يوجد فريق منّا يزعم بأن النصوص الشرعية ذات العلاقة
بالسياسة الشرعية شحيحة جداً، أو نادرة، وقليلة جداً .. ونحو ذلك من الاطلاقات!
وهؤلاء
واحد من اثنين: إما أنه جاهل؛ يجهل النصوص الشرعية الكثيرة ذات العلاقة بالسياسة
الشرعية .. وهذا واجبه أن يسأل، ويسترشد بمن هم أعلم منه، وأن يتوقف عن الخوض فيما
لا علم له به!
وإما
أنه صاحب هوى يريد من وراء هذا الزعم الظالم أن يشرّق ويُغرّب كيفما يشاء، من دون
ضابط، وأن يمرر مآربه وأهواءه في عالم السياسة تحت عنوان وزعم عدم وجود نص أو نصوص
شرعية تلزمه بأن يسير في مسارات ومعالم محددة .. والطغاة من قبل، واليوم استغلوا
هذا الزعم الباطل في تمرير سياسات باطلة وظالمة، تحت عنوان وزعم شح النصوص الشرعية
ذات العلاقة بالسياسة، وبالتالي فالأمور متروكة لهوى الحاكم وما يرتئيه!
ولهؤلاء
نقول: تنزّه وتعالى الخالق سبحانه أن يخلق عباده، ثم يتركهم في جانب هام وعظيم من
حياتهم ــ كالجانب السياسي ــ عبثاً، من غير تبيان، ومن دون أن يرشدهم، ويحدد لهم
المعالم، والواجبات، والمحظورات .. قال تعالى:[ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا
خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ]المؤمنون:115. وقال
تعالى : [ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ] المائدة : 3 .
والنصوص
الشرعية ذات العلاقة بالسياسة الشرعية لا أقول هي بالمئات، وإنما أقول هي بالآلاف
لا يعمى عنها إلا جاهل، أو صاحب هوى .. فالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وأقوال الخلفاء
الراشدين الذين أمرنا بالنص بالاقتداء بهم، واتباع سنتهم .. ذات العلاقة بالمقاصد
الخمسة التي جاء الإسلام لحمايتها، والحفاظ عليها .. وكذلك النصوص المتعلقة
بالحكم، والتشريع، والحاكم وحقوقه، والرعية وحقوقها، والإمارة، والطاعة، والخلافة
والاستخلاف، والبيعة، والشورى، والأمر بالمعروف والنهي عن الفحشاء والمنكر، والأمر
بالعدل والإحسان، والنهي عن الظالم والاستعلاء في الأرض .. والكفر بالطاغوت ..
وبالجهاد .. والقضاء المتعلق بالعقوبات الجنائية ونحوها .. والنصوص ذات العلاقة
بالعهود، والأمانات .. وقوانين الحرب والسلم .. وتقدير المصالح وتحصيلها، وتقديم
الأعظم منها على الأقل منها، ودفع المفاسد، ودفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى،
وتحصيل المصالح، ودفع المفاسد، واعتبار المآلات .. وسيرة الأنبياء مع الطغاة
الحاكمين المجرمين .. وغيرها من القضايا ... كلها لها علاقة مباشرة بالسياسة،
والسياسة الشرعية .. بل أجزم أنني لا أعرف نصاً شرعياً لا يمكن الاستفادة منه في
مجال من مجالات الحكم والسياسة .. فالمشكلة ليست في عدم وفرة النصوص، بل في القدرة
على فهم النصوص واستنباط الأحكام منها .. إلا إذا أراد المخالفون أن نأتيهم بنص
منطوقه يقول لهم صراحة: هذا نص مختص بالسياسة فخذوه ... وهذه ظاهرية لا ابن حزم
لها!
فحديث
النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أبا عُمَيْرٍ، ما فعل النُّغَيْرُ؟
"البخاري. لعصفور اسمه النغير، كان يلهو به الطفل أبو عُمير .. استنبط منه
أحد علماء الشافعية ستين مسألة وفائدة، أوردها في مصنفٍ مستقل، وقد أتمها ابن حجر
في الفتح إلى مائة فائدة ... ولو عُرض هذا الحديث على كثير من دكاترة عصرنا ــ
الذين يحلو لهم أن يسموا أنفسهم بالمفكرين! ــ لربما استنبطوا منه مسألة أو
مسألتين، أو لا شيء ...!
وفي
الحديث، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إنه ليس شيءٌ يقربكم
إلى الجنَّة إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم عنه
"[السلسلة الصحيحة:2866]. وفي رواية:" ما تركتُ شيئاً يقربكم إلى الله
تعالى إلا وأمرتكم به ". علم ذلك من علمه، وجهله من جهله .. لكن المخالفون يقولون:
نعم قد بين كل شيء، إلا السياسة، وما يتعلق بها من أحكام .. فقد تركها لنا النبي
صلى الله عليه وسلم من دون أن يبين لنا فيها شيئاً، وكأن السياسة ليست من الأمور
التي تقرب إلى الله تعالى ...!
وعن
أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال:" تركَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وما في
السَّماء طائر يطيرُ بجناحيه إلا عندنا منه عِلْم "[ صحيح موارد الظمآن:62].
فإذا كان ما من طائرٍ يطير في السماء إلا وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم
لأمته منه علماً .. فكيف بما هو أعظم وأجل من الطيور؛ كشؤون الحكم والسياسة ..
فالنبي صلى الله عليه وسلم أكثر وأشد لها تبياناً وإيضاحاً!
ويُقال
لهذا الفريق المخالف أيضاً: إن زعمكم الباطل الظالم المشار إليه أعلاه يعني
العلمانية، ويُفضي إلى العلمانية، لكن بثوب مشيخي وديني .. وهل حجة العلمانيين في
فصلهم للدين عن السياسة والدولة والحكم إلا ما تزعمونه؛ بأن الإسلام يخلو من
النصوص ذات العلاقة بالسياسة .. وبالتالي لا ينبغي ولا يجوز أن نقحمه في السياسة
.. ولا بد من فصله عن السياسة .. فكلامكم الخاطئ أكبر دليل يستقوي به العلمانييون
على محاربة الإسلام، وفصله عن الدولة والحكم، والسياسة .. والحياة!
فاتقوا
الله، وأصلحوا ...!
4/1/2017