GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
          فقد لاحظت في الآونة الأخيرة كثرة أولئك الذين يتكلمون عن صفات وأسس وركائز الدولة الإسلامية عندما تحكم في قطر من الأقطار، وبشيء من التأمل والمتابعة تراهم يضفون على دولتهم الإسلامية المنشودة صفات وخصائص وركائز لا تمت للإسلام وقيمه بصلة، وهي ألصق ما تكون بصفات الدولة العلمانية التي تُغيِّب عقيدة الولاء والبراء في الله، وعقيدة الحكم بما أنزل الله، ويسود فيها مبدأ تعبيد العبيد للعبيد. 
          لذا وجدت نفسي مشدوداً لكتابة هذا المقال " ركائِزُ الحُكمِ في الدَّولَةِ الإسلاميَّةِ " ناصحاً، ومبيناً ومُذكِّراً فيه بأهم الأسس والركائز والقيم التي يقوم عليها الحكم في الدولة الإسلامية المنشودة، والتي من دونها تفقد الدولة صفة الإسلامية، بل وتفقد مبررات ومقومات وجودها .. مهما قيل عنها ـ زوراً ـ بأنها دولة إسلامية! 

          أهم هذه الأسس والركائز، والقيم، هي:
          1- أن تكون السيادة فيها لحكم الله تعالى وحده: وليس لحاكم، ولا ملِكٍ، ولا حزبٍ، ولا لعالِم، ولا لأكثرية، ولا لشعب من الشعوب .. بل الناس كلهم ـ حاكمهم ومحكومهم، كبيرهم وصغيرهم، شريفهم ووضيعهم ـ محكومون بحكم الله تعالى وشرعه المبين في الكتاب والسنة .. وهم جميعهم تحت حكم وقانون الشرع، لا تفاضل لأحد على أحد، ولا تمايز بينهم في ذلك .. وهذا حق خالص لله U لا يُشركه فيه أحد؛ لأنه تعالى هو الخالق المالك والمتفضل على الخلق بالنعم التي لا تُحصى .. وبالتالي فمن حقه تعالى وحده أن يأمر مَن خَلَق، وأن يُطاع فيما يأمر ويُشرِّع، وهذا من كمال ولوازم ربوبيته وألوهيته I على خلقه، فالله تعالى كما هو الإله المعبود في السماء، فهو كذلك الإله المعبود المطاع في الأرض، كما قال تعالى:) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ (الزخرف:84. وقال تعالى:) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (الأنعام:57. وقال تعالى:) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (يوسف:40.  وقال تعالى:) وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (الكهف:26. وقال تعالى:) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ (المائدة:48. وقال تعالى:) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (المائدة:44. وقال تعالى:) وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (الرعد:41. وقال تعالى:) أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (الأعراف:54. وقال تعالى:) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (النساء:59. وغيرها كثير من الآيات والنصوص الشرعية الدالة على أن الحكم والتشريع لله تعالى وحده وهو من أخص خصائصه I .. وهذا المعنى مما هو معلوم من ديننا بالضرورة، لا يجوز الجدال فيه ولا الخلاف.
          فالدولة الإسلامية هي الدولة التي تُفرد الله تعالى في الحكم والتشريع والتلقي والخضوع، كما تفرده I في العبادة والتوجه، والنسك.
          الدولة الإسلامية هي الدولة التي تنضبط وتلتزم في جميع حركتها وسياساتها الداخلية والخارجية .. وجميع مواقفها وأنشطتها الاجتماعية والاقتصادية .. والقضائية .. والسلمية والحربية .. بالحكم بما أنزل الله، فلا تحيد عن شرع الله تعالى في قليل ولا كثير.
          أما الدولة التي ترتضي لنفسها شرعاً آخر .. ومشرِّعاً آخر غير ـ أو مع ـ الله تعالى ـ أياً كانت صفة وماهية ومكانة هذا المشرع ـ يُشرع ويقنن، ويحلل ويحرم، ويُحسن ويُقبح لها من دون ـ أو مع ـ الله، وبغير سلطان من الله تعالى .. فهي بذلك تكرس ألوهية وربوبية هذا المشرِّع المخلوق على مواطنيها ورعاياها .. وتكرس عبودية المخلوق للمخلوق .. وعبودية العبيد للعبيد .. وأن يتخذ الناس بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، مهما زعموا ـ باللسان ـ أنهم أحرار، كما قال تعالى عن أهل الكتاب لما وقعوا بشيء من ذلك:) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (التوبة:31. وذلك لما شرَّعوا لهم؛ فأحلوا لهم الحرام فأحلوه، وحرموا عليهم الحلال فحرموه ..!
          كما أمر الله تعالى نبيه بأن يدعو أهل الكتاب إلى كلمة سواء، وأن يقول لهم:) تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران:64.  
وبالتالي هذه الدولة التي ترتضي أن يتخذ الناس بعضهم بعضاً أرباباً ومشرعين من دون ـ أو مع ـ الله .. فهي بذلك ترتضي سيادة العبيد على العبيد، وتعبيد العبيد للعبيد .. ولها حينئذٍ أن تسمي نفسها الاسم التي تشاء .. وتدعي الانتماء للدين التي تشاء .. لكن لا يُقبل منها بحال أن تُسمي نفسها دولة إسلامية .. أو أنها تنتمي إلى دين الإسلام .. أو أن الإسلام هو الدين الرسمي لها التي تلتزم به .. فزعمها هذا أثقل وأقبح من الذنب ذاته .. وهو كمن يسمي الكفر إسلاماً وإيماناً!
2- الشورى: من أهم ما تتميز به الدولة الإسلامية العمل بمبدأ الشورى على وجه الوجوب والإلزام، وعلى جميع المستويات العامة والخاصة، وفي جميع مرافق الحكم والحياة .. وبخاصة في الزمان الذي تُفقَد فيه الأمانة .. ويُقال في بني فلان رجل أمين .. ونحن في هذا الزمان!
لا بد للمجتمع الإسلامي من أن تكون الشورى فيه هي الثقافة الرائجة .. التي يتحلى ويتزين بها الجميع .. والجميع ـ سواء كانوا حكاماً أم محكومين ـ يمارسونها ويُطبقونها في حياتهم العملية .. وفي واقعهم المعايش وعلى جميع المستويات.
كما قال تعالى:) وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ (الشورى:38.
وقال تعالى:) وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران:159. وهذا الأمر بالشورى موجه من رب العالمين إلى المسدد سيد الخلق الذي لا ينطق عن الهوى .. فيكون مَن دونه أولى بالالتزام والعمل بالشورى.
عندما يسود العمل بمبدأ الشورى في دولة من الدول .. تكون هذه الدولة دولة الجميع .. وحمايتها ورعايتها مسؤولية الجميع .. وما يُصيبها يعني الجميع .. بخلاف الدولة التي تُغيِّب العمل بمبدأ الشورى .. ويسودها حكم الفرد .. وقرار الفرد .. وهوى الفرد .. فهي حينئذٍ تكون دولة هذا الفرد .. وما يصيبها وينتابها لا تعني سواه .. ولا يتحمل مسؤوليته أحد سواه .. ودولة هذا وصفها لا تقوى على مواجهة الصعاب والتحديات .. ثم ما أسرع انهيارها وسقوطها!
العمل بالشورى أقرب إلى روح العمل الجماعي .. والتكافل الجماعي .. والترابط والتوحد الجماعي الشامل لجميع المسلمين، الذي أثنى الله ورسوله عليه خيراً، كما قال تعالى:) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا (آل عمران:103. هذا الاعتصام بحبل الله جميعاً، ومن دون تفرق بين المسلمين لا يمكن أن يتحقق من غير شورى .. وتشاور بين المسلمين .. ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وقال تعالى:) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (الصف:4. وهذا لا يمكن أن يتحقق من غير شورى .. ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وقال تعالى:) وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (الأنفال:46. ومن الأسباب الرئيسية التي تُذهب التنازع بين المسلمين العمل بالشورى .. كما أنه لا شيء يجلب التنازع بين المسلمين ويوغر صدور بعضهم على بعض كتغييب العمل بالشورى .. وإذا كان الأمر كذلك .. وبهذه الأهمية والخطورة .. فإن العمل بالشورى واجب؛ لأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وفي الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" إن الله يرضى لكم أن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " مسلم.
وقال r:" عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة "[[1]]. وقال r:" الجماعة رحمة والفرقة عذاب "[[2]]. وهذا كله لا يمكن تحقيقه على الوجه المطلوب شرعاً من دون العمل بمبدأ الشورى.
وفي الأثر عن عمر بن الخطاب t قال:" فمن بايعَ رجلاً على غير مشورةٍ من المسلمين فلا يُتابَع هو ولا الذي بايعه؛ تَغِرَّة أن يُقتلا " متفق عليه.
والناظر إلى أسباب تفرق الأمة في هذا العصر وضعفها .. يجد من أهمها تغييب وإهمال العمل بمبدأ الشورى فيما بين المسلمين .. كما أن الناظر في أسباب توحد الأمم الكافرة في هذا العصر ـ على ما بينها من اختلاف وتنوع ـ يجد من أهمها العمل بمبدأ الشورى فيما بينهم! 
فإن قيل: ما هي حدود وصلاحيات وضوابط الشورى في الإسلام ..؟!
أقول: للشورى ضوابط:
منها: أن لا تكون الشورى في أمر فيه نص محكم من الكتاب أو السنة؛ إذ لا شورى مع النص المحكم في ثبوته ودلالته، كما لا اجتهاد عند مورد النص.
أما في موارد الاجتهاد .. وموارد الاستنباط والترجيح .. وعند خفاء المسائل والدليل عليها .. يجوز العمل بالشورى بين ذوي الاختصاص من أهل العلم والفقه، للنظر في مجموع الأدلة والقرائن لمعرفة المحكم منها من المتشابه، والراجح من المرجوح .. ويكون حينئذٍ ترجيح جمهور أو أكثرية أهل العلم والفقه لقول دون قول أو فهم دون فهم .. معتبر في الفقه الإسلامي عند القبول أو الرد، أو تقديم قول على قول، من هنا تجد أقوال أهل العلم والفقه عندما يريد أحدهم أن ينتصر لقول دون قول، فتراه يقول: وهذا الذي عليه الجمهور أو جمهور أهل العلم أو أكثر أهل العلم.
ومنها: أن لا تؤدي الشورى إلى مخالفة نص من نصوص الكتاب والسنة، أو إجماع متفق عليه بين علماء الأمة.
وما سوى ذلك من ساحات وميادين .. واختصاصات .. وأعمال .. فهي كلها خاضعة للشورى .. والعمل الشوري .. ويجوز إعمال الشورى فيها، والله تعالى أعلم.
فإن قيل: متى تكون الشورى واجبة .. فهل مطلق الشورى واجبة .. وفي أي أمر أو عمل؟!
أقول: أيما عمل يترتب على ترك الشورى فيه إلى حدوث فتنة بين المسلمين، وتفرق وتنافر وتباغض فيما بينهم فالشورى والتشاور مع ذوي الشأن من أهل الاختصاص والفقه والعلم في هذا العمل يكن واجباً؛ لأن دفع الفتنة عن المسلمين وكل ما يؤدي إلى تفرقهم واجب، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ويُقال كذلك: كلما كان الأمر أو العمل يعني عامة المسلمين أو شريحة منهم، وله مساس بمصالحهم ـ كما في مسألة اختيار الحاكم المسلم أو إقالته ـ كلما كانت الشورى والتشاور في شأن هذا العمل أقرب إلى الوجوب أو واجباً .. والله تعالى أعلم.
3- العَدْل: من أهم وأعظم الركائز والأسس التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة الإسلامية " العدل "؛ لأن الله تعالى من أسمائه الحسنى وصفاته العليا " العَدْل "، وهو I يحب العدل، ويأمر بالعدل، ويجازي عليه خيراً.
قال تعالى:) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً (النساء:58.  
وقال تعالى:) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل:90.  
وقال تعالى:) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (النحل:76.
وقال تعالى:) فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الحجرات:9.
وقال تعالى:) وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (المائدة:42.
ولأن الله تعالى يسخط الظلم والظالمين .. وقد حرمه I على نفسه وعلى عباده، وتوعد الظالمين منهم بالعذاب الأليم، فقال تعالى:) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً (الكهف:87. وقال تعالى:) وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة:258. وقال تعالى:)  وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (آل عمران:57. وقال تعالى:) فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (الأعراف:44. وقال تعالى:)  أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (هود:18. وقال تعالى:) إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (إبراهيم:22. وقال تعالى:) وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (الحج:53. وقال تعالى:) فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (المؤمنون:41. وقال تعالى:) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (غافر:52. وقال تعالى:) أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (الشورى:45.
وفي الحديث القدسي:" يا عبادي إني حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظاَّلموا " مسلم.
وقال r:" اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة "مسلم.
وقال r:" أشدُّ الناس عذاباً للناس في الدنيا، أشدُّهم عذاباً عند الله يوم القيامة "[[3]].
وقال r:" أشدُّ الناس يوم القيامة عذاباً، إمام جائر "[[4]].
ولأن الأمم والدول لا يدوم لها سلطانها وملكها مع الظلم والطغيان؛ فمن أعظم أسباب زوال الدول وسلطانها وملكها الظلم .. وغياب العدل .. كما قال تعالى عن الأمم الظالمة التي استعدت الأنبياء والرسل، وتعاملت معهم بالظلم والعدوان، والطغيان:) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (إبراهيم:13. وقال تعالى:) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (القصص:40. وقال تعالى:) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (البقرة:124.  
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 28/146: أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويُقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام. وقد قال r:" ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم "؛ فالباغي يُصرَع في الدنيا وإن كان مغفوراً له مرحوماً في الآخرة، وذلك أن العدل نظام كل شيء؛ فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به في الآخرة ا- هـ. 
ومن خصائص العدل في نظام الحكم الإسلامي العدل مع النفس ومع الآخرين من الشانئين المعادين سواء، وإنصاف المظلوم من الظالم وإن كان المظلوم كافراً والظالم مسلماً، كما قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المائدة:8.
وفي الحديث فقد صح عن النبي r أنه قال:" انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً "، فقال رجل: يا رسول الله! أنصرُه مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً ؟ قال:" تمنعه من الظلم؛ فذاك نصرُكَ إيَّاه " متفق عليه. 
4- الأمانة ونزاهة يد الحاكم قبل المحكوم: من خصائص الحكم الإسلامي في الدولة الإسلامية أمانة الحاكم ونزاهته، وترفعه عن النهب والغش، والتخوض في الأموال العامة .. فإن وقع في شيء من ذلك تعرض للمحاكمة والمساءلة ولا بد.
يجوع قبل أن تجوع رعيته .. ويخصهم بالعطاء قبل أن يخص نفسه وأهله وحاشيته .. حقه من بيت مال المسلمين قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يُطعمها لأضيافه، كما في الحديث عن عبد الله بن زُرَيرٍ الغافقي، قال: دخلنا على عليٍّ بن أبي طالب يوم أضحى فقدَّمَ إلينا خَزِيرَةً[[5]]، فقال يا أمير المؤمنين لو قدَّمت إلينا من هذا البطِّ والوَزِّ، والخير كثيرٌ، قال: يا ابن وزيرٍ إني سمعتُ رسولَ الله r يقول:" لا يحلُّ للخليفة إلا قصعتان: قصعةٌ يأكلها هو وأهله، وقصعةٌ يُطعمها "[[6]].
وقال r:" من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجةً، فإن لم يكن له خادمٌ فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكنٌ فليكتسب مسكناً، من اتخذ غير ذلك فهو غالٍ "[[7]]. أي من تعدى من عمال الدولة وولاتها أكثر من ذلك فهو سارق ومعتدٍ على مالٍ ليس له فيه حق.
وقال r:" إنَّ رجالاً يتخوَّضون[[8]] في مالِ الله بغير حقٍّ؛ فلهم النارُ يوم القيامة " البخاري.
وكان عمر بن الخطاب t إذا بعث عُماله ولاة على الأمصار شرط عليهم أموراً:" أن لا تركبوا بِرْذَوناً[[9]]، ولا تأكلوا نقياً[[10]]، ولا تلبسوا رقيقاً[[11]]، ولا تُغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس، فإن فعلتم شيئاً من ذلك فقد حلت بكم العقوبة، ثم يُشيِّعهم "[[12]].
وعمر t إذ كان يأمر الولاة بذلك كان هو أكثرهم التزاماً بما يأمرهم به؛ فلم يكن يخص نفسه وأهله بخلاف ما كان يأمر به الولاة وغيرهم من الناس، لذا سهل على الولاة الالتزام بما كان يأمرهم به الخليفة ابن الخطاب t .. ولو زاغ ـ حاشاه ـ لزاغوا!
لذا نقول: عندما يجوع الحاكم قبل شعبه .. ويخصهم بالعطاء ـ مهما كان قليلاً ـ قبل نفسه وأهله وحاشيته، ويسهر على رعايتهم وخدمتهم وراحتهم ـ كما كان يفعل الفاروق عمر بن الخطاب t وكثير غيره من ولاة المسلمين الأوائل ـ لا يمكن لهذا الشعب أن يُفكر بالثورة على حاكمه مهما عانى من الفقر وظروف المجاعات .. كما أنه يقوى على مواجهة التحديات أو أي حصار اقتصادي يشنه العدو عليهم .. مادام الحاكم ذاته يتحمل قبلهم معاناة وآثار هذا الحصار، ويتقدمهم في الصبر على البلاء والجوع والفقر!
أما إن كان الحاكم يتمتع بثروات طائلة نهبها من أموال الأمة .. ويعيش قمة البذخ والإسراف والتبذير .. ثم هو يُصنَّف كأول أو ثاني أو ثالث أغنى رجل في العالم ـ كما هو حال كثير من طواغيت الحكم العرب في هذا الزمان ـ وفي المقابل ترى شعبه يتضور الجوع والحرمان والفقر .. وهو يرى بأم عينيه كيف تُنهب خيرات وثروات بلاده الطائلة على أيدي الطغمة الحاكمة .. لتصرف على موائد الشهوات والأهواء .. وتُصب في جيوب الأعداء .. فشعب هذا وصفه وحاله وواقعه .. لا يمكن أن يقوى على مواجهة التحديات ولا الحصارات الاقتصادية .. ولا توجد بينه وبين حاكمه المفسد الظالم أي ترابط أو تفاهم أو علاقة دفاع مشترك .. بل ترى همه الأكبر كيف يتخلص من هذه الطغمة الحاكمة، ومن نظامهم وحكمهم وظلمهم .. ولو كان ذلك على يد أعداء الأمة ذاتهم .. كما حصل ولا يزال يحصل في عديد من الأمصار!
عندما الحاكم لا يحوط رعيته بالنصح والرعاية والحماية من كل ما يتهددهم .. وهو لا يهمه من شؤون الحكم والملك إلا نفسه .. وملكه .. وخصائصه ومستحقاته الباطلة من ثروات الدولة .. ومستحقات حاشيته المقربين التي تُثقل كاهل عامة الناس .. وكيف يُثبِّت عرشه وملكه ونظامه .. ولو كان ذلك على حساب جماجم وأمن شعبه كله .. حاكم هذا وصفه وحاله لا يمكن أن يُسمى حاكماً مسلماً، كما أن حكمه لا يمكن أن يُسمى حكماً إسلامياً .. كما لا يمكن أن يستمر له حكم .. ولا
أن تقام له دولة .. ولو قامت فهي سرعان ما تأفل وتزول.
قال رسول الله r:" ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً، فلم يُحِطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة " متفق عليه.
وقال r:" ما من والٍ يلي رعيةً من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرَّم الله عليه الجنة " متفق عليه.
وقال r:" ما من أمير يلي أمرَ المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة " مسلم.
وقال r:" ما من إمامٍ أو والٍ يُغلق بابه دون ذوي الحاجة والخَلَّةِ ـ أي الفقر ـ والمسكنة، إلا أغلق الله أبوابَ السماء دون خَلَّته وحاجته ومسكنته "[[13]].
وقال r:" ما من رجلٍ يلي أمرَ عشرةٍ فما فوق ذلك، إلا أتى الله مغلولاً يدَهُ إلى عنقه، فكَّهُ برُّهُ أو أوثقَه إثمه، أولها ـ إي الإمارة ـ ملامةٌ، وأوسطها ندامةٌ، وآخرها خزيٌ يوم القيامة "[[14]]. هذا فيمن لم يقم بحق الإمارة وواجبها حق القيام، أما إن قام بحقها وواجبها حق القيام، وكان أميناً على أمته ومقدراتها وثرواتها، وحرماتها .. يحكم بين العباد بالسوية والعدل فهو عند الله يوم القيامة على منبر من نور، كما في الحديث، فقد صح عن النبي r أنه قال:" إن المقسطين عند الله على منابر من نورٍ عن يمين الرحمن؛ وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حُكمهم، وأهليهم، وما ولُّوا " مسلم.
5- العِلْمُ: وأعني بالعلم؛ العلم بشقيه ونوعيه: العلم الشرعي، والعلم الدنيوي، حيث أن الحكم في الدولة الإسلامية لا يمكن أن تقوم له قائمة من دون هذين النوعين من العلم.
أما العلم الشرعي: فهو العلم الذي ينظم ويرشد وينمي علاقة الفرد بخالقه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بمجتمعه .. ويُعرِّفه بما يجب عليه نحو ربه، ونحو نفسه، ونحو أهله، ونحو المجتمع الذي يعيش فيه، ونحو الناس أجمعين .. كما هو مبين في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r.
هو العلم الذي يُعرف الفرد بما يجب له وما يجب عليه .. ويُعرف الجماعة بما يجب لها وما يجب عليها .. ويُعرف الحاكم بما يجب له وما يجب عليه.
هو العلم الذي يوضح الغايات من الوجود .. والوسائل التي تؤدي إلى تلك الغايات. 
هو العلم الذي تنتظم به الحياة العامة والخاصة سواء .. فتُصبغ بالصبغة الشرعية التي يحبها ويريدها الله I من عباده.
هو العلم الذي به يستبين الواجب من المحظور، والمستحب من المكروه.
هو العلم الذي يُعرِّف العبد بخالقه I وبأسمائه الحسنى، وصفاته العليا .. وبحقه عليه .. وما للعبد من جزاء حسن إن وفى بهذا الحق.
من دون هذا النوع من العلم تفقد الدولة هويتها .. وعقيدتها .. وانتماءها .. ومناعتها .. واستقلالها .. والغاية من وجودها .. وكذلك المجتمع والأفراد .. من هنا تأتي أهمية هذا النوع من العلم، وأهمية طلبه، وفضل الحرص عليه، كما قال تعالى:) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (التوبة:122. وقال تعالى:) قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (الزمر:9. وقال تعالى:) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (فاطر:28. وقال تعالى:) فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (النحل:43. وقال تعالى:) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (يوسف:108. وهذا لا يتأتى إلا بالعلم.  
وفي الحديث فقد صحَّ عن النبي r أنه قال:" طلب العلمِ فريضةٌ على كلِّ مُسلمٍ "[[15]]. 
وقال r:" من سلَك طريقاً يلتمسُ فيه علماً، سهَّلَ الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكةَ لتضعُ أجنحتها لطالب العلمِ رضاً بما يصنع "[[16]].
وعن صفوان بن عسَّال المرادي، قال: أتيتُ النبيَّ r وهو في المسجد مُتكئٌ على بُردة له أحمر، فقلت له: يا رسول الله إني جئتُ أطلبُ العلمَ، فقال:" مرحباً بطالب العلم؛ إن طالب العلم تحفُّه الملائكةُ بأجنحتها، ثم يركبُ بعضهم بعضاً حتى يبلُغوا السماءَ الدنيا من محبتهم لما يطلب "[[17]].
وقال r:" فضلُ العالمِ على العابدِ، كفضلي على أدناكم؛ إن الله وملائكتَهُ، وأهل السماواتِ والأرض حتى النملةَ في جُحرها، وحتى الحوتَ ليُصلون على معلمي الناس الخير "[[18]].
وقال r:" من يُرد الله به خيراً يُفقههُ في الدين " متفق عليه.
وقال r:" أفضلكم من تعلم القرآن وعلَّمه " البخاري. 
وأما العلم الدنيوي: وهو العلم الذي به تستقيم حياة الناس المادية من ملبس، ومأكل، ومشرب، ومركب، وغير ذلك من الصناعات الحربية التي تقي المؤمنين بأس أعدائهم .. وهو علم لا يمكن تجاهله، أو التهاون به، بل لا يمكن للدولة الإسلامية أن تقوم لها قائمة من دونه؛ لذا كثير منه ـ مما يدخل في حكم الضروريات ـ يكون تعلمه واجباً، وفرضاً كفائياً لا بد من أن ينفر من المسلمين من يكفي الأمة حاجتها من تلك الضروريات، وإلا وقع الإثم والحرج على الجميع ممن يقدرون على سد النقص في تلك المجالات من العلوم والفنون ثم هم لا يفعلون.
هذا النوع من العلم هو الذي به تحافظ الدولة الإسلامية على استقلالها، واكتفائها الذاتي، وتحفظ هيبتها ومكانتها بين الدول والأمم التي لا تعترف إلا بالقوي، ولا تحترم إلا القوي، ولا وجود بينها إلا للقوي، كما قال تعالى:) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (الأنفال:60. ولكي نتمكن من الإعداد ما استطعنا من قوة يستلزم العلم بجميع أنواع وأدوات القوة المعاصرة المتاحة .. وجميع فنون القتال .. التي تكافئ قوة العدو ومهاراته .. والتي تردعه وترهبه وتمنعه من التجرؤ على الاعتداء .. وإذا كان هذا الإعداد واجباً وهو لا يمكن أن يتحقق إلا بالعلم بأدواته وأسبابه دل أن هذا النوع من العلم واجب كذلك؛ للقاعدة الشرعية التي تقول: مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وقال تعالى:) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحديد:25.
فالدولة الإسلامية لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا بالكتاب والحديد معاً .. ومتى أخذت بأحدهما دون الآخر، وقعت في التقصير والتفريط، وحكمت على نفسها بالفشل والزوال!
وقد أُثر عن عمر بن الخطاب t أنه كتب إلى أهل الشام:" علموا أولادكم الكتابة، والسباحة، والرمي، والفروسية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً ".
وقوله r:" طلب العلمِ فريضةٌ على كلِّ مُسلمٍ "، يشمل هذا النوع من العلم كذلك، والله تعالى أعلم. 
6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: من أبرز الخصائص والأسس والركائز والمقومات التي يقوم عليها الحكم في الدولة الإسلامية، " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ".
إذ لا قيام ولا حياة ولا وجود للدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي من دون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن دون أن تكون ثقافة وعقيدة " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "، ثقافة
الدولة والفرد سواء، بل وثقافة المجتمع برمته.
فقد صح عن النبي r أنه قال:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعفُ الإيمان " مسلم.
فقوله " مَن "؛ من صيغ العموم؛ أي كل من رأى منكم منكراً وكان قادراً على إنكاره يتعين عليه إنكاره، إذ لا يقتصر إنكار المنكر على فئة دون فئة، أو شخص دون شخص .. فالجميع يجب عليهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، كل بحسب استطاعته وموقعه. 
وقال تعالى:) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (التوبة:71. فلام التعريف في قوله ) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ ( تفيد العموم والاستغراق؛ أي كل المؤمنين والمؤمنات ) بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثقافة وسلوك وأخلاق جميع المؤمنين والمؤمنات .. وإن كان يجوز أن تتخصص فئة من هؤلاء المؤمنين تكون مهمتها ووظيفتها الأساسية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. والسهر على حماية المجتمع من التلوث بالمنكرات، كما قال تعالى:) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (آل عمران:104.
كذلك من غايات ومقاصد قيام الدولة الإسلامية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قوله تعالى:) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج:41. فمن غايات التمكين للمسلمين في الأرض أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر .. فإن لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر .. فوَّتوا الغاية التي لأجلها منَّ الله تعالى عليهم بالتمكين والاستخلاف في الأرض. 
والمعروف الذي أُمرنا أن نأمر به هو جميع ما يحبه الله تعالى من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهو يشمل جميع شُعب وخصال الإيمان التي أعلاها " لا إله إلا الله "، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.
والمنكر الذي أمرنا أن ننهى عنه هو جميع ما يبغضه الله تعالى ويسخطه من الأقوال والأعمال
الظاهرة والباطنة، وهو يشمل جميع شُعب الكفر والفسوق والعصيان، والتي أعلاها " الإشراك بالله تعالى ، وأدناها إلقاء الأذى في الطريق.
فأمة الإسلام عُرفت خيريَّتها على غيرها من الأمم وفضلها عليها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى:) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران:110. فعلى قدر ما تحافظ الأمة على خاصية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قدر ما تُحافظ على خيريتها وتمايزها وفضلها على غيرها من الأمم والدول.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام الأمان في المجتمع، وهو بمثابة جهاز المناعة فيه؛ إذ هو الجهاز الذي يُطارد المنكرات وآثارها الفتاكة في المجتمع كما تُطارد الكريات البيض في الدم الجراثيم والفيروسات التي تُداهم الإنسان وتتسرب إلى داخل جسده .. وكما أن الإنسان لا يقوى أن يعيش من دون جهاز مناعة يُقاوم الأمراض والجراثيم التي تُداهمه، كذلك المجتمعات لا يمكن أن تعيش أو أن تسود وتبقى سليمة من الأمراض والانحرافات الضارة والقاتلة .. من دون جهاز مناعة يتمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما في الحديث، فقد صح عن النبي r أنه قال:" مثلُ القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضُهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء فمروا على من فوقهم فتأذوا به، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقالوا ـ أي الذين في أسفلها ـ: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقاً فاستقينا منه، ولم نؤذِ مَن فوقنا، فأخذ ـ أي أحدهم ـ فأساً فجعل ينقر أسفلَ السفينة، فأتوه فقالوا مالك؟! قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا وأُنجوا جميعاً " البخاري.
وهكذا مثل الآمرين بالمعروف النَّاهين عن المنكر القائمين على حدود الله مع أهل المنكر والفسوق والفجور الذين يريدون أن ينشروا منكراتهم وضلالاتهم وكفرياتهم في المجتمع وبين الناس ليفتنوهم عن دينهم، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وهلك المجتمع ومن فيه، وإن أخذوا على أيديهم بالضرب والزجر والمنع نجوا ونجوا جميعاً، وسلم المجتمع ـ ومن فيه ـ من الغرق والهلاك، والدمار.
 ومن حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله! أنَهلَكُ وفينا الصالحون؟ قال r:" نعم؛ إذا كَثُرَ الخبَث " متفق عليه.
لا حرية في الدولة الإسلامية للمنكر والفسوق والعصيان والظلم؛ لأن ذلك يعني أن تُعطى الحرية للتخريب والخبَث، والدمار والهلاك والفساد .. وهذا لا يستقيم أبداً في دين الله تعالى، كما أنه لا يستقيم مع غايات ومقاصد الحكم في الدولة الإسلامية.
قال r:" إن الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخذوا على يديه ـ أي بالنهي والزجر والمنع ـ أوشك أن يعمَّهُم الله بعقابٍ من عنده "[[19]]. 
          وقال r:" ما من رجلٍ يكونُ في قومٍ يُعمَلُ فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يُغيروا عليه، ولا يُغيرون؛ إلا أصابهم الله منه بعقابٍ قبل أن يموتوا "[[20]].
وقال r:" لا تزال أمتي بخير ما لم يفشِ فيهم ولدُ الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم اللهُ بعقاب "[[21]].
وقد لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيس ابن مريم عليهما السلام؛ حيث كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، كما قال تعالى:) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (المائدة:78-79.
وهذا مثال ضُرِب للمسلمين؛ فإنهم إن وقعوا فيما وقع فيه كفار بنوا إسرائيل .. فلا يتناهون عن منكر فعلوه .. يُلعَنون كما لُعِنوا .. ويحل بهم السخط والعذاب كما حل ببني إسرائيل من قبل .. فليس لهم كل مُرَّة، ولنا كل حلوة!
وقد أخبرنا النبي r أن الساعة تقوم على شرار الخلق الذين من خصالهم أنهم لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، كما في الحديث:" فيبقى شرار الناس في خِفة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً. فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان. وهم في ذلك دار رزقهم، حسنٌ عيشهم، ثم يُنفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً، وأول من يسمعه رجل يلوطُ حوضَ إبله ـ حرية شخصية على مبدأ ومذهب الديمقراطيين!! ـ قال: فيصعق، ويصعق الناس ..." مسلم.  
        ومنه نعلم أن هؤلاء الذين يُمَنُّون ـ نفاقاً ومداهنة ـ الشعوب والطوائف والفِرَق والأحزاب 
بكل أطيافها وانتماءاتها الباطلة .. بالحريات المطلقة ـ عملاً بشعار ومبدأ الديمقراطية ـ بما في ذلك حرية الفساد والفجور والكفر والإلحاد .. والزندقة .. والمجاهرة بالارتداد عن الدين .. إذا ما قامت دولة الإسلام على أيديهم ـ زعموا! ـ ثم هم مع وزرهم الثقيل هذا يزعمون بأنهم مسلمون .. ومصلحون .. وأنهم يعملون من أجل مستقبل الإسلام والمسلمين ومستقبل دولتهم المنشودة .. فهؤلاء يكذبون .. وهم يصطدمون بعشرات النصوص المحكمة من كتاب الله وسنة رسوله r .. كما أنهم لم يفهموا مقاصد وغايات الإسلام بعد، والغاية من قيام دولته في الأرض .. وعليهم أن يُعيدوا من جديد قراءتهم لبدهيات وأساسيات تعاليم هذا الدين الحنيف .. قبل أن يُنظِّروا لمستقبل الإسلام ولمستقبل دولته المنشودة!
وهؤلاء حظهم من كتاب الله تعالى ـ إلا من رحم الله منهم فتاب وأناب ـ قوله تعالى:) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (التوبة:67.
7- الأَمْنُ: لتعلقه بكثير من ركائز وأسس الحكم في الدولة الإسلامية الآنفة الذكر؛ إذ لا يمكن للحكم ـ في أي دولة من الدول ـ أن تقوم له قائمة في أي مجال من مجالات الحياة من غير أمن وأمان؛ فالمجتمع الذي تحكمه الجريمة وتسيطر عليه العصابات الإجرامية التي تهدد الناس في أمنهم ومعاشهم وحياتهم .. وتعتدي على حرماتهم المصونة .. من دون أن تجد القوة التي تردعها عن غيها وإجرامها، وتأخذ على يد المجرمين منهم بالقصاص الشرعي العادل .. هو مجتمع لا يصلح لأي عمل مثمر بناء .. بل لا يصلح للسكنة والإقامة فيه .. وهو أقرب ما يكون إلى الغاب التي تسودها وتحكمها شريعة الأقوى والأشطر!   
لذا نجد أن الإسلام شرَّع الحدود والقصاص التي تردع المجرمين وأصحاب النفوس المريضة من الاعتداء على أمن وحرمات الآخرين .. واعتبر ذلك فيه حياة للمجتمع والناس أجمعين، كما قال تعالى:) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة:179.
فإن قيل: كيف يكون في القصاص حياة، وقد يترتب على تنفيذ الحد أو القصاص الشرعي موت أو بتر عضو من أعضاء الجاني المعتدي؟
أقول: بموت أو بتر هذا العضو من جسد المجرم الجاني يكون سبباً في سلامة الآلاف من الناس من أن يُعتدى عليهم وعلى حرماتهم في شيء .. فيكون بهذا الاعتبار حياة لهم.
ويكون حياة كذلك باعتبار الازدهار الاقتصادي والحضاري الذي يتحقق في المجتمع بسبب
انعدام الجريمة، وفشو الأمن والأمان .. وما كان ذلك ليكون لولا العمل بالحدود الشرعية، والأخذ على يد المجرم الجاني بالقصاص العادل.  
وقال تعالى في حد الحرابة بخصوص الذين يقطعون الطريق على الناس، ويسطون على حرماتهم، ويتمنعون بقوة السلاح:) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة:33.
لذا لم يعرف التاريخ مجتمعاً آمناً يخلو من الجرائم أكثر من المجتمع الإسلامي الذي تُطبق فيه الحدود الشرعية .. ولمن يُخالفنا الرأي حول هذا الأمر، نقول له: أحصِ عدد الجرائم التي حصلت في عهد النبي r، وعهد الخلفاء الراشدين من بعده طيلة عقود حكمهم .. وعدد الجرائم التي تحصل في أمريكا في يوم واحد فقط .. فستجد أن الجرائم التي تحصل في أمريكا في يوم واحد ـ رغم ضخامة جهاز الرقابة فيها ـ أضعاف الجرائم التي حصلت في عدة عقود في المجتمع الإسلامي!
لكن رغم أهمية " الأمن " في نهضة وتقدم الدول .. وحياة الناس .. إلا أنه ينبغي التعامل معه باعتدال وعدل من غير إفراط ولا تفريط .. وبصورة لا تؤثر سلباً على ركائز وأسس الحكم الآنفة الذكر!
إذ لا يجوز أن يكون الأمن ذريعة للسطو على حقوق وأمن وحرمات الناس .. وترويعهم .. والتجسس عليهم .. وعلى خصوصياتهم .. وفرض الأحكام العرفية، وحالة الطوارئ .. كما يحصل ذلك في كثير من الدول المعاصرة التي تهتم بأمن الحاكم ونظامه على حساب أمن الناس والمجتمع .. وهي عندما تتكلم عن الأمن .. تعني أمن الحاكم وحكمه وعرشه، وحاشيته .. أكثر مما تعني أمن الناس والمجتمعات .. فهذا المعنى الخاطئ لا نريده من حديثنا عن الأمن .. بل نسخطه .. وننزه الإسلام منه.
عن معاوية t قال: سمعت رسولَ الله r يقول:" إنَّك إن اتبعتَ عوراتِ الناس أفسدتَهُم أو كِدتَ أن تُفسدهم ".
قال أبو الدرداء: كلمةٌ سمعها معاوية من رسول الله r نفعه الله تعالى بها [[22]].
وقال r:" إن الأمير إذا ابتغى الريبةَ في الناس أفسدهم "[[23]].
وفي ذلك عِظة ـ لو كانوا يعقلون! ـ للأنظمة الطاغية الفاسدة القائمة على التجسس وابتغاء الريبة في الناس؛ والتي تضع على كل فرد من أفراد المجتمع جاسوساً يتجسس عليه ويتتبع عورته، وعلى الجاسوس من يتجسس عليه وعلى أدائه التجسسي .. إلى أن يتحول المجتمع إلى سلسلة من الجواسيس .. الكل يتجسس على الكل .. وكل ذلك بحجة الحفاظ على الأمن .. زعموا!
هذه هي أهم ركائز وأسس وقيم الحكم في الدولة الإسلامية .. وبالتالي أيما دولة إسلامية تقوم في المستقبل نتوقع منها .. ويتوقع منها كل مسلم .. أن تلتزم بهذه الركائز والأسس والقيم .. فإن لم تلتزم بها .. ولم تقم على أساسها .. فلتسمي حينئذٍ نفسها الاسم التي تشاء .. وتنتسب إلى الدين التي تشاء .. إلا أننا لا نقبل منها بأن تسمي نفسها دولة إسلامية أو أن نظام الحكم فيها هو نظام إسلامي .. فتسيء إلى عظمة الإسلام ونقائه وهي تدري أو لا تدري!

25/1/1426 هـ.                              عبد المنعم مصطفى حليمة

    5/3/2005 م.                                     أبو بصير الطرطوسي




[1]  صحيح سنن الترمذي:" 1758.
[2]  السلسلة الصحيحة:667.
[3]  أخرجه أحمد، والبيهقي، صحيح الجامع:998.
[4]  أخرجه الطبراني في الأوسط، وأبو يعلى في مسنده، صحيح الجامع:1001.
[5] الخزيرة: لحم يُقطَّع صغاراً ويُصَب عليه ماءٌ كثير، فإذا نضج ذُرَّ عليه الدقيق، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة." النهاية ".
[6] أخرجه أحمد، وابن أبي الدنيا في الورع، السلسلة الصحيحة:362.
[7] أخرجه أبو داود، وصححه الشيخ ناصر في المشكاة:3751.
[8] أي يتصرفون في الأموال العامة للدولة التابعة لعامة المسلمين نهباً وسلباً، وإسرافاً وتبذيراً .. فهؤلاء لهم النار يوم القيامة.
[9] هو الفرس الأعجمي؛ لما يمكن أن يحصل لراكبه من خيلاء وتكبر .. فيفسد طبعه، فيستعذب الطغيان!
[10] هو الطعام المنقى مرة بعد مرة .. وهذا لا يحصل لعامة شعبه ورعيته .. وقد يفسده فيجعله يألف الترف، وهذا
يؤثر على مهمته، والأمانة الملقاة على عاتقه نحو شعبه ورعيته.
[11] لما في ذلك من التنعم والإسراف الذي قد يُشغله عن واقع رعيته، وحاجتهم.
[12] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، المشكاة: 3730.
[13] أخرجه أحمد وغيره، صحيح الجامع: 5685.
[14] أخرجه أحمد، صحيح الجامع: 5718.
[15] أخرجه ابن ماجه وغيره، صحيح الترغيب:70. 
[16] أخرجه أبو داود وغيره، صحيح الترغيب:68.
[17] أخرجه أحمد وغيره، صحيح الترغيب:69.
[18] أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
[19]  أخرجه أبو داود وغيره، صحيح الترغيب: 2317.
[20]  أخرجه أبو داود وغيره، صحيح الترغيب: 2316.
[21]  أخرجه أحمد، وقال عنه ابن حجر في الفتح 10/203: سنده حسن.
[22] صحيح سنن أبي داود: 4089.
[23] صحيح سنن أبي داود: 4089.

إرسال تعليق

 
Top