بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
الذي حملني على كتابة هذا البيان أمور عدة، منها: توجه عدد من الناس في سؤالي عن حكم الشرع في التفجيرات التي حصلت في بعض وسائل النقل لمدينة لندن، صباح يوم الخميس 7/7/2005م.
ومنها: سرعة بعض الجهات الرسمية المحلية في بريطانيا ـ منذ الساعات الأولى من الحدث ـ في نسب التفجيرات وربطها بالإسلام والمسلمين، ومن دون أدنى بينة أو دليل .. وكأنهم ينتظرون حدثاً من هذا النوع ـ لغرضٍ في نفوسهم ـ ليرموا به الإسلام والمسلمين!
ومنها: الأثر السلبي الذي من الممكن أن ينعكس ـ جراء هذا الحدث ـ على الجالية الإسلامية البريطانية، والتي يتجاوز تعدادها الثلاثة ملايين نسمة .. وربما على الجالية الإسلامية في أوربا كلها التي يتجاوز تعدادها أربعين مليون نسمة.
ومنها: خشية أن يُفسَّر صمتي عند من يقرءون لنا .. على أنه نوع رضى أو إقرار لمثل هذه الأعمال!
لذا وجدت نفسي ملزماً بخط هذا البيان، فأقول ـ مستعيناً بالله ـ: هذه التفجيرات التي حصلت في بعض وسائل النقل العامة لمدينة لندن ـ والتي يستخدمها المسلم وغير المسلم، والأطفال والنساء، والشيوخ العُجَّز، وغيرهم من عامة الناس ـ هو عمل مُشين ومُخجِل .. لا رجولة فيه ولا مروءة ولا أخلاق .. لا نقره ولا نرضاه .. وهو مردود ومرفوض شرعاً وعقلاً وسياسة .. لا نفع منه البتَّة ولا فائدة .. وهو ضرر محض .. لا نقبل بأن يُنسب إلى الإسلام والمسلمين.
أكثر المستفيدين من هذا العمل اثنان، أولهما: الجهات اليمينية المتطرفة الموجودة على الساحة البريطانية، التي تنتظر ـ بفارغ من الصبر ـ حدثاً من هذا النوع لتستغله في تعبئة الرأي العام البريطاني ضد الإسلام .. وضد الجالية المسلمة المقيمة في بريطانيا!
ثانياً: طواغيت الحكم والظلم في بلاد العرب والمسلمين؛ لأن التضييق على الجالية الإسلامية المقيمة في بريطانيا ـ كنتيجة لهذه الأعمال الغير مسؤولة ـ هو في حقيقته تضييق على المعارضة الفاعلة لتلك الأنظمة الديكتاتورية التي يحكمها أولئك الطواغيت الظالمين .. حيث أن جميع قوى المعارضة لتلك الأنظمة الطاغية الفاشية .. موجودة على أرض هذه المدينة التي تُسمى لندن .. وهذا ما سيثلج قلوب طواغيت الحكم في بلاد المسلمين .. وقد بدت عليهم علائم ذلك!
كما أن انشغال دول الغرب بهذا النوع من الأحداث الداخلية سيكون شاغلاً لها وصارفاً عن توجيه بعض الرسائل التي تؤرق طواغيت الحكم في بلاد المسلمين .. والتي يُطالبونهم فيها بنوع إصلاح وتصالح مع شعوبهم المقهورة، والمغلوب على أمرها .. وهذه نتيجة مرضية بالنسبة لطواغيت الحكم ولأنظمتهم الفاسدة!
فإن قيل: انظر إلى هذا الإجرام والإرهاب الذي يُمارس على أرض العراق، وفلسطين، وأفغانستان .. وغيرها من البلدان .. والتي تُعتبر الحكومة البريطانية سبب فيه وجزء من تلك الحرب الظالمة على بلاد المسلمين .. وهذا الذي حصل في لندن ما هو إلا جزء من بضاعتهم قد رُدت إليهم؟!
أقول: الظلم .. والعدوان .. والإجرام .. مردود ومرفوض، ومستهجن ومُحارَب أياً كان مصدره وصاحبه .. ونحن نندد به ونُعارضه .. ونُظهر ذلك ولا نخفيه .. وللإنصاف فإن كثيراً من هؤلاء الذين استُهدِفوا في وسائل النقل العامة .. وممن يستخدمونها .. يُشاركوننا التنديد والمعارضة .. ويُنكرون على حكوماتهم عدوانهم وإجرامهم في بلاد المسلمين .. وبصورة فاعلة أكثر ـ وللأسف ـ مما يُنكرها المسلمون في بلاد المسلمين .. ولكن متى كان ـ في ديننا ـ الإجرام يُبرر الإجرام المقابل .. والظلم والخطأ يبرر الظلم والخطأ المقابل؟!
وأقول كذلك: إضافة إلى أن هذه التفجيرات قد استهدفت الآمنين الأبرياء ممن صان الشرع حرماتهم .. فإن الجالية الإسلامية البريطانية المقيمة على الأراضي البريطانية ـ وكذلك الحال مع أي جالية إسلامية مقيمة في أي بلدٍ من بلاد الغرب ـ فهي في عهد وعقد اجتماعي مع الدولة والمجتمع التي تعيش فيه .. يؤكد هذا العهد والعقد ويغلظه معاملات وعقود ومواثيق عدة .. تمارسها الجالية الإسلامية مع الطرف الآخر على مدار اليوم والوقت .. وبالتالي لا يجوز لأي فرد من أفراد تلك الجالية المسلمة أن يخون ويغدر بتلك العهود والعقود والمواثيق، التي تُعطى اختياراً، ومن قبل الطرفين .. كما لا يجوز أن يعيش ويتصرف مع الطرف الآخر كمعاهد ومحارب في آنٍ معاً!!
قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (. وقال تعالى:) وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً (.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ألا لا تحلُّ اللقطَةُ من مال معاهدٍ إلا أن يستغني عنها ". فإذا كانت اللقطة التي ترتمي من مال معاهدٍ ـ مهما كانت ضئيلة الشأن والثمن ـ لا يحل للمسلم أن يأخذها إلا بعد أن يستغني عنها المعاهد وتسمح بها نفسه .. فكيف ببقية حرماته .. والتي أعلاها حرمة دمه ونفسه؟!
قال صلى الله عليه وسلم:" من قتل نفساً معاهداً لم يُرِح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" من قتلَ نفساً معاهدة بغير حِلِّها، حرَّم اللهُ عليه الجنة أن يشمَّ ريحها ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" من أمَّن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتولُ كافراً ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه حقَّه، أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسٍ منه، فأنا حجيجه يوم القيامة ".
هذا هو ديننا .. وهذه هي أخلاقه .. وكل ما خالف هذا الدين .. وهذه الأخلاق فهو رد ومرفوض .. لا نقبل ولا نرضى بأن يُنسب إلى الإسلام .. ولا إلى المسلمين!
وأقول كذلك: ساحات الحرب والقتال لها أحكامها، وساحات العهد والأمان لها أحكامها .. ولا يخلط بينهما إلا جاهل أو مُغرِض قد هان عليه دينه!
فإن عُلم ذلك، فإنني أُعيد التأكيد على أن هذه التفجيرات التي حصلت في بعض وسائل النقل العامة لمدينة لندن لا تمتُّ إلى الإسلام والمسلمين بصلة .. كما وأطالب السلطات المحلية أن تتبين وتتثبت .. قبل أن ترمي الاتهامات على المسلمين جزافاً .. وبطريقة غير مسؤولة .. فيُظلَم البريء .. وينجو الظالم .. وتُجر البلاد إلى فتن ومشاكل عنصرية وطائفية .. الجميع لا يرضاها ولا يريدها.
ثم ـ فرضاً ـ لو ظهر أن هذا العمل قد قام به فرد أو أفراد ينتمون إلى الجالية الإسلامية البريطانية .. فهذا لا يعني بحال أن الإسلام يقر ويرضى بعملهم هذا .. أو أن الجالية الإسلامية ترضى عن فعلهم هذا وتقرهم عليه .. وبالتالي عليها أن تتحمل مسؤوليته ووزره!
فكم من مرة تم فيها الاعتداء على بعض المسلمين المقيمين في بريطانيا بالضرب، وأحياناً بالقتل والتشويه من قبل بعض العنصريين المتطرفين .. ومع ذلك لم نحمِّل مسؤولية هذا الاعتداء والإجرام المجتمع البريطاني كله .. ولم نعمم الأحكام على جميع البريطانيين .. وإنما فقط على الذين ارتكبوا الجرم والوزر دون غيرهم .. وهذا من تمام العدل والإنصاف الذي نود أن نُعامَل به كما نُعامِل الآخرين به.
كما وأذكر بأن البيان الموقَّع باسم " جماعة تنظيم السري " ـ والصواب أن يُقال:" جماعة التنظيم السري " ـ بيان ـ على قلة سطوره وكلماته ـ مليء بالأخطاء اللغوية والمنهجية .. حتى في اسم الجماعة الموقَّع به على البيان .. مما يشكك بمصداقية صدوره عن أي جماعة إسلامية .. وهو بيان يمكن لأي شخص مغرض عادي ـ لغاية خبيثة في نفسه ـ أن يكتب مثله وأحسن منه صياغة .. ومن ثم يقوم بنشره ـ تحت أي اسم مستعار ـ في أي موقع حواري على الإنترنت .. وبالتالي لا يليق بأجهزة الأمن البريطانية التي عُرفت بسعة تجربتها وخبرتها .. ولا وسائل الإعلام المحلية .. بأن تفرح بمثل هذا البيان .. وأن تعوِّل عليه الكثير ولا القليل .. وأن تصدر أحكامها وتصوراتها وتُوقعاتها بناء عليه وعلى ما ورد فيه .. كما حصل!!
3/6/1426 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة