرك الأشياء على حقيقتها كمن كان قلبه ميتاً بالكفر وآثر البقاء في ظلمات الكفر والشرك فما هو بخارجٍ منها ليتمكن من رؤية النور والحق على حقيقته .. فهو لو رأى يرى كمن يرى في الظلمات بعضها فوق بعض لا يحسن التمييز بين الأشياء، ولا التفريق بين الحق والباطل، ولا بين المعروف والمنكر .. لا يستوي من كذلك ومن أحيا الله قلبه وبصيرته بالإيمان مثلاً .

          وقال تعالى:) في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ( البقرة:10. أي في قلوبهم مرض الكفر والنفاق فزادهم الله مرضاً أي كفراً ونفاقاً بسبب أنهم كانوا يكذبون الرسل وما نزل عليهم من الآيات .
وأمراض القلوب تأتي من جهتين: من جهة الشهوات، ومن جهة الشبهات .
          والذي يعنينا في بحثنا هذا الأمراض التي تأتي من جهة الشهوات، وبيان أثرها على القلوب، وفي الصد عن دين الله، وتعبيد العبيد للعبيد ..! 
          فأقول: الشهوات تكون مصدراً وسبباً لأمراض القلوب عندما يتم تلبية رغباتها ونزواتها عن غير طريق الشرع، وعندما يتوسع المرء في تلبية رغباتها أكثر من القدر المشروع .. إلى أن يُصبح بكليته منقاداً لشهواته ونزواته، يعمل لها، تقوده ولا يقودها، لا يعرف غاية إلا كيف يشبعها ويروي ظمأها الذي لا ينطفئ ..فكلما أعطاها ما تريد من الوقود ازدادت اشتعالاً وقالت
له هل من مزيد .. ولا يُملئ بطن ابن آدم إلا التراب([1]) !
عندما تستحكم الشهوات من ابن آدم إلى هذا الحد فإنها تهلكه وترهقه، وتضعف قلبه وإيمانه بقدر تمكنها منه واستعلائها على عرش قلبه، كما أنها تُضعف عنده الإرادة ـ بقدر كذلك ـ على النهوض بالحق وتبعاته أو حتى الالتفات إليه والإنصات له .. وقد تصل به إلى حدٍّ تحقق فيه العبودية لمخاليق هي أقل منه قدراً وشأناً .. وتجعله أثيراً لكثيرٍ من الأشياء لا فكاك له من الانقياد والخضوع والتذلل لها، والوقوع في عبادتها من دون الله تعالى ولو بوجه من الوجوه ..!
وإليك بعض النصوص الشرعية التي تدل على هذه المعاني الآنفة الذكر:
الدليل الأول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يقتل وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد " متفق عليه .
أخرج البخاري في صحيحه عن عكرمة قال: قلت لابن عباس كيف يُنزع الإيمان منه ؟ قال: هكذا ـ وشبك بين أصابعه ثم أخرجها ـ فإن تاب عاد إليه هكذا، وشبك بين أصابعه .
وقال ابن عباس: ينزع منه نور الإيمان في الزنا، فإن زال رجع إليه الإيمان .
قال ابن حجر في الفتح 12/59:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " قيد نفي الإيمان بحالة ارتكابه لها، ومقتضاه أنه لا يستمر بعد فراغه وهذا هو الظاهر ا-هـ .
قلت: وإن كنا نعتقد ـ كما دلت على ذلك نصوص عدة ـ أن هذه الذنوب الآنفة الذكر لو جاءت منفردة من غير استحلال أو تحسين لا تُخرج صاحبها من الملة .. ولكن في الحديث دلالة رهيبة على ما تفعله تلك الذنوب من أثرٍ في الإيمان والاعتقاد لحظة ارتكابها ..! 
ثم هي تفعل هذا الفعل في القلوب وفي الإيمان إن فُعلت مرة واحدة .. فتأمل لو فُعلت مراتٍ ومراتٍ إلى درجة الإدمان .. كم سيكون حجم الدمار والأمراض التي ستصيب القلب والإيمان ..؟!
لا شك أنها ستصل بصاحبها إلى حدٍّ لم يعد يقوى معه على القيام بالواجبات الشرعية، ولو قام بها أو ببعضها فهو لا يقوم بها على الوجه المطلوب .. بل قد يصل به الحال إلى درجة أنه لم يعد يملك القدرة على الإنصات للخطاب الشرعي .. ولو أنصت للخطاب الشرعي فهو لا يكاد يفقه منه شيئاً إلا ما شاء الله([2]) . 
والأبلغ من هذا وذاك أن يصل إلى درجة لا يحب معها أن ينصت إلى الخطاب الشرعي حتى لا تتفتق عليه جراحات قلبه وأمراضه، فيدرك خطورة الواقع الذي هو عليه .. وهذا حال أكثر الذين تستحوذ عليهم الآثام والمعاصي فإنهم لا يحبون أن يذكرهم أحد بمعاني الإيمان والطهر والاستقامة فإن ذلك يُفسد عليهم متعتهم البهيمية فيما هم فيه من الانغماس بالشهوات، كما قال تعالى عن قوم لوط لما شاعت فيهم فاحشة اللواطة واستحوذت عليهم:) ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون . أئنكم لتأتون الرجال شهوةً من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون . فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ( 54-56. فذنبه u أنه يتطهر ويأمرهم بالطهر، ولا يُشاركهم ما هم فيه من رجس .. وهذا كافٍ بأن يُفسد عليهم حياتهم البهيمية التي ترتد عليهم بالنكد والعذاب والدمار .. وحتى لا يحصل لهم ذلك حكموا عليه وعلى من آمن معه بالإبعاد والطرد والإخراج من قريته وبلدته .
فهم أمروا بإخراجه وطرده حتى لا يقع نظرهم عليه فيتذكرون تعاليمه وأوامره ونواهيه .. فينغص ذلك عليهم ما هم فيه من فجور ..!
كما في الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أولياء الله الذين إذا رؤوا ذُكر الله "([3]) ، فالمؤمن ـ من دون أن يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ فإن منظره يُذكر القوم بالله تعالى، وبقائمة طويلة من معاني الطهر والفضيلة .. لذا هم لا يُطيقون النظر إليه([4]).
قلت: كذلك مفهوم المخالفة يقتضي أن النظر إلى صور الباطل على اختلاف أشكالها وأنواعها، فإنها تُذكر بما تنطوي عليه من معانٍ وصور باطلة .. وبالتالي فإن القلوب تتأثر سلباً من إدامة النظر إليها .. من هنا جاءت أوامر الشريعة تحض على غض الطرف عن المنكرات ..!
عودة إلى الحديث:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن .. " فهو وإن عاد إليه إيمانه بعدما يُقلع عن الوزر فإنه لا يعود إليه سالماً كما كان قبل أن يقترف ذنبه وجرمه .. فإنه يعود إليه ضعيفاً معلولاً مصاباً بجراحات لا تلتئم إلا بعد زمن، وبعد تقديم الطاعات والصدقات، والتوبة والاستغفار فور وبعد وقوعه في الذنب والجرم ..!
والإيمان في القلب مثله في ذلك مثل أي عضوٍ من أعضاء الجسد يتعرض للمرض أو التلف؛ فلو كسرت اليد مثلاً .. فإنه من المستحيل أن ترتد إليها عافيتها كما كانت قبل الكسر إلا بعد زمن من العلاج، وبعد قيام التمارين والرياضات الضرورية لها .
الدليل الثاني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن العبد إذا أخطأ خطيئة ـ وفي رواية: إذا أذنب ذنباً ـ نُكتت في قلبه نُكتةٌ سوداء، فإذا نزع واستغفر وتاب سُقل قلبه، وإن عادَ زيدَ فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله:) كلا بل رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون (([5]).
تأمل كيف أن الذنب الذي يرتكب على الجوارح كيف يرتد على القلب بنكتة سوداء تعلوه وتبصم عليه تؤثر على عمله ووظيفته الإيمانية، فإن تكررت هذه الذنوب ـ من دون أن يتبعها توبة واستغفار ـ شكلت طبقة سميكة من النكت السوداء قد تحيل بين القلب وبين وظيفته الإيمانية العقدية ..!
هذه الطبقة من الران تحيل بين القلب وبين فهم الخطاب الشرعي فضلاً عن الانقياد له، والالتزام بدلالاته وتوابعه .. ولو وصله الخطاب الشرعي ـ قال الله قال رسوله ـ فإنه لا يتحرك له ولا يتأثر به، فهو يصل إليه كأحرف مجردة من المعاني لا تعني له بشيء .. لذا نلحظ عندما تُتلى عليه آيات القرآن الكريم ـ التي لو نزلت على الجبال لخشعت وتصدعت من خشية الله ـ يستمع إليها باستخفافٍ وبرودةٍ قاتلة وكأنها لا تُتلى عليه .. وذلك كله مرده إلى الران الذي يعلو قلبه! 
          ثم تأمل قوله صلى الله عليه وسلم:" فإذا نزعَ واستغفر وتاب سُقِل قلبه .. "؛ فهو لكي يثقل قلبه بالإيمان وترتد إليه عافيته، لا بد بعد أن يقلع عن الذنب من أن يستغفر ويتوب، ويصدق في ذلك ..!
          وفي رواية عند مسلم:" تُعرَض الفتنُ على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلبٍ أُشربها نُكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير على قلبين: أبيض بمثل الصفا فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً ـ أي صار كلون الرماد من الربدة ـ كالكوز مجخيَّاً ـ أي مائلاً منكوساً ـ لا يعرف معروفاً ولا يُنكر منكراً إلا ما أُشرِب من هواه " .
          فهو لفساد قلبه بما كسبت يداه من المعاصي والذنوب .. يصل إلى درجة لم يعد يرى فيها الأشياء على حقيقتها التي هي عليه .. لم يعد يرى المعروف معروفاً، ولا المنكر منكراً إلا ما يراه هواه من ذلك؛ فالمعروف ما يراه هواه معروفاً ولو كان في دين الله تعالى منكراً، والمنكر عنده ما يراه هواه منكراً وإن كان في دين الله تعالى معروفاً .. فالتحسين والتقبيح مرده إلى هواه وما أشرب من هواه .. وليس إلى دين الله تعالى وشرعه .
          والمرء إن وصلت به شهواته إلى هذا الموصل يُصبح عبداً متألهاً لهواه منقاداً له ولحكمه .. وعليه وعلى أمثاله يُحمل قوله تعالى:) أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً ( الفرقان:43. وقوله تعالى:) ولا تُطع من أغفلنا قلبَه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً ( الكهف:28. أي وصار أمر دينه ودنياه إلى ضياع وخراب بسبب اتباعه لهواه ..!
          الدليل الثالث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنمٍ بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه "([6]). أي لو فلتت الذئاب الضارية الجائعة بين قطيع من الغنم فما هي بأفسد لها وأشد فتكاً بها من أثر الحرص على المال، وحب الرياسة والزعامة والإمارة على دين المرء ..!
          فالمرء لا يزال يحرص على المال وعلى تكثيره وتجميعه إلى أن يصبح عبداً مأسوراً له، لا هم له إلا كيف يجمع المال، ويكثر رأس المال، فهو يتواجد حيث يتواجد الدرهم والدينار، ويوالي ويواد ويبش حيث يكون ويوجد الدرهم والدينار .. فهو يدور مع الدرهم حيث دار، ولاءً وبراء(1) .. ولو كان عنده وادٍ من ذهب لتمنى وطلب الآخر، لا لحاجة سوى حب الكنز والتجميع والتكثير ..!
          فالمرء عندما يصل إلى هذه الحالة يصبح عبداً لماله لا لربه كما قال صلى الله عليه وسلم:" تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار ..".
          وقال صلى الله عليه وسلم:" من سعى مكاثراً ـ أي للمال ـ ففي سبيل الطاغوت، وفي رواية: ففي سبيل الشيطان "([7]). فهو في سبيل الطاغوت لأنه يصده عن العبادة وعن القيام بواجبات هذا الدين وما يمليه عليه . 
          وكذلك شهوة الحرص على الشرف والرياسة والزعامة فهي أشد على صاحبها من شهوة الحرص على المال .. حيث نجد أن صاحبها يضحي بالمال وبكل عزيز عليه من أجل ذلك، ولو استلزم الأمر أن يدخل في تحالفات مشبوهة مع أعداء الأمة ـ ويقدم لهم كل ما يطلبونه منه ـ مقابل أن يثبتوا عرشه وحكمه، أو يُحققوا له ما يصبو إليه من الزعامة والرياسة والإمارة .. فلا يتردد في ذلك لحظةً([8])..!!
   أما إن أردت أن تتكلم عن طواغيت الحكم في ديار المسلمين فحدث عنهم ولا حرج .. حيث ما من حاكم إلا وتراه مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً ـ من خلال معاهدات الدفاع المشترك، وغيرها من الاتفاقيات السرية الخفية ـ بدولة من دول الاستكبار العالمي، يقدم لها كل ما تريد وتطلب من امتيازات وسياسات كافرة تمارس في بلاده وعلى شعبه .. من أجل أن يُحافظوا على عرشه وملكه، وحكمه !! 
          الدليل الرابع: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن "([9]).
          فإن قيل: كيف يكون كعابد وثن .. وهناك نصوص عديدة تفيد أن أصحاب الكبائر يُتركون للمشيئة إن شاء الله عذبهم، وإن شاء غفر لهم وعفا عنهم ..؟!
          أقول: يُحمل الحديث على وجهين وتفسيرين:
          أحدهما: أنه يُراد به التغليظ وبيان فداحة ذنب الإدمان على شرب الخمر؛ أم الخبائث ..!
          والثاني: أنه يُطلق ويُراد به ظاهره؛ وذلك عندما يصل المدمن إلى درجة يكون فيها منقاداً بكليته للخمر، أو لغيرها من المواد المخدرة، انقياد العبد لمعبوده .. يوالي ويُعادي فيها، يُحارب ويُسالم لأجلها، لا يستطيع الفكاك من سلطانها وطغيانها .. يُضحي بكل ما يملك من أجل أن يؤمِّن لنفسه جرعات من الخمر أو المخدرات([10]) ..!
          فحينئذٍ ـ بهذا الوصف ـ يكون الخمر بالنسبة لصاحبه وثن، وهو بالنسبة له كعابد وثن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .. والله تعالى أعلم .
          ونحو الحديث المتقدم قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يدخل الجنة مدمن خمر "([11]). ونحو التفسير المتقدم يُفسر ويُحمل هذا الحديث والله تعالى أعلم .
          والذي نريده هنا من هذا الحديث والذي قبله أن يظهر للقارئ أثر الإدمان على الشهوات على دين وإيمان صاحبها .. وكيف أنها تصده عن دين الله تعالى، وعن القيام بحق الله تعالى عليه، وكيف توصله إلى درجة أن يكون كعابد وثن !!
          الدليل الخامس: قال صلى الله عليه وسلم:" حُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات " متفق عليه.  
          الجنة مطلب الجميع، وما من أحدٍ يسمع بها وما أعد الله فيها لعباده المؤمنين إلا وتمنى واستشرف أن يكون من أهلها .. ومن ذا الذي لا يتمناها وفيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ..؟! 
          ولكن لما أحفها الله تعالى بالمكاره كالصبر على الطاعات، وبعض العبادات التي فيها نوع مشقة على النفس كالصلاة وما يتبعها من وضوء وتطهر في الأيام الباردة .. وكذلك الجهاد في سبيل الله وما يتبعه ويترتب عليه من قتل وقتال، وترك لدفء الأوطان .. وغيرها من الطاعات التي تستلزم مخالفة النفس الأمارة بالسوء .. فلما حُفت الجنة بهذه المكاره وغيرها زهد بها الناس، وأعرضوا عنها، وتمنوا غيرها ..!!
          وكذلك نار جهنم ـ أعاذنا الله منها ـ التي يزيد حرّ نارها على مجموع نار الدنيا سبعين ضعفاً .. ما من أحدٍ يسمع بها، وما أعد الله فيها لأهلها من المجرمين .. إلا وتعوذ بالله منها ومن شرها، وتمنى أن لا يكون من أهلها ..!
          ولكن لما أحفها الله تعالى بالشهوات .. استخف بها معظم الناس، ورضوا بأن يكونوا من أهلها ووقودها ..!
          هذا المعنى يوضحه حديث آخر برواية أخرى، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لما خلق الله الجنة أرسل جبريل إلى الجنة فقال: أنظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها . قال: فجاءها ونظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها قال: فرجع إليه وقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها . قال: فأمر بها فحُفت بالمكاره فقال: فارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها . قال: فرجع إليها فإذا هي قد حُفت بالمكاره فرجع إليه فقال: وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد قال: اذهب إلى النار فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فإذا هي يركب بعضها بعضاً فرجع إليه فقال: وعزتك لقد خفت ألا يسمع بها أحد فيدخلها فأمر بها فحفت بالشهوات فقال ارجع إليها فرجع إليها فقال: وعزتك لقد خشيت ألا ينجو منها أحد إلا دخلها "([12]). 
          وهذا المعنى ـ أعني به أثر الشهوات في الصد عن دين الله ـ قد أدركته شياطين الإنس والجن، فعملوا ولا يزالون يعملون على إثارة الشهوات بكل أنواعها وفنونها في كل درب ووادٍ من أجل اصطياد الناس وجذبهم إلى باطلهم وشركهم ومجونهم، وصدهم عن طريق الهداية والحق !
          كثير من الأنظمة الطاغية ـ كما في بلادنا ـ من ذوي البصر القصير يستخدمون سياسة البطش والتنكيل في إكراه وقهر شعوبهم على الاتجاه والسير في طريق معين دون طريق آخر .. فينجحون في جانب ويفشلون في جوانب أخرى، وقد ترتد هذه السياسة على رؤوسهم، وتجني عليهم خلاف ما خططوا ودبروا .. ومن الأنظمة ـ الأكثر دهاءً ـ من يبتعد عن هذه السياسة؛ أعني سياسة البطش والتنكيل .. ويراهنون على نجاح سياسة إثارة جيوش من الشهوات والنزوات في وجه الحق، ومن أجل تسيير شعوبهم في الاتجاه الذي يريدون كما هو حاصل في دول أوربا وأمريكا ومن نحا نحوها .. فينجحون وللأسف في كثير مما خططوا له، ولا يسلم من شرهم ومخططاتهم إلا من رحمه الله !!
          وحتى ندرك هذه الحقيقة فلنتأمل هذا الكم الهائل من الشهوات والمثيرات التي تحيط بالإنسان الأوربي، والتي تستغرق منه كل أنفاسه ووقته ولو عاش أحدهم ألف سنة ..!
          تأمل هذا الكم الهائل من دور الدعارة .. تأمل هذا الكم الهائل من البارات ودور القمار والميسر .. ثم تأمل ما ينشر ويبث عبر آلاف القنوات المرئية التي لا وظيفة لها سوى تدمير الأخلاق وبث ما يثير الشهوات ويُشعل نارها ووقودها .. وكذلك هذا الكم الهائل من الفساد والإضلال الذي ينشر في مجلات القوم وجرائدهم .. أضف إليها دور السينما والمسارح .. أضف إليها الوسائل والأشرطة المسموعة والمرئية .. أضف إليها الوسائل المدمرة للأخلاق التي يتلقاها التلاميذ وهم في مقاعدهم الدراسية منذ المرحلة الابتدائية إلى ما بعد المرحلة الجامعية .. أضف إليها وسائل الترفيه والتسلية الجذابة التي ينفق عليها بالملايين والتي تناسب جميع الأعمار .. هذا الكم الهائل من المكر والكيد وغيره مما لم نذكر الذي لا يعلم كمه ونوعه إلا الله تعالى ..  يُحيط بالإنسان الأوربي الذي يجعله يسير باتجاه معين ـ كما خطط له الساسة والأحبار والرهبان ـ رغماً عن أنفه وهو راضٍ ..!
          يسير في الاتجاه الذي يريدون ـ رغماً عن أنفه ـ ثم يُخيل إليه ـ هذا المسكين المغفل ـ بعد ذلك أنه الإنسان الحر في الوجود .. وهو في حقيقته عبد مسير لآلهة عديدة ـ وهو يعلم أو لا يعلم ـ أحط منه قدراً وشأناً ..!
          كيف يقدر هذا الإنسان الأوربي أن يلتفت إلى الحق، أو يسمع للحق، أو يقرأ عن الحق  .. وهو محاط بهذا الكم الهائل من الشهوات التي تجعله يسير بخلاف الطريق الذي يحب ويريد ..!
          كيف يستطيع أن يختار الإسلام .. أو أن يعرف عنه شيئاً .. وهو محاط بهذا السياج الضخم من الشهوات الذي يستغرق منه كل أنفاسه وجهده، وتفكيره ..؟!
           هكذا خطط له الساسة .. والأحبار والرهبان .. وراء كل شرٍ وداء .. وهكذا أرادوا له أن يكون !! 
          قال تعالى:) وقال الذين استُضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً ( سبأ:33. فهو ليس مكر الليل وحسب ثم يستريح في نهاره .. أو مكر النهار وحسب ثم يستريح في ليله .. لا، بل هو مكر الليل والنهار، مكر على مدار الساعة
والوقت .. ما هو هدفه وغايته .. أن نكفر بالله تعالى ونجعل له الأنداد والشركاء من الآلهة المزيفة  التي يصطنعوها بأيديهم وأهوائهم .. والتي هي أحط قدراً وشأناً من الإنسان ذاته !!
          عندما يختار الإنسان الأوربي شيئاً .. لا يكون قد اختاره لأنه مقتنع بهذا الشيء بعيداً عن ضغط الشهوات، وضغط مكر الليل والنهار .. لا، وإنما يختاره لأن الساسة والأحبار والرهبان سيروه في اتجاه ـ من خلال هذا الكم الهائل من الشهوات ـ يلزمه في نهاية المطاف أن يختار هذا الشيء لا سواه ..!!
          هذا المكر .. وأعني به أثر الشهوات في الصد عن دين الله تعالى .. قد تفطن له الساسة الأغبياء في بلادنا فراحوا يستوردون  بقصد من بلاد الغرب كل ما يحيي ويثير الشهوات ويقوي نارها وفتنتها .. تارة تحت زعم ضرورة الانفتاح على الحضارات والثقافات .. وتارة تحت زعم العمل بالديمقراطية التي تضمن كامل الحرية للشهوات أن تسير في الاتجاه التي تريد .. وتارة .. وتارة .. وما ذلك في حقيقته إلا من أجل أن يصدوا الناس عن دين الله تعالى، ويقتلوا فيهم إرادة النهوض بهذه الأمة لتستأنف حياتها الإسلامية من جديد .. ولكي يشغلوهم عن الالتفات إلى خيانات الطغاة الحاكمين، وعن ظلمهم وفسادهم الذي لا يمكن أن يتم كل ذلك إلا في غفلة من الشعوب تعيش سكرة الشهوات .. تعيش همَّ إشباع الشهوات التي لا يمكن أن تشبع !!

          ـ علامات مرض القلوب بالشهوات .
          فإن قيل هل لمرض القلوب بالشهوات علامات يُعرف المرض بها ..؟
          أقول: نعم، لمرض القلوب بالشهوات علامات يُعرف بها، فإن وجدت وجد المرض ودلت عليه ولا بد .. أهمها:
          1- عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . 
          من علامات أمراض القلوب بالشهوات أن لا يقوى المريض على النهوض بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيصيبه في ذلك فتور عجيب، بحسب وقدر مرضه .. ثم كيف ينهض لتغيير شيء هو يأتيه، أو يأمر بشيء هو لا يأتيه ؟!
          قال صلى الله عليه وسلم:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " مسلم.
          دل الحديث أن قوة الإيمان وعافيته في القلب تتفاوت قوة وضعفاً بحسب تعامله مع المنكر وطريقة تغييره له .. أعلاه أن ينكر المنكر باليد .. وأضعفه أن يقتصر إنكاره للمنكر على القلب وذلك أضعف الإيمان .. وليس وراء إنكار المنكر في القلب عافية ولا إيمان، كما جاء ذلـك
مفصلاً في حديث آخر .
          قال صلى الله عليه وسلم:" ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له حواريون وأصحاب، ويأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن،  وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " مسلم.
          ليس وراء إنكار القلب وجهاده للمنكر من الإيمان ما يزن حبة خردل لأنه ليس وراء إنكار القلب من الدرجات سوى الرضى بالمنكر والاطمئنان له .. والرضى بالكفر كفر.
          وهذه حالة لو وصل إليها القلب ـ وهي الرضى بالكفر وعدم إنكاره ـ يكون فيها ميتاً لا حياة فيه البتة ..!
          2- استقباح المعروف، واستحسان المنكر .
          ومن علاماته كذلك أنه يفسد ذوقه عليه إلى درجة أنه لم يعد يحسن التمييز بين الأشياء .. لا يحسن التمييز بين الحق والباطل .. وبين القبيح والحسن .. وبين المعروف والمنكر .. وبين الشرك والتوحيد .. فهو يرى المعروف منكراً، والمنكر معروفاً .. ويرى الحق باطلاً، والباطل حقاً .. فيستقبح الحسن، ويحسن القبيح ..!!
          وهذه أسوأ حالة يصل إليها قلب الإنسان .. حيث بها تتعطل جميع وظائفه المعنوية التي أنيطت به .. قال ابن مسعود: هلك من لم يعرف قلبه المعروف، وينكر المنكر .
          وقيل له من ميت الأحياء ؟ قال t: الذي لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً .
          وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن " ، مفهوم المخالفة يقتضي أن من لا تسره حسنته ولا تسيئه سيئته فهو ليس بمؤمن .
          قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 7/41: فإن لم يكن مبغضاً لشيءٍ من المحرمات أصلاً، لم يكن معه إيمان أصلاً ا- هـ .
          3- الإعراض عن الدواء .
          قد يشعر المريض بمرضه .. وقد يعرف الدواء أو يُعرَّف به .. لكنه يعجز عن تناوله؛ لأن في تناوله مخالفة الهوى والإقلاع عن الانسياب وراء الشهوات، وعما كان قد أدمن على تعاطيه  .. وهذا بحد ذاته يجد في مخالفته صعوبة كبيرة لا يقوى عليها إلا من رحم الله .. فتراه لذلك يخلد إلى المرض وإلى شهواته ويستسلم لها، ويُعرض عن الدواء النافع !
          ولو أردت أن تحمله على الدواء بالقوة تراه يُظهر لك إعراضاً ومقاومة لا تجدها في مريضٍ تريد أن تجري له عملية جراحية في بعض أعضاء جسده ..!
          4- سرعة التأثر بالفتن . 
          ومن علامات مرض القلب بالشهوات سرعة التأثر بكل ما يعترضه من فتن .. فهو ـ لمرض قلبه بالشهوات ـ لا يقوى على المقاومة لو داهمته أدنى فتنة مهما صغرت .. بل تراه يطرب ويرقص لكل فتنة تعترضه .. وهو المراد من قوله تعالى:) فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ( الأحزاب:32 . فهو فقط لو سمع امرأةً تخضع بالقول ـ ولو عن غير قصد ـ تراه يطمع بها، وتحدثه نفسه الأمارة بالسوء في أن يقع في السوء .. فكيف لو ظهر منها ما هو فوق الخضوع بالقول .. كيف لو قالت له هيت لك .. فهو لا شك أسرع في الوقوع في الفتنة والعياذ بالله .
ـ كيف العلاج ..؟
          قد يرد سؤال: أليس لأمراض القلوب بالشهوات دواء وعلاج .. وإن كان يوجد، فأين يكمن ؟؟
          أقول: من نعم الله على عباده أنه تعالى ما من داء ـ عضوياً كان أم معنوياً ـ إلا وأوجد له الدواء والعلاج الشافي والكافي، عرفه من عرفه وجهله من جهله .. إلا الموت ـ هازم وقاهر اللذات والشهوات ـ فلا دواء له يحيي صاحبه بعد أن يلقى حتفه .
          والعلاج من أمراض الشهوات يكمن في النقاط التالية:
          1- لا بد من مخالفة الهوى وعصيانه ابتداءً وإن وجد المريض في ذلك للوهلة الأولى صعوبة .. فإن هذه الصعوبة سرعان ما تضعف وتذهب ـ ليتبعها راحة وسعادة دائمتين إن شاء الله ـ مع وجود الإصرار على مخالفة الهوى والشهوات .. فالدواء وإن كان مراً، ومرارته تؤذي المريض لكنها لا شيء ـ من حيث الأثر والزمن ـ قياساً لأذى الشهوات والانسياب وراءها.
          فما من ذنب أو معصية تُترك لله تعالى إلا وأورثه الله مكانها في قلبه حلاوة ولذة هي أفضل وأعلا بكثير من لذة المعصية التي سرعان ما تنقلب على صاحبها إلى نقمة وعذاب ..!
          قال تعالى:) وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى . فإن الجنة هي المأوى ( النازعات:40-41. فمن أراد أن يكون من أهل الجنة والنجاة لا بد له من أن ينهى نفسه عن الهوى .. والمراد به هنا الشهوات والتوسع فيها بالحرام .
          2- العمل على المزيد من التفقه بالتوحيد .. الذي يزيد إيمانه، ويزيد معرفته بربه سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته العليا .. فيرتد ذلك عليه شعوراً ويقيناً بعظمة الخالق سبحانه وتعالى وبمراقبته الدائمة له .. وعلمه أن الله يراه حينما يقبل على المعاصي والشهوات .. وأن الله تعالى قادر عليه وهو يمارس المعاصي والشهوات .. فينردع وينطوي على نفسه، ويستحيي من ربه ..!
          واعلم أن المعاصي لا تمارس إلا لضعفٍ عند المرء في توحيده وإيمانه، وفي حالة يغيب فيها عن النفس اليقين بأسماء الله وصفاته .. وأن المرء كلما قوي إيمانه وتوحيده كلما قلت معاصيه، وقلت طاعته لهواه ولشهواته .
          3- الإقبال على القرآن الكريم بصدق تلاوة وفهماً وعملاً .. فالقرآن فيه الدواء والشفاء لكل داء، كما قال تعالى:) قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء ( فصلت:44. وقال تعالى:) وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ( الإسراء:83. وقال تعالى:) يا أيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور وهدىً ورحمة للمؤمنين ( يونس:57.
          قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية: فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة . وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يُقاوم الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلامَ رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدَّعها ا- هـ .
          4- ومما يساعد في ذلك مطالعة الكتب النافعة التي تحكي سيرة الأوائل من السلف الصالح، وتبين حالهم من الورع والزهد والتقوى .. وعلى رأسهم وأولهم سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم .. وسيرة الخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم أجمعين .
          5- ومن ذلك كذلك مصاحبة وملازمة الأقران الصالحين إن وجدوا، فلا تجالس إلا صالحاً، ولا تؤاكل إلا تقياً .. وإياك وأقران الفجور والسوء .. فكما أن الصاحب الصالح لا يدل صاحبه إلا على الخير وما فيه النفع والفائدة .. كذلك قرين السوء فإنه لا يدل صاحبه إلا على السوء والفجور والمنكر .. ولا يرى منه إلا ما يسيء ويشين .. ومثلَهما كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:" إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد ريحاً طيبةً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة " . وقال صلى الله عليه وسلم:" الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " .
          نسأل الله تعالى أن يحفظنا بحفظه، وأن يرحمنا برحمته .. وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، إنه تعالى سميع قريب مجيب .
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
          16/9/1421 هـ .                           عبد المنعم مصطفى حليمة
          12/12/2000 م .                                      أبو بصير 






[1] الشهوات تأتي من جهات ثلاث: من جهة الفرج والبطن، ومن جهة المال والحرص عليه، ومن جهة الرياسة والشرف وحب الشهرة والزعامة والإمارة والحرص عليها .. وهي من أشدها أثراً على الإنسان وأخلاقه ودينه، حتى أننا نجد ـ من أجل الرياسة والزعامة ـ من يُضحي بأبيه وبمصالح دينه وأمته وإخوانه، ويدخل في موالاة الكفرة والمشركين مقابل أن يُساعدوه فيما هو عليه من الملك أو يقصد إليه من الملك والرياسة والزعامة ..!
    والشيطان يأتي الإنسان من هذه الجهات الثلاثة .. فمن يأس منه من جهة شهوة البطن والفرج جاءه من جهة شهوة حب المال وكنزه وطغيانه، ومن لم يُفلح معه من هذه الجهة ولا تلك جاءه من جهة شهوة حب الشرف والشهرة والرياسة والزعامة .. ومنهم من يأتيه من الجهات الثلاثة ويُفلح معهم من كل الجوانب والطرق .. وهؤلاء لا تسأل عن هلكتهم وقدر ضياعهم ! 
    قال رسول الله r:" ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه " أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح . 

[2] لو تأملت حال الناس وموقفهم من الخطاب الشرعي ـ قال الله قال رسوله ـ عندما يبلغهم تجد فريقاً منهم وقَّافاً عند حدود وأحكام الخطاب، ويُلقي كل سمعه للخطاب ودلالاته، فيستفيد ويُفيد .. ومنهم من يستمع إلى الخطاب لكنهم أقل استجابة من الفريق الأول، وأقل استفادةً وإفادة .. ومنهم من يستمع إليه وهم يلعبون لا يفقهون من دلالاته وأحكامه شيئاً، ولا يُريدون أن يفقهوا شيئاً .. وهذا التفاوت بين هذه الأصناف من الناس في التأثر بالخطاب الشرعي مرده كله إلى القلوب ودرجة ما فيها من الحياة أو المرض ! 
    وهؤلاء قد ضرب النبي r لهم مثلاً فقال:" مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثلِ الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقيةٌ قبلت الماءَ فأنبتت الكلأ فأنبتت الكلأَ والعُشبَ الكثير، وكانت منها أجادبُ أمسكتِ الماءَ فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ورعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تُمسكُ ماءً ولا تنبت كلأً . فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعَلِمَ وعلَّم، ومثلُ من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هُدى الله الذي أُرسلت به " متفق عليه .

[3] أخرجه المروزي، والطبراني، السلسلة الصحيحة: 1733. 
[4] إذا عرفت ذلك فلا تعجب عندما تسمع عن تلك الدول ـ التي تزعم الحرية ـ عندما تضيق ذرعا ببعض الطالبات لارتدائهن الحجاب وتصدر بحقهن قرار الفصل من المدرسة إلى أن يخلعن الحجاب، كما حصل في فرنسا وغيرها ..!

[5] صحيح سنن الترمذي:2654 .
[6] تأمل كم هم الذين يعملون كجنود أوفياء عند الطاغوت، ويستميتون في الدفاع عنه وعن نظامه .. مقابل راتب زهيد من المال يُعطاه، وكم هم مشايخ السوء الذين يجادلون عن الطواغيت والظالمين، ويضفون عليهم الشرعية .. من أجل راتب زهيد من المال يُرمى إليهم .. وكم هؤلاء الدعاة الذين يسكتون عن الحق ويؤثرون الصمت أمام الباطل الذي يرونه خوفاً على فوات الامتيازات والرواتب التي يمنحهم إياها الطاغوت .. أرأيت كيف أن شهوة الحرص على المال تصد عن دين الله تعالى، وكيف توقع صاحبها في عبادة وموالاة الطاغوت !!
[7] السلسلة الصحيحة:2232 .
[8] تأمل هذه المبالغ الطائلة التي ينفقها النائب أو الحزب في حملاته الدعائية لكي يحقق ما يصبو إليه من الزعامة والشرف .. وحتى يُقال عنه الأستاذ النائب فلان .. حيث وجدنا منهم من يجند النساء والفتيات يرسلونهن لدور الناس من أجل ذلك .. وهذا كله يحصل في بلاد المسلمين !!
   بل ووجدنا من التجمعات والأحزاب الإسلامية التي تدخل في تحالفات باطلة مع أحزاب الكفر والردة في المنطقة من أجل أن يحققوا لأنفسهم شيئاً من هذه المكاسب التي تدخل كلها في شهوة حب الشرف والرياسة والزعامة ..فتأمل !!

[9] أخرجه أحمد وغيره، السلسلة الصحيحة:677 . 
[10] نلحظ ذلك عند مدمني المخدرات كيف يصل بهم الحال إلى درجة أنهم لا هم لهم في الحياة إلا كيف يؤمنون لأنفسهم جرعات المخدرات ولو أدى ذلك لأن يبيعوا كل ما يملكون، أو يرتكبوا جريمة القتل والقتال، وقطع الطريق ..!
   وقد ذكر لي أحد الأخوان أنه كان قد ابتلي بالسجن لمدة طويلة في سجون اليهود .. وكيف كان اليهود يستغلون حاجة السجناء إلى الدخان، إلى أن تمكنوا من تجنيد بعضهم كمخبرين وجواسيس على إخوانهم في السجن مقابل أن يزيدوهم بعض السجاير في اليوم عمن سواهم .. هذا فيما يتعلق بالدخان، وهو أقل أثراً بكثير على صاحبه من بقية أنواع المخدرات والمفترات، والمسكرات .. فتأمل!!
[11] أخرجه ابن حبان، السلسلة الصحيحة:678 .
[12] أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح .

إرسال تعليق

 
Top