GuidePedia

1
بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاةُ والسّلام على من لا نبي بعده، وبعد.
          لا خلاف بين جميع الأطباء والعقلاء على أن التدخين ضار وقاتل للإنسان، وأنه سبب رئيسي في أمراض القلب، والرئة، والسرطان، وأنه مشوه لفم وأسنان الإنسان[[1]].
          وضرره لا يقتصر على المدخن وحسب .. بل يطال ويشمل كل من يجالس المدخن .. أو يستنشق دخانه ممن يكون قريباً منه .. وهو ما يسمونه بالتدخين السلبي القصري[[2]].

          والدخان يحتوي على مواد كيميائية قاتلة وسامة عديدة .. أبرزها مادة النيكوتين، والقطران، وأول أكسيد الكربون .. من مضاعفات وآثار النيكوتين أنه يسبب عند المدخن الإدمان على التدخين .. يجعل المدخن ينقاد للتدخين بصورة تجعله لا فكاك له من سلطانه وهيمنته .. مع علمه بأنه قاتل لنفسه، ولماله .. ولمن حوله!
          وقد رأيت بنفسي عدداً من المجاهدين وهم في خنادق الحراسة المتاخمة لمواقع العدو يشعلون السجائر، مع علمهم المسبق أنها قد تُساعد العدو على تحديد مواقعهم .. وتكون تلك السجائر سبباً في قتلهم وقتل من معهم .. وقد حدثني أحد الأخوة المجاهدين عن معركة دارت رحاها على ثرى الشام الطهور .. وبعد انسحاب للمجاهدين بعد غروب الشمس من موقع المعركة .. قرروا أن يأخذوا لأنفسهم قسطاً من الراحة .. وكانوا على بعد من مرمى العدو لا يزيد عن خمسمائة متر .. فشرع أحدهم يشعل لنفسه " سيجارة "، فنصحوه الأخوة بأن لا يفعل .. وأن يُطفئ " سيجارته "، حتى لا يُحدد العدو مكانهم .. فما استطاع أن يُقاوم " السيجارة "، وجاذبيتها وفتنتها .. فأبى إلا أن يفعل .. فأعطت " السيجارة " بصيصاً ونوراً في الليل .. مكّن العدو من تحديد مكانهم .. فأطلق على مكان بصيص السيجارة قذيفة .. أدت إلى مقتل اثنين من المجاهدين .. وامرأة كانت لا تبعد عن المجاهدين كثيراً!
          ومن القصص التي تُذكر أيضاً: أن الطواغيت في سجونهم .. يستغلون العناصر المدخنة في السجن .. فيعرضون عليهم الدخان ـ بعد منعه عنهم ـ مقابل أن يتعاملوا معهم .. ويتجسسوا على إخوانهم في السجن .. وعلى قدر تفاعل أحدهم .. وهمته في التجسس وإعطاء المعلومات .. يُعطَى من الدخان .. ويُزاد له في عدد السجائر .. وكان كثير من السجناء تحت هذا الضغط والابتزاز .. يسقط في الاختبار، ويرضى لنفسه بأن يشتغل جاسوساً على من معه من السجناء ..  ويخون إخوانه ورفقاء دربه .. كل ذلك بسبب ضعفه وعجزه أمام فتنة " السيجارة "، وإدمانه على التدخين!
          وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" مدمن الخمر كعابد وثن "[[3]]. وفي رواية:" من مات وهو مدمن خمرٍ، لقي ربه وهو كعابد وثن "[[4]]. ووجه الشبه بين المدمن وعابد الوثن أن المدمن منقاد لما قد أدمن عليه انقياد العبد للوثن .. لا فكاك له من سلطانه وأثره .. يحبه، ويُصغي إليه .. ويُطيعه حتى في قتل نفسه .. ويُقاتل دونه وفي سبيله .. فيوالي ويُعادي فيه .. كما يوالي ويعادي العبد في معبوده الوثن .. وعلى قدر الإدمان وتمكنه من صاحبه .. على قدر ما تظهر تلك المعاني الآنفة الذكر فيه!
          وقال تعالى:[ َولاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ]النساء:29. وفي التدخين قتل للنفس بالإجماع واتفاق الأطباء والعقلاء!
          وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من شرب سمّاً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً "مسلم. والدخان لا شك أنه سام قاتل لما يحتوي من مواد كيميائية سامة وقاتلة .. فالحديث يطال من يتناول سم الدخان ولا بد.
          وقال صلى الله عليه وسلم:" من قتل نفسَه بشيءٍ في الدنيا عُذّب به يوم القيامة " مسلم. قوله " بشيء "؛ صيغة نكرة تفيد العموم؛ أي أي شيء ـ بما في ذلك الدخان والتدخين ـ يقتل المرء نفسه به في الدنيا يُعذب به يوم القيامة.
          وعن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قضى أن لا ضرر ولا ضرار "[[5]]. فالحديث تضمن النهي عن كل ما هو ضار أو يؤدي إلى ضرر .. ولا خلاف أن التدخين ضار وضرره مركب ومغلظ لصاحبه ولمن حوله!
          وعن أم سلمة قالت:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر، ومفتر "[[6]]. ولا شك أن الدخان يُعد من المفترات.
          وضرر التدخين لا يقتصر على تلف الجسد، وقتل النفس وحسب، وإنما يمتد ليشمل تلف المال وهدره فيما لا يجوز[[7]].
          فصرف المال في أوجه التدخين من الإسراف والتبذير، والله تعالى يقول:[ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ]الأنعام:141.
          وقال تعالى:[ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ]الإسراء:27. والمدمن على التدخين تراه يحرم نفسه، وزوجه، وأطفاله النفقة والإطعام .. مقابل أن يوفر لنفسه ثمن الدخان!
          وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربعٍ ـ منها ـ: وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيمَ أبلاه "[[8]]. فتأمل أيها المدخن بما ستجيب خالقك يوم القيامة .. وكم سيكون جوابك مخزٍ لك عندما تقول: أنفقت مالي في شراء الدخان .. وأبليت جسدي وأتلفته في التدخين!
          ويُقال كذلك، أن الإسلام جاء ليُحافظ على مقاصد خمسة، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعِرض، والمال. والتدخين ينال من ثلاثة مقاصد من أصل تلك المقاصد الخمسة، وهي: النفس، والعقل، والمال ..!
وعليه، وبناء على ما تقدم فإن الدخان " التبغ " حرام زرعه، حرام بيعه، وتوزيعه، وشربه .. حرام ثمنه، لقوله صلى الله عليه وسلم:" إن الله إذا حرم على قومٍ أكل شيءٍ حرّم عليهم ثمنه "[[9]]. لا يُخالف في ذلك إلا جاهل، أو مريض صاحب هوى لا يُلتفت إليه، ولا يُعتد برأيه، والله تعالى أعلم.
وفي الختام إني لأرجو أن تكون هذه المقالة سبباً في إقلاع الناس عن التدخين .. وبخاصة منهم أهلنا وأحبتنا في الشام الحبيب .. حيث ظاهرة التدخين قد عمّت وطمت فيم بينهم .. لم يسلم منها إلا القليل .. وهي لا شك من مخلفات وآثار النظام الأسدي الطائفي البائد والمتخلف .. التي ينبغي الثورة عليها .. وعلى كل مورثات هذا النظام اللعين.

عبد المنعم مصطفى حليمة
أبو بصير الطرطوسي
28/10/2012 م. 12/12/1433 هـ. 

         



[1] في إحصائية لمنظمة الصحة العالمية: أن عدد الذين يُقتلون بسبب التدخين سنوياً ثلاثة ملايين ونصف المليون " 3500000 " نسمة، أي أن الذين يُقتلون في السنة بسبب التدخين أكثر بكثير ممن يُقتلون ويموتون بسبب الحروب!
 كيف تُطاوع نفس المدخن أن يُدخن، مع علمه المسبق أنه بدخانه يؤذي جليسه وضيفه، ومن حوله ..؟! [2]
[3] صحيح الجامع الصغير:5861.
[4] صحيح الجامع:6549.
 صحيح سنن ابن ماجه:1895. [5]
 رواه أبو داود وغيره، وقال ابن حجر في الفتح 10/47: سنده حسن. [6]
[7] تلف المال في سبيل التدخين لا يقتصر على ما ينفقه المدخن كثمن لدخانه وحسب، وإنما يمتد ليشمل كلفة زراعته، وتصنيعه، وتوزيعه، والدعايات الكاذبة التي تنفق من أجل ترويجه، كذلك الأموال التي تنفق على الأمراض الخطيرة والمزمنة التي يتسببها التدخين ... فالإنفاق الذي يُصرف على الدخان والتدخين من جميع هذه الأوجه  مبلغ ضخم يصعب تحديده وتقديره .. لو صرف في طريق الإعمار والتصنيع والخير .. لعم التقدم والازدهار البلاد والعباد!
[8] رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
[9] صحيح سنن أبي داود:2978.

إرسال تعليق

 
Top