بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه .. وبعد.
الشيخ الفاضل عبد المنعم مصطفى حليمة " أبو بصير " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم بتحية الإسلام الخالدة، ونسلم عليكم، وندعو الله أن يرزقنا وإياكم الاستقامة على التوحيد والسنة والجهاد .. ثم أما بعد:
أبشرك أولاً بأن الأخوة هنا مشغولون بكتب العلماء العاملين دراسة، ومطالعة، وطباعة، ونشراً، وبخاصة أجوبتكم الأخيرة " الشفهية والمكتوبة "، وأنا أستأذنك أن أنشر أجوبتك لي بعنوان:" الأجوبة الحسان على أسئلة غرباء كردستان "، مع أجوبة الأسئلة السابقة، وأرجو من فضيلتك أن ترسلها بهذا العنوان إلى الإنترنت ..
أخوكم أبو أنس الكردي ... 15 ذو القعدة/1421هـ.
س1: شيخنا الموحدون عندنا اختلفوا في طريقة مواجهة طوائف الردة إلى فريقين: الأول يقول باستمرار الدعوة إلى التوحيد والسنة، والكفر بالطواغيت مع العمل على إعداد مادي ومعنوي متكامل لمدة غير محدودة ثم الشروع والبدء في قتال طوائف الردة، وإن استغرقت سنوات طوال من الزمن.
أما الفريق الثاني فيرى ـ مع دعوة الناس إلى التوحيد والكفر بالطواغيت ـ القيام بأعمال جهادية فردية ـ كل 2 أو 3 أو 4 أشخاص في بلدة أو مدينة ـ أو جماعية ـ والممثلة بجماعة التوحيد ـ وذلك للأسباب التالية:
1- الظروف المهيئة للقيام بمثل هذه العمليات ...
2- ردع الطواغيت ووضع حد لإفسادهم وطغيانهم؛ عن طريق تفجير أماكن الدعارة والزنا وشرب الخمر، وأماكن الكفر والشرك ...!
3- أن طوائف الردة في بلادنا ممتنعة بشوكة وقدرة عن قوة المجاهدين وبسلطتهم الجزئية .. لذلك دعوتهم غير واجبة، بل جهادهم المستمر واجب بشقيه الجماعي الجبهوي، والفردي ..!
والسؤال: أي الفريقين على حق وصواب ؟ هل الفريق الأول الذي استطاع الجمع بين الدعوة والقتال أم الفريق الثاني .. مع مراعاته لقاعدة المصالح والمفاسد .. أم كلاهما مصيب .. أم فيه تفصيل ؟؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . جهاد المرتدين باليد واللسان واجب من واجبات هـذا
الدين عندما تتوفر الاستطاعة إلى ذلك.
وقولنا هذا لا يعني ولا يستلزم استعجال الأشياء قبل أوانها وفي غير وقتها المناسب؛ فمن تعجل شيئاً قبل أوانه عُوقب بحرمانه.
كما لا يعني اقتحام غمار الجهاد والمواجهة مع قوى الكفر .. وتوسيع دائرته ومحاوره وبصورة لا يمكن احتواؤها أو استيعابها .. قبل استيفاء العدة المادية منها والمعنويه .. التي تعين على استمرار الجهاد والصمود ضد أي عمل استئصالي يقوم به الأعداء .. وبأقل الأضرار!
فكثير من الحركات الجهادية المعاصرة عندما اقتحمت غمار الجهاد بحماس من دون أن تعد له الحد الأدنى من القوة .. ووسعت دائرة العمل أكثر من طاقاتها وإمكانياتها .. ولم تحسن تقدير ميزان القوى الموجودة على الساحة، والطريقة الفاعلة في التعامل معها .. ارتدت النتائج عليها، وعلى أفرادها، وعلى المجتمع الذي يعيشون فيه .. وبشكل لم يعد يمكن معه تفادي الآثار السلبية القاتلة الناتجة عن مثل هذا الاستعجال.
وإن كنا نرى أن الجهاد ـ من حيث المبدأ ـ يمكن أن يمضي بفرد أو أفراد، ولكن أحياناً نجد من السياسة الشرعية .. أن نمنع من ذلك، وبخاصة عندما نشعر أن هؤلاء الأفراد لا يحسنون تقدير المصالح والمفاسد المترتبة على أعمالهم، رغم زعمهم باللسان أنهم يحسنون ذلك .. أو لا يحسنون إنزال الأحكام المدونة في النصوص على أرض الواقع .. فتقع منهم الأخطاء القاتلة والمنفرة.
هذا كلام عام .. وحكم عام .. ونصيحة عامة .. أما تقرير أيهما يُقدم أو يُؤخر على أرض الواقع .. فهذا مرده إلى أمراء الجهاد الميدانيين من أهل العلم والدراية .. فهم أدرى بتفاصيل الأمور وخفاياها .. وأدرى بما ينبغي أن يُقدم أو يؤخر .. وأدرى بالقوى الموجودة على الساحة، وبمجريات الأمور .. وأدرى بقوتهم وإمكانياتهم وما ينقصهم، وما تحققت لديهم فيه الكفاية .. والقرار حينئذٍ يكون لهم وليس لغيرهم.
بقي تنبيه هام ألفت النظر إليه: المرتدون في مجتمعاتنا صنفان: صنف ردتهم مغلظة ومركبة .. قد وطدوا أنفسهم على محاربة الإسلام والمسلمين .. وهؤلاء في الغالب يُعرفون من خلال نشاطاتهم المختلفة .. وحقدهم الدفين على دين الله الذي يظهروه بين الفينة والأخرى .. وأرى أن تنحصر المعركة مع هؤلاء.
وصنف جاءت ردتهم من جهة حاجتهم إلى رغيف الخبز أو المعاش الذي يقتاتونه في الغالب من الصنف الأول .. وهؤلاء أرى اعتزال قتالهم ـ مع دوام المناصحة لهم ودعوتهم إلى التوحيد الخالص ـ لأن هذه الشريحة من الناس كما خبرناهم هم مع الأقوى، ومع من يعطيهم المعاش ثمن الخبز .. وغداً لو كنت أنت القوي، وتملك أن تصرف لهم المعاشات .. فسوف تجدهم تلقائياً يأتون إلى صفك، وربما يقاتلون معك ضد من يُقاتلون معهم الآن ..!!
لذا أرى أن توفروا جهادكم مع هذا الصنف من الناس ـ إلا على وجه الدفاع عن النفس ـ لتجعلوا جهادكم وسهامكم كلها موجهة للصنف الأول المذكور آنفاً .. والله تعالى أعلم.
* * *
س2: هل يجوز للجماعة الموحدة المجاهدة إرسال بعض الموحدين ـ ممن يثق أمير الجماعة بدينهم وأخلاقهم ـ إلى بعض الدول الأوربية ليعملوا كمصدر مالي للجماعة ؟ وهل هذا العمل يدخل ضمن ضرورات الهجرة إلى بلاد الغرب ؟
وهل تنصح الأخوة بالسفر لطلب العلم إلى بلاد الحرمين أو اليمن .. من أجل تحصيل العلم الذي يعينهم على القيام بفريضة الجهاد في سبيل الله على بصيرة وعلم ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . لا أرى جواز الهجرة إلى بلاد الغرب من أجل جمع الأموال من غير حاجة أمنية تكره صاحبها على الهجرة وطلب اللجوء إلى تلك الديار ..!
أما عن السفر إلى بلاد الحرمين أو اليمن من أجل طلب العلم كما ورد في السؤال .. فإننا ننصح بذلك ونؤكد عليه، مع ضرورة الانتباه إلى بعض ما يؤخذ على المناهج المقررة، والقائمين عليها في تلك الديار .. والله المستعان.
* * *
س3: امرأة فاسدة ومفسدة يزني بها الرجال برضاها وليس لها ولي أمر، أو لها ولي أمر ولا يمنعها، أصبحت مصدر فساد وفتنة لعشرات الشباب المراهقين، أو غلام أمرد يُفعل به عمل قوم لوط حاله حال المرأة السابقة الذكر، هل لبعض المجاهدين ـ عليهم أمير مطاع ـ القيام بقتل هذه المرأة أو هذا الغلام ؟
وإذا كان الغلام لم يبلغ الحلم فهل حكمه نفس حكم من بلغ الحلم ..؟
وهل يجوز قتل الزناة واللوطية الفاعلين إذا كانوا محصنين ؟
وإذا جاز الأمر فهل القصاص منهم يكون بإطلاق النار عليهم بأسلحة معاصرة حيث لا يستطيع المجاهدون تطبيق الحدود الشرعية بصيغة الرجم أو غيره .. علماً أن هذا العمل يدخل ضمن التغيير باليد، وهذا الغيير مستطاع، ويأتي بعد البيان باللسان ؟؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . بالنسبة للمرأة الزانية التي تعلن الشر، لا يجوز رجمها وقتلها إلا بشرطين: أن تكون محصنة، وأن تقام عليها البينة القاطعة؛ والبينة تكون إما بإقرار أو شهود أربع كما هو مبين.
قال ابن تيمية رحمه الله: فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يُقيم الحدود بعلمه، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي، ولا بالدلائل والشواهد، حتى يثبت الموجب للحد ببينة أو إقرار، ألا ترى كيف أخبر عن المرأة الملاعنة أنها إن جاءت بالولد على نعت كذا وكذا فهو للذي رُميت به، وجاءت على النعت المكروه، فقال:" لولا الأيمان لكان لي ولها شأن ". وكان بالمدينة امرأة تعلن الشر، فقال:" لو كنت راجماً أحداً من غير بينة لرجمتها " ..أ- هـ.
أما بالنسبة للغلام الذي يُلاط به لا يجوز قتله؛ لأنه غير مكلف لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد وغيره:" رُفع القلم عن ثلاثة: منهم وعن الصبي حتى يحتلم ".
أما إن كان قد بلغ الحلم، فإن الفاعل والمفعول به يُقتلان رجماً بالحجارة .. وهذا الذي عليه أقوال أكثر السلف، والله تعالى أعلم.
فإذا تبين ذلك لزم التنبيه إلى أمور ثلاث:
أولاً: أن الحدود مناط تنفيذها بإمام أو سلطانٍ أو من ينوب عنهم من أهل الشوكة والمنعة من الأمراء القادرين على تنفيذ الحدود .. وعلى تحمل تبعاتها ومضاعفاتها، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا . ولا أرى إخواننا الموحدين في الكردستان في درجة من التمكين تمكنهم من تنفيذ الحدود من تلقاء أنفسهم .. لذا لا أرى لهم استعجال هذه الأمور قبل أوانها خشية أن تنقلب عليهم وعلى دعوتهم بنتائج لا تحمد عقباها !!
وكون إقامة الحدود تدخل تحت عنوان تغيير المنكر باليد .. لا يعني ولا يستلزم أن يكون كل فرد من أفراد الأمة مخول في أن يستخدم مطلق ما يدخل في معنى تغيير المنكر باليد كقتل القاتل، وغير ذلك من الحدود ..!
ثانياً: أن الحدود تقام على ملأ من الناس .. لتكون أكثر ردعاً وزجراً لهم عن الوقوع في لوازمها، كما قال تعالى:] وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين [ وهذا لا يتأتى إلا لأهل الشوكة والمنعة والسلطان .
ثالثاً: الذي عليه جمهور أهل العلم ـ وهذا الذي أستريح له وأرجحه ـ أن الحدود لا تقام في دار الكفر والحرب، خشية أن يلتجئ الذي عليه الحد إلى الكافرين هروباً من الحد والقصاص .. فيقع بسبب ذلك في الكفر والردة، وبخاصة إن كان هذا الدار الغلبة فيه للمشركين والمرتدين ـ كما هو الحال في أكثر ديار المسلمين في هذا الزمان وللأسف ـ ويملكون القدرة على إيواء العصاة والدفاع عنهم من أي طلب يقصدهم من طرف المسلمين .. وعندهم من الإغراءات المتنوعة الكثيرة التي تغري ضعاف النفوس بهم!
فأرجو من إخواني أن يعوا ذلك، وأن لا يكونوا سبباً في فتنة الناس عن دينهم .. وفي صدهم وتنفيرهم عن التوحيد الخالص .. وجزاهم الله خيراً.
* * *
س4: في بلادنا ـ بلاد الكفر والردة ـ أغلب أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بيد المرتدين، ولا نشك في حرمة اقتنائها .. أما أجهزة إعلام التيارات الإسلامية فإن أكثرها لا تخلو من المحرمات؛ مثل سماع آلات اللهو وعرض الفتيات السافرات، ولكن هنالك القليل من هذه الأجهزة الإعلامية خالية من الموسيقى وصور الفتيات، ولكنها لا تخلو أيضاً من صور الرجال وهي حرام على النساء مشاهدتها ـ أي صور الرجال ـ فهل تصليح هذه الأجهزة في الورشات جائز ؟ وما حكم بيعها وشرائها، ووجودها داخل البيت .. بضوابط أو بدون ضوابط .. وهل صحيح أنها أجهزة ذات حدين تُستعمل للخير والشر .. أفتونا جزاكم الله خيراً ؟؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . القول بحرمة استخدام الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية على الاطلاق .. لا يخفاكم مزالقه ونتائجه، ولعل من لوازمه أن يجعل المسلمين يعيشون في غير زمانهم، وغير واقعهم .. ويفوت عليهم كثير من المصالح لا يستحسن شرعاً تفويتها .. وهي ترجح بكثير على بعض السيئات التي تم الهروب منها!
أذكر مرة أحد الإخوان الطيبين قد سأل عن قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما أرسل رسالة مع امرأة يخبر فيها كفار قريش عن توجه النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة .. و عندما قال الصحابة للمرأة ـ لما أنكرت أن معها رسالة من أحد ـ: لتخرجنَّ الكتاب أو لنجردنّ الثياب ..!
فقال الأخ: كيف يكشفون عن امرأة وفي ذلك من الفساد والفتنة ما هو معروف ..؟!!
فقلت للأخ: أن يكشفوا عن امرأة .. خير من أن ينكشف ظهر المسلمين وظهر جيش رسول الله للأعداء .. فيحصل لهم من الأذى والضرر ما يرجح بكثير على مفسدة تجريد امرأة من ثيابها .. وهذا فقه لا بد من أن ننتبه إليه، ونستفيد منه !
ومثال ذلك في واقعنا: أن تجد مجلة أو جريدة فيها صور لبعض النساء المتكشفات .. وفيها كذلك من الأخبار والمعلومات ما تعنيك وتخصك، وتخص أمن إخوانك وجماعتك .. فإما أن تتجاهل الجريدة مطلقاً ـ بحجة وجود الصور فيها ـ فيقع حينئذٍ المحظور، والشر الأكبر، وإما أن تطلع على ما يعنيك منها فتسلم أنت وإخوانك وتأخذوا حذركم .. وإن حصلت بسبب ذلك بعض المفاسد؛ لكنها تجاه المفسدة الأولى فهي لا شيء.
ويحضرني في ذلك قصة " الجد بن قيس " الذي تخلف عن الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم خشية أن يقع في فتنة نساء بني الأصفر .. فأنزل الله تعالى فيه:] ألا في الفتنة سقطوا [ ..وقصته معروفة مشهورة!
ما تقدم لا يعني مطلقاً أننا نقر أو نؤيد القول بضرورة الانفتاح على هذه الوسائل على إطلاقها واستخدامها بغير وعي ولا ترشيد، ولا توجيه، ولا مراقبة .. فهذا ضرب من الانتحـار
والجنون، وقتل لأخلاق الشعوب .. وهذا مما لا يقره نقل ولا عقل .. ولا يقول به إلا كل عديم مروءة وخلق ودين.
بل أقول: أن وسائل الإعلام المذكورة أعلاه هي وسائل المجرمين لغزو منازلنا، وأجيالنا، ونسائنا .. وأفكارنا وعقائدنا !!
فسهامهم المسمومة كلها توجه إلينا عن طريق هذه الوسائل .. ومن الغباء وقلة الدين أن نفتح النوافذ على مصارعها لنستقبل سهامهم المسمومة في ديارنا ومنازلنا .. !!
هم حريصون جداً أن لا يمسك المسلمون قناة من قنواتهم لساعة واحدة فقط لما يعلمون ما يمكن أن تفعله هذه الساعة من أثر .. فكيف نسمح لهم أن يبثوا سمومهم إلينا على مدار الساعة ؟!
فإن قيل: نحن لا نقدر على أن نمنعهم من البث ..؟!
أقول: ولكن تقدر بأن توقف بثهم إليك .. بضغطة واحدة على مفتاح التشغيل !
وكم يؤسفني بعض الإخوان تدخل لمنازلهم فتجد هذا التلفاز ـ نافذة المجرمين لمنازلنا ـ مفتوحاً على مدار الوقت والساعة .. وأطفالهم يتلقفون كل ما يُبث إليهم من شر وسموم .. ثم يأتي أحدهم بعد ذلك يسأل المشايخ: كيف لي أن أجعل ولدي مثل صلاح الدين الأيوبي ..؟!!
لذا فإن هذه الوسائل ـ إن لم نقل بحرمتها على الإطلاق للاعتبار المتقدم ـ إلا أننا نقول بضرورة مراقبتها، وتوجيهها، وترشيدها بقدر الإمكان إلى ما ينفع .. فإن عجز الأب أو القيم على البيت عن تحقيق ذلك، وغلبه أهل البيت على خلاف ما يريد .. فحينئذٍ لا أرى له جواز اقتنائها ولا إدخالها إلى منزله .. والله تعالى أعلم.
أما تصليح هذه الأجهزة فمرد ذلك إلى نية المصلِّح .. فإن كانت نيته أن يعين أهل الباطل على باطلهم فيما يقوم به من تصليح لتلك الآلات فهو آثم، وشريك لهم في الوزر .. وإن كانت نيته غير ذلك .. فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم.
* * *
س5: موحد ضرب رجلاً عامياً لأنه ساب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم ألقت الشرطة القبض عليه، وبعد انقضاء المدة القانونية للموحد في السجن والإفراج عنه، اضطر إلى عقد صلح عشائري مع المرتد وأهله، وذلك بدفع مبلغ مالي للمرتد لإنهاء المشكلة، فهل هذا الصلح العشائري بين الموحد والمرتد، جائز، أم تبقى العداوة بينهما من غير خوف من السلطة، أو من المرتد وأهله ..؟!
الجواب: الحمد لله رب العالمين .هذا الصلح العشائري بصفته المذكورة في السؤال لا يجوز، وهو من الحكم بغير ما أنزل الله .. كما لا يجوز للأخ أن يدفع لذلك المرتد الذي شتم الله ورسوله أي مالٍ يسترضيه فيه .. والعداوة قائمة بينهما، بل بين ذاك الشاتم الخبيث وبين كل موحد يحب الله ورسوله .. ويجب أن تدوم هذه العداوة؛ لأن الطاعن بالدين إمام من أئمة الكفر، لا يستقيم للمرء دين إلا بالبراء منه، وبعداوته، وبغضه في الله عز وجل .
لكن بقي لي أن أسأل: إذا كان الأخوة الموحدون في الكردستان ـ جماعة التوحيد ـ لا يستطيعون أن يدفعوا عن هذا الأخ شر ذلك المرتد الخبيث الذي شتم الرسول صلى الله عليه وسلم .. مما يجعل الأخ أن يلتجئ إلى الصلح العشائري الكفري، وأن يُحاكم في محاكم الكفر، ويدخل السجن بسبب ذلك .. فإذا كانوا لا يستطيعون منع ذلك عنه، كيف يريدون أن يقيموا الحدود الشرعية ويطبقوها على الناس .. وكيف يُقال أنهم قادرون على ذلك .. كما ورد في الأسئلة المتقدمة ؟!!
لذا أرجو من الأخوة معرفة مرادي وقصدي عندما أطالبهم بالتروي، وأن لا يكلفوا أنفسهم فوق ما يُطيقون، وأن لا يتسرعوا الأشياء قبل أوانها المناسب .. عندما يسألونني عن إقامة بعض الحدود الشرعية على مستحقيها من الناس ..!!
أرجو من إخواني أن تنصب اهتماماتهم ونشاطاتهم فيما يقدرون عليه ويُطيقونه .. وأن لا يهدروا الطاقات، ويضيعوا الأوقات فيما لا قدرة لهم به .. وبخاصة أنهم لا يزالون في مرحلة البناء والتكوين .. والبناء لا يزال طرياً لم يقو عوده بعد !
* * *
س6: نعلم أن بيع الأسلحة للكفار غير جائز، ولكن في أسواقنا يوجد أناس مرتدون وآخرون مجهولي الحال أو مستوري الحال، وفيهم مسلمون ظاهراً .. فهل يجب التبين من دين المشتري إذا أردنا أن نبيع السلاح في السوق .. وهل يُقاس زماننا على وقت الفتنة أم لا ؟!
الجواب: الحمد لله رب العالمين . أصل الناس في تلك المجتمعات أنهم مسلمون ما لم يظهروا لنا العكس .. فمن أظهر لنا الإسلام لا يجوز أن نُظهر له التكفير إلا بكفر صريح جلي .. والتحري عن بواطن الناس واعتقاداتهم عند التعامل معهم بيعاً وشراء ليس من فعل السلف الصالح، ولا يوجد الدليل الشرعي الذي يبيح ذلك، بل الأدلة جاءت بخلاف ذلك ..!
أما سؤالكم هل يُقاس زماننا على وقت الفتنة أم لا ..؟
أقول: إن كان المراد بزمن الفتنة الزمن الذي اقتتل فيه المسلمون .. والزمن الذي يستحسن فيه على المسلم أن يعتزل السلاح، وأن يتخذ سيفاً من خشب ليكون المقتول لا القاتل .. إن كان المراد من السؤال هذا الزمان وهذا الوصف، فالجواب: لا .. والله تعالى أعلم.
* * *
س7: هل يجب أن نتبين من دين الجزارين عند شراء اللحوم في هذه الأسواق المختلطة .. وما حكم الدجاج المذبوح بالآلة الكهربائية الحادة إذا لم نعرف من ذبحها .. أو لم نعرف هل قطع عنقها من المكان المحدد شرعاً أم لا ..؟!
الجواب: الحمد لله رب العالمين . قد تقدم في الجواب على السؤال المتقدم أنه ليس من السنة أن نتحرى عن دين وعقيدة الناس عندما نضطر للتعامل معهم، فنحن قوم نهينا عن التكلّف .. وعليه لا أرى جواز سؤال الجزارين عن دينهم وعقيدتهم قبل الشراء منهم !
وإذا أتاك لحم تجهل ذابحه، وكيف ذبح .. فسم الله تعالى عليه، ثم كل، كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه النسائي في سننه عن عائشة: أن ناساً من الأعراب كانوا يأتوننا بلحم ولا ندري أذكروا اسم الله عليه أو لا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اذكروا اسم الله عز وجل عليه وكلوا ". ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بضرورة التحري عن دين وعقيدة الذابح .. والله تعالى أعلم.
* * *
س8: كيف نرد على من يقول أن هؤلاء العلمانيين كفار أصليين غير مرتدين، تبريراً لعقد الصلح معهم، وبالتالي دخول برلماناتهم الشركية على هذه المقولة الخبيثة .. وما هي طرق تمييز المرتد من الكافر الأصلي في بلاد الردة الحالية ؟!
الجواب: الحمد لله رب العالمين . الكافر الأصلي هو الكافر الذي لم يسبق له أن دخل في الإسلام، ولم يكن ابناً لأبوين مسلمين .
أما المرتد هو من سبق له أن كان مسلماً، أو كان ابناً لأبوين مسلمين ثم طرأ عليه الكفر أو الردة .. ولكل منهما له أحكامه الخاصة به والمبينة في الشرع.
والذي يخلط بينهما ويعتبرهما شيء واحد فهو مخطئ .. ليس له في ذلك سلف معتبر من علماء الأمة!
* * *
س9: معلوم أن سبَّ الله والرسول صلى الله عليه وسلم كفر لا يُستتاب صاحبه، ولكن موحد تذكر أنه في أيام جاهليته وكفره ساب الله تعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم .. فهل عليه شيء .. وهل يجوز له عرض حاله على الجماعة المجاهدة أو الحاكم المسلم ـ في حال وجوده ـ ليقتص منه أم يكتم أمره، ويكله إلى الله تعالى ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . يوجد فرق بين شاتم الله تعالى، وبين شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث استتابة الشاتم، فشاتم الله تعالى على الراجح أنه يُستتاب، بخلاف شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا يُستتاب لأنه حق مخلوق لا يسقط إلا بالقصاص أو العفو .. والعفو مستحيل لأن صاحب الحق الذي يملك صلاحية العفو هنا هو النبي صلى الله عليه وسلم وحده، والنبي صلى الله عليه وسلم قد مات .. لذا لم يبق إلا القصاص، وقصاص شاتم الأنبياء القتل إجماعاً.
فإن تاب وحسنت توبته نفعته توبته يوم القيامة .. أما في الدنيا لا بد من القصاص، وقصاص الشاتم القتل كما تقدم.
أما صاحبكم أرى أن يستر نفسه، وأن يبكي على ذنبه، ويجتهد في الطاعات، ويسأل الله تعالى الشهادة في سبيله .. عسى الله تعالى أن يعفو عنه، والله تعالى أعلم.
* * *
س10: نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم منهم من تزوج في جاهليته هو وزجته كانا على الكفر والشرك، ولم نسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بتجديد أنكحة المسلمين عندما جاء بالإسلام .. ولكن هناك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه:" لا نكاح إلا بولي " .. فهل تجديد الأنكحة واجب علينا في هذه الأيام التي كثرت الردة في بلادنا .. وهناك شباب موحدون تزوجوا في جاهليتهم أو كان ولي أمر زوجته مرتداً، أو الشهود مرتدين .. فما هو الحل ؟!
الجواب: الحمد لله رب العالمين . إذا كان المراد من قولكم أنهم تزوجوا في جاهليتهم؛ أي تزوجوا من مسلمات وهم على الكفر والردة ..!!
أقول: إن كان هذا هو المراد فمثل هذا الزواج لا يصح وهو باطل؛ لأنه لا يصح تزويج المرتد من مسلمة .. ولو حصل يجب التفريق بينهما .. ولا يجوز له الرجوع إليها من جديد إلا بعد أن يسلم ويتوب من ردته وبعقد جديد ومهر جديد .
وكذلك زواج المرأة من غير ولي، أو بولي مرتد .. فالزواج باطل، ولا بد له من أن يُفسخ، ويتم بعقد جديد صحيح كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أيما امرأة نُكحت بغير إذن مواليها، فنكاحها باطل " ثلاث مرات، فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي لها ". ولقوله صلى الله عليه وسلم:" لا نكاح إلا بولي ".
أما إن كان الزوج لم يكن يعلم أن الولي شرط لصحة النكاح، أو لا يرى شرطية الولي في النكاح مقلداً بذلك الأحناف .. فإن وطأه وطء شبهة، ووطء الشبهة صحيح لاعتقاده حله .. والله تعالى أعلم.
وكون المشركين كانوا يدخلون الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم يقرهم على زواجهم وأنكحتهم القديمة .. فهذه مسألة تختلف عن مسألتنا هنا والتي هي: زواج الكافر ـ سواء كان كفره أصلياً أم كفر ردة
ـ من مسلمة .. وهذا زواج مقطوع بحرمته وبطلانه بالنص والإجماع، وبالتالي لا يصح قياسها على مسألة أنكحة المشركين وعقودهم قبل إسلامهم، والله تعالى أعلم.
ملاحظة: بالنسبة لسؤالكم عن أخينا أبي محمد المقدسي .. فقد فك الله أسره ـ ولله الحمد ـ منذ أشهر، وهذا هو عنوان موقعه على الإنترنت: www.almaqdese.com
21/11/1421 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
14/2/2001 م. أبو بصير