GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم
          البلاء كقضاء وقدر .. نرضاه ولا نسخطه .. ونصبر عليه .. ونحتسب الأجر والمصاب عند الله تعالى .. لأنه حكم الله .. أما كأن يكون المخلوق سبباً في حصوله .. فهو يُحاسب ويُسَاءل .. ويُنكر عليه .. والساكت عليه معين له على باطله ومنكَره وعدوانه!
ما من عام في موسم الحج المبارك إلا ونُفجع بموت عشرات بل ومئات من المسلمين ممن يحجون بيت الله الحرام .. مرة بسبب الاختناقات .. ومرة بسبب الحرق .. ومرة بسبب التدافع والدهس بالأقدام .. كان آخرها هذا العام؛ حيث توفي أكثر من مائتين وخمسين حاجاً عند منسك رمي الجمرات في منى .. دهساً تحت الأقدام .. هذا حسب الرواية الرسمية للنظام السعودي .. وهناك تقارير تقول أن عدد الضحايا أكثر من ذلك بكثير ..!

وفي كل مرة يكون المسؤول الأول والأخير عن هذه الأحداث المؤلمة .. هو الإهمال .. هو التقصير .. هو عدم الشعور بالمسؤولية .. هو النظام السعودي ذاته المستأمَن على رعاية وسلامة وأمن وراحة حجاج بيت الله الحرام!
          والذي حملنا على تحميل النظام السعودي كامل المسؤولية عما حدث .. هو تكرار الحوادث المؤلمة في كل عام وفي نفس الأماكن .. لأسباب فنية تنظيمية .. بشيء من التنظيم وحسن الإدارة، والشعور بالمسؤولية الصادقة يمكن تفاديها بكل سهولة!
          لماذا في نهاية مباريات كأس العالم .. التي تقام في بلاد الغير .. يدخل الملعب الواحد أكثر من مليون شخص .. وفي يوم واحد .. ومن بوابة واحدة .. ويخرجون في نهاية المباراة من بوابة أخرى .. من دون أن يحصل شيء من تلك الكوارث المؤلمة التي تحصل للمسلمين عند أدائهم لمناسك الحج ..!
          أتكون ملاعبهم .. أكثر أمناً وتنظيماً ورعاية .. من أقدس بقعة على وجه الأرض؛ عرفات وما حوله من مناسك وشعائر؟!
          قال وزير داخلية النظام السعودي، ومعه بطانة السوء: السبب في حصول هذه الكوارث في مواسم الحج هم الحجاج أنفسهم .. بسبب تدافعهم .. وعدم تنظيمهم .. متملصاً وأولياءه من كل مسؤولية أو تبعية؟!
          أقول: عدم تنظيمهم بسبب غياب المنظِّم والراعي الذي يسهر ويقلق على تنظيمهم .. وأما التدافع .. فإن الأرواح تخرج .. وتتلجلج في الصدور .. فماذا تراهم يفعلون .. أو يمكن
لغيرهم أن يفعلوه .. وأرواحهم تخرج من أجسادهم .. وهم في مرحلة النزاع؟!
          أين المداخل والمخارج الإجبارية التي تمنع الداخل من الحجاج لرمي الجمرات في منى أن يصطدم أو يواجه الخارج، أو الخارج أن يواجه ويصطدم بالداخل ..؟!
          دولة اليابان بكاملها لا توجد فيها إشارة ضوئية واحدة؛ لأن السائق مهما سار فلن يواجهه أو يُقاطعه أحد .. وبالتالي فهو لا يحتاج إلى التوقف .. فعلام النظام السعودي يتعاجز عن تنظيم بضعة كيلو مترات فقط على هذا النحو .. أم أن هذه الأمور مسؤول عنها حجاج بيت الله الحرام؟!!
          قالوا وبشيء من المن والأذى والرياء والتفاخر، عبر الأثير: توجد بعض الخدمات لحجاج بيت الله الحرام .. وما الطعام المعلب المهدى للحجاج ـ كهدية من خادم الحرمين الشريفين ـ عن مرآكم ومسامعكم ببعيد!
قلنا: هذا أمر لا ننكره ولا نجحده .. بل ونشكره .. ولكن هذه الخدمات قياساً لإمكانيات وقدرات، ودخل الدولة السعودية .. وما يأتيها من دخل ومردود من حجاج بيت الله الحرام .. فهي لا شيء يُذكر .. فالدولة السعودية تملك من الإمكانيات والأموال أن تجعل ـ لو توفرت النية الصادقة المسؤولة ـ من جبل عرفة وما حوله من مناسك وشعائر .. جنة خضراء تتفجر فيها ـ بإذن الله ـ الينابيع والأنهار ..؟!
          علام قصور أمراء آل سعود الواسعة المرتفعة .. تتوفر فيها كل وسائل الخدمة والراحة والمتاع .. والتقنية .. إلى درجة الإسراف والتبذير .. والخيال .. بينما جبل عرفات وما حوله من مناسك وشعائر .. أرضاً قاحلة خالية من كل شيء .. إلا من بعض الشجيرات المنتشرة هنا أو هناك ..؟!  
          قالوا: أوعزت الحكومة بتشكيل لجنة .. تهتم بتطوير وتحسين مناسك وشعائر الحج .. وظروف الحج، والحجاج .. ولكي تتفادى التقصير الحاصل!
          نقول لهم: لماذا الآن وحسب .. وقد مضى على رعاية النظام السعودي لمناسك وشعائر الحج أكثر من سبعين سنة .. وفي كل سنة تتكرر نفس المآسي لحجاج بيت الله الحرام؟!
          هل فاتتكم مقولة الفاروق العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو أن بغلة تعثرت في الطريق لخشيت أن يسألني الله عنها، لماذا لم تعبد لها الطريق يا عمر ؟!
          فنحن لا نسألكم أن تُعبِّدوا الطرق للحيوانات .. وإن كنتم ستُسألون عن ذلك .. وإنما نسألكم أن تتقوا الله .. في ضيوف الرحمن .. حجاج بيت الله الحرام .. بحيث لا تتكرر هذه المآسي في كل عام من موسم الحج!
          إن نفدتم اليوم ـ يا حكام وأمراء السعودية ـ من مساءلة المخلوق .. وسكت ـ رهبة أو رغبة ـ عنكم وعن تفريطكم وتقصيركم علماؤكم ووعاظكم .. فلن تنفدوا غداً يوم القيامة من المحاسبة .. والمساءلة عن كل نفس بريئة من حجاج بيت الله الحرام .. تُزهق بسبب إهمالكم وتقصيركم!
          نراكم ونرى علماءكم وأبواقكم معكم ما إن يقتل علج من علوج الكفر على أيدي المجاهدين .. إلا وسرعان ما تُرفع الأصوات .. وتُعقد الندوات .. وتُسخَّر جميع وسائل إعلامكم للتنديد والتشهير .. بالإرهاب والإرهابيين!
          بينما عندما تقتلون المئات من حجاج بيت الله الحرام ـ بسبب تقصيركم وإهمالكم وعدم شعوركم بالمسؤولية ـ لا نجد أحداً منكم ولا من بطانتكم وعلمائكم .. من يتباكى أو يستنكر أو مجرد أن يسأل أو يتساءل .. لماذا وكيف قُتل هذا العدد الكبير من حجاج بيت الله الحرام؟!
          قتل وقتال الغزاة المعتدين .. عمل إرهابي .. يجب أن تتكاتف الجهود على محاربته واستئصاله .. وهو عمل تُنفَق في سبيل استئصاله مليارات الدولارات .. وتُعقد لأجله الندوات والمؤتمرات .. بينما قتلكم في كل عامٍ لمئات من الحجاج الآمنين .. ليس إرهاباً .. ولا عملاً إرهابياً .. وهو عمل بسيط ـ قضاء وقدر! ـ لا يستدعي منكم القلق أو الاهتمام!!
          يا حكام وأمراء السعودية .. لا جهاد .. ولا ولاء ولا براء في الله .. ولا حكم بما أنزل الله .. ولا قسمة بالسوية والعدل للثروة والأموال .. ولا سقاية ولا رعاية كافية للحج والحجاج .. فبمَ تدخلون الجنة .. وبمَ تلزمون الناس أن يعترفوا بشرعيتكم .. وشرعية حكمكم .. وأن يقدموا لكم الطاعة والولاء؟!
          اتقوا الله .. وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا .. ويقع الندم ولات حين مندم ) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (. ) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (.
          وبما يتعلق بضحايا الحج لهذا العام أرى أن تُدفع لأولياء كل واحد منهم الدية الشرعية للقتل شبه العمد .. من أموال الدولة، والله تعالى أعلم. 

          15/12/1424 هـ.                          عبد المنعم مصطفى حليمة
          6/2/2004 م.                                   أبو بصير الطرطوسي 


إرسال تعليق

 
Top