GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد كثر في هذه الأيام إثر الحملة الأمريكية على ما يُسمونه بالإرهاب .. استخدام الناس لكلمة الإرهاب .. وتنديدهم بالإرهاب والإرهابيين .. ورمي كل فريق لكل فريق لا يروق له بالإرهاب وممارسة الإرهاب .. رجاء تغرير المجتمع الدولي للانتقام منه ..!
فراجت هذه الكلمة بين الخاصة ـ وفي جميع وسائل إعلامهم المختلفة ـ قبل العامة من الناس .. وكثير منهم يطلِقها ولا يعرف معناها .. فيضعها في غير موضعها .. ويحملها من الأوصاف والمعاني مالا تحتمل .. حتى أصبحت هذه الكلمة ـ في عرف كثير من الناس ـ علماً على كل مسبةٍ أو وصف مشين .. وذريعةً لشن الحروب وانتهاك الحرمات .. وتحجيم الحريات .. وممارسة الإرهاب على أوسع نطاق!!

والأخطر من ذلك كله أن يُعلن الحرب على الإرهاب .. ويُعلن الاتفاق على محاربة الإرهاب قبل أن يُحدد هذا الإرهاب الذي يُريدون محاربته .. مما يجعل تحديد ساحة الحرب ضد الإرهاب خاضع لأهواء ورغبات ومصالح الساسة المتنفذين .. فيوسعونها متى شاءوا وحيث ينبغي التضييق  .. ويُضيقونها متى شاءوا وحيث ينبغي التوسيع .. فيدخلون من شاءوا في ساحة الإرهاب .. وإن لم يكن على الحقيقة إرهابياً .. ويُخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب وإن كان على الحقيقة إرهابياً مجرماً ملطخاً بدماء الأبرياء من الأطفال والنساء ..!
ثم إن الاتفاق على محاربة الإرهاب قبل الاتفاق على تحديد معنى وصفة الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب .. يكون ذريعة لكل فريق أو طرف أن يُعلن الحرب ـ متى شاء! ـ على الفريق أو الطرف الآخر باسم محاربة الإرهاب .. وحق الدفاع عن النفس ضد الإرهاب الذي تم التوقيع والاتفاق على محاربته في أروقة الأمم المتحدة .. ومجالس أمنها !!
وعتبي على بني قومي أنهم جُرُّوا إلى حلف الحرب على الإرهاب .. والتوقيع على محاربة الإرهاب .. قبل أن يتفقوا مع الآخرين على معنى وصفة الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب .. مما يجعلهم يوماً من الأيام هدفاً لسهام وقنابل القوم .. تحت اسم محاربة الإرهاب الذي وقعوا ـ بأنفسهم! ـ على وجوب محاربته .. ولا أرى ذلك اليوم ببعيد!! 
من هنا جاءت الضرورة الملحة للبحث في معنى وصفة الإرهاب: فما هو الإرهاب .. وما هي أسبابه ودوافعه .. ومن هم الإرهابيون .. وكيف يُمارس الإرهاب في واقعنا المعاصر .. وهل هو صفة عامة لاصقة بجميع الدول والحكومات .. أم أنه صفة خاصة لاصقة ببعض الجماعات والأفراد .. وهل للإرهاب وجه حسن ومشروع .. أم أنه كله مستقبح ومردود .. وهل يجوز للمرء أن يصف نفسه بأنه إرهابي أو غير إرهابي .. وهل هذه الكلمة تعني الذم مطلقاً ..؟!
 هذه المسائل وغيرها من المسائل الهامة ذات العلاقة بالموضوع سنجتهد ـ إن شاء الله ـ أن نجيب عليها في هذا المبحث الوجيز بشيء من التفصيل .. والله المستعان.
ـ معنى كلمة الإرهاب ومشتقاتها:
قال ابن منظور في كتابه " لسان العرب ": رَهِبَ، بالكسر، يَرْهَبُ رَهْبَةً ورُهْباً بالضم، ورَهَباً بالتحريك؛ أي خاف. ورَهِبَ الشيء رَهْباً ورَهْبَةً: خافه.
          وفي حديث الدعاء:" رغبة ورَهْبَةً إليك "، الرهبة: الخوف والفزع.
          وترَهَّبَ غيره: إذا توعَّده. وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه: أخافَه وفزَّعه ا- هـ.
          وفي " النهاية " لابن الأثير: الرَّهبَة: الخوف والفزع. وفي حديث بَهْز بن حكيم:" إني لأسمع الرَّاهبةَ " هي الحالة التي تُرهب: أي تُفْزِع وتُخوِّف. وفي روايةٍ:" أسمعك راهِباً " أي خائفاً.
          والرهبانيَّة: منسوبة إلى الرَّهْبَنَة، وفيه " لا رهبانيَّة في الإسلام " هي من رهبَنَة النصارى، وأصلها من الرَّهْبَة: الخوف؛ كانوا يترهَّبون بالتخلي من أشغال الدنيا، وترك ملاذِّها والزهد فيها، والعُزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها، حتى إنّ منهم من كان يخصي نفسَه، ويضع السلسلة في عنقه، وغير ذلك من أنواع التعذيب، فنفاها النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، ونهى المسلمين عنها ا- هـ.
          وإليك الآن معنى كلمة الإرهاب كما وردت في القرآن الكريم، قال تعالى:) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ( لأنفال:60.
          قال ابن كثير في التفسير: قوله ) ترهبون ( أي تخوِّفون ) به عدو الله وعدوكم ( أي من الكافرين ا- هـ.
          وقال تعالى في سحرة موسى:) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (الأعراف:116.
          قال ابن الجوزي في زاد المسير:) واسترهبوهم ( أي: خوَّفوهم. وقال الزجاج: استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس ا- هـ. أي خافهم الناس. 
          وقال تعالى:) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ( الحشر:13.
          قال ابن كثير في التفسير:) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ( أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله ا- هـ.
          نستخلص مما تقدم أن الإرهاب يعني: الخوف .. والفزع، والإرهابي: هو الذي يُحدث الخوف والفزع عند الآخرين.
          وعليه فكل من أحدث الخوف والفزع عند الآخرين ممن يريد إخافتهم فهو إرهابي، وقد مارس بحقهم الإرهاب، وهو يكون بذلك متلبساً بالإرهاب، ومتصفاً به .. سواء تسمى إرهابياً أم لم يتسمى .. وسواء اعترف بذلك أم لم يعترف. 
          هذا المعنى المتقدم للإرهاب لا يختلف عما تقرره اللغات الأخرى لمعنى هذه الكلمة، فقد جاء في " المورد " عن معنى الإرهاب: terror رعب، ذُعر، هول، كل ما يوقع الرعب في النفوس. و terrorism إرهاب، ذعر ناشئ عن الإرهاب. و terrorist الإرهابي. و terrorize يُرهب، يُروِّع، يُكرهه على أمرٍ بالإرهاب. و terror-stricken مُروَّع، مذعور.
          وفي قاموس أكسفورد " Oxford Dictionary ": جاء في معنى terrorist: noun person using esp organized violence to secure political ends. أي الإرهابي هو بخاصة الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسة.
وهذه زيادة في توصيف الإرهابي .. سنستفيد منها عند الحديث عن واقع الإرهاب .. وكيف يُمارس من قبل قوى الظلم والاستكبار في واقعنا المعاصر!
          فإن قيل: عرفنا معنى الإرهاب وصفته .. فما هو الوجه المستحسن المشروع منه .. وما هو الوجه المستقبح المذموم منه؟
          الجواب: من خلال ما تقدم من تعريف للإرهاب ندرك أن الإرهاب منه ما يكون محموداً ومستحسناً ومشروعاً، ومنه ما يكون مستقبحاً وغير مشروع.
الإرهاب المستحسن المشروع: أما الإرهاب المستحسن المشروع هو الإرهاب الذي
يُحدث الخوف والفزع عند أهل الباطل والإجرام الذي يردعهم ويمنعهم عن إجرامهم واعتدائهم .. فيرهبهم قبل أن تتجاسر نفوسهم على الاعتداء .. ويمنعهم من التمادي في الاعتداء إن وقع منهم الاعتداء، كما في قوله تعالى:) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ (. أي تخوفون بهذه القوة أعداء الله وأعداءكم من الكافرين المجرمين .. فيخافونكم فلا يتجاسرون على الاعتداء عليكم.
          والإرهاب في هذا الموضع له فوائد عدة إضافة إلى كونه يمنع العدو ويخوفه من الاعتداء، منها: أنه يوفر على الأمة وعلى الطائفة المؤمنة المنصورة حروباً كثيرة .. إذ يكبح جماح العدو ويحقق عنده الهزيمة .. والنصر عليه .. من دون أن تُشن معه الحروب .. وتُزهق الأنفس، كما في قوله تعالى:) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (الأحزاب:26. فهم هُزموا بالرعب .. ووقعوا بالأسر .. وتحت حد القتل والسيف .. بما أصابهم الله تعالى من خوف ورعب .. إذ الخائف المرعوب لا يصلح للقتال في ميادين المنابذة والقتال ..!
وقال تعالى:) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (الحشر:2. فهم يخربون بيوتهم بأيديهم .. بما تحقق عندهم من الهزيمة النفسية والمادية بسبب ما قُذف في قلوبهم من الخوف والرعب .. ) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وغيره أنه قال:" نُصرت بالرعب شهراً، يُرعب مني العدو مسيرة شهر ". أي نصرت بخوف العدو مني قبل أن أواجهه بمسيرة شهر .. حيث كان العدو يُصاب بالرعب والخوف لمجرد علمه أن جيش النبي صلى الله عليه وسلم متوجه إليه .. وبمسيرة شهر كامل .. فهذا إرهاب للعدو .. لكنه إرهاب محمود ومشكور ومطلوب .. إذ لولاه لتجرأ الأعداء على الاعتداء فانتهكوا حرمات العباد والبلاد ..!  
ونحو ذلك القصاص الشرعي؛ فإن فيه إرهاب لذوي النفوس الخبيثة والضعيفة فيزجرها ويردعها عن الإقدام على ارتكاب الجريمة .. وإنزال الأضرار بالآخرين .. فيتحقق بذلك الحياة الآمنة لجميع الناس .. كما قال تعالى:) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة:179.
فإن قيل كيف يكون في القصاص حياة والقاتل ـ بغير حق ـ يُقتل ويفقد حياتـه، 
والسارق تُقطع يده وغير ذلك ..؟!
أقول: عندما يُقام الحد على قاتل النفس بغير حق فيُقتل .. فإن في ذلك إرهاب وتخويف لكل من تحدثه نفسه بارتكاب جريمة القتل .. فينردع وينكمش على نفسه خوفاً من القصاص وإرهاباً منه .. فيُكتب بذلك الحياة لعشرات الأنفس التي كان من الممكن أن تُقتل لولا وجود إرهاب القصاص .. فبذلك يكون القصاص فيه حياة للناس، والله تعالى أعلم.
وكذلك قصاص قطع يد السارق .. فإنه يُرهب كل من تحدثه نفسه بالسرقة والاعتداء على أموال الآخرين .. فيمتنع .. فيكتب بذلك الحفاظ على أموال وحرمات الآخرين ..!
وكذلك حد الحرابة، وقاطع الطريق وغيرها من الحدود .. فإن فيها حياة حقيقية لمن تأملها .. لما تتضمنه من إرهاب رادع لذوي النفوس المريضة والضعيفة .. الذين تسول لهم أنفسهم الأمارة بالسوء بالاعتداء على حرمات الآخرين بغير وجه حق!
هذا هو الوجه الحسن والمشروع للإرهاب .. وهو إرهاب تمارسه جميع الدول والشعوب .. على مر العصور والأزمان وإلى يومنا هذا .. وإلى أن تقوم الساعة!
فما من دولة إلا ولها جيشها وعتادها التي ترهب به أعداءها .. فتخوفه به من التجرؤ على الاعتداء على حدودها، وحرماتها، ومصالحها ..!
هذا التسابق للدول على التسلح .. وعلى اقتناء وشراء الأسلحة المتطورة المتقدمة أولاً بأول .. لإرهاب بعضها البعض .. وإرهاب كل دولة أعداءها من الدول الأخرى .. هو عين الإرهاب .. بمفهومه المتقدم!
اختراع الأسلحة الذرية والنووية الفتاكة .. والتسابق على اقتنائها .. هو عين الإرهاب .. بل ويدخل فيه كل معاني الإرهاب؛ المذموم منها والممدوح .. وما أكثر الدول ـ التي تتزعم في هذه الأيام محاربة الإرهاب ـ الواقعة في هذا النوع من الإرهاب!
هذا الاستعراض العسكري السنوي لكل دولة .. فتظهر قوتها وعتادها العسكري على مرأى ومسامع الناس .. هو إرهاب .. وهو من قبيل إرهاب وإخافة أعداء تلك الدولة الداخليين المعارضين ـ إن وجدوا ـ والخارجيين سواء ..!
قانون العقوبات التي تسنه الدول لمجتمعاتها ـ بغض النظر عن فاعليته وصوابه ـ هو من قبيل الإرهاب .. وإخافة الناس .. ومنعهم من الاعتداء ..!
الشاهد مما تقدم أن هذا النوع من الإرهاب .. تمارسه جميع الدول والمجتمعات .. المتقدمة والمتخلفة منها سواء .. وهو إرهاب ممدوح ومشروع للجميع لا يمكن أن يُدرج تحت طائلة الإرهاب المذموم .. كما لا يُمكن أن يُقال أن هذا النوع من الإرهاب مسموح لجهة معينة دون
أخرى .. أو دولة معينة دون أخرى!
ومن الإرهاب المستحسن المشروع كذلك جهاد وقتال العدو المحتل لبلاد الآخرين .. وإرهابه بالقتال وغير ذلك إلى أن يخرج مذموماً مدحوراً .. وهذا لا خلاف على وجوبه وشرعيته .. حتى في قوانين الأمم المتحدة .. ومجالس أمنها .. التي تنص على أن لكل دولة أو شعب أو فرد معتدى عليه .. له كامل الحق في الدفاع عن نفسه .. وطرد المعتدي الغازي لبلاده ..!
مع التنبيه إلى أن هذه القوانين التي تدين المعتدي الغازي سرعان ما تنقلب وتنعكس ـ على مذهب الأمم المتحدة التي يهيمن عليها النفوذ الأمريكي ـ لصالح الغازي المعتدي .. حيث يُصبح اعتداء الغازي المعتدي مشروعاً وحقاً من حقوقه .. ومقاومة الشعب المعتدى عليه ـ وبخاصة إن كان من المسلمين ـ لذلك العدوان هو باطل .. ويُصنف على أنه من الإرهاب المذموم الذي يجب أن يُحارب .. كما هو حاصل تماماً في فلسطين المحتلة من قبل الصهاينة اليهود .. وغيرها من بلاد المسلمين!
ومنها: أي من فوائد هذا النوع من الإرهاب كذلك إضافة لما تقدم .. تحقيق الأمن والأمان للبلاد والعباد .. فلا يخاف أحد على نفسه ولا على أهله أو ماله .. لخوف المجرمين ودخولهم في جحورهم، وانكماشهم عن فعل الإجرام لعلمهم المسبق بما يمكن أن ينزل بهم لو أقدموا على فعل شيء من ذلك ..!
هذه بعض أوجه الإرهاب المستحسن المشروع .. فما هو الإرهاب المذموم المستقبح .. وما هي صوره وأشكاله .. وكيف يُمارس في واقعنا المعاصر ..؟
ـ الإرهاب المستقبح المذموم والغير مشروع: هو وضع الإرهاب في غير موضعه، ولغرضٍ يُراد منه إحقاق الباطل، وإبطال الحق(1).
ـــــــــــــــــ
(1) قد يرد اعتراض يقول: من الذي يُحدد الإرهاب المستحسن المشروع من الإرهاب المستقبح الغير مشروع .. فما يمكن أن تراه موضعاً مناسباً للإرهاب قد يراه غيرك موضعاً غير مناسب .. وما تراه أنت حقاً قد يراه غيرك باطلاً .. فكيف يمكن الاتفاق على مثل هذه التقسيمات والتحديدات .. ولمن الحكم فيها؟!
    الجواب: نقول بكل وضوح وبساطة أن الحكم في هذه المسائل وغيرها من المسائل .. وكل ما يمكن أن يحصل فيه نزاع بين الناس هو لله تعالى وحده .. وليس للأمم المتحدة، ولا لغيرها من الهيئات والتجمعات .. وذلك لأسباب عدة منها: أن الله تعالى أمر عباده بأن يحتكموا إليه I وإلى ما شرعه من شرائع وأحكام على لسان أنبيائه ورسله صلوات الله تعالى عليهم، ولا مناص لهم من التنكب عن ذلك ما داموا يؤمنون بالله ورسله؛ فالمسألة من هذا الوجه لها بعد عقدي وإيماني كما قال تعالى:) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (الأنعام:57.                                                                                          =
          فقصد قتل الأنفس بغير حق .. وقطع السبيل على الآمنين والمستأمنين، والاعتداء على حرماتهم .. هو إجرام ومن الإرهاب المذموم الغير مشروع ..!
          ومنه قصد إرهاب الأطفال والنساء والشيوخ .. وغيرهم ممن لا تجوز إخافتهم .. بأي نوع من أنواع الإرهاب أو الترويع .. فهو إرهاب مستقبح مذموم وغير مشروع ..!
          ومنه الإسراف في القتل والانتقام والثأر .. ليطال الأبرياء الآمنين .. ومن لا دخل لهم في الأمر .. فهذا إرهاب مذموم ومستقبح شرعاً وعقلاً .. كما قال تعالى:) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً (الإسراء:33.
          وقال تعالى:) وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (الأنعام:164. وهذه الآية الكريمة قد تكررت في عدة مواضع من القرآن الكريم؛ كما في سورة الإسراء، آية (15 ). وسورة فاطر، آية (18 ). وسورة الزمر، آية ( 7 ). وسورة النجم، آية ( 38 ). وما ذلك إلا للتوكيد على أهمية هذا المبدأ العظيم .. وهو أن المرء لا يؤخذ بجريرة وذنب غيره.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه، ولا بجريرة  ـــــــــــــــــــ
 = وقال تعالى:) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (يوسف:40.
    وقال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (النساء:59.
    ومنها: أن حكم الله تعالى هو العدل المطلق الذي لا يُحابي مخلوقاً .. بخلاف المخلوق فإنه ـ مهما اجتهد ـ لا بد له أن يقع في المحاباة وتحت طائلة الهوى، كما قال تعالى:) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (غافر:20. 
    ومنها: أن حكم الله تعالى هو الأقرب للعقول السليمة، والفطر السوية، والأنفس المجردة عن التعصب والحقد .. وبالتالي أن ترضى به.
    لذلك قلنا ونقول: أن هذه المسائل وغيرها من المسائل يجب أن تُرد لحكم الله تعالى وحده .. وليس لأحد سواه.
    فإن قيل: مشكلة الإرهاب عالمية .. وهذا المنطق المتقدم لا يمكن أن تخاطب به غير المسلمين ؟!
    أقول: إن كان حكم الله تعالى العليم الحكيم لا يمكن أن نجمع عليه الجميع .. فمن باب أولى أن لا يتحقق هذا الاجتماع على حكم مخلوق ضعيف جاهل .. ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة:216. 
    ثم إن أبى الآخرون إلا التخبط في أهوائهم وتقسيماتهم، وعدم المتابعة .. يكفي أن تكون هذه المشكلة ـ مشكلة الإرهاب ـ محسومة وواضحة المعالم .. عند أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.
أخيه ". فضلاً أن يؤخذ شعب بكامله بجريرة شخص معين .. كما هو حاصل في شريعة الأمم المتحدة .. التي تمثل شريعة الإنسان الأوربي القوي!
ومن الإرهاب المذموم كذلك إرهاب الناس إلى حدٍّ يمنعهم من ممارسة حقوقهم الأساسية .. أو المطالبة بها .. كما هو حال كثير من الأنظمة السياسية الحاكمة في هذا العصر! 
ومنه إكراه الناس وحملهم على المسير في اتجاه معين .. واختيار معين .. بواسطة الإرهاب والتخويف، والتجويع .. وترويع كل من يخالف أو يُعارض ..!
          ومنه اتباع سياسة " الغايات تبرر الوسائل " .. فمن أجل غايات وضيعة قد تكون مادية .. وذات طابع أناني وشخصي وضيق .. يعتدون على حرمات العباد والبلاد .. وشعوب بكاملها .. بصنوف من الترويع والتخويف والتجويع والإرهاب .. فهذا كذلك من الإرهاب المذموم المستقبح والغير مشروع ..!
          فهذا وجميع ما تقدم يدخل دخولاً كلياً في الإرهاب المذموم والمستقبح شرعاً وعقلاً .. وإليك الآن بعض صور هذا النوع من الإرهاب .. ومشاهده وأدلته .. كما نعايشه ونراه في واقعنا المعاصر .. عسى أن تقترب وتتضح إليك صورة هذا الإرهاب المذموم أكثر فأكثر:
          نبتدئ بالحصار الأمريكي ـ ومعها المجتمع الدولي المتحضر ـ الجائر الذي كان سبباً مباشراً ـ حسب إحصائيات الأمم المتحدة ذاتها ـ في قتل أكثر من مليون ونصف المليون طفل عراقي .. تحت طائلة الجوع والمرض ..!
          زعموا ـ وقد كذبوا! ـ أنهم يريدون من هذا الحصار والطوق الشائك الملفوف على أعناق شعب العراق المسلم .. تأديب ومعاقبة صدام وحزبه .. وهاهي تمر أكثر من عشر سنوات عجاف على شعب العراق .. وصدام وحزبه يزداد في كل يوم عافية وسمنة .. بينما شعب العراق وأطفال العراق .. يزدادون يوماً بعد يوم موتاً وهلاكاً ومرضاً وفقراً ..!
          قتل مليون ونصف المليون طفل .. أكثرهم أعمارهم دون السنة الخامسة .. تحضر ورقي ومشروع .. مادام القاتل هو الإنسان الأمريكي أو الأوربي الراقي والمتحضر ..!!
أين الجهة القوية والمسؤولة التي تقول لأمريكا ـ التي تشن في هذه الأيام حرباً على الإرهاب زعمت! ـ أنت بقتلك لهؤلاء الأطفال تمارسين قمة الإرهاب المذموم والمستقبح شرعاً وعقلاً ..؟!!
          كم من مرة تنقل لنا وسائل الإعلام عن قصف الطائرات الأمريكية والبريطانية للعراق ثم تكون ضحايا ذلك القصف ـ المركز والنظيف! ـ من الأطفال والنساء والشيوخ .. ومن دون أن يقدموا أدنى اعتذار لشعب وأطفال ونساء العراق ..؟!!
          وعن جرائم وإرهاب عصابات بني صهيون في فلسطين .. حدث ولا حرج .. فإن اليهود الصهاينة ومنذ احتلالهم لأرض فلسطين وإلى الساعة يمارسون أقبح الجرائم الإرهابية البشعة بحق الشيوخ والأطفال والنساء .. وغيرهم من المدنيين ..!
          فتاريخهم حافل بالجرائم وممارسة أقبح أنواع وصور الإرهاب .. وإليك هذا النذر القليل من جرائمهم الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني المسلم الأعزل:
          1- مجزرة بلدة الشيخ بتاريخ 31/12/1947 م، حيث كان ضحاياها أكثر من ( 600 ) شخصاً؛ أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ ..!
          2- مجزرة قرية سعسع الجليل .. وقد دمروا فيها أكثر من عشرين منزلاً .. غير الذي قتلوه من أهل القرية المدنيين .. وكان ذلك بتاريخ 14/2/1948م ..!
          3- مذبحة قرية أبو كبير .. وكان ضحاياها بالعشرات من المدنيين .. وكان ذلك بتاريخ 31/3/1948م. 
          4- مجزرة دار ياسين الشهيرة بتاريخ 10/4/1948 م، حيث يزيد ضحاياها عن ( 360 ) شخصاً .. أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ ..!
          5- مذبحة قرية أبو شوشة بتاريخ 14/5/1948 م، وضحاياها يزيدون عن الخمسين شخصاً ..!
          6- مجزرة اللد بتاريخ 11/7/1948 م، وضحاياها يزيدون عن ( 426 ) شخصاً من المدنيين .. أكثرهم من الأطفال والشيوخ والنساء ..!
          7- مذبحة قرية عيليون بتاريخ 30/10/1948 م … وكان ضحاياها بالعشرات!
          8- مجزرة البعنة، ودير الأسد بتاريخ 30/10/1948م … وكان ضحاياها بالعشرات!
          9- مجزرة قرية قبية بتاريخ 14/10/1953 .. وقد دمر فيها عشرات المنازل .. وكان ضحاياها أكثر من ( 67 ) شخصاً ..!
          10- مذبحة قرية قلقيلية بتاريخ 10/10/1956م … وكان ضحاياها بالعشرات !
          11- مجزرة قرية كفر قاسم بتاريخ 29/10/1956م .. وكان ضحاياها بالعشرات !
          12- مذبحة مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة بتاريخ بتاريخ 3/11/1956م، وكان ضحاياها يزيدون عن ( 250 ) شخصاً ..!
          13- مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا بتاريخ 18/9/1982 .. التي كان بطلها أرئيل شارون رئيس الوزراء الحالي لدولة الصهاينة اليهود .. وكان ضحايا هذه المجزرة يزيدون عـن
( 3500 ) شخصاً أكثرهم من الأطفال والنساء والشيوخ ..!
          هذا قليل من كثير .. فمجازر بني صهيون بحق المدنيين الفلسطينيين يصعب حصرها في هذه الأوراق .. فهم في كل يوم يُضيفون إلى سجلهم الإرهابي والإجرامي مجزرة ومذبحة جديدة بحق شعب وأطفال فلسطين .. وما أخبار الدرة .. والطفلة إيمان .. وسياسة الاغتيالات لشركائهم في السلام والاستسلام .. وغيرهم .. عن مسامع العالم ببعيد ..! 
          يمارسون قمة العنف والإرهاب المسلح والمنظم ليكرهوا الشعب الفلسطيني على خيار الهجرة .. وترك الأرض .. وافتراش مخيمات الذل والضياع ..!!
          هذا الإرهاب وغيره .. كله يُمارس على مرأى ومسمع من العالم .. من دون أن يقولوا فيه كلمة شجب أو استنكار .. أو أن يصفوه بمجرد كلمة إرهاب .. وذلك كله لأن أمريكا هي التي ترعاه وتدعمه وتموله وتؤيده ..!
          يكفي لكي تعلم مدى تحمل أمريكا لتبعات إجرام وإرهاب عصابات بني صهيون .. أن تعلم أن أمريكا في كل عام تقتطع من خزينة شعبها ما يزيد عن ثلاث مليارات دولار أمريكي تقدمها كمساعدات نقدية .. غير المساعدات العسكرية المتطورة التي تقدمها أمريكا لعصابات بني صهيون .. لكي تمارس بهذه الآلة العسكرية الضخمة والمتطورة سياستها الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل ..!
          هذا كله في عرف الأمم المتحدة .. والمجتمع الدولي .. ليس دعماً للإرهاب .. ولا إيواءً للإرهاب .. بينما الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تنشط في تأمين بعض حاجيات من شردهم الإرهاب في المخيمات وعلى حدود الدول الأخرى .. هو دعم للإرهاب .. يجب أن يُصادر .. وأن تُجفف ينابيعه .. ويوقف العمل به ..؟!!
          أما في أفغانستان وما يُمارس بحق الشعب المسلم الأفغاني من إرهاب دولي ومنظم فحدث عنه ولا حرج .. فالقائمة طويلة .. نجتزئ منها التالي: 
          ـ هذا الحصار المضروب منذ سنوات ـ وإلى الساعة ـ على أفغانستان وشعب أفغانستان .. التي كانت من ضحاياه تجويع شعب بكامله .. وبخاصة منهم الأطفال والنساء والشيوخ .. هو قمة الإرهاب المستقبح الذي يمارسه المجتمع الدولي ـ بقيادة أمريكا ـ باسم محاربة الإرهاب .. زعموا!
          ـ هذا العرض العسكري الضخم للقوات الأمريكية الذي تقدم قصف أفغانستان .. والذي أدى إلى إرعاب وإخافة الناس .. فهاجر من جراء ذلك أكثر من مليون شخص أفغاني أكثرهم من المستضعفين من النساء والأطفال .. فتركوا ديارهم ومنازلهم ليفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء .. على حدود دولة باكستان .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!!
          ـ هذا القصف الطائش للقوات الأمريكية والبريطانية على أفغانستان .. بأحدث وأطور وأخطر الأسلحة .. ليطال المئات من الأطفال والنساء والشيوخ .. وغيرهم من المدنيين .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!!
          متى كانت مطاردة شخص بعينه .. مبرراً لإبادة وتشريد، وتجويع شعب بكامله ..؟!
          إذا كان المرء لا يجوز أن يؤخذ بجريرة غيره .. فكيف يجوز أن يؤخذ شعب بكامله بجريرة شخص معين ..؟!!
          متى كان الخلاف مع شخص مبرراً لانتهاك حرمات بلاد بكاملها ..؟!
          لا غرابة في ذلك إذا عرفنا أن الشريعة السائدة في هذا الزمان هي العدالة الأمريكية .. وشريعة الأمم المتحدة على الإسلام والمسلمين ..؟!
          إنه من الغرابة حقاً التي تستدعي السخرية .. أن تسمي أمريكا حملتها العسكرية الإرهابية هذه على شعب ومسلمي أفغانستان بـ " عملية الحرية الراسخة " ..؟!
          أي حرية هذه التي تريدها أمريكا .. من إبادة وقتل شعب بكامله ..؟!
          أي حرية هذه التي تريدها أمريكا .. وهي تقسّم ـ بالقوة وإرهاب السلاح ـ العالم إلى فريقين لا ثالث لهما .. فريق معها .. وفريق عليها .. وهو الفريق الذي لا يُطاوعها على حربها ضد الإرهاب .. زعمت!
          فكل دولة أو شعب لا يطاوعها ولا يدخل في موالاتها في حربها الظالمة ضد شعب أفغانستان .. فهو شعب إرهابي .. ونظامه نظام إرهابي .. ستطاله الحرب والنيران الأمريكية في حملتها ضد الإرهاب ..!
          أي حرية هذه التي تريدها أمريكا .. وهي تكمم الأفواه .. وترهب الإعلام من نقدها ونقد إرهابها وطغيانها .. كما حصل مؤخراً في موقفها من قناة الجزيرة وغيرها من القنوات .. إلى أن وصل بها الموصل أن تلزم وكالات الأنباء بأن ينشروا كذا؛ وهو كل ما يصب في صالحها .. وأن لا ينشروا كذا؛ وهو كل ما يصب في صالح عدوها ..؟!!
          فأي إرهاب للشعوب يعلو هذا الإرهاب .. وأي كبت للحريات يفوق هذا الكبت ؟!!
          أي حرية هذه التي تنشدها أمريكا .. وهي تقتلع نظاماً سياسياً ـ بوسائل العنف والتدمير والتآمر ـ ارتضاه ـ باعتراف الجميع ـ أكثر من 95 % من مجموع الناس .. لتستبدله بنظام عميل لها .. لا يمثل إلا نفسه؟!
          ألم يأت في تعريف الإرهابي ـ كما تقدم في قاموسهم؛ قاموس أكسفورد ـ بأن الإرهابي هو :" بخاصة الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسية " .. وهذا الذي تفعله أمريكا وحلفاؤها الآن بحق شعب أفغانستان والنظام السياسي الذي يمثله ..!
          فأمريكا إضافة إلى نشاطها العسكري العنيف والمكثف لإسقاط دولة ونظام طالبان .. فهي ـ والمجتمع الدولي معها ـ تمد قوى المعارضة في الشمال التي تمثل الفئة الأقل في أفغانستان بجميع وسائل الدعم المادي والعسكري والسياسي والإعلامي .. من أجل الوصول إلى نهاية سياسية معينة ألا وهي إسقاط دولة طالبان الحرة التي تمثل الأكثرية .. واستبدالها بدولة تمثلها المعارضة المنبوذة الخائنة العميلة .. وتكون موالية لأمريكا والغرب .. وهذا هو الإرهاب .. والإرهابي كما اتفقوا هم أنفسهم على تسميته بذلك .. وفي قواميسهم ..!
          فإن قيل: كيف عرفت أن المعارضة الشمالية لا تمثل الأكثرية .. وهي منبوذة من قبل شعب أفغانستان ..؟
          أقول: الجواب على ذلك سهل .. يدركه كل منصف .. ولعل أبرز ما يجعلنا نجزم بذلك أن هذه الآلاف والملايين التي اضطرت للهجرة إلى دولة باكستان لم يتوجه أحد منهم إلى المناطق الشمالية التي تستولي عليها قوى المعارضة الخائنة العميلة .. مع علمهم المسبق أن هذه المناطق لن تقصفها القوات الأمريكية .. ولن يتعرض سكانها للقصف أو أي ضرر .. وأن المعونات الدولية تخصها بالعطايا مالا تخص غيرها من المناطق .. ومع ذلك فهم آثروا القِل .. والجوع .. والموت على حدود باكستان ولا أن يذهب أحد منهم إلى مناطق تلك المعارضة المشبوهة الخائنة في شمال أفغانستان ..!
          ـ ومن صور الإرهاب المستقبح كذلك .. هو ما رآه العالم من إرهاب فظيع بحق الشعب المسلم في الشيشان .. وفي البوسنة والهرسك .. وفي كشمير .. وفي كوسوفو .. وفي جزر الملوك الأندونوسية .. حيث المجازر والمقابر الجماعية لا تزال إلى الساعة شاهدة على إجرام وإرهاب القوم .. والتي حصلت ولا تزال إلى الساعة تحصل .. على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي المتحضر .. بل ومباركته ..!!
ولو أردنا أن نقف عند مجازر القوم بحق المدنيين والمستضعفين .. مجزرة مجزرة .. وذكر تفاصيل كل مجزرة لطال بنا المقام .. واحتاج ذلك منا إلى مجلدات ..! 
          وغرضنا هنا التمثيل لتقريب صورة الإرهاب المستقبح شرعاً وعقلاً .. والإرهابي المجرم الذي يستحق العقاب .. وليس الاستقصاء أو الإحصاء .. فهذا مجاله الأبحاث الإحصائية وهي متوفرة ـ في مكتبة الأمم المتحدة! ـ لمن يريدها ..!
          خلاصة ما تقدم: من خلال ما تقدم ندرك أن الإرهاب منه ما يكون مذموماً ومستقبحاً .. ومنه ما يكون ممدوحاً ومشروعاً بحسب التفصيل المتقدم.
          وبالتالي لا يستحسن أن يُطلق المرء على نفسه بأنه إرهابي ـ كما يفعل ذلك بعض الشباب المتحمس من قبيل ردة الفعل مما يُشاهده من ازدواجية في المعايير والتقييم في توصيف ومحاربة الإرهاب ـ أو غير إرهابي من دون أن يُشير إلى نوع الإرهاب الذي يثبته لنفسه، ونوع الإرهاب الذي ينفيه عن نفسه .. وبخاصة أننا في هذه الأيام نعيش حملة شعواء على الإرهاب .. مزيفة المعنى والمضمون .. والوسائل والأهداف .. مما جعل هذه الكلمة في أذهان كثير من الناس تعني السب والقبح والإجرام، والاعتداء على حرمات الآمنين .. وهذا لا بد من اعتباره عند الانتساب لهذه الكلمة .. والله تعالى أعلم.
          ـ المجتمع الدولي والإرهاب:
          قد أصدرت الأمم المتحدة عدة قوانين ـ وفي فترة زمنية وجيزة قياسية ـ تعلن فيها الحرب على الإرهاب .. والإرهابيين .. ومن دون أن تحدد صفة ونوعية وشكل هذا الإرهاب الذي تريد محاربته .. وتلزم الدول التوقيع على محاربته .. وهذا يشكل فراغاً قانونياً كبيراً وخللاً حقيقياً في محاربة واستئصال الإرهاب الحقيقي المذموم ..!
          نراهم يصدرون عشرات القوانين ـ وبطريقة عصبية .. وحالة نفسية مضطربة غير متزنة في سويعات عدة ـ تدين الإرهاب .. وتلاحق الإرهاب .. وتجفف مصادر الإرهاب .. ومن دون أن يحددوا صفة وهوية هذا الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب أو أن تُجفف ينابيعه ومصادر دعمه .. علماً أنه قد مضى على المطالبة بتعريف محدد للإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب منذ أكثر من عشر سنوات ومن جهات عدة .. ولكن إلى الساعة لم يفعلوا ذلك .. لماذا ..؟!
          هذا سؤال هام قد أجبت عليه في مقال آخر .. أعيد هنا تلخيص الإجابة عليه في النقاط التالية:
          1- تعريف الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب، وتحديد معالمه وصفته .. يجعل كل ما هو خارج هذا التعريف والتوصيف ليس إرهاباً .. والمتحرك في تلك المساحة التي هي خارج ذلك التوصيف والتعريف ـ وبخاصة إن كان إسلامياً ـ لم يعد من الممكن أن يُلاحق على أنه إرهابي .. وأن ما يقوم به من أعمال كذلك لا يمكن أن تُصنّف على أنها أعمال إرهابية ..وهذا مالا يريدونه أن يقع أو يكون ..!
          2- هذا التحديد لمعاني الإرهاب الذي تنبغي محاربته .. قد تستفيد منه حركات التحرر في العالم ـ وما أكثرها ـ في جهادهم ونضالهم لتحرر من هيمنة وطغيان واستعباد المستعمر المحتل .. بحيث أنها تتحرك خارج إطار الإرهاب المتفق على إدانته .. وهذا ما لا يريدونه أن يقع أو يكون ..!
          3- تحديد مفهوم الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب والاتفاق عليه .. يمنع كثيراً من الدول الطاغية أن تمارس ما تشاء من صور الإرهاب بحق الشعوب المستضعفة .. وقت تشاء .. وبخاصة منها أمريكا راعية الإرهاب العالمي .. وربيبتها دولة الصهاينة اليهود .. وهذا مالا يريدونه أن يقع أو يكون ..!
          فتغييب تحديد معنى الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب .. يُسهل لقوى الاستكبار والظلم في الأرض ـ على نطاق واسع ـ في أن تتدخل في شؤون البلاد والعباد .. وأن تمارس الإرهاب على أوسع نطاق .. باسم محاربة الإرهاب .. ومطاردة الإرهابيين ..!
          كما أن تغييب تحديد معنى الإرهاب .. يجعل من هذا المصطلح معنى مطاطاً خاضعاً لأهواء ورغبات الساسة المتنفذين .. فيدخلون من شاءوا ـ ووقت يشاءون ـ في الإرهاب .. وتحت طائلة ملاحقة الإرهاب .. وإن لم يكن على الحقيقة إرهابياً .. ويخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب .. وإن كان إرهابياً مجرماً على الحقيقة والتحقيق!
          4- تحديد مفهوم ومعنى الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب ويُحاصر .. قد يُظهر جهاد ومقاومة الشعب الفلسطيني ضد الصهاينة اليهود على أنه جهاد مشروع لا يندرج تحت مفهوم الإرهاب .. وهذا يعني اعترافاً ضمنياً بأن دولة الصهاينة اليهود دولة محتلة ومغتصبة لحقوق الآخرين، لا شرعية لها .. تستحق المقاومة والجهاد .. إلى أن يتحقق الجلاء .. وهذا مالا يريدونه أن يقع أو أن يكون شيئاً منه ..!
          5- تحديد مفهوم الإرهاب .. والاتفاق عليه دولياً .. يلزم بالضرورة إدانة الدول الطاغية المتلبسة ـ كمَّاً ونوعاً ـ بجميع ضروب الإرهاب .. وعلى رأس تلك الدول أمريكا وربيبتها دولة الصهاينة اليهود .. !
          فهم لو فعلوا .. وحددوا طبيعة الإرهاب الذي ينبغي أن يُدان ويُحارب، لأدانوا أنفسهم بأنفسهم .. وحاربوا أنفسهم بأنفسهم لو صدقوا !
          فنحن نتحداهم أن يُخرجوا لنا تعريفاً للإرهاب يتفقون عليه .. من دون أن يرتد عليهم ويكونوا هم أول المتلبسين به قبل غيرهم .. ومن دون أن يكونوا هم قد اقترفوه ومارسوه ـ في أقبح صوره وأشكاله ـ قبل غيرهم ..!
          فلو قالوا الإرهاب هو قتل المدنيين وترويعهم .. فهم أول من قتل المدنيين وروعوهم .. كما هو حاصل في أماكن عدة تقدمت الإشارة إليها!
          ولو قالوا الإرهاب قتل وترويع الأطفال .. فهم أول من قتل وروع الأطفال .. وأكبر شاهد على ذلك أطفال العراق .. وأفغانستان .. وفلسطين .. والشيشان .. والبوسنة والهرسك .. وما أطول القائمة!
          ولو قالوا الإرهاب هو إلقاء القنابل النووية التي تؤدي إلى قتل وترويع الأبرياء .. فهم أول من ألقوا القنابل النووية على هروشيما .. وفي أماكن عدة غيرها..!
          وهاهم اليوم يروضون العالم لتقبل استخدام الأسلحة النووية ضد أفغانستان .. وضد شعب وأطفال أفغانستان .. من خلال ربطهم مرض " الجمرة الخبيثة " بأسامة بن لادن .. وبالقاعدة .. ليقولوا للناس قد اعتدي على أمريكا بالأسلحة الكيماوية .. وبالتالي من حقها ـ كما تنص على ذلك الأمم المتحدة! ـ أن ترد على الاعتداء بالمثل وبنفس السلاح .. وهذا كله سيكون في حال عجزت أمريكا وحلفاؤها من تحقيق أهدافهم القريبة والبعيدة في أفغانستان من خلال استخدام أسلحتهم المتطورة الجوية والبحرية والبرية ..!
          ولو قالوا الإرهاب هو استخدام العنف لضمان نهاية سياسية معينة .. فهم أول من سلك ويسلك هذا الطريق .. فدعمهم لعصابات بني صهيون عن طريق العنف المسلح من أجل إقامة دولتهم في فلسطين .. وكذلك دعم حركات التمرد الإرهابية في جنوب السودان ضد حكومة السودان .. ودعم المعارضة العراقية وتدريبها على السلاح لتمارس عمليات الاغتيال والتفجير في العراق .. وأخيراً دعم الشرذمة القليلة المعارضة في شمال أفغانستان بقوة السلاح .. وتشجيعهم على قتل أبناء بلدهم ودينهم .. كل ذلك شاهد عليهم وعلى إرهابهم وإجرامهم .. وأنهم أول من سلك هذا الطريق .. وأول من سنَّه وشجع عليه!
          ولو قالوا الإرهاب هو الاغتيالات السياسية .. فهم أول من فعل ذلك ويفعلوه ..!
          فكيفما فسروا الإرهاب .. سيجدون أنفسهم أنهم أول المدانين بهذا الإرهاب .. وأن سهامهم المسمومة سترتد إلى نحورهم وصدورهم .. لذا نجزم أنهم لن يتفقوا على تعريف محدد للإرهاب يلتزمون به .. ليبقى ما هو محرم على غيرهم مباح لهم .. وليبقى شعار محاربة الإرهاب هو الشعار المناسب والمطاط الذي يسمح لهم بالتدخل في شؤون الآخرين كلما لاح لهم أهمية ذلك بالنسبة لأمنهم ومصالحهم الذاتية ..!
          ويجعلنا نجزم كذلك أن هذا التنادي المحموم إلى مصادرة وتجفيف مصادر دعم الإرهاب .. ما هو في حقيقته إلا دعوة لتجفيف مصادر دعم الفقراء والمساكين المشردين في الخيام .. الذين شردهم الإرهاب الدولي المنظم الذي تتزعمه أمريكا وربيبتها دولة عصابات بني صهيون ..!
          جميع الأرصدة البنكية التي تمت مصادرتها وتجميدها هي تابعة لجمعيات وجهات خيريـة
إسلامية .. لم نسمع أنهم جمدوا أو صادروا حساباً واحداً تابعاً لجهة نصرانية .. أو يهودية .. أو مجوسية وثنية .. أو علمانية .. مما يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام حول غايات هذه الحملة المسعورة على الأنشطة الخيرية الإسلامية ذات الطابع الإنساني .. باسم مصادرة وتجفيف دعم الإرهاب .. زعموا؟!!
          ولو صدقوا في إيقاف ودعم الإرهاب .. لأوقفوا أمريكا عن دعم عصابات بني صهيون الإرهابية المحتلة لأرض فلسطين .. التي تقدم لها في كل عام أكثر من ثلاثة مليارات دولار تُجبى وتُقتطع كضرائب من الشعب الأمريكي المغفل .. هذا غير المعونات العسكرية المتطورة التي تقدمها لها كهبة لتقتل بها الشعب الفلسطيني الأعزل ..!
          قالوا: قد نصت قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على التأكيد الراسخ للفرد أو الجماعة في الدفاع عن النفس، كما هو معترف به في ميثاق الأمم المتحدة، وكما هو مؤكد في القرار [ 1362/ 2001 ](1).
          نقول لهم بكل وضوح وصراحة أن الإنسان في كثير من البلدان وبخاصة منها العربية والتي تسمي نفسها بأنها إسلامية قد تسلطت عليها أنظمة فاشية طاغية خائنة عميلة لا تقيم للإنسان وزنا .. فقد قتلوا فيه كل معاني العزة والحرية والكرامة .. واعتدوا على جميع حرماته وحقوقه بكل ما تعني كلمة الاعتداء من معنى .. ومع كل ذلك فقد كمموا الأفواه ولم يسمحوا للإنسان أن يقول للجلاد مجرد قف ـ ولو للحظة ـ عن جلدي .. وعن اغتصاب حقوقي ..!
          أفتونا يا أيها الأمم المتحدة ـ ولا نظنكم أهلاً للإفتاء ـ ماذا يفعل هذا الإنسان .. إن دافع عن نفسه، وعن حرماته .. وأزاح السكينة عن رقبته ورقبة أطفاله قلتم عنه إرهابي .. وطاردتموه وحاصرتموه .. وقطعتم عليه سبل العيش والرزق .. وقلتم عنه قد استخدم العنف في رد الاعتداء .. وإن سكت واستكان ضاعت الحقوق كلها .. وانتهكت الحرمات .. وقلتم عنه من حقه أن يُدافع عن نفسه..؟!!
          فنحن ـ وهذا لسان حال آلاف بل وملايين الناس ممن يعيشون في الشرق الأوسط ـ في حيرة من أمرنا .. فنحن بين نارين .. بين نار سياط الجلادين الإرهابيين .. وبين نار قوانين الإرهاب الصادرة عن الأمم المتحدة التي لم تحسن التمييز بين الظالم والمظلوم .. وبين المعتدي والمعتدَى عليه .. والتي جاءت لتلبي حاجيات أمريكا وحلفائها في فترة زمنية معينة فقط ؟!
          ثم هل الإنسان الأوربي لو تم الاعتداء على حقوقه .. وحرياته .. وخصوصياته .. ـــــــــــــــــ
(1) انظر نص قرار مجلس الأمن المنشور في جريدة " الشرق الأوسط " في عددها الصادر بـ 30/9/2001.
وحرماته بالصورة التي يُعتدى فيها على الإنسان العربي المسلم .. ثم هو يدافع عن نفسه .. كنتم ستصنفونه وتطاردونه وتحاصرونه على أنه إرهابي ..؟!!
          القضية لا تُحسم ولا تُعالج بإصدار القوانين ضد الإرهاب .. والإكثار منها .. وإرغام الأطراف ـ من غير اقتناع ـ على التوقيع عليها .. بقدر ما تكون هذه القوانين تتسم بالعدل والإنصاف والواقعية .. وتعالج أسباب الإرهاب قبل أن تطارد وتقطف ثماره ونتائجه ..!
ـ الأسباب الداعية لظهور الإرهاب ..!
لا ينبغي والمجتمع الدولي منهمك في مطاردة الإرهاب ومحاصرته أن نغفل عن الأسباب الأساسية التي تحمل الإنسان على الوقوع في الإرهاب بشقه المذموم .. هذا إذا كنا جادين في معالجة الإرهاب واستئصاله من جذوره.
وللإرهاب ـ على مستوى الأفراد أو الجماعات ـ أسباب عدة أبرزها:
1- طغيان وفساد الأنظمة الحاكمة المتسلطة على رقاب العباد بالحديد والنار .. في كثير من البلاد .. التي تقتل في الإنسان إنسانيته وكرامته .. وتعتدي على جميع حقوقه وحرماته .. فيتحول هذا الإنسان بفعل ذلك الاضطهاد ـ رغماً عن أنفه ـ من إنسان وديع لطيف حسن العشرة .. إلى برميل من البارود .. وإلى قنبلة موقوتة تنفجر وقت أن تسنح له الفرصة بذلك .. منتقماً لحقوقه وحرماته المنتهكة .. وبطريقة قد يترتب عليها وقوع الإرهاب المحظور الذي لا يقره عقل ولا شرع! 
وهنا لا نريد أن نسلط الضوء على ما يجوز ومالا يجوز من تلك الأعمال فهذا له موضع آخر .. ومباحث أخرى .. ولكن نريد أن نسلط الضوء على السبب ـ الذي قل من يتنبه إليه ـ الذي أدى لوقوع مثل هذا الإرهاب المحظور ..!
السبب هو طغيان وجبروت وإرهاب الطاغوت الحاكم ونظامه .. الذي حول هذا الإنسان بفعل ظلمه واضطهاده إلى برميل من البارود .. وإلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت، وفي أي مكان!
كيف لا تريدون أن يتحول هذا الطفل في شبابه إلى برميل من البارود والمتفجرات .. وهو يرى أباه يُهان ويُضرب .. ويُساق إلى سجون الظالمين بغير حق .. وأمه تهان كرامتها وعفتها .. ومنزله يدمر ويُهدم عليه وعلى إخوانه وأخواته ..؟!!
كثير من الناس والإعلاميين ينظرون إلى ذات الحدث .. وما يترتب عليه من آثار قد تكون غير مرضية .. لا يقرها شرع ولا عقل .. من دون النظر إلى السبب الذي حمل هذا الإنسان وغيره إلى الوصول لهذه النتيجة .. وهذا خطأ في التصور والعلاج!
على سبيل المثال مصر .. فقد تناها إلى مسامعنا عن بعض الأعمال الغير مشروعة التي يمكن أن تُصنف في خانة العمل الإرهابي المذموم والغير مشروع .. ولكن لننظر في المقابل السياسة الطاغية الظالمة الغاشمة التي ينتهجها النظام المصري الحاكم بحق شعبه .. والتي قد تكون سبباً رئيسياً وكبيراً وراء تلك الأحداث أو الأعمال ..! 
حرب شعواء لدين العباد .. السجون مليئة بالأبرياء .. وبصفوة الأمة من الشباب .. الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود .. الناس يؤخذون بالشبهات والظنون .. ممارسة جميع فنون التعذيب والإهانة والقهر والإذلال بحق العباد .. وانتهاك العرض والحرمات .. وبعد عشر سنوات من القهر والتعذيب والإذلال في سجون الطاغوت .. يقولون للسجين أخرج قد تبين لنا أنك بريء ..!!
هذا واقع ويحصل منه الكثير الكثير في مجتمعاتنا .. ولست أنا الوحيد الذي أشير إليه .. بل هناك كتّاب ليسوا على ملتنا يقررون ما تقدم ذكره عن سياسة طاغوت مصر وغيره .. فقد نشرت قناة الجزيرة في موقعها على الإنترنت بتاريخ 12/10/2001م، تحت عنوان " هجوم أمريكي على مصر والسعودية ": وجهت دوائر بحثية وإعلامية في الولايات المتحدة انتقادات شديدة اللهجة إلى كل من مصر والسعودية، واتهمت البلدين بالمسؤولية غير المباشرة عن بروز ما تسميه بالتطرف والإرهاب، وبررت ذلك بسيادة ما تصفه النظام الاستبدادي في البلدين .. وقال مارتن إنديك سفير الولايات المتحدة السابق في إسرائيل، والمسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية: هذه النظم فضلت التعامل مع مشكلة حرية التعبير عن الرأي السياسي في بلدانها عن طريق توجيه المعارضة ضدنا.
وأفادت صحيفة " واشنطن بوست " في عددها الصادر أمس بأن الحكومات العربية التي تدعي تأييد الحملة الأمريكية .. هي أكبر سبب للتطرف والإرهاب.
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها إن مصر مثال واضح، فنظامها الاستبدادي مستنفد سياسياً ومفلس معنوياً .." ا- هـ. 
ثم بعد ذلك نسمع حسني مبارك يتبجح بكل وقاحة بأنه سوف يُحارب الإرهاب .. ويُطارد الإرهابيين .. ويُطالب دول الغرب ـ باسم محاربة الإرهاب ـ بأن يُسلموه بعض الأفراد من شعبه الذين نجاهم الله من ظلمه وطغيانه .. يُطالب بإعادتهم وتسليمهم ليمارس عليهم دور الجزار والجلاد معاً .. وفاته أنه هو ونظامه الفاشي أكبر إرهابي وأكبر سبب للإرهاب في بلده .. بل وفي العالم، وهو الذي ينبغي أن يُحاكم ـ لو وجد العدل ـ قبل المستضعفين الذين نجوا من طغيانه وناره!
وما قلناه عن النظام المصري نقوله عن النظام الطائفي الدموي في سوريا، وعن النظام الليبي، وعن النظام التونسي، وعن النظام الأردني .. وعن النظام الجزائري .. وغيرها من الأنظمة الفاشية الظالمة.
وشاهدنا مما تقدم أنه عند الحديث عن الإرهاب وأسبابه وطرق علاجه .. لا ينبغي أن نغفل عن سياسة هذه الأنظمة المتسلطة .. وعن كيفية التخلص منها .. ومن طغيانها التي تعتبر أكبر سبب لظاهرة الإرهاب ..!
لكن الغريب في الأمر أن هذه الأنظمة الطاغية .. رغم فسادها وطغيانها ودكتاتوريتها .. وممارستها لجميع أنواع الإرهاب بحق شعوبها .. ورغم كونها سبباً رئيسياً لظاهرة الإرهاب في العالم .. فإننا نجد أمريكا ودول الغرب يدعمونها ويؤيدونها ويباركونها ..!!
فعلى سبيل المثال رغم ما ذكرناه وما هو معروف عن النظام المصري من طغيان وإرهاب بحق شعبه .. فإن أمريكا تتبرع سنوياً للنظام المصري ـ وليس للشعب المصري ـ ما يُعادل 2,2 مليار دولار أمريكي، ليُنفق هذا المبلغ على الجلادين، وعصابات الأمن والمخابرات التابعة للنظام!
وكذلك لما تم تنصيب بشار الأسد رئيساً وبطريقة مخالفة لجميع القوانين والدساتير، والأعراف .. بما في ذلك الدستور السوري ذاته .. ورغم ما لهذا النظام الطائفي من سجل ضخم في إرهاب وتقتيل شعبه .. حيث قتل في يوم واحد ما يزيد عن عشرين ألف شخص من المدنيين في مدينة حماه؛ أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ .. غير المساجد والكنائس التي تم تدميرها في ذلك اليوم المشهود .. ومع ذلك ورغم السجل الإرهابي الضخم لهذا النظام .. ذهب كل من وزير خارجية بريطانيا، ووزيرة خارجية أمريكا آنذاك ليباركان النظام الجديد ورئيسه .. ويعربان عن تأييد بلديهما للنظام الجديد!!
والسؤال: كيف يزعمون محاربة الإرهاب .. وهم في نفس الوقت يؤيدون ويدعمون الأنظمة الإرهابية .. والأكثر طغياناً ودموية بحق شعوبهم ؟!!
قالوا: صدام حسين إرهابي .. قلنا: صدقتم .. لكن ما الفرق بينه وبين حسني مبارك، وحافظ الأسد، والقذافي، وزين العابدين وغيرهم من حكام وطواغيت العرب ..؟!!
فلماذا صدام إرهابي .. وهؤلاء ليسوا بإرهابيين .. أم أن المسألة خاضعة للهوى وللسياسة بحسب المصالح والمكاسب .. وبحسب الخدمات التي يقدمها كل حاكم؟!!
يقول " مارتن إنديك " المذكور أعلاه والمسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية:" إن خطأ واشنطن الوحيد في الشرق الأوسط هو دعم نظم فشلت على نحو مستمر في تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها "!
قلت: لا مانع لواشنطن أن تدعم هذه الأنظمة الإرهابية الطاغية المتسلطة على رقاب الشعوب بالحديد والنار .. ما دامت هذه الأنظمة تسير وفق مخططات السياسة الأمريكية .. وتحقق لها أهدافها في المنطقة .. فالغايات تبرر الوسائل عند الساسة الأمريكيين!
2- تكميم الأفواه .. وكبت الحريات الأساسية والضرورية للإنسان .. كما هو حاصل في كثير من الأنظمة العربية الحاكمة .. فإنه في الغالب يولد عند الإنسان ردة فعل قد لا تُحمد عقباها .. حيث قد تنتهي بصاحبها في النهاية إلى أن يقع في الإرهاب المحظور ..!
فالذي يُمنع من التعبير عما في نفسه بحرية .. قد يلتجئ إلى وسائل عديدة سرية يُعبر من خلالها عن نفسه ومشاعره .. والذي يُمنع من الكتابة على الورق قد يكتب تحت جنح الليل على الجدران!
كثير من الشعوب المقهورة ترى الباطل أمام أعينها .. لكن لا تستطيع أن تقول له شيئاً .. ولا تملك الجرأة ـ بحكم طغيان وإرهاب الطاغوت ـ على أن توجه له كلمة نقد أو تعقيب .. فتكتم في نفسها .. وعلى مر الزمن يتراكم هذا الكبت إلى أن يولد انفجاراً يحرق الأخضر واليابس، ويقع الندم .. ولات حين مندم! 
بعض المراقبين يظن الشارع العربي راضياً بالحملات الأمريكية ضد أفغانستان .. بسبب أنهم لا يخرجون مظاهرات يعبرون فيها عن معارضتهم لتلك الحرب الأثيمة .. وهؤلاء فاتتهم الحقيقة .. ولو راقبوا ما يُكتب في أندية الحوارات المنتشرة على شاشة الإنترنت من قبل الشباب بأسماء مستعارة حيث الأمان من ظلم وبطش الطواغيت .. لأدركوا أن الشارع العربي المسلم عبارة عن جمرة من نار تحترق في داخلها .. وتأكل بعضها بعضاً كبداً لما يحصل لأبناء الأمة في أفغانستان وفلسطين .. وهذه الجمرة لا بد يوماً من أن تمتد شرارتها ونارها لتحرق من حولها من الظالمين المستبدين العملاء .. وما ذلك ببعيد إن شاء الله!
ثم هاهي الجزائر اليوم ـ ممثلة في نظامه الفاشي الطاغي ـ ومنذ أكثر من عشر سنوات فإنها تدفع ضريبة باهظة من أبناء ودماء شعبها .. بسبب ظلمها وطغيانها، وغدرها للحريات المشروعة ـ بمباركة وتأييد من أمريكا وفرنسا وغيرها من دول الغرب ـ وما كان قد اختاره الشعب الجزائري .. رغم وجود تحفظنا المعروف على شرعية تلك التجربة .. وغيرها من التجارب الديمقراطية الفاشلة في بلاد المسلمين!
3- توسيع دائرة الملاحقات .. وما يتبعها من انتهاكات ومضايقات ..  بحيث تشمل المتهم والبريء .. ووضع البريء في موضع المدافع الشرس عن حقوقه وحرماته .. بزعم ملاحقة الإرهاب!
فهذا التوسع في الملاحقات والمطاردات الغير مبررة .. من جملة الأسباب التي قد تؤدي إلى جنوح بعض الأفراد بل والجماعات إلى انتهاج بعض الأعمال الإرهابية الغير مشروعة .. من قبيل الدفاع عن النفس .. وطلب النجاة!
متى يلجأ الإنسان للسعي إلى الحصول على جواز سفر مزور .. أتراه يفعل ذلك ودولته تمنحه بكل سهولة ويسر تلك الوثيقة التي هي من حقه ..؟!!
عشرات الدول .. وأكثرها عربية .. تحرم شعوبها هذا الحق البسيط .. ولا تعطي مواطنيها هذا الجواز إلا بعد سلسلة من الإذلالات والمماطلات والرشاوى، والوساطات، وموافقة المخابرات، وغير ذلك من الإجراءات ..  مما يجعل هذه الشعوب من باب طلب النجاة والسلامة .. وممارسة حقهم في السفر والتنقل .. يبحثون عن البديل المزور!
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصنف هذه الشعوب برمتها بأنها إرهابية .. أو نلومها لكونها تفعل ذلك تحت ظروف الاضطرار والإكراه .. وإنما الصواب والعدل أن نلوم الأنظمة الطاغية الإرهابية التي حرمت هذه الشعوب أبسط حقوقها .. وألجأتها رغماً عن أنفها إلى هذه الوسائل الملتوية!
ليفرض نفسه " كوفي عنان " مكان أي مواطن يُمارَس بحقه وحق أهله جميع صنوف التنكيل والإذلال والإرهاب .. ثم مع ذلك يُمنع من الوثيقة التي تمكنه من السفر والتنقل .. ليبقى تحت رحمة الجلادين .. ثم هو في هذه الأجواء يُعرض عليه جواز سفر مزور بمئات الدولارات .. يمكّنه من السفر والنجاة .. ألا ترون أنه سيشتريه ويستخدمه ..؟!
لكن هل يمكن أن يُصنف " كوفي عنان " حينئذٍ بأنه إرهابي لكونه لجأ مضطراً إلى هذه الوسيلة ..؟!
الشاهد مما تقدم أن نلفت النظر لمن صدقت نيته في محاربة الإرهاب المحظور والممنوع شرعاً وعقلاً .. أن لا يقصروا اهتمامهم بالنظر إلى سلوك بعض الأفراد أو الجماعات التي تبدوا أنها غير قانونية .. من دون النظر إلى الدوافع أو الأسباب التي أدت إلى مثل هذه السلوكيات الشاذة .. وملاحقة من كان السبب فيها قبل الذين يُباشرونها!
وأردت كذلك أن أنبه إلى أن توسيع دائرة الاشتباه .. والاتهام .. والملاحقات .. والمطاردات .. بغير حق ولا بينة .. قد تولد جيلاً كاملاً من الإرهابيين .. وجيلاً كاملاً من المرهوبين الخائفين .. شئنا أم أبينا .. ومن حيث لا ندري!
هذا القط الوديع الناعم .. احصره في غرفة .. وأغلق عليه جميع النوافذ والمنافذ .. ثم أشعره أنك تريد قتله .. فإنه سرعان ما يتحول وينقلب عليك إلى نمر متوحش كاسر ..!
فلا تحوِّلوا الشعوب بأيديكم .. وسوء صنيعكم إلى وحوش كاسرة .. ولا تلجئوا الشعوب بظلمكم وإرهابكم .. إلى الوسائل الملتوية .. فإن حصل فلا تلوموا إلا أنفسكم! 
4- ومن جملة الأسباب كذلك التي تجنح بصاحبها للوقوع في بعض الأعمال الإرهابية الغير مشروعة .. الفهم الخاطئ للدين ولغاياته ومقاصده .. والجنوح للغلو والتشدد في الدين .. وانتهاج طريق الغلاة الخوارج الأوائل .. الذين وضعوا السيف في أبناء الأمة من أهل القبلة .. وانتهكوا الحرمات بغير حق ..!
هؤلاء موجودون في زماننا .. ولكنهم شرذمة قليلون .. وهم منبوذون مرفوضون شرعاً وعقلاً .. وعلى مستوى القطاع الأعظم للشباب المسلم الملتزم .. والإسلام أول من أعلن البراء منهم ومن غلوّهم وشذوذهم .. وحذّر منهم!
وهؤلاء مشكلتهم سهل حلها لو تُرك المجال للعلماء العاملين بأن يتصدوا لهم بالتعليم والنصح .. وقيام الحجة .. ولكن أنى للطواغيت العملاء ـ وبخاصة منها العربية ـ أن يسمحوا بذلك!
ـ موقف الإسلام من العنف والشدة ..!
كنا قد بينا في أول هذا البحث موقف الإسلام من الإرهاب .. ومعنى الإرهاب .. وهانحن نبين هنا موقف الإسلام من العنف والشدة لارتباط هذا الموضوع وتعلقه بما تقدم من حديث عن الإرهاب ..!
هل الإسلام دين يدعو إلى العنف والشدة ..؟!
هذه مسألة قد جنح فيها كثير من الناس والكتاب ـ كما هو شأنهم في كثير من المسائل ـ بين الإفراط والتفريط .. ففريق منهم قال بأن الإسلام دين عنف .. ويدعو إلى العنف والشدة واستدل على ذلك بأدلة، وفريق آخر ينفى ذلك مطلقاً، واستدل بأدلة ..!
فما هو الحق والصواب في هذه المسألة ..؟!
أقول: العنف هو ما يُقابل الرفق ويُضاده، وهو في الشرع خُلُق مذموم .. لم يرد فيه نص واحد من الكتاب أو السنة بصيغة المدح .. بخلاف خُلُق " الرفق " فقد جاءت فيه نصوص عديدة تحض على التخلق والتمسك به، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:" من يحرم الرفق يُحرم الخير كله ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" إن الله رفيق يحب الرفق ويُعطي عليه مالا يُعطي على العنف ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" عليك بالرفق؛ إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه ". وقال صلى الله عليه وسلم:" إن الله رفيق يُحب الرفق في الأمر كُلِّه " وهذه صيغة عامة تفيد كل شيء بما في ذلك الجهاد في سبيل الله، حيث لا بد من أن ينضبط ويتقيد بضوابط وقيود الشرع المعروفة ..
فهذا هو رفقه!
          وعن قُرَّة قال: قال رجل يا رسول الله إني لأذبح الشاة فأرحمها. أو قال: إني لأرحم الشاة أن أذبحها؛ أي أمتنع عن ذبحها رحمة بها! قال صلى الله عليه وسلم:" والشاة إن رحمتها رحمك الله .. والشاة إن رحمتها رحمك الله " مرتين.
          هذا فيمن يُرفق ويرحم الشاة أو البهائم فكيف بمن يرحم الناس .. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناسَ ".
          كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الغلو والتشدد في الدين؛ وهو كل ما زاد عن المشروع .. فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" عليكم هدياً قاصداً؛ فإنه من يُغالب الدين يغلبه ". وقال صلى الله عليه وسلم:" إنه من يُشاد هذا الدين يَغلبه ".
          وقال صلى الله عليه وسلم:" إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ".
          وقال صلى الله عليه وسلم:" سيُشَدَّد هذا الدين برجالٍ ليس لهم عند الله خلاق ".
          هذا هو ديننا .. فهو دين رفق ورحمة للعالمين كما قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم:) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء:107.
          وهذا لا يعني مطلقاً أن الإسلام يقبل أن يُعطي الدنيَّة أو الذل لأعداء الملة والدين .. أو يرضى أن يُصيبه ضيم من ملل الكفر والشرك من دون أن ينتصر لنفسه .. كما قال تعالى:) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (الشورى:39. فهذا من أبرز خصال وصفات المؤمنين المجاهدين وهو أن ينتصروا لأنفسهم وحرماتهم إذا ما أصابهم البغي والعدوان. 
وقال تعالى:) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً (الفتح:29. فكما أن المؤمنين رحماء رفقاء على من يُسالمهم ويدخل في سلمهم وأمنهم أو دينهم .. فهم أشداء غلاظ على من يتجرأ على قتالهم ومنابذتهم ومحاربتهم، كما قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة:123. أي قوة وشدة ..! 
فهذا موضع يستلزم الشدة والغلظة على كل من ينابذ الإسلام والمسلمين الحرب والقتال أو يتجرأ على الاعتداء .. وذاك موضع يستلزم الرفق والرحمة على كل من يدخل في هذا الدين وسلمه، أو عهده وأمنه، وجواره .. حيث لا يجوز الخلط بين الموضعين، وحمل نصوص كل موضع على الموضع الآخر .. كما يفعل ذلك عديد من الكتاب والباحثين!
ولكن يمكننا القول أن مواطن الجهاد والقتال التي تستلزم الشدة والقوة والغلظة .. هي كذلك مقيدة بقيود وضوابط الشرع التي تمنع المجاهد المقاتل من أن يُعمل هواه في قتل وقتال من
شاء، وبالطريقة التي يشاء.
          ـ خاتمة:
          وفي الختام بقي سؤال لا بد من أن نجيب عليه قبل أن نختم هذا البحث، وهو: هل القوم عازمون بصدق ـ من خلال حملتهم المعلنة ـ على محاربة الإرهاب .. أم أن لهم أهدافاً أخرى غير الإرهاب ؟!
          أقول: في الظاهر أنهم يريدون محاربة الإرهاب .. وفي الباطن الظاهر أنهم يُريدون محاربة الإسلام والمسلمين .. ومنعهم من أي محاولة تمكنهم من استئناف حياة إسلامية راشدة في أي قطر من الأقطار .. إضافة إلى تعزيز نفوذهم وهيمنتهم وسياساتهم السائدة في مناطق وبلاد المسلمين، وبخاصة منها منطقة الشرق الأوسط .. التي بدت تتزعزع في الآونة الأخيرة .. والذي حملنا على القول بذلك الأسباب التالية:
          1- من خلال ما تقدم في طيات هذا البحث تبين لنا أن القوم هم الإرهابيون الحقيقيون .. وهم الذين يمارسون، ويدعمون ويؤيدون الإرهاب بكل أبعاده ومعانيه .. ولو صدقوا بأنهم سيحاربون الإرهاب .. لحاربوا أنفسهم بأنفسهم .. وهذا لن يكون!
          2- هذه الحشود العسكرية الضخمة التي جيشتها أمريكا وحلفاؤها، والتي تكفي لغزو وتدمير عشرات البلاد .. لا يمكن أن يُصدق أنها جُيشت من أجل مطاردة أفراد معدودين متهمين بالإرهاب ..!
          3- تصريحاتهم المعلنة التي ما استطاعت أن تُخفي ما في صدورهم .. كما جاء ذلك على لسان الرئيس الأمريكي " جورج بوش " بأن هذه الحملة التي يقودها ضد الإرهاب إنما هي حملة صليبية ضد الإرهاب ..!!
          وهل الإرهاب لا يُحارب إلا من خلال حملة صليبية وتعبئة صليبية ..؟!
          وكذلك تصريح رئيس وزراء بريطانيا ـ التي جاءت أقل صراحة من نظيره بوش ـ  عندما ناشد دول الغرب بأن تتحد لمحاربة الإرهاب ..!
          لماذا دول الغرب وحسب .. لماذا لم تكن دول الغرب والشرق معاً .. مما يجعلنا نجزم أنه يقصد ويريد اتحاد دول الغرب الصليبي لمحاربة دول الشرق الإسلامي مبعث الإرهاب .. كما يزعمون !
          4- تصريحاتهم المتكررة بأن هذه الحرب قد تستغرق عشرات السنين .. وتطال دول عدة يتجاوز تعدادها الستين بلدا ..!
          ولا نظن أن محاربة الإرهاب يستلزم هذه السنين الطوال .. وهذه البلدان العديدة ..؟!
          5- حصر تهمة الإرهاب بالمسلمين فقط لتكون ذريعة لمحاربة الإسلام والمسلمين .. فهم ما إن حصل ما حصل في نيويورك وواشنطن .. إلا وأسرعوا في الإعلان بأن وراء هذا الحدث هم المسلمون .. الطالبان .. وأسامة وجماعته .. قبل أن يأخذ التحقيق مجراه ومداه .. مما يجعلنا نشعر بأنهم يرتبون لحرب طويلة ضد الإسلام والمسلمين .. ومنذ أمد .. ينتظرون الفرصة المناسبة لها .. وقد جاءتهم!
          ما يقوم به غير المسلمين من إرهاب بشع .. ليس إرهاباً .. ولا يمكن أن يُصنف على أنه عمل إرهابي مهما كان العمل فظيعاً وممعناً بالإجرام والإرهاب بحق الآخرين .. والسبب أنه ليس مسلماً ..!
          منذ أسبوعين تقريباً تناقلت وسائل الإعلام عن خبر مفاده أن شخصاً مسلحاً اقتحم البرلمان السويسري وقتل من أعضائه وموظفيه أربعة عشر شخصاً .. غير الجرحى الذين أصابهم .. فجاء التعليق مباشرة بأن هذا العمل ليس عملاً إرهابياً .. والتعليل أن صاحبه سويسري الأصل .. أي ليس مسلماً!
          وكذلك الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام عن قيام شخص في أمريكا بقطع رأس سائق الحافلة بالسكين .. مما أدى إلى سقوط الحافلة في حفرة وقتل ستة أشخاص من الركاب .. فجاء التعليق الأمريكي الرسمي أن هذا العمل ليس إرهابياً وليس له علاقة بالإرهاب .. والسبب أن صاحبه نصراني من كرواتيا .. وانتهى الأمر وكأنه لم يكن شيئاً ؟!
          ولو كان مسلماً لرأينا كيف حملوه وجميع المسلمين في الأرض تهمة الإرهاب .. وتبعات العمل بالإرهاب ..؟!
          ومنذ أيام قلائل خرجت لنا أمريكا بقائمة أخطر الإرهابيين في العالم الذين جيشت مئات الطائرات .. وعشرات البوارج البحرية وراجمات الصواريخ .. وآلاف المعدات العسكرية .. من أجل محاربتهم ومطاردتهم .. وعددهم كان اثنان وعشرين شخصاً .. كلهم من المسلمين ..!!
          والسؤال: لماذا كلهم من المسلمين .. ألا يوجد نصراني أو يهودي واحد في العالم قد مارس الإرهاب .. رغم أن المجازر والمقابر الجماعية للمستضعفين من المدنيين لا تزال إلى الساعة  أكبر شاهد على إجرام وإرهاب قطاع كبير من اليهود والنصارى ..؟!!
          فعلام لم يُدرج اسم نصراني أو يهودي واحد ضمن قائمة الإرهابيين المطلوبين ـ وما أكثرهم لو أردنا الإحصاء أو التعداد ـ هل لأن البلاد والعباد خلت فعلاً من الإرهابيين الذين ينتمون إلى اليهودية أو النصرانية .. أم أنها المؤامرة الصريحة لضرب ومحاربة الإسلام والمسلمين .. تحت ستار ملاحقة ومحاربة الإرهاب؟!
          قد هالني خبر نشرته قناة الجزيرة في موقعها على الإنترنت بتاريخ 3/10/2001م، تحت عنوان:" تقديراً لمساندة موسكو للحرب الأمريكية، أوربا تكافئ روسيا بتجاهل ممارساتها في الشيشان "، جاء في الخبر:" توقع وزير الخارجية اليوناني جورج باباندريو أن يكون الاتحاد الأوربي أكثر تساهلاً في موقفه من الممارسات الروسية في الشيشان تقديراً لمساندة موسكو للحملة الأمريكية على ما يُسمى بالإرهاب .. وأوضح أن الاتحاد يراجع أيضاً الإجراءات التي اتخذت ضد موسكو بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الشيشان .. وقال للصحفيين في زيارة لواشنطن: سنتخذ موقفاً أكثر تساهلاً مما تفعله روسيا في الشيشان ..!!" ا- هـ. 
          يا سبحان الله ..! يباركون ويؤيدون الإرهاب الوحشي الذي يمارسه الجيش الروسي بحق الشعب المسلم في الشيشان ـ بعد أن كانوا قد أدانوه ـ لكون الإرهاب الذي يمارسه الجيش الملحد الروسي يطال فقط المسلمين الشيشانيين الذين ليس لهم بواكي ولا حرمة .. ولكون موسكو ستساند الحملة الأمريكية ضد الإرهاب .. زعموا! 
          فإن كان الغرض هو محاربة الإرهاب كما يدعون .. وليس محاربة الإسلام .. فعلام يؤيدون ويباركون الإرهاب الروسي المتوحش لشعب الشيشان المسلم .. مع اعترافهم المسبق بأن الذي تمارسه روسيا في الشيشان من انتهاك للحرمات واعتداء على المدنيين، والمستضعفين منهم .. يتنافى مع حقوق الإنسان .. وهو من الإرهاب ؟!!
          موسكو ذو التاريخ الحافل بالإرهاب، والتعذيب، والتقتيل لعشرات الملايين من المسلمين المستضعفين من الشيوخ والنساء والأطفال .. وغيرهم من المدنيين ممن لا حول لهم ولا قوة .. والتي لا تزال إلى الساعة أيديها ملطخة بدماء مئات الآلاف من الأبرياء في أفغانستان والشيشان وغيرهم .. آلآن أصبحت ضد الإرهاب .. وأنها ستساند الحملة الأمريكية ضد الإرهاب ؟!!
          كل ذلك يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام على طبيعة هذا الإرهاب الذي يريدون محاربته .. ويتحالفون على ملاحقته واستئصاله ؟!!
          وما تقدم يدل كذلك على تلاعب الساسة الأوربيين بمصطلح الإرهاب وفق أهوائهم ومصالحهم الذاتية المتقلبة .. وسياساتهم الخبيثة .. فيدخلون من شاءوا في دائرة الإرهاب وقت يشاءون .. ويُخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب .. وتهمة الإرهاب وقت يشاءون .. بحسب ما تقتضيه المصلحة .. وإن كان في الحقيقة إرهابياً يُمارس الإرهاب في أبشع صوره ومعانيه ..!
          فمن كان معهم ـ مهما كان إرهابياً مجرماً ـ ليس إرهابياً .. وهو منزه عن الإرهاب .. وفوق الشبهة أو الاتهام .. ومن لم يكن معهم ـ مهما كان بريئاً من تهمة الإرهاب ـ فهو إرهابي، بل وأبو الإرهابيين الذي ينبغي أن يُلاحق ويُحارب ..!!
هذا هو المقياس والضابط في تحديد الإرهابي من عدمه عند الساسة المتنفذين في أمريكا وبلاد الغرب ..!!
6- إعلانهم أكثر من مرة وبكل صراحة ووضوح أن الهدف من الحملة العسكرية الأمريكية الضخمة ضد أفغانستان ليس فقط أسامة ومن معه .. وإنما نظام الطالبان الحاكم في أفغانستان .. والتجربة الإسلامية الناشئة في أفغانستان!
بمعنى آخر أن هدفهم استئصال النظام الإسلامي الحاكم في أفغانستان الذي ارتضاه الشعب الأفغاني .. والذي يمثل 95% من أراضي وشعب أفغانستان باعتراف الجميع .. واستبداله بنظام عميل موالٍ لأمريكا ولدول الغرب .. لا يمثل إلا القلة العميلة .. يحقق لهم مصالحهم وأهدافهم في المنطقة!
وهاهي أمريكا ـ ومعها حلفاؤها ـ يترجمون اليوم هذا الهدف الخبيث بكل وضوح على أرض الواقع على مرأى ومسمع من العالم .. من خلال هجماتهم العسكرية المكثفة بالقنابل الثقيلة .. والصواريخ العابرة للقارات .. على جميع المرافق التابعة لحكومة الطالبان .. تمهيداً للغزو البري الذي يخططون له برفقة عملائهم من الأفغان المتمثل في التحالف الشمالي الهزيل ..!!
هذا الذي يحصل وجميع ما تقدم ذكره من نقاط .. يجعلنا نجزم أن الحملة الأمريكية ضد الإرهاب .. هي في حقيقتها وواقعها حملة صليبية صريحة ضد الإسلام والمسلمين .. وهي إعلان حرب على الإسلام وليس على الإرهاب كما يصورون .. وأن إعلاناتهم التي تدل على خلاف ذلك .. لا تغير من هذه الحقيقة شيئاً .. فواقع حالهم يكذب ادعاءهم وهو أصدق دلالة وتعبيراً من تصريحاتهم التي هي بمثابة ذرِّ الرماد في العيون ..!
ونحن نقول لهم بكل وضوح: أنتم تحاولون عبثا .. الإسلام لا يُحارَب؛ لأنه دين الله تعالى الذي تكفل بحفظه وحمايته .. وعلى مر العصور وإلى أن تقوم الساعة!
حاربتم الإسلام ـ عبر تاريخكم الصليبي الحاقد ـ أكثر من مرة ومرة .. وفي جميع الميادين والساحات .. فأين الذين حاربوه .. وأين الإسلام .. الذي يزداد انتشاراً واتساعاً .. وقوة .. وفي عقر داركم .. رغم حملات التشويش والمؤامرات العديدة التي تُحاك ضده من قبل ملل الكفر والشرك، وعملائهم المحليين من الزنادقة المنافقين ..؟!
فأنتم عندما تحاربون الإسلام .. فإنكم في حقيقتكم تحاربون الله .. خالق السماوات والأرض .. الذي بيده الأمر كله .. والله تعالى لا يُحارَب .. لأن الله لا غالب لأمره وقضائه ..!
فمشيئة الله تعالى هي النافذة والماضية في خلقه وعباده .. أما مشيئة العباد لا ينفذ منها شيء إلا أن يشاء الله تعالى.
يجب أن تتذكروا كل ذلك عندما تحاربون الإسلام ..!!
) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (لأنفال:30.
) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (آل عمران:12.
) لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الروم:4-5. وما ذلك ببعيد إن شاء الله. 
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

28/7/1422 هـ.                          عبد المنعم مصطفى حليمة 
15/10/2001 م.                                    أبو بصير


ـ ملاحظة: أُرسلت نسخة من هذا البحث للأمم المتحدة عن طريق عنوانها الإلكتروني .. وغيرها من المؤسسات والهيئات ذات الاهتمام بهذا الموضوع.

إرسال تعليق

 
Top