أزمة اقتصادية أم أزمة في القِيَم والمفاهيم الرأسمالية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
لا يُمكن الفصل بين الأزمة الاقتصادية الحادة التي يشهدها العالم اليوم .. وبين القيم والمفاهيم الرأسمالية التي تسببت في هذه الأزمة .. وغيرها من الأزمات الأخلاقية والاقتصادية.
يقوم النظام الرأسمالي على جملة من القيم والمفاهيم التي تُطلق العنان للفرد في الكسب الفاحش والسريع .. بغض النظر عن سلامة ونزاهة السبل والوسائل التي يتبعها في تحقيق هذا الثراء .. ما لم تتعارض هذه السبل مع الرأسمالية ذاتها وقوانينها .. فجعلت المالَ غاية عظمى تبرر الوسائل .. وترخص في سبيلها الغايات والوسائل .. فأوغرت في الفرد روح الشجع والطمع .. والصراع من أجل المال .. والركض من غير توقف وراء التحصيل والاستغناء السريعين .. فأوقعته ـ في نهاية الركض والسباق ـ في مطبات ومزالق اقتصادية وأخلاقية واجتماعية ونفسية خطيرة لا تُحمد عقباها وآثارها .. كان آخرها هذه الأزمة الاقتصادية الحادة التي يشهدها العالم اليوم .. والتي كثر حديث وسائل الإعلام عنها .. والتي هي أشبه بالإنهيار للنظام الرأسمالي منها إلى الأزمة .. أو مجرد أزمة!
الفكرة الرأسمالية تقوم على مبدأ ـ منه تتفرع بقية مبادئ وقوانين الاقتصاد الرأسمالية ـ أن الإنسان هو المالك الحقيقي للمال .. وبالتالي له كامل الحق في أن يتصرف بماله كسباً وإنفاقاً كيفما يشاء .. وفي الطرق التي يشاء .. ومن دون أن يُسأل عما يفعل من أي جهة كانت!
من هذه السبل التي تبيحها الرأسمالية ـ من أجل التوصل إلى الغنى الفاحش والسريع ـ: الربا .. والميسر .. والبِغاء والاتّجار به .. والخمور والمتاجرة بها .. والتأمين وأنظمته الذي مؤداه أن يملك الإنسان ما لا يملك وما لا يحق له أن يملكه .. والسُّحت ـ الأنظمة الضريبية الظالمة .. والتي منها أخذ الضرائب على مساكن الناس وبيوتهم ـ والغِش .. والاحتكار .. والكذب .. والاحتيال المقنَّن .. وغيرها من الوسائل المشبوهة غير الأخلاقية .. التي تُحدث رفاهية سريعة للفرد .. أو الدولة .. لكنها مع الزمن تورث كوارث اقتصادية وأخلاقية واجتماعية ونفسية مدمرة على المجتمع والإنسان سواء!
عند التأمل والتحري والتدقيق .. نجد أن الأزمة الاقتصادية الحادة التي نشهدها اليوم .. والتي تُنذر بانهيار النظام الرأسمالي ككل .. سببها الرئيسي: الربا .. والكذب .. والغش والاحتيال، المحمي بالقانون الرأسمالي: فالسماسرة ـ وشركاتهم ـ وقعوا في الغش والكذب .. والاحتيال .. عندما ربطوا زبائن غير مؤهلين ولا معروفين بالبنوك بقروض ضخمة .. ظروفهم الاقتصادية لا تؤهلهم للاقتراض .. فالسمسار همه أن يحصل على العمولة المخصصة له من الصفقة .. وليكن بعدها ما يكون .. فأتبع ذلك عجز الزبائن ـ المقترضين من البنك .. بمن فيهم الضعفاء والأقوياء المعروفين وغير المعروفين ـ عن السداد؛ للفوائد الزائدة عن المبلغ الأصل التي يجب أن يدفعوها .. والتي تتضاعف مع الزمن .. وكلما تأخر زمن السداد .. فالمشكلة من هذا الوجه .. ربوية .. وغش .. وكذب .. واحتيال .. وغياب الشعور بالمسؤولية[[1]].
هذه المشكلة كيف عالجتها البنوك الرأسمالية ..؟!
قامت بإحصاء هذه المبالغ الضخمة التي لا يمكن تحصيلها من الزبائن ـ والشعوب في ظل الأنظمة الرأسمالية كلها زبون للبنوك الربوية، ومرتبطة بها بطريقة من الطرق، لا فكاك لها منها، فالناس في الأنظمة الرأسمالية واحد من اثنين لا ثالث لهما: إما أنه مقترض من البنوك، ومدين لها، أو أنه مستثمر فيها، وله أسهم فيها تدر عليه بالفوائد والربا ـ وحولتها إلى صكوك وأسهم على الورق ليس لها رصيداً في الواقع أو خزائن البنك .. ثم عرضتها للبيع على المستثمرين .. فباعوا ما ليس عندهم .. وما لا يملكون .. وهذا غش وكذب واحتيال!
قام المستثمرون بشراء هذه الأسهم .. طمعاً في تحصيل الفوائد الربوية .. التي سيقوم البنك بتحصيلها لهم ـ من الزبائن الذين عجزوا عن السداد ـ فالدافع لهم هو الربا .. والاستغناء السريع عن طريق الربا؟!
مع الزمن عُرف احتيال وكذب البنوك الربوية .. بعد عجزها عن تسديد مستحقات المساهمين الربوية الذين اشتروا تلك الأسهم الوهمية، وبعد ضياع أموال المستثمرين عند زبائن مجهولين وضعاف وغير أكفاء .. فالمشكلة من هذا الوجه .. ربا .. وكذب .. ونصب .. واحتيال .. فحصلت نتيجة لذلك كله هذه الفوضى العارمة للاقتصاد العالمي الرأسمالي .. التي نشهدها في هذه الأيام .. وفقد الكل الثقة بالكل .. وما عند كل واحد منهم من عروض وأسهم .. خشية أن تكون وهمية ـ ومن دون رصيد ـ وهم لا يدرون ..!
كيف عالجت الأنظمة الرأسمالية الحاكمة في أمريكا وبلاد الغرب هذه المشكلة الاقتصادية والأخلاقية .. والتي تنذر بانهيار النظام الرأسمالي ككل؟!
لم تُعاقب المفسدين والمحتالين .. والكذابين المرابين .. بل ولم توجه لأحد منهم أية تهمة أو مساءلة .. لأن كذبهم واحتيالهم .. وفسادهم .. لم يخرج عما تسمح به قوانين الرأسمالية .. ثم لو أرادوا أن يُحاسبوا ويسألوا المسؤولين عن هذه الأزمة .. لزمهم أن يُحاسبوا منظومة ضخمة من الموظفين والمسؤولين .. تعدادهم بالآلاف ـ عليهم وعلى جهودهم غير الأخلاقي يقوم النظام الرأسمالي الحر ـ وهذا ما لا يقدرون عليه .. لذا فهم عوضاً عن المساءلة والمحاسبة .. عوضوهم وكافؤوهم بضخ مئات المليارات من الدولارات إلى مؤسساتهم وبنوكهم .. ليقفوا على أرجلهم من جديد .. وليُمارسوا عملية الغش والاحتيال والنصب الربوي الرأسمالي من جديد!!
وأنا أقول لهم: هذه الأموال الضخمة التي تنفقونها على تلك البنوك والمؤسسات .. ليتماسك النظام الرأسمالي الربوي من السقوط والإنهيار .. هي مجرد مسكنات مؤقتة .. وعلاج مؤقت وقصير .. لا ينفع على المدى الطويل .. وهذه الأموال الطائلة ستضيع من جديد .. ثم تكون حسرة عليكم .. كما ضاعت الأموال التي قبلها .. وستُنفَق على بطون الوحوش الآدمية ـ التي لا تشبع .. والتي لا يملئ بطونها إلا التراب ـ التي تجد في القوانين الرأسمالية ما يحميها من المساءلة والمحاسبة .. وحينئذٍ ستعود المشكلة للظهور من جديد .. وربما أقوى مما هي عليه الآن .. وقد تضطرون حينها للإنفاق على هذه البنوك الربوية .. أضعاف أضعاف ما تدفعونه الآن .. ولكن أيضاً من غير جدوى!
فإن قيل كيف ...؟!
نقول لهم وبكل بساطة ووضوح: لأن أسباب المشكلة الحقيقية لا تزال قائمة .. فهي لم تُزَل بعد .. وبالتالي عندما تُرمى إلى أطرافها ومسببيها الأموال من جديد .. فهي ستنهض وتستشرف من جديد .. لتلتهم تلك الأموال مهما كانت كثيرة .. وبشراهة البطن الممدد .. وبصورة أكبر مما كانت عليه من قبل .. لأن الخطأ حينئذٍ يكون قد تضخم أكثر .. واللصوص قد انتقلوا من مرحلة الهواة إلى مرحلة المحترفين .. والخرق قد اتسع اتساعاً يصعب ترقيعه .. ولو اجتمع على ترقيعه الراقعون!
فإن قيل ـ وقد قيل ـ: ما هو الحل .. وأين البديل .. أين المنقذ .. وبخاصة أن المعسكر الاشتراكي قد انهار وانهارت معه قيمه ومفاهيمه .. وإلى حيث لا رجعة .. فنحن لا نملك سوى خيار واحد لا غير .. ألا وهو خيار الرأسمالية، وقيمها ومفاهيمها .. لذا لا مناص لنا من التمسك به على ما في هذا الخيار من عِوج وقصور؟!
أقول: الحل والبديل هو الإسلام .. يكمن في النظام الاقتصادي الإسلامي .. لا اشتراكية شرقية ولا رأسمالية غربية .. وإنما هو الإسلام .. ولا شيء غير الإسلام.
كيف .. ولماذا؟
أقول: لأن الإسلام هو دين الله تعالى .. الذي يتصف بالكمال المطلق في جميع جوانبه وشرائعه .. وكماله مستمد من كمال الله تعالى العليم القدير الذي شرع هذا الدين لعباده .. وفرضه عليهم .. وما يصدر عن صفات الكمال فهو كامل لا يجوز افتراض النقص أو الخطأ فيه .. وإنما النقص والقصور يُفترض فيما يصدر عن قاصر ضعيف جاهل .. من ذوي العلم المحدود .. وهذه الصفات كلها متوفرة في الإنسان .. وهو متلبس بها .. وهي من خِلقته .. ومما فُطر عليه، لازمة له على مدار حياته، إلا بحبل من الله وسُلطان منه، كما قال تعالى:) وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (الإسراء:85.
فالله تعالى الخالق هو الأعلم بمصلحة الإنسان المخلوق من نفسه بنفسه .. كما قال تعالى:) وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (البقرة:216.
ولا شك أن شرع الذي يعلم أكمل وأسلم وأحكم .. من شرع الذي لا يعلم .. والذي يجعل من البشرية حقل تجارب لشرائعه وقوانينه القاصرة الخاطئة .. التي يغيرها بين الفينة والأخرى .. كلما عنى له ذلك .. وكلما اكتشف خطأ وقصور ما كان قد شرَّعه .. أو ظن أن في هذا التغيير والتبديل مصلحة له .. فلا يعرف الثبات ولا القرار .. لأنه عاجز وقاصر عن إدراك الكمال أو الاقتراب منه .. فهو ـ من دون الله تعالى ـ يتخبط .. كالذي يتخبطه الشيطان من المس.
فالله تعالى الذي خلقنا .. ورزقنا بالمال .. ومَنَّ علينا بالنعم والخيرات التي لا تُحصى .. وبكل ما تحتاجه البشرية من نعم على هذه الأرض .. لم يخلقنا ـ سبحانه ـ عبثاً .. من غير شريعة توجهنا وترشدنا .. وتبين ما لنا وما علينا .. كيف نتعامل مع هذا الرزق والمال .. كسباً وإنفاقاً .. وما يجوز لنا منه وما لا يجوز .. وما هو حرام وما هو حلال .. وهذا أمر قد دل عليه النقل والعقل؛ إذ أن من يخلق .. هو وحده الذي له الأمر والحكم فيما خلق .. ولا يجوز أن يكون غير ذلك، كما قال تعالى:) أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (الأعراف:54. وقال تعالى:) أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (النحل:17. هل يستويان .. فيرد الحكم والتشريع لمن لا يخلق شيئاً .. ولا هو قادر على أن يخلق شيئاً .. كما يُرد إلى من يخلق .. وقادر على أن يخلق .. وقد خلق السموات والأرض .. فهل يستويان مثلاً ) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (؟!
فنظرة الإسلام للمال أنه ملك لله تعالى وحده .. فهو الذي خلق المال .. وبالتالي فهو المالك الحقيقي له .. والإنسان مستخلف على هذا المال ثم تاركه لمن هم وراءه من بعده ـ شاء أم أبى ـ وهو مطالب في حياته بأن يتصرف بالمال ـ كسباً وإنفاقاً ـ وفق مشيئة وإرادة وشرع مالكه الحقيقي .. ألا وهو الله تعالى .. فإن لم يفعل يكون كمن بغى على حق ليس له .. ولو عُوقِب في الدنيا والآخرة على بغيه وظلمه وعدوانه .. فلا يلومَن إلا نفسه.
كما قال تعالى:) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (يونس:14. هل تعملون ـ فيما استخلفكم الله تعالى عليه ـ وفق شرع الله تعالى ومنهجه .. أم وفق شرع الطاغوت وأهوائه .. وكل شرع غير شرع الله تعالى فهو من شرع الطاغوت وأهوائه؟
وقال تعالى:) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (الحديد:7. والمُستخلف هو المُستأمن على ما استُخلف عليه .. ثم سرعان ما يودعه ويتركه .. عندما تنتهي مهمة استخلافه بالموت.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي r أنه قال:" لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربعِ خصالٍ ـ منها ـ: وعن ماله من أين اكتسبَه، وفيمَ أنفقه ".
ومن هنا يتعين على الإنسان المستخلف على المال وإدارته .. أن يتعرف على حكم وشرع مالك المال وخالقه .. ما الذي أباحه وأحله وما الذي حرمه .. وما هو المسموح به وما هو الممنوع .. ثم كيف يدير هذه الأموال .. وكيف يتصرف بها .. وأين يصرفها.
وفيما يتعلق بشؤون المال والاقتصاد .. فقد أحلَّ الله تعالى الطيبات .. وهي الأصل .. وما أكثرها .. لو اقتنع الإنسان بها .. وحرَّم الخبائث .. والظلم .. وأكل أموال الناس بالباطل .. ومن الخبائث والظلم، والعدوان، وأكل أموال الناس بالباطل: الربا .. أساس بلاء الأنظمة الاقتصادية التي لا تنضبط بضوابط شرع الله .. ولا تأتمر بأمره .. كما قال تعالى:) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (البقرة:175-276. وهذه الأزمة الاقتصادية المالية الحادة التي نزلت بالقوم .. إن لم تُسم محقاً .. فما يكون المحق إذاً؟!
وفي آية أخرى قد توعد الله تعالى أهل الربا .. الذين يصرون على أكل الربا .. بالحرب إن لم ينتهوا عن أكلهم الربا، كما قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (البقرة:278-279. ولا شك أن هذا الانهيار الاقتصادي الذي كلف الرأسماليين المرابين مئات المليارات من الدولارات .. وزاد من نسبة البطالة في البلاد أضعافاً مضاعفة .. ولا تزال آثاره مستمرة .. هو من جملة الحرب الذي تضمنته معاني الآية الكريمة أعلاه .. والحرب لا تزال قائمة ومفتوحة مع المرابين ما داموا مصرين على أكلهم الربا .. ) وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ (المدّثر:31.[[2]].
ومما حرمه الإسلام كذلك .. الميسر .. وكل كسب يأتي من حرام، أو عن طريق الغش والكذب والاحتيال .. والاحتكار .. والغُبن .. والسُّحت .. كما قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (المائدة:90-91.
وفي الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" من غشَّنا فليس منا، والمكرُ والخداع في النار "[السلسلة الصحيحة:1058].
وقال r:" إنَّ التجار هم الفجَّار "، قيل: يا رسولَ الله أوليسَ قد أحلَّ اللهُ البيعَ؟ قال:" بلى؛ ولكنهم يُحدّثون فيكذبون، ويحلفون فيأثمون "[ السلسلة الصحيحة:366].
وقال r:" التاجر الأمين الصَّدوق المسلم: مع النبيين، والصديقين، والشُّهداء يومَ القيامَة "[السلسلة الصحيحة:3453].
وقال r:" من احتكر حُكْرةً يُريدُ أن يُغلي بها على المسلمين فهو خاطئ "[السلسلة الصحيحة:3362].
وقال r:" إن صاحب المَكْسِ في النار "[السلسلة الصحيحة:3405]. وصاحب المكس؛ هو الذي يسعى على تحصيل الضرائب من الناس بغير وجه حق، ولا سُلطان من الله.
وقال r:" إن الله إذا حرَّم على قومٍ أكلَ شيءٍ حرَّمَ عليهم ثمنَه "[صحيح سنن أبي داود:2978].
وفيما يتعلق بأحكام الدَّين والتداين، قال تعالى في أكبر آية من آيات القرآن الكريم ـ التي أطلق عليها أهل العلم اسم آية الدَّين ـ:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة:282.
تأملوا هذه الإلزامات .. والتفصيلات .. والقيود .. والشروط .. الواردة في الآية الكريمة أعلاه .. عند إجراء عملية الدَّين فقط؛ سواء كان الدَّين صغيراً أو كبيراً .. أترون بعد هذه القيود والشروط والإلزامات .. تقدر شركات السمسرة المحتالة أن تفعل ما فعلته في ظل الأنظمة الرأسمالية الغربية؟!
وغيرها كثير من النصوص الشرعية التي تتناول أحكام النظام الاقتصادي في الإسلام .. وعلى وجه التفصيل والتدقيق والتفريع .. ليس الغرض هنا استقصاءها أو الحديث عنها .. فهذا له مجلداته ومراجعه المتخصصة .. وإنما أردت أن أبين ـ ولو بصورة موجزة ـ أن الإسلام يملك الحل والبديل الأمثلين .. كما يملك التصور الشامل للمشاكل الاقتصادية وكيفية علاجها ـ بشرط أن تخضع لقانونه وسلطانه لا لقانون وسلطان غيره ـ والذي يختلف مع النظام الرأسمالي في كثير من جزئياته وتطبيقاته .. وتصوراته .. وليس كما يشيع العلمانيون والديمقراطيون .. والرأسماليون المتحاملون .. بأنه لا يوجد بديل عن الرأسمالية الغربية الحرة .. سوى الرأسمالية ذاتها .. وأن الإسلام لا يملك تصوراً عن الاقتصاد ومشاكله .. كما لا يملك حلاً لها!
وعليه، فاليعلم الجميع أن الباطل .. وإن علا صوته وصخبه .. وظهر له بريق مُزيف في مرحلة من المراحل .. إلا أنه لا ولن يدوم .. فهو إلى زوال وأُفول لا محالة .. وبوادر أفوله تُشير في الأفق القريب .. والبقاء للحق .. والكلمة الدائمة هي للحق .. والمستقبل للحق .. مهما حاول المبطلون أن يُشوشوا عليه .. أو أن يُلغوا فيه .. حتى لا تُسمَع كلمته القوية .. أو يُرى نوره .. وكما أن الاشتراكية قد أفَلَت من قبل .. وأفلت معها قيَمُها ومفاهيمها .. فإن الرأسمالية الحرة .. سيأفل نجمها .. وتأفل معها قيمها ومفاهيمها .. وينطفئ بريقها المُزيَّف .. ويبقى الإسلام شامخاً ثابتاً عزيزاً .. لأنه الحق .. لأنه دين الله .. لأنه كلمة الله في الأرض .. ولأنه يملك الحل الأمثل والشامل لمشاكل العالم كله .. لو خضعوا لسلطانه وقانونه .. وإن ذلك قادم ـ بإذن الله ـ لا محالة .. ولو بعد حين .. ) فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ (الرعد:17. يومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، والله تعالى ينصر من يشاء، وقت يشاء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
19/10/1429 هـ. 19/10/2008 م.
[1] أنا من الناس كانت تصلني إلى بريدي عشرات الرسائل .. ومن جهات عدة لا أعرفها ولا تعرفني .. تقدم عرض اقتراض مغرٍ .. والمبلغ الذي أشاء .. مقابل أن أوقع على الطلب فقط .. وغيري كثيرون الذين حصل لهم هذا الذي أشير إليه .. وإذا أنا لم أوقع على أي قرض .. فأظن أن الكثيرين غيري قد فعلوا .. ولم يواجهوا أية مشكلة عند استلام المبلغ .. لكن المشاكل ظهرت عند بلوغ أوان التسديد .. وتضاعف الربا على المُقترِض .. وعلى البنك الملتزم نحو المستثمر بأن يدفع له الفوائد على أمواله .. لكن هل ترون أن هذه طريقة مسؤولة وصحيحة تحفظ الحقوق لأصحابها؟!!
[2] كم من محلِّ تجاريّ ضخم .. يُفتتح .. ويفرح أصحابه به .. ثم ما هي أعوام قلائل تمضي ـ وربما أشهر ـ إلا ويُعلنون عن إفلاسهم .. وإغلاق محلهم .. وعرضه للبيع .. ليأتي مجرب آخر .. يجرب تجربتهم .. ثم يُعلن عن إفلاسه وخراب بيته كما أعلن الذين من قبله .. وسبب ذلك كله مرده إلى أن هذه المحلات قائمة على الربا .. وعلى القروض الربوية .. وهذا من الحرب الذي توعد الله تعالى به آكلي الربا .. لو كانوا يعلمون .. صدق الله العظيم:) يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (.