GuidePedia

0

بسم الله الرحمن الرحيم 
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
          فقد تناولت وكالات الإعلام المختلفة القوانين ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب والتشدد التي اقترحها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، والتي تقارب أربعة عشر بنداً أو قانوناً .. ولخطورة هذه القوانين المقترحة على الجالية المسلمة والمجتمع البريطاني سواء .. أجد نفسي ملزماً ـ من قبيل النصح للجميع، وإنصاف الحق ـ بأن أشير إلى جملة من المحاذير، والمآخذ، والملاحظات التي تؤخذ وتُسجَّل على تلك القوانين المقترحة من قِبل رئيس الوزراء البريطاني وحكومته!

          وقبل أن أشير إلى تلك المحاذير والمآخذ، أود أن أؤكد على ما كنت قد ذكرته مراراً: أن الجالية المسلمة في بريطانيا ـ ممثلة بجميع مؤسساتها ورموزها ـ حريصة على السلام والأمن الاجتماعيين .. وهي ترفض كل ما يُخل بهذا السلام والأمن بينها وبين جميع أطياف المجتمع البريطاني .. لاعتقاد الجالية المسلمة ـ سواء المواطن منهم أم الوافد المقيم ـ أنها في عقد وميثاق وعهد مع المجتمع والدولة .. يُحرِّم عليها شرعاً وخُلُقاً أن تُخل بلوازم وشروط هذا العهد والعقد .. والتي منها احترام حرمات الناس ـ كل الناس ـ الذين يعيشون في المجتمع البريطاني .. وعدم الاعتداء عليهم في شيء .. هذا المعنى ـ لأهميته ـ نذكِّر به ابتداء قبل الشروع في بيان المحاذير والمآخذ على تلك القوانين والمقترحات!
          أما ما هي أهم المحاذير والمآخذ التي تؤخذ وتترتب على تلك القوانين التي اقترحتها حكومة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير .. فأجملها في النقاط التالية:
          1- اتسام تلك القوانين والمقترحات .. بالانفعالية .. والغضب .. وردة الفعل؛ فهي ـ قوانين ـ لم تأخذ حقها من الدراسة والبحث والتمحيص، والنظر في الجوانب الإيجابية أو السلبية .. وما يمكن أن ينتج عنها من نتائج سلبية لا تُحمد عُقباها .. فرئيس الوزراء البريطاني .. ما إن حصلت التفجيرات في مدينة لندن .. إلا وقد فاجأ الجميع بقوانينه واقتراحاته ـ وكأنها مبيتة في نفسه ومنذ زمن! ـ وبصورة انفعالية تتسم بالغضب والسخط وردة الفعل .. مستغلاً سخط الناس واستياءهم من التفجيرات التي حصلت لمدينة لندن .. ولعلمه المسبق أنه في وسط هذا السخط والاستياء يُمكن أن يُمرر القانون الذي يشاء .. ومن دون أن يلقى أي معارضة .. أو تلك المعارضة التي يُمكن أن
تواجهه من دون تلك الأحداث .. أو عندما يكون الشعب البريطاني في مزاجه المعتدل!
          فرئيس الوزراء البريطاني تصرف بطريقة استغلالية لمشاعر الناس وعواطفهم .. كمن يصيد في الماء العكِر .. ولغاية في نفسه!
          مما يؤكد هذا البعد الاستغلالي عند رئيس الوزراء البريطاني ـ وأن الأمر مبيت في نفسه منذ زمن ـ أن هذه القوانين والمقترحات التي تتجاوز الأربعة عشر قانوناً .. لماذا لم يتقدم بها ويقترحها قبل الأحداث ـ وقد مضى على حكم بلير للبلاد أكثر من عشر سنوات ـ مادام فيها نفعاً للشعب البريطاني .. والمجتمع بحاجة إليها؟!
          فإن قال: هذه القوانين يحتاجها المجتمع البريطاني منذ زمن .. ولكن كنت أنتظر حدثاً ما لأمررها؟!
          نقول له: هذه خيانة لمجتمعك وشعبك؛ إذ كيف تؤخر شيئاً تملكه وتعرفه .. وتقدر عليه .. رغم حاجة المجتمع والناس إليه!
          وإن قال: هذه القوانين جاءت كردة فعل للتفجيرات التي حصلت ..!
          نقول له: مشكلة كبيرة .. كلما يُخطئ فرد أو مجموعة أفراد لا يتعدون عدد أصابع اليد .. ولا يمثلون إلا أنفسهم .. فترد الحكومة البريطانية عليهم وعلى خطئهم .. بأربعة عشر قانوناً!!
          2- مما يؤخذ على هذه القوانين كذلك اتسامها بالضبابية والصبغة التعميمية؛ أي أنها غير محددة المعالم ولا منضبطة بوصف معين ومحدد، حيث يُمكن أن يدخل فيها من لا يكون هدفاً لها .. ويؤخذ بها الصالح والطالح، والمحسن والمسيء .. والمذنب وغير المذنب .. وكلهم من الممكن أن تجد من هذه القوانين ولوازمها التي يريد " بلير " تشريعها، والعمل بها .. ما يدين هذا المذنب والبريء سواء .. ما يدين ويُجرم المصلح والمفسد سواء .. بل لا أعدو الحقيقة لو قلت أنه من الممكن أن يُستخرج من هذه القوانين التي يريد رئيس وزراء بريطانيا تشريعها ما تدينه ذاته وبشخصه .. وتدين عدداً من أعضاء حكومته!
          جرَّمت القوانين التشدد .. ورتبت على ذلك الوعيد .. والسجن .. والطرد .. والتسليم ونزع الحقوق المدنية وغيرها من حقوق المواطنة عن كل من يُعرف بالتشدد .. بحسب القوانين التي شرَّعها بلير!
          والسؤال: ما هي حدود ومعاني وصفة هذا التشدد الذي يؤخذ صاحبه بالنواصي والأقدام .. ومن الذي يُحدد أن هذا تشدد أو غير تشدد .. وهل التشدد هو الذي يحكم عليه الإسلام بأنه تشدد
أم الذي يحكم عليه بلير وحكومته بأنه تشدد؟!
          فهل المقياس للتشدد ـ مثلاً ـ بحسب موقف المرء من السياسة الخارجية العدوانية لبلير وحكومته؛ فمن عارضه فهو متشدد .. ومن وافقه وزين له أخطاءه وعدوانه فهو غير متشدد؟! 
          ثم أن التشدد والغلو صفة لازمة لكثير من الشعوب .. والأديان .. والطوائف .. والجماعات وبالتالي فهل سيؤخذ المتشددون المتطرفون النصارى .. أو اليهود .. أو العلمانيون ـ وما أكثرهم لو أردنا الاستدلال ـ  بهذه القوانين .. وسيُعاملون ويُحاكمون بها كما سيُعامل ويُحاكم بها المسلمون أم لا ..؟!
          فإن قيل: نعم ...!
          نقول: الواقع .. لا يدل على ذلك .. وهو يرد ذلك ويكذبه!
          وإن قيل: لا؛ هي شُرِّعت وفُصِّلت للمسلمين وحسب .. فالتشدد والتطرف منهم مذموم وممنوع .. ومن غيرهم ممدوح ومسموح!
          نقول: قد صدقتم .. ولكن هذه هي العنصرية بعينها .. وهذا هو التطرف بعينه .. الذي شُرِّعت القوانين من أجل استئصاله .. فكيف تنهون عن خُلق وتأتون أسوأه!
          وكذلك جَرَّمت القوانين الكراهية .. ومن يدعو إلى الكراهية .. ورتبت على ذلك الوعيد والعقاب .. من دون أن تُحدد معنى وصفة وحدود الكراهية المستهجنة والتي تستهدفها قوانين بلير!
          فالإنسان فُطر على الحب والكره .. وبالتالي لا بد له من أن يحب وأن يكره؛ فقد فُطر على حُب الخير، والحق، والجمال، والعدل وأهله .. وكره الشر، والظلم، والطغيان، والإجرام، والطواغيت المجرمين الظالمين .. وكره الشيطان وأهله .. فما موقع هذا النوع من الكره من تلك القوانين والتشريعات التي يريد بلير أن يشرعها .. فهل هي تستهدفه أم لا!
          هل هذه القوانين .. تستهدف كل من يدعو للكراهية، وإن كانوا هؤلاء الدعاة من النصارى، أو اليهود، أو العلمانيين المتطرفين .. أو الصحفيين والكتاب .. وما أكثرهم لو أردنا الاستدلال .. كما تستهدف المسلمين منهم؟!
          فعلى سبيل المثال هذا سلمان رشدي .. الذي تحميه وتأويه بريطانيا .. والذي تطاول ـ في إحدى رواياته الساقطة التافهة ـ على نبي الإسلام .. المبعوث رحمة للعالمين محمد صلى الله عليه وسلم بالطعن والسب .. هل هذا ممن يدعون إلى المحبة بين الشعوب أم إلى الكراهية .. وهل قوانين الكراهية ستطاله وتطال أمثاله ـ وما أكثرهم ـ أم لا ..؟!!
          فإن قيل: هي ستطال الجميع ومن دون تفريق ..!
          نقول: الواقع يُكذب ذلك ويرده ..!
          وإن قيل: المستهدف من قانون الكراهية هم المسلمون وحسب ..!
          نقول: صدقتم .. ولكن هذه هي العنصرية الممقوتة ذاتها التي تكرهها الأنفس السوية .. وأنتم تناقضون قانونكم بأنفسكم .. فتحاربون الكراهية بالكراهية!
          ونسأل كذلك .. هل غزوكم للعراق .. ولأفغانستان .. وقتل الناس هناك .. وكذلك سجن أبو غريب .. وجوانتنامو .. وغيرها من السجون التي تُنتهك فيها جميع القيم الإنسانية .. هي ممن تُثير وتنشر المحبة بين الناس أم العداوة والكراهية .. والتي سيتوارثها الأجيال جيل بعد جيل!
          الذي أود قوله هنا: أن الكراهية لا تُزال من النفوس ولا تُحارب بالقوانين المجردة .. وإنما بالمواقف السديدة .. والأعمال .. وبالعدل .. والسياسة الحسنة والحكيمة .. وبالتالي إن كان " بلير " حريصاً على محاربة الكراهية ونزعها من النفوس فعليه أن يُراجع مواقفه .. وسياساته .. وأفعاله .. قبل أن يُصدِّر لنا قوانينه الغامضة المعاني والمقاصد!
          3- مما تتسم به هذه القوانين كذلك ويؤخذ عليها أنها تُعد عقوبة جماعية لمجموع المسلمين المقيمين في بريطانيا .. ولمساجدهم ومؤسساتهم .. ومصالحهم .. ومن دون سببٍ يُذكر يستدعي مثل هذه العقوبة .. وهذه الإجراءات الانتقامية!
          فإن ظهر من الجالية من أخطأ أو ارتكب جرماً .. يؤخذ ذاته .. ويُعاقب على جرمه وخطئه ذاته لا غيره .. فضلاً عن أن تتحمل تبعات فعله الخاطئ الجالية المسلمة برمتها والتي يتجاوز تعدادها الثلاثة ملايين نسمة .. كما هو حاصل الآن؟!
          جميع قوانين العدل قضت وتقضي بأن لا يؤخذ المرء بجريرة غيره .. وأن المرء لا يجني إلا على نفسه .. وأن لا تزر وازرة وزر أخرى .. إلا قوانين بلير فقد قضت بأن تؤخذ الجالية المسلمة برمتها بجريرة أفراد قلة لا يُمثلون إلا أنفسهم!
          رئيس الوزراء البريطاني متناقض مع نفسه عندما يُصرح مراراً أنه سيخدم الجالية المسلمة .. وسيتعاون معها .. وسيعمل على راحتها ومصالحها .. وفي نفس الوقت تراه يجلدهم وبقسوة من خلال قوانينه واقتراحاته الجائرة التي تضيق عليهم الخناق .. وتسلبهم حقوقهم .. وتزيد من كراهية ونقمة المجتمع والدولة عليهم!! 
          4- تعارض هذه القوانين مع القيم السائدة النبيلة التي عُرف بها المجتمع البريطاني .. وتميَّز عن
غيره: كروح التسامح .. والحرية .. والعدل .. وقبول الآخر والتعايش معه بسلام .. وغيرها!
          فإن قيل: ولكن هذه القيم قد استغلت استغلالاً خاطئاً .. وبالتالي لا بد من الأخذ على أيدي هؤلاء المخطئين .. وإن أدى إلى إلغاء العمل بتلك القيم النبيلة ..!
          نقول: جميع قوانين العقل والمنطق تقول: بأن المنكر يُنكَر .. والخطأ يُرد .. والمجرم يؤخذ على يديه ويُحاسب .. ويُمنع من إجرامه .. ولكن القيم والمبادئ النبيلة تبقى .. والعمل بها يبقى .. إذ لا طعم للحياة من دونها .. كما أن الدول تتفاضل فيما بينها بتلك القيم والمبادئ .. وعلى قدر التزام كل دولة بتلك القيم والمبادئ! 
5- ومما تتسم به هذه القوانين كذلك أنها تتنافى مع أبسط مقومات حقوق الإنسان .. فهي تتسم بالظلم والجور، والإرهاب، والتعميم، وأخذ الناس بالظن والشبهات والمحتملات؛ حيث من مؤدى العمل بهذه القوانين ـ كما هو معلوم ـ نزع الجنسية عن صاحبها .. وحرمانه من حقوق المواطنة ـ مهما طال مكثه في البلاد ـ ولأسباب واهية وظنية .. بل وربما من دون سبب معتبر .. ولمجرد حب التشفي والانتقام .. ومن ثم ترحيله إلى موطن الاستئصال والظلم والتعذيب الذي فرَّ منه .. وهذا له محاذير عدة:
منها: أنه يُضعف من شعور انتماء الفرد أو الجماعة للمجتمع الذي تعيش فيه .. ويُقلل من تفاعلها معه .. ويجعل المرء ينظر لنفسه وكأنه غريب ومهدد .. لا أمان له .. وأنه مواطن من الدرجة الرابعة والعاشرة .. لا يحق له ما يحق لغيره .. وأن الجنسية التي أُعطيها ما هي إلا عبارة عن ورقة تُنزع منه متى شاء مانحها .. وهي لا تعني تلك الحقوق المتبادلة بين الطرفين .. وهذه نتيجة لا أظن الساسة البريطانيين وعقلاءهم يُحبذونها!  
ومنها: أن عقوبة الترحيل إلى موطن الاستئصال والتعذيب ـ التي أكدت عليها قوانين ومقترحات بلير ـ يعني ـ عند كثير من المراقبين والحقوقيين وغيرهم ـ نقض للعهد والأمان الذي أعطي ومُنح للمؤمَّن .. وغَدر به ـ من قبل الدولة والجهات الرسمية ـ بعد أن أعطي الأمان .. وهذه سمعة لا تليق بالدولة البريطانية ولا بالمجتمع البريطاني .. ولها نتائج سلبية جداً!
لا يُقبل من أي دولة أن تقول لللاجئ الطالب للجوار والأمان ـ ومنذ الساعات الأولى من وصوله إلى ديارهم ـ أنت حرٌّ .. ولك أن تُعبر عن نفسك وعقيدتك كما تشاء .. وأن تُعارض من تشاء .. وأن توالي من تشاء .. ثم بعد أن صدَّق هذا اللاجئ نفسه أنه حر .. وصدق مقولتهم له .. وأراد أن يمارس حريته وفق ما حُدد وأذن له .. وبعد أكثر من عشر سنوات .. تقوم الدولة بمراجعة إرشيفه وتصريحاته وكلماته .. لتخرج منها ما يُدان به .. وما يتعارض مع القوانين الجديدة التي اقترحها توني بلير .. ليتم ترحيله إلى موطن الاستئصال والتعذيب .. فهذا أيضاً من الغش والغدر .. هكذا سيفسر الناس الحدَث!
فنحن كما نُطالب الناس بأن يُراعوا ويحترموا عهدهم وميثاقهم مع الدولة والمجتمع .. وأن لا يغدروا في شيء .. ونلزمهم بذلك شرعاً .. كذلك نُطالب الدولة بأن تحترم عهدها وأمانها مع من طلب اللجوء إليها ودخل في جوارها وأمانها!
فإن قيل: فإن هو بدأ وأخطأ .. وظهر منه ما يدل على نقضه للعهد والأمان؟
أقول: الدولة حينئذٍ في خيارين لا ثالث لهما:
أولهما: أن تردَّه وتخرجه إلى أرض آمنة لا يتعرض فيها لأي نوع من أنواع التعذيب والمهانة، والأذى؛ كالسجن ونحوه .. لكن لا يجوز بأي حال أن ترده إلى بلد الاستئصال والتعذيب والظلم الذي فرَّ منه .. وله مواقف قديمة تنم عن معارضته لنظام ذلك البلد .. مهما أبدى هذا النظام وتعهد بأنه لا يتعرض للضحية بالتعذيب أو الأذى .. فهو كذاب .. والثعلب ـ مهما أوتي من دهاء ـ لا يُمكن أن يخرج من جلده! 
ثانياً: فإن تعذّر ذلك .. وانتفى وجود المكان الآمن .. يُحاسَب ويُحاكم داخل البلاد إن بدر منه ما يستدعي المحاسبة والمحاكمة.
هذا في حال كان هذا المخالف المخطئ لا يحمل جنسية الدولة .. أما إن كان يحمل جنسيتها .. وينتمي إليها من حيث النشأة والموطن .. فليس للدولة سوى خيار واحد؛ وهو أن تُحاسبه وتُحاكمه في داخل البلد، كواحد من رعاياها ومواطنيها .. ومن دون أن تعرضه لأي نوع من أنواع الطرد أو الترحيل .. هذا ما تقتضيه قوانين العدل .. وقوانين التعاقد التي بموجبها حصل المرء على جنسية الدولة والمجتمع!
6- مما يدل على فساد وبطلان هذه القوانين .. معارضة جميع قوى الخير ـ المهتمة بحقوق الإنسان ـ لها .. ومن جهة أخرى فرح الأنظمة الطاغية الفاسدة ـ في بلاد العرب والمسلمين ـ بها .. كما ظهر ذلك ـ وبشماتة ظاهرة ـ عبر وسائل إعلامهم .. فمثلهم مثل الثعلب العقور الأجرب الذي ينتظر فريسته بفارغ من الصبر لينقض عليها .. ألا قاتل الله الظلم والظالمين!
7- من المحاذير التي قد يؤدي إليها العمل بهذه القوانين .. لجوء الجالية المسلمة في كثير من أنشطتها العادية إلى السريَّة والعمل السري .. وربما يؤدي بهم إلى قراءة القرآن تحت الأرض .. بعيداً عن كامرات المراقبة وأعين الناس .. وحتى لا يؤخذوا بالشبهات .. وبخاصة بعد أن أغلقت السلطات البريطانية عدداً من مدارس ومراكز تدريس وتحفيظ القرآن الكريم .. كما بلغني!
وفي العمل السري قد تنمو بعض الأفكار والسلوكيات الخاطئة .. بعيداً عن أعين المصلحين والمربين .. مما يصعب معالجتها وتقويمها .. واحتواء آثارها .. وهذا مما لا نريده ولا نرضاه!
لا نريد للمسلمين في أوربا أن يمروا بنفس التجربة التي مروا بها في الدول الشيوعية الملحدة أبَّان عهد لينين واستالين وغيرهما من طواغيت الحكم الشيوعي .. حيث كانوا يُخفون دينهم .. ويُمارسون شعائرهم التعبدية وهم في قمة السرية والتخفي .. والخوف .. وكأنهم يقترفون جرائم لا تُغتفر .. كما لا نريد للدول الأوربية أن تنحطّ إلى مستوى تلك الدول الديكتاتورية الشمولية الظالمة .. التي تُجرِّم من تجد معه نسخة من كتاب الله .. أو عرفت عنه أنه من أهل الصلاة أو ممن يؤدون الشعائر التعبدية!
8- ومن المحاذير كذلك أن العمل بمقتضى هذه القوانين المقترحة .. مؤداه إلى تجهيل المسلمين بدينهم .. تحت عنوان وذريعة محاربة الإسلام المتشدد والمتطرف .. والجهل بتعاليم الدين ومقاصده وغاياته .. مؤداه للوقوع في كثير من الأخطاء والممارسات الشاذة والمنحرفة .. والتي تكون في غالب الأحيان باسم الدين .. وبسبب الجهل بالدين ومقاصده. 
الخوف لا يكون من العلم .. ولا من أهل العلم .. وإنما يكون من الجهل .. ومن أنصاف العلماء .. والمتعلمين!
لا ينبغي الخوف عندما تصل المعلومة أو الحقيقة كاملة إلى الطرف الآخر .. وإنما الخوف يحصل عندما تصل نصف المعلومة أو الحقيقة إلى الطرف الآخر .. فتُحدِث عنده تورمات وإفرازات خاطئة غير مرغوب بها!
جميع الذين قاموا بتفجيرات لندن .. نجد أنهم يشتركون في صفة واحدة ألا وهي الجهل بالدين وأحكامه ومقاصده .. وأخلاقه .. وأن الدافع الأكبر الذي حملهم على الوقوع فيما قاموا به هو الجهل .. إذ العالم بدينه وأحكام دينه لا يمكن أن يفعل الذي فعلوه!
بل أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فأقول: أن القائمين على غالب المساجد والمراكز الإسلامية في بريطانيا .. من أئمة وغيرهم .. يغلب عليهم الجهل، والجبن، والأنانية!
أما جهلهم بدين الله وأحكامه ومقاصده وأخلاقه .. فحدث ولا حرج .. ومن كان كذلك كيف يُنتظر منهم أن يُعلموا الناس ما هم يفقدونه أصلاً .. ففاقد الشيء لا يُمكن أن يُعطيه للآخرين!
وأما الجبن: فهم إلى جهلهم يتصفون بالجبن والإرجاف؛ إذ لا يجرؤون أن يطرحوا أي موضوع للنقاش أو الحوار .. كما أنهم لا يجرؤون ـ هذا على افتراض علمهم ـ أن يجيبوا الناس عن أسئلتهم، وحاجياتهم؛ وبخاصة إن كانت أسئلتهم لها مساس بواقعهم وحياتهم في هذه البلاد!
أتحدى واحداً من هؤلاء أن يقول للشباب سلوا ما بدا لكم .. ومن دون أدنى تحفظٍ عما يطرحونه ويسألون عنه .. وتحدث به أنفسهم .. وأنا أجيبكم؟!
وأما الأنانية: فهم إلى جهلهم وجبنهم .. يمنعون غيرهم من أن يتكلم وينفع الناس في تلك المساجد والمراكز .. خوفاً من أن تتفلَّت منهم إدارة هذه المراكز .. والمغانم التي تدرها عليهم!!
لا هم نفعوا الناس .. ولا تركوا غيرهم ينفع الناس!!
وأئمة هذا وصفهم .. لا يمكن أن يلبوا حاجيات الجالية المسلمة البريطانية الثقافية والروحية والفكرية، والتربوية .. مما يجعل كثيراً من أفراد الجالية ينأون عن هؤلاء الأئمة .. ويبحثون عن العلم والحقائق من تلقاء أنفسهم .. وعبر وسائلهم الخاصة .. فمنهم الذي يصل .. ومنهم الذي لا يصل .. ومنهم الذي يضل وينحرف ومنهم الذي يأخذ الله بيديه إلى الحق!
لذا أقول وبكل وضوح: هذه الشريحة من الأئمة والإداريين المهيمنين على غالب المساجد والمراكز الإسلامية في بريطانيا .. هم جزء كبير من المشكلة .. ويتحملون جزءاً كبيراً من مسؤولية الأخطاء التي قد يقع فيها بعض أفراد الجالية المسلمة في هذه البلاد!  
لذا فإن سياسة تجهيل المسلمين بدينهم .. نتيجة إغلاق مساجدهم ومدارسهم .. واتباع سياسة تكميم الأفواه .. التي ترمي إليها قوانين توني بلير .. إضافة إلى ما تُعاني منه الجالية أصلاً من جهل بسبب أولئك الأئمة .. قد تكون لها نتائج عكسية وسلبية لا تُحمد عقباها!
هذا الذي أنصح به .. وهذا الذي وددت التنبيه إليه .. وما أردت إلا الخير والإصلاح .. ) إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (هود:88.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

          5/7/1426 هـ.                             عبد المنعم مصطفى حليمة
          9/8/2005 م.                                " أبو بصير الطرطوسي "

إرسال تعليق

 
Top