GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم

          الأخوة في مجلة نداء الإسلام، حفظهم الله تعالى .

          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد .

          فقد ورد في مجلتكم الغراء " نداء الإسلام "، العدد الصادر في جمادى الأولى لسنة 1421 هـ، في باب " فتاوى " مسألة بعنوان:" مسألة مهمة في أحكام الشركات .. "، جواب على سؤال ورد من سائله يقول: ما حكم رجل شارك رجلاً آخر على أن الربح بينهما مناصفة، إلا أن أحدهما اشترط على الآخر أجرة متفق عليها بينهما مقابل عمله ؟

          وبعد التأمل في السؤال الوارد أعلاه والجواب عليه الوارد في مجلتكم .. رأيت من الضروري ـ والأمانة العلمية ـ أن ألفت انتباهكم إلى الملاحظات التالية:

          1- أن المسألة المسؤول عنها تخص شريكين اشتركا بمال مناصفة؛ إلا أن أحدهما زاد على صاحبه المشاركة بالعمل؛ بمعنى آخر رجل شارك بماله فقط، ورجل آخر شارك بماله وبدنه ..هل يستويان بالربح والخسارة، وهل للذي شارك ببدنه إضافة إلى ماله له زيادة أجرٍ تُحدد له مقابل عمله وجهده البدني .. هكذا هي المسألة ؟! 

          بينما الجواب جاء عن المضاربة، وشرعية أن يأخذ أحد المضاربين مبلغاً محدداً لا يخضع للتقسيم بين المضاربين ..؟

          والمضاربة صورتها أن يبذل رجل المال مقابل أن يبذل الآخر العمل وجهد البدن في إدارته وتشغيله .. وهي صورة تختلف اختلافاً كلياً عن المسألة المسؤول عنها والواردة أعلاه ! 

          فالسؤال في وادٍ، والجواب جاء في وادٍ وجهة أخرى ..! 

          2- وعليه فهذه الإجماعات لأهل العلم التي نُقلت في الجواب والتي تُفيد حرمة أخذ مبلغ محدد زائدٍ على نسبة الربح المتفق عليها لكل من الطرفين .. هي كلها خاصة بالمضاربة، وبالتالي لا يجوز حملها على المشاركة الواردة صورتها في السؤال أعلاه ..!
          3- فإذا علمنا ذلك، نفيد بما يلي: أنه لا مانع شرعاً أن يُحدد لمن يشارك بعمله وماله مبلغاً إضافياً مقابل عمله يقدر من نسبة الربح، أو أجر مستقل عن الربح الناتج عن الشراكة .
          والذي جعلنا نفيد بذلك النقاط التالية:
          1- غياب النص الذي يُفيد حرمة أن يأخذ الشريك بماله وعمله أجراً محدداً إضافياً على عمله وجهده البدني .. والأصل في المعاملات ـ بخلاف العبادات ـ الحل والإباحة ما لم يرد نص يفيد التحريم أو الحظر.
          2- انتفاء أي صورة من صور الظلم أو الغبن أو الكسب الحرام عندما يأخذ المشارك بماله وعمله أجراً محدداً على عمله ..
          3- تحقق الظلم والغبن والضرر لمن يشارك بماله وعمله عندما يتساوى في الربح والأجر مع من يشارك بماله فقط دون عمله وبدنه .. والإسلام جاء بدفع الظلم والضرر . 
          4- هذا المبلغ الذي يأخذه الشريك مقابل عمله، إن لم يعمل ويأخذه سيضطر الشريكان إلى أن يستأجرا رجلاً آخر ـ أقل إخلاصاً ونفعاً للعمل والشراكة ـ يأخذ نفس المبلغ ..!
          والسؤال: ما هو الدليل الذي يُبيح للغريب الذي يقل نفعه وعطاؤه أن يأخذ أجراً مقابل عمله في الشركة، بينما ذلك لا يجوز أن يُعطى للمشارك الذي يُشارك بعمله ـ الأشد حرصاً على نجاح العمل والشراكة، والأكثر فائدة للعمل ـ هذا الأجر ..؟!!
          هذا مع علمنا جميعاً أن الإسلام جاء بجلب المصالح وتحصيلها، ودفع الضرر وإزالته .. 
          5- غياب العالم المعتبر ـ بحسب علمي واطلاعي ـ الذي يفيد بحرمة الصورة الواردة في السؤال أعلاه ..
          مقابل ذلك فقد ثبت عن كثيرٍ من أهل العلم الذين أجازوا أن يعمل الشريك بماله ومال شريكه مقابل أجرٍ زائدٍ يأخذه على عمله، نذكر منهم :
          - ابن حزم :قال رحمه الله في المحلى 6/415: فإن عمل أحدهما ـ أي أحد الشريكين ـ أكثر من الآخر، أو عمل وحده تطوعاً بغير شرط فذلك جائز، فإن أبى من أن يتطوع بذلك فليس له إلا أجر مثله في مثل ذلك العمل ربحاً أو خسراً، لأنه ليس عليه أن يعمل لغيره، فاغتنام عمله بغير طيب نفسه اعتداء، وعلى المعتدي مثل ما اعتدى فيه، لقول الله تعالى:] فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [ ا-هـ .
          تأمل قوله بأن له أجر مثله؛ أي له أجر من يقوم بعمله وذلك في الربح أو الخسارة .. فإنه يُعطى هذا الأجر أو الراتب المحدد .
          وتأمل كيف اعتبر عمله لغيره من دون طيب نفس، ومن دون أجر .. هو من الاعتداء الذي يجب أن يُزال .
          وقوله:" بغير شرط " أي بغير شرط يشترطه على شريكه الآخر يمنعه بموجبه العمل بماله ومال شريكه كما يعمل هو .
          ابن قدامة المقدسي : قال رحمه الله في الكافي 2/263: والربح بينهما على ما شرطاه من مساواة أو تفاضل، لأنهما يستحقان بالعمل، والعمل يتفاضل، فجاز أن يكون الربح متفاضلاً.
          وإن ترك أحدهما العمل لعجز أو غيره، فللآخر مطالبته بالعمل، أو بإقامة من يعمل عنه أو يفسخ ا-هـ .
          قلت: يفسخ لأنه لا يجوز أن يعمل لصالح شريكه بالسخرة من غير رضى أو أجرٍ زائد مقابل عمله عن نفسه وعن شريكه الآخر . 
          وقوله: " بإقامة من يعمل عنه " أي بأجرٍ يُعطاه، ويجوز أن يكون هذا الذي يعمل عنه شريكه الآخر، أو رجل آخر من خارج الشراكة .
          - محمد صديق حسن خان : قال رحمه الله في الروضة 2/299: وكذلك لا بأس بأن يوكل أحد الرجلين الآخر في أن يعمل عنه عملاً استؤجر عليه كما هو معنى شركة الأبدان اصطلاحاً، ولا معنى لاشتراط شروط في ذلك .
          والحاصل: أن جميع هذه الأنواع يكفي في الدخول فيها مجرد التراضي؛ لأن ما كان منها من التصرف في الملك فمناطه التراضي، ولا يتحتم اعتبار غيره ا-هـ .
          هذه بعض أقوال أهل العلم التي تفيد أخذ الأجر لأحد الشريكين الذي يُشارك بعمله وبدنه عن نفسه وعن شريكه .
          هذه هي النقطة الأولى التي أردنا الإشارة إليها وتصحيح الخطأ الوارد فيها، أما النقطة الثانية التي نود الإشارة إليها، هو ما جاء في الجواب قوله:" والأصل أن أي شركة هي جائزة سواء كانت شركة عنان أو أبدان أو مضاربة ..!" .
          وهذا إطلاق يوجد عليه بعض التحفظ، وأعني بذلك القول بجواز شركة الأبدان .. وإن قال بجوازها بعض أهل العلم، معتمدين في ذلك على أثرٍ ضعيف لا يصح كما يقول ابن حزم.
          وقبل أن نبين أوجه الظلم والحرمة من وراء هذه الشركة، لابد للقارئ من أن يعرف صورة شركة الأبدان وعلى أي أساس تقوم، ثم نبين فيها الحكم .
          شركة الأبدان: تقوم على اشتراك طرفين أو أكثر في كل ما ينتجونه بأبدانهم، ويتعاقدون على أن يكون ذلك بينهم مناصفة أو بالتساوي ..!
          وهذا من لوازمه أن من عمل في يومه ببدنه وأصاب دخلاً مقداره مثلاً ألف دينار، والآخر عمل لكنه لم يتحصل إلا على عشرة دنانير وربما لم يتحصل على شيء، أن يُقسم المال بينهما في نهاية اليوم بالتساوي ..!!
          وهذا عين الظلم والغبن، والمقامرة ..!!
          قال ابن حزم في المحلى 6/412: لا تجوز الشركة بالأبدان أصلاً، لا في دلالة ولا تعليم، ولا خدمة، ولا في عمل يد، ولا في شيءٍ من الأشياء، فإن وقعت فهي باطل لا تلزم، ولكل واحدٍ منهم أو منهما ما كسب، فإن اقتسماه وجب أن يُقضى له بأخذه ولا بد؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل، ولقوله تعالى:] ولا تكسب كل نفس إلا عليها [ . وقال تعالى:] لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت [ . وهذا كله عموم في الدنيا والآخرة، لأنه لم يأت بتخصيص شيء من ذلك في قرآن، ولا سنة، فمن ادعى في ذلك تخصيصاً فقد قال على الله تعالى مالا يعلم .
          إلى أن قال: لا نعلم ـ أي للمخالفين ـ سلفاً، وقولنا هو قول الليث، وأبي سليمان، والشافعي، وأبي ثور ..ا-هـ . وله كلام آخر جيد في تضعيف الأثر، وتضعيف الاستدلال به الذي اعتمده المخالفون في المسألة، يمكن مراجعته لمن يرغب ويريد . 
          هذا ما أردت إفادته وبيانه فإن أخطأت فمن نفسي .. وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه، وإن أصبت فمن الله تعالى وحده، وله الحمد والشكر .
          وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

          5/6/1421 هـ .                              عبد المنعم مصطفى حليمة
          4/9/2000 م .                                           أبو بصير 

                                         www.abubaseer.com

إرسال تعليق

 
Top