GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد.

          الإعداد: هو رفع جاهزية الفرد أو الجماعة إلى مستوى المهام الشرعية المطلوبة، الخاصة منها والعامة، ويشمل ذلك الجانب المادي والمعنوي معاً.

          الإعداد المعنوي: يُعنى ببناء الفرد أو الجماعة بناءً إيمانياً، وفقهياً، وفكرياً .. يرقى بالفرد أو الجماعة إلى مستوى هذا الدين .. ومستوى أخلاقه ومهامه .. ومستوى التحديات والشبهات التي تحاك وتثار ضد الإسلام والمسلمين.

          الإعداد المعنوي الذي يُعين السائرين في الطريق على تحمل تبعات المسير .. ومشاق الطريق .. مهما امتد بهم الطريق، وطال المسير ..!

          كثير من الناس ممن يستهينون بهذا الجانب الهام من الإعداد .. تراهم يتساقطون في أول الطريق أو منتصفه .. ويتهاوون في أصغر حُفرة تُنصب لهم ..!

ولأدنى فتنة أو بلاء يُصيبهم .. تراهم يرفعون رايات الاستسلام والخنوع .. والركون إلى الظالمين المجرمين .. ليقدموا لهم أسمى آيات الطاعة والولاء!

          طريق الإسلام لا يعرف فترة زمنية محددة من البذل والعطاء .. ثم بعدها يلجأ الإنسان إلى الراحة والاسترخاء .. مواسياً نفسه بأنه قد قام بالواجب والمطلوب .. وعلى الآخرين أن يُكملوا عنه المسير والطريق .. كما يحلو ذلك للبعض .. لا .. طريق الإسلام ليس شيئاً من ذلك .. وإنما هو بذل وعطاء، وجهاد .. من المهد إلى اللحد!  

          المسلم لا يعرف الراحة الحقيقية إلا في جنان الخلد .. هذا المُستفاد من البيع والشراء الذي تكلم عنه ربنا عز وجل:) إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة:111. البيع قد تم .. والشراء قد تم .. والعقد قد مضى .. لا رجوع فيه ولا انتكاس .. والله قد وفَّى وأجزل الوفاء .. ولا بد للعبد من الوفاء!  

إذا عرفنا ذلك عرفنا المراد من قول النبي صلى الله عليه وسلم:" إنما الناسُ كإبلٍ مائة لا تكاد تجدُ فيها راحلةً " متفق عليه. أي راحلة تتحمل مشاق السفر .. ووعثاءه .. وتبعاته .. وإلى نهاية الطريق!

أما الإعداد المادي: فهو يمتد ليشمل ويستحوذ على جميع أسباب القوة المادية ابتداءً ببناء الإنسان لجسمه بناءً رياضياً صحيحاً يقدر من خلاله على التكيف والاستجابة مع جميع الأجواء والمراحل التي قد يمر بها، ويتعرض لها وهو في طريقه وجهاده من أجل إعلاء كلمة الله تعالى في الأرض .. لينتهي به عند الامتلاك والتعرف ـ قدر المستطاع ـ على آخر ما توصل إليه الإنسان من صناعات في مجال العتاد والسلاح ..!

أما حكم الإعداد بنوعيه الآنفي الذكر: فهو واجب لسببين:

أولاً: لدلالة النصوص الشرعية التي تفيد الوجوب، كما في قوله تعالى:) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (الأنفال:60. فقوله تعالى:) وأعدُّوا ( أمر يُفيد الوجوب.

وفي الحديث عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول:) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة (؛ ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، إلا إن القوة الرمي "مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم:" مَن علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى "مسلم. وهذا وعيد يفيد الوجوب ..!

ومما يدخل في الرمي المراد من الحديث: الرمي على المسدس .. إلى البندقية .. إلى المدفع .. إلى الدبابة .. إلى الرمي على الصواريخ .. فكل فنون الرماية هذه تدخل في المراد من كلمة " الرمي " الواردة في الحديث .. والتي يجب على المسلم أن يأتي منها ما يستطيع ويقدر عليه!

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير، واحرص على ما ينفعك "مسلم. والقوة هنا يُراد منها جانبي القوة والإعداد: المادي منها والمعنوي. 

ثانياً: ومما يدل على وجوب الإعداد كذلك أنه واجب لغيره .. فلا يمضي الجهاد إلا به .. ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

فمن أراد الجهاد لزمه الإعداد ولا بد .. ومن لم يعد للجهاد عدته .. فهو كمن ينشد الشيء ولا يسعى إليه من أسبابه ووسائله التي تؤدي إليه .. وهو كذلك يحكم على نفسه بالكذب والخداع، وأنه لا يريد الجهاد ولا أن يجاهد .. وإن زعم بلسانه ألف مرة أنه يريد الجهاد .. ويحب الجهاد والمجاهدين!

كما في قوله تعالى:) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (التوبة:46.  

كحال الأنظمة العربية الخائنة العميلة التي تتظاهر بالعجز والضعف أمام طغيان وظلم واعتداءات دويلة بني صهيون في فلسطين .. وأنهم لا يقدرون على المواجهة والتحرير .. وإغاثة الملهوفين المستضعفين من أبناء فلسطين!

نقول لهم: كذبتم .. ثم كذبتم ألف مرة .. لو أردتم الجهاد والتحرير .. وصدقتم في ذلك لأعددتم للخروج والتحرير عدته .. ولكن لما مضى على حكمكم عشرات السنين .. وأنتم في كل عام تزدادون ضعفاً وتعاجزاً .. وتخاذلاً .. عن العام الذي قبله .. علمنا بالضرورة أنكم لا تريدون التحرير ولا الجهاد .. بل ولا تفكرون به مجرد تفكير .. وأنكم تكذبون على أنفسكم وعلى المغفلين من شعوبكم .. عندما ترفعون شعارات التحرير .. والصمود والتصدي!

فإن قيل: على من يجب الإعداد ..؟

أقول: يجب الإعداد على من يجب عليه الجهاد ..!

فإن قيل: ما حد الإعداد الذي يجب تحقيقه ..؟

أقول: حد الإعداد ينتهي عند حدود أعلى درجات الطاقة، والاستطاعة، والقدرة التي يتمتع بها الإنسان؛ إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وكما قال تعالى:) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة (. فكل امرئٍ مطالب بأن يعد للجهاد عدته على قدر  استطاعته، وما يقدر عليه؛ فإن كان يستطيع أن يعد بمائة دينار ثم أعد بخمسين دينار فهو آثم بخمسين؛ وهو الفارق بين الخمسين والمائة .. ومن كان قادراً على أن يعد للجهاد بندقية أو رشاشاً ثم أعد مسدساً فهو آثم على قدر الفارق بين المسدس والرشاش .. ومن كان قادراً على الإعداد بماله وبدنه فأعد بماله دون بدنه فهو آثم على تفريطه الإعداد ببدنه .. وهكذا!

قال سيد قطب في الظلال 3/1543: فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد، والنص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها.

فهي حدود الطاقة إلى أقصاها .. بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سببٍ من أسباب القوة يدخل في طاقتها ا- هـ. 

وتأتي أهمية الإعداد إضافة إلى كونه سبباً لا يمضي الجهاد إلا به .. أنه الأداة التي تُرهب العدو، وتمنعه من التجاسر على الاعتداء والتعدي.

فالعدو عندما يعلم أن للمسلمين قوة تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم وحرماتهم .. وحقوقهم .. لا يتجرأ على الاعتداء .. وتراه يفكر ألف مرة .. ويحسب ألف حساب بعواقب الأمور عليه .. قبل أن يخطو أية خطوة نحو الاعتداء ..!

أما إن أدرك وتيقن أن للمسلمين ليس لهم القوة الرادعة .. التي بها يُدافعون عن أنفسهم وحرماتهم، ومقدساتهم .. ترى الجميع يتجرأون عليهم .. ويتطاولون عليهم وعلى حرماتهم .. وعلى صفعهم متى شاءوا .. ومن دون أن يحسبوا لهم أدنى حساب .. وما أكثر الشواهد على ذلك في هذا الزمان!!

ما من أمة أو دولة إلا ولها القدر الكافي من الإعداد والقوة .. والسلاح .. كسورٍ أمني تحمي به نفسها ودولتها من اعتداءات الآخرين .. إلا المسلمين .. لا يجوز أن تكون لهم دولة .. ولا سوراً أمنياً يحميهم .. بل ولا قوة يُدافعون بها عن أنفسهم، وحقوقهم، وحرماتهم ..!

ما من أمة من الأمم المعاصرة إلا وتجد بيوتها محصنة مصانة، مقفلة الأبواب أيما إقفال .. إلا أمة الإسلام يجب أن تبقى بيوتها مشرعة الأبواب .. لا أقفال لها ولا حصانة .. سهلة المنال لمن تُطاوعه نفسه على النيل منها .. أو التسوّر عليها .. أو التغوط فيها ..!!

فما هو حلال لهم .. حرام على أمة الإسلام .. وما كان حقاً لهم .. كان باطلاً وحراماً على غيرهم ..!  

هذه هي عدالة الأمم الطاغية الكافرة .. وهذه هي شريعة التسابق على التسلّح في هذا الزمان .. وهذا الذي يريدونه من الإسلام والمسلمين ..!

ولكن أنّى لهم أن يتحقق مرادهم هذا .. مادام قول الله تعالى:) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (الأنفال:60. يلاحق عقول وضمائر المسلمين على مدار الأوقات والساعات .. يستحثهم على النهوض والقيام .. ونفض غبار الذل والهوان .. وعلى الإعداد والاستعداد ..!       

          أمة الإسلام تغفو .. لكنها لا ولن تموت ..!
          أمة الإسلام تكبو .. لكن سرعان ما تنهض لتستأنف المسير .. ولتباشر دورها الريادي في  قيادة ورعاية الأمم والشعوب، كما قدّر الله لها أن تكون:) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران:110.
          أمة الإسلام .. قد يتعثر عطاؤها في مرحلة من المراحل .. لكنه لا يتوقف .. وإلى الأبد .. وهاهي بشائر النصر، والخير، والعطاء .. التي تظهر هنا وهناك .. تُصدق ذلك كله .. وتبشر
بفجرٍ جديدٍ قريبٍ للأمة، ولسائر الأمم والشعوب إن شاء الله.
          قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله زوى ـ أي جمع وضمَّ ـ لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها " مسلم. 
          وقال صلى الله عليه وسلم:" ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدَرٍ ولا وبَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيزٍ أو بذلِّ ذليل، عزاً يعزُّ الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر ".
          وهذا أمر كائن ولا بد .. ولتعلمنَّ نبأه ولو بعد حين .. والحمد لله رب العالمين. 

          14/4/1423 هـ.                              عبد المنعم مصطفى حليمة
          24/6/2002 م.                                           أبو بصير

 

إرسال تعليق

 
Top