GuidePedia

0
س1128: لقد ناقشت رجلاً حول قضية عدم جواز محبة الكفار بل إن دين الإسلام يفرض بغضهم وكراهيتهم، فقال لي: أنَّ النصوص الواردة في الآيات الحاثَّة على بغض الكفَّار وعدم محبَّتهم، أو التي تتحدَّث عن "اليهود" و"النصارى" و"الكفَّار" عموماً، يحصل فيها خلط بين "أل" العهديَّة و"أل" الاستغراقيَّة، ولهذا فإنََّ هذه النصوص عهديَّة لا استغراقيَّة، وأنَّ كثيراً من النصوص الشرعية التي تتحدث عن "الكفار" و"اليهود" والنصارى" إنَّما تتحدث عن أناس مخصوصين يعرفهم المسلمون في سياق نزول الآية، وأنَّ "أل" فيها عهدية لا استغراقية، ثمَّ يخلصون بأنَّ هذه النصوص غير عامَّة. وممَّا يستدلُّون به على ذلك قوله تعالى :) وقالت اليهود عزير ابن الله ( فيقولون: أجمع المفسِّرون أنَّ الذين قالوا ذلك أفراد، وأنَّ اليهود يكفِّرون من قال ذلك، بل إنَّهم في هذه العصور لا يقولون ذلك. ومن الآيات كذلك التي يحاولون الاستدلال بها قوله تعالى:) الذين قال لهم الناس إنَّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ( فـ"الناس" الأولى:رجلان مسافران من مكة إلى المدينة استأجرهما أبو سفيان للمرور بجيش المسلمين وممارسة الحرب النفسية ضده، و"الناس" الثانية هم قريش الذين جمعوا للمسلمين. ثمَّ يقولون: لو أنَّ قائلا قال: إن"الناس" معناها:كل البشر هنا ألا يكون مخطئاً؟ وكذلك يستدلُّون بقوله تعالى:) إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبينا (فيقولون: هل كان أبو طالب وعبد الله بن أريقط (الدليل في الهجرة) والنجاشي قبل إسلامه والشاعر معبد بن أبي معبد ومخيرق اليهودي أعداء للمسليمن؟ هل تنطبق عليهم الآية التي ذكرتها؟ أنها من العام الذي أريد به الخصوص. ويختمون استدلالهم بقولهم: إذا اتضح هذا فيمكن أن نناقش موضوع بغض الكافر، وهل نصوصه عامة ؟ أم مخصوصة ؟ أم أريد بها الخصوص؟
فما الجواب عن هذه الشبهة أرجو أن يكون الجواب عنها مفصَّلاً ومعلَّلاً .. والله يرعاك؟؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين. اعلم أن نصوص الشريعة منها العام ومنها الخاص الذي يخصص العام، ومنها المطلق ومنها المقيد .. وبالتالي لا يجوز تخصيص العام، وتقييد المطلق إلا بنص مخصص أو مقيد .. ولو وجد هذا الدليل المقيد والمخصص في بعض المسائل لا يعني ولا يلزم منه إلغاء العام المطلق في النصوص والمسائل الأخرى.
ومن الأصول المتفق عليها أن العبرة بعموم اللفظ والمعنى لا بخصوص السبب؛ فقد يكون نصاً من النصوص سببه شخص أو مجموعة أشخاص، أو قيل لشخص واحد .. ومعناه ملزم لمجموع الأمة، وإلى يوم القيامة.
وفيما يتعلق بأحكام الكفار .. فهناك نصوص عامة تفيد قتال المشركين كافة مقيدة بنصوص أخرى تستثني فريقاً منهم كالنصوص ذات العلاقة بالذمة والعهد والجوار .. وكذلك قصد قتال الشيوخ والنساء، والأطفال ونحوهم ممن لا شأن له بشؤون القتال .. لكن لا يجوز القول بالتقييد أو التخصيص إلا بنص يلزم التقييد والتخصيص .. وهذا التقييد والتخصيص في هذا الموضع لا يعني ولا يلزم أن نعممه على جميع الأحكام ذات العلاقة بكيفية التعامل مع الكافرين!
أحياناً يقول فرد أو أفراد قولاً .. فينال عند قومهم الإقرار والرضى .. فيأتي النص فيتحدث عنهم وكأنهم جميعاً قالوا بهذا القول على اعتبار أن الرضى بالشيء كفاعله، كما في قصة قولهم عن عزير المستدل بها.
وأحياناً يُطلق نص من نصوص الشريعة ظاهره العموم .. ويكون المراد والمعني منه هم السواد الأعظم من الساسة والحكام، والأحبار والرهبان، والجند المقاتلين .. فالشعوب والأمم يُحكم عليها بناء على مواقف حكامها وقادتها وأحبارها ورهبانها .. من الدعوة الإسلامية .. وهذا لا يعني أنه لا يوجد فرد أو مجموعة أفراد أو شريحة من الناس لا ينطبق عليها وصف القادة والساسة والحكام .. والجند المحاربين .. لكن هذه الشريحة تؤخذ بمواقف حكامها وقادتها الممثلين للدولة.
فقوله تعالى:) وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ (البقرة :217. لا يلزم منه أن يكون كل فرد من الكافرين يُشارك في هذا القتال .. كما يفيد عموم لفظ الآية .. وإنما المراد منه القادة والساسة والأحبار والرهبان وجنودهم .. من بيدهم الأمر والقرار .. بدليل أن هناك شريحة منهم قد أشارت إليها النصوص الشرعية بأنهم لا يُقاتِلون وبالتالي لا ينبغي أن يُقصدوا بقتل أو قتال.
هذا الجانب حق .. لكن لا ينبغي أن نتوسع به .. أو نحمله من المعاني مالا يحتمل .. أو نعممه على مالا يدخل فيه كمسألة الولاء والبراء .. أو بغض الكفر والكافرين.
فمثلاً قوله تعالى:) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (الممتحنة:4.
فالآية عامة لا يوجد دليل يخصصها .. أو يخصص البراء من كافر دون كافر.
وقوله تعالى:) لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ (آل عمران:28.
فالآية هنا كذلك عامة لا يوجد مخصص لها .. واللام في كلمة " الكافرين " تفيد العموم والاستغراق .. أي كل الكافرين .. فالآية لا تعني فريقاً منهم دون فريق؛ بمعنى يجوز أن توالي فريقاً دون فريق منهم .. والذي يقول بخلاف ذلك فعليه بالدليل، وأنَّى!
ونحوه قوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً (النساء:144. وقوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (المائدة:51. فلا يُقال هنا المراد بعض اليهود والنصارى وليس كل اليهود والنصارى .. فهذا من التحريف لكلام الله.
وغيرها كثير من الآيات والنصوص ذات العلاقة بالمسألة تفيد العموم والاستغراق .. من دون مخصص أو مقيد لها.
وفيما يتعلق بأبي طالب .. يعلم الجميع كيف أن الله تعالى نهى نبيه صلوات ربي وسلامه عليه عن الاستغار له لما وافته المنية، كما في قوله تعالى:) مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (التوبة: 113.
ولما مات قال ولده علي بن أبي طالب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: عمُّك الضال قد مات ..! قال له النبي صلى الله عليه وسلم:" اذهب فواره ". كأي جيفة توارى حتى لا يتأذى الناس برائحتها!
تأمل قوله " عمُّك الضال "؛ إذ لم يقل أبي وحبيبي وقرة عيني .. حاشاه .. وسبب ذلك كله أنه مات على الشرك وأبى أن يقول: لا إله إلا الله .. أي إحياء لعقيدة الولاء والبراء في الله يعلو هذا الإحياء؟!

بهذا أجيب عما سألت عنه .. فالمسألة يُكتب فيها أكثر مما كُتب .. لكن هذا الذي جاد به القلم وسمح به الوقت .. نسأل الله تعالى السداد والقبول.

إرسال تعليق

 
Top