GuidePedia


بسم الله الرحمن الرحيم

سؤال: ما حكم إمارة المتغلّب، وفي حال تغلّبت داعش" جماعة الدولة"، واستتب لها الأمر، ندخل في مبايعتها، وطاعتها .. أم ماذا نفعل .. وجزاكم الله خيراً؟

      الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، وبعد. 
      هذا سؤال قد وردني من أكثر من طرف .. وبخاصة بعد أن ظهرت فتنة الخوارج الدواعش في الشام والعراق .. فكان لزاماً علينا أن نجيب عنه، فأقول ــ مستعيناً بالله ــ: 

      المتغَلّبُ؛ هو الذي يسطو على سدة الحكم عن طريق القوة، والغلبة، والقهر، والبطش .. فلا يتورّع أن يسفك الدم الحرام، وأن يُعمِلَ السيف والقتل في كل من يقف أمامَه أو يُحيل بينه وبين هدفه وغايته؛ ألا وهي السلطة والحكم!
وهو بعد أن يسطو على الحكم والسلطة .. وينفرد في الحكم .. ينتهج في الناس سياسة القمع، والاستبداد، والإرهاب .. وتكميم الأفواه .. ليضمن استمرار تسلطه على البلاد والعباد!   
      وعليه، فالتغلّب طريق باطل بدعي غير شرعي .. وبطلانه يأتي من أوجه: 
      منها: أنه يأتي البيوت من غير أبوابها الشرعية السنّيّة .. والله تعالى يقول: [وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا] البقرة:189.   
      والباب الشرعي الذي يُؤتَى منه الحكم، وينتظم أمره: الشورى .. ومن ثم موافقة ورضى الأمة، وعلى رأسهم من يمثلهم وينوب عنهم من أهل الحل والعقد من العلماء، والشيوخ، وقادة الجهاد، والوجهاء، الذين بهم تتحقق الشوكة والمنعة، ويستتب نظام الحكم.    

قال تعالى: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ]الشورى:38.

وقال تعالى: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ]آل عمران:159. وأعظم الأمر الذي تتعين فيه الشورى، نظام الحكم، وتنصيب إمامٍ أو حاكم عام على المسلمين.

وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "ما رأيتُ أحدًا قطُّ كان أكثرَ مشورَةً لأصحابهِ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم". وهو ــ صلى الله عليه وسلم ــ لا ينطق عن الهوى .. ولا ينطق إلا حقّاً وصدقاً .. ومع ذلك كان أكثر الناس مشورةً لأصحابه .. فمن دونه ــ وبخاصة في القرون المتأخرة ــ أولى بالشورى .. وأن يتخلّقوا بالشورى .. وأن تكون الشورى بالنسبة لهم نظام حياة.

وقال عمر رضي الله عنه: "الإمارةُ مشورةٌ"؛ أي إنما تقوم الإمارة وتثبت بالمشورة، والشورى.  

وقال رضي الله عنه: "فمن بايعَ رجلاً على غير مشورةٍ من المسلمين فلا يُتابَع هو ولا الذي بايعه؛ تَغِرَّة أن يُقتلا" متفق عليه. أي خشية وحذَر أن يُقتلا؛ لأنه عندما غرّر بنفسه، وبصاحبه الذي بايعه على غير مشورة من المسلمين، فقد استشرفا وعرضا أنفسهما للقتل.

وعندما بايع المسلمون علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الخلافة .. قام فيهم في اليوم التالي خطيباً، فقال: "يا أيها الناس، إن هذا أمركم ــ أي الاستخلاف ــ ليس لأحد فيه حق إلا من أمَّرتم، وقد افترقنا بالأمس على أمر، فإن شئتم قعدت لكم، وإلا فلا أجد على أحد. فقالوا: نحن على ما فارقناك عليه بالأمس". فرد حق التأمير للناس، ولممثليهم من أهل الحل والعقد، والشوكة، والمنعة .. والذي بهم تمضي البيعة .. وتثبت الإمامة والولاية.

وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن أمّ قوماً وهم له كارهون، وقال: "ثلاثةٌ لا يُقْبَلُ منهم صلاةٌ، ولا تصعدُ إلى السماءِ، ولا تُجاوِزُ رؤوسَهم: رجلٌ أمَّ قوماً وهم له كارهون .."السلسلة الصحيحة:650.  هذا فيمن يؤمّ قوماً في الصلاة وهم له كارهون .. فكيف فيمن يؤم الناس في الحكم والإمامة العامة وهم له كارهون .. لا شك أنه أولى باللعن .. والطرد .. وعدم القبول.

       ومنها: أن المتغلّب شديد الحرص على الحكم والإمارة .. فالإمارة عنده غاية ترخص في سبيلها الدماء والحرمات .. والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن طلب الإمارة وتمنيها .. أو الحرص عليها .. فقال صلى الله عليه وسلم: " إنَّا والله لا نُولِّي على هذا العملِ أحداً سألَه، ولا أحداً حَرِصَ عليه" مسلم.

       وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّكُم ستَحرصون على الإمارةِ، وإنها ستكونُ ندامةً وحسرةً يومَ القيامةِ" البخاري.

       وعن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارةَ، فإنَّكَ إن أُعطِيتَها عن مَسألَةٍ وُكِّلتَ إليها، وإن أُعطِيتَها عن غيرِ مَسألَةٍ أُعِنتَ عليها" مسلم. والمتغلّب لا يحرص عليها أو يسألها وحسب .. بل يُقاتل .. وينتهك الحرمات من أجلها!

       ومنها: أن المتغلّب حاكم مستبد، متسلط بالجبروت، لا يتورع عن البطش والظلم، والقمع .. وسفك الدم الحرام من أجل شهوة الحكم والسلطة!

       وعليه وعلى أمثاله من الحكام المستبدين الديكتاتوريين يُحمَل قوله صلى الله عليه وسلم: "ستةٌ لعنتهم ــ لعنهم اللهُ ــ وكلُّ نبيٍّ مُجاب ــ منهم ــ: المتسلِّط بالجبروت؛ يُذل من أعزَّ اللهُ، ويُعز من أذلَّ الله ...".

       وقال صلى الله عليه وسلم: "من خَرجَ على أمتي يَضرِبُ بَرَّها وفاجِرها ــ فلا يفرق في بطشه بين الصالح والطالح ــ ولا يتحاشى من مؤمِنها، ولا يفي لِذي عهدٍ عَهدَه، فليس مني ولَستُ منه" مسلم.

       وقال صلى الله عليه وسلم: "رجُلانِ ما تنالهما شفَاعتي: إمامٌ ظَلومٌ غَشُومٌ، وآخرُ غالٍ في الدينِ مارقٌ منهُ" رواه ابن أبي عاصم في السنة، وصححه الشيخ ناصر في التخريج: 41. والغشوم؛ هو الحاكم الظالم الذي يخبط الناس خبطاً فيأخذ منهم كل ما يقدر عليه؛ ما يحق له ومالا يحق ..!

       وقال صلى الله عليه وسلم: "أشدُّ الناسِ يومَ القيامةِ عذاباً، إمامٌ جائرٌ" صحيح الجامع: 1001.  

       وقال صلى الله عليه وسلم: "أربعةٌ يبغضُهم اللهُ عز وجل ــ منهم ــ: الإمامُ الجائِرُ" السلسلة الصحيحة: 363. ولا شك أن الحاكم المتغلّب إمام جائر مغتصب لحق الأمة في الحكم.

       وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ شَرَّ الرُّعاءِ الحُطَمَة" مسلم. والحطمة؛ الذي يظلم الرعية ويبطش بهم، ويسلك معهم مسلك العنف والشدة ..!

       وقال صلى الله عليه وسلم: "يكونُ أمراءٌ فلا يُرَدُّ عليهم قولُهم، يَتهافَتون في النَّار، يَتْبَعُ بَعضُهم بَعضاً" السلسلة الصحيحة: 1790.

       وقوله" فلا يُرَدُّ عليهم قولُهم"؛ أي لشدة استبدادهم وديكتاتوريتهم، وتسلطهم، وتفردهم في الحكم لا يجرؤ أحد من الرعية أن يعقب عليهم بقول أو رأي .. أو فهم .. فهم فوق المساءلة وفوق أن يُعقّب عليهم .. ومن يتجرأ على التعقيب .. فجزاؤه القمع والسجن والتنكيل .. هؤلاء الحكام والأمراء: "يَتهافَتون في النَّار، يَتْبَعُ بَعضُهم بَعضاً"!

       هذا حكم وجزاء الحاكم المتغلّب المتسلط .. وهذا هو موقف الشريعة منه .. فإنل قِيل: إن استتبّ الأمر له .. فما الموقف منه، وما العمل؟

       أقول: إن استتبَّ له الأمر .. واستقر حكمه .. تُقدّر مفسدة الخروج عليه .. ومفسدة إقراره على الحكم .. فتُقدّم أقل المفسدتين .. لتُدفَع بها المفسدة الأكبر .. والضرر الأكبر .. وتكون طاعته حينئذٍ ــ في المعروف ــ من قبيل الضرورات التي تبيح المحظورات .. ومتى كان الخروج عليه .. وإقالته عن سدة الحكم أقل  ضرراً وأقل مفسدة .. من إقراره على الحكم .. والسلطة .. تعين على الأمة الخروج عليه .. واستبداله بحاكم شرعي ترتضيه الأمة .. فالإسلام جاء بتحصيل أكبر المصالح .. ودفع أكبر وأشد المفاسد .. فأين توجد المصلحة، ويوجد العدل فثمّ الإسلام، وشرع الإسلام .. وأين توجد المفسدة، ويوجد الظلم فثمّ دين الطاغوت، وشرع الطاغوت!

       أمّا إن كان المتغلّب من ذوي الأهواء، والضرر المركب، كالشيعة الروافض، أو الخوارج الغلاة .. أصوله لا تردعه عن انتهاك الحرمات .. وسفك الدم المعصوم .. فهذا لا طاعة له البتّة .. إلا على وجه الإكراه والتقيّة عند العجز .. والواجب دفعه وقتاله ما أمكن لذلك سبيلاً .. لأن الشارع قد نصّ على وجوب قتاله ودفعه، ودفع شره وفساده قبل أن يتمكن، وبعد أن يتمكن .. إن كان شره وضرره لا يندفع إلا بالقتال .. فقال صلى الله عليه وسلم في الخوارج الغلاة: "سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان ــ أي صغار السن ــ سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يُجاوز إيمانُهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة" متفق عليه. 

          وقال صلى الله عليه وسلم: "سيكون بعدي من أمتي قوماً يقرأون القرآن، لا يُجاوزُ حلوقهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شرار الخلق والخليقة" مسلم.

          وعن أبي أمامة، يقول: شر قتلى قُتِلوا تحت أديم السماء، وخير قتيلٍ من قَتَلوا، كلاب أهل النار، قد كانوا هؤلاء مسلمين فصاروا كفّاراً. قلت: يا أبا أمامة هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. صحيح سنن ابن ماجه: 146.

          وقال صلى الله عليه وسلم: "هم شرار أمتي، يقتلهم خيار أمتي" قال ابن حجر في الفتح 12/298: إسناده حسن. وكان أول من قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في موقعة النهروان.

          وقال صلى الله عليه وسلم: "سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قومٌ يُحسنون القيل ويُسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يُجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرميّة، لا يرجعون حتى يرتدّ السهم على فوقه، هم شرّ الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يَدعون إلى كتاب الله وليسوا منّا في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم" رواه أبو داود، مشكاة المصابيح: 3543.

والخوارج الغلاة رغم تمكنهم في تاريخهم من تأسيس بعض الإمارات الخاصة بهم .. إلا أنه لا يُعرَف عن أحدٍ من السلف الصالح أنه قد دخل في موالاتهم وطاعتهم، أو أنه بايع أميراً من أمرائهم .. أو دعىا إلى مبايعته وطاعته .. وإنما كان الموقف منهم في اتجاه واحد لا غير؛ وهو قتالهم، ورد عدوانهم، وخطرهم  عن الأنفس والحرمات ..!

والخوارج الدواعش ــ خوارج العصر ــ المعروفين باسم" جماعة الدولة"، لا يخرجون عن هذا التوصيف .. وعن هذا الحكم .. بل هم في كثير من أوصافهم وأخلاقهم وأعمالهم أخطر من الخوارج الأوائل .. ودفعهم أولى وأوكد .. وبالتالي لا يجوز أن يحصل خلاف حول جواز قتالهم ورد عدوانهم وخطرهم عن البلاد والعباد .. كما لا يجوز أن يحصل خلاف حول بطلان إمارتهم، وتأمّرهم، وبطلان بيعتهم .. مهما توسعوا .. وتغلّبوا في بعض المناطق .. وإعلانهم عن تمدد اسمهم ليصبحوا خلافة ــ بعد أن تسموا باسم الدولة ــ وأن صاحبهم" إبراهيم عواد" قد أصبح خليفة .. لا يغير من هذه الحقيقة شيئاً؛ إذ العبرة ليست بالتبني والادعاء .. ورفع الشعارات .. وإنما العبرة بالتحلي، ومدى القدرة على أن يتحلوا بما يدعونه ويزعمونه .. ويتشبعون به!

قد نادوا لصاحبهم الخارجي" إبراهيم عواد"، بأنه قد أصبح خليفة على المسلمين .. كل المسلمين في الأرض .. ويطالبون المسلمين في الأرض ــ كل الأرض! ــ بمبايعته والدخول في طاعته .. بينما صاحبهم إلى الساعة لا يجرؤ أن يعرّف عن نفسه .. وهيئته .. ومكانه .. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الإمامُ جُنَّةٌ؛ يُقاتَل من ورائِه، ويُتَّقَى به" متفق عليه.

وقوله" إنما الإمامُ جُنَّةٌ"؛ أي واقٍ يحتمي به المسلمون ــ كل المسلمين ــ من العدو وخطره .. وبه تُحفَظ البيضة، وتُصان الحرمات .. ويُرد خطر الأعداء .. عن البلاد والعباد .. هذا هو الغرض الأساس من الإمامة والخلافة .. فأين صاحبهم الخارجي" إبراهيم عواد" المجهول العين والحال .. والعاجز عن أن يُعرّف عن نفسه .. وصورته .. هو وكثير ممن معه .. فضلاً عن أن يكون قادراً على أن يرد خطر العدو عن نفسه .. من هذا المعنى العظيم الذي أشار إليه الحديث النبوي الشريف؟!

بهذا أجيب عن السؤال الوارد أعلاه .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



عبد المنعم مصطفى حليمة

" أبو بصير الطرطوسي"

6 رمضان/ 1435 هـ. 4/7/2014م.

 
Top