GuidePedia

0
بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.  
          لو أن " حماس " خاضت تجربتها الانتخابية الديمقراطية في فلسطين على أنها تجربة شخصية، حزبية .. وطنية .. ولمآرب حزبية شخصية خاصة .. شأنها شأن الأحزاب الأخرى .. لهان الأمر .. وخفَّ المصاب .. أما أن تخوض تجربتها الديمقراطية هذه باسم الإسلام .. ومن ثم تزعم ـ أنها في جميع خطواتها وتحركاتها ـ تمثل الإسلام .. وتلتزم بالإسلام، وبقواعده، ونصوصه وتعاليمه .. وبالعمل من أجل غاياته وأهدافه .. فهذا لا يُقبل منها ولا من غيرها ممن ينتهج نهجها .. لما فيه من تلبيس على الناس .. وتشويه لحقائق الأمور .. وإساءة للإسلام ذاته، ولصفاء منهجه وعقيدته .. وهو الذي حملنا على أن نخط هذه الكلمات ناصحين ومشفقين لحماس .. وأفراد حماس .. ولكل من صفَّق لها ولتجربتها وبُهر بها!

          وفي اعتقادي أن حماس بتجربتها الانتخابية الديمقراطية الآنفة الذكر قد دخلت نفقاً مظلماً مليئاً بالأشواك والجيف المتعفنة النتنة .. وآثرت إلا أن تجلس مع نافِخي الكِير .. لا يمكن لوالجه أن يسلم من الضرر والأذى والاحتراق .. ولو خرج منه بعد شق الأنفس .. فهو لا يمكن أن يخرج منه مُعافىً كما كان قبل أن يدخله!
وظلمة ونتانة هذا النفق تأتي من جهات عدة:
1- تغييب العمل بعقيدة الولاء والبراء في الإسلام، ويظهر ذلك في تمسكهم برئيسهم " أبو مازن " والعمل تحت حكمه وفي ظله، وهم أنفسهم كانوا قبل أشهرٍ يصفونه بالبهائي والكافر، والعميل والفاسد وغير ذلك من عبارات الذم.
وكذلك حرصهم على العمل وتشكيل حكومة وطنية تضم منظمات يسارية شيوعية .. لا يختلف اثنان على كفرها وخروجها على ثوابت الدين الإسلامي .. طالما الشعب الفلسطيني المسلم عانى منها الويلات .. ونشد الخلاص منها، ومن أزلامها!
الشعب المسلم الفلسطيني أثبت كفره بهذه المنظمات وزعمائها .. من خلال رفضها وعدم التصويت لها .. إلا أن حماس ـ وهي بغنى عن ذلك ـ تقول لهم: هؤلاء شركاؤنا في العملية السياسية .. لا يمكن أن نستغني عنهم .. فلا بد من أن نتخذ منهم بطانة .. ووزراء .. وحكاماً .. ونشكل معهم حكومة وطنية كما يحلو لهم أن يسموها!
إضافة إلى مداهنتهم الصريحة الظاهرة لأنظمة طاغية كافرة فاسدة ـ تحت ذرائع سد النقص والعجز ـ عُرفت بعدائها الشديد للإسلام والمسلمين؛ على رأس هذه الأنظمة الطاغية؛ النظام الرافضي الإيراني، والبعثي النصيري السوري .. ولكل من هذه الأنظمة أجندتها التي تأبى أن تُعطي شيئاً من دون مقابل يدفعه الشعب الفلسطيني المسلم من دينه وعقيدته، وحريته، وكرامته، وثوابته؛ يكون أضعاف أضعاف ما قد تُعطي!
والله تعالى يقول:) لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (المجادلة:22.
2- تغييب مبدأ العمل بأحكام الشريعة، وأن الحكم لله تعالى وحده .. يظهر ذلك بجلاء ووضوح ابتداء من خلال إقرارهم ورضاهم بحاكمية الشعب .. والتحاكم للأكثرية .. وصناديق الاقتراع .. وإقرارهم بأن حق التشريع والتحليل والتحريم خاص بأعضاء المجلس التشريعي من دون الله تعالى .. وانتهاء بتصريحات عدد من قيادات حماس ـ والتي تناولتها العديد من وسائل الإعلام ـ بأنهم لن يحكموا بأحكام الشريعة .. ولن يفرضوا قانوناً شرعياً بالقوة .. مالم يرضاه الشعب الفلسطيني .. علماً أنهم هم أنفسهم قبل أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه رفعوا الشعار الذي طالما تستروا به " الإسلام هو الحل "[[1]]!
والله تعالى يقول:) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي
أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً (النساء:65.
وقال تعالى) فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (النساء:59.  
3- تغييب العمل بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بما تسمح به قوانين اللعبة الديمقراطية .. وبالقدر الذي تسمح به .. يظهر ذلك بوضح من خلال تصريحات عدد من قادة حماس بأنهم لن يفرضوا الحجاب .. ولن يمنعوا الخمور من الحانات .. وأنهم لن يكرروا تجربة الطالبان .. إلا بما تسمح به اللعبة الديمقراطية من خلال الإقناع والحوار!
والله تعالى يقول:) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج:41. بينما حماس تقول: الله مكننا في الأرض .. ومع ذلك لن نأمر بالمعروف، ولن ننهى عن المنكر!
وقال تعالى:) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ . كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (المائدة:78-79. فهم لعنوا لكونهم كانوا ) لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ (، وكانوا يتواطؤون على فعل المنكر، والمسلمون إن فعلوا فعلهم؛ فلا يتناهون عن منكر فعلوه، يُلعنون كما لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل من قبل .. فليس لهم كل مرة ولنا كل حلوة!
4- تعطيل العمل بمبدأ الجهاد في سبيل الله رغم وجود دواعيه، ورغم استمرار الاحتلال .. واستمرار الصهاينة اليهود بممارسة سياسة القتل والاغتيالات ضد المسلمين من أبناء فلسطين؛ وبخاصة من كوادر وأفراد جماعة الجهاد .. يظهر ذلك من خلال تجميد حماس لمطلق أعمالها العسكرية القتالية .. ومن خلال تصريح قادتها عن استعدادهم لوقف المقاومة مطلقاً .. والتحول إلى المقاومة السياسية ـ كما يحلو لهم أن يسمونها ـ وعقد صلح وهدنة مع الغزاة المحتلين لعشرين عاماً أو أكثر[[2]]!
          هذا المنهج الجديد لحماس مغاير لمئات من النصوص الشرعية التي توجب على المسلمين الجهاد للدفاع عن الأرض، والدين، والعِرض .. كما أنه مغاير لعشرات النصوص الشرعية التي توجب على المسلم بأن ينصر أخاه المسلم .. وأن لا يخذله في مواطن الحاجة وحصول العدوان عليه من قبل الآخرين!
          ونحن نقول لحماس: لا تستهوينكم مجالس الطواغيت الظالمين وطراوة كراسيهم .. والركون إليهم بذريعة العمل السياسي .. والمقاومة السياسية .. فلا موطن ولا مجال للاسترخاء والعمل السياسي المكتبي مع وجود الاحتلال .. وسيطرة الغزاة المحتلين على جميع مرافق الحياة على أرض الواقع!
          أي حياة سياسية تمارسونها والصهاينة الغزاة .. يتحكمون بالوارد إليكم، والصادر عنكم .. وبحركتم .. وبجميع منافذ الطرق؟!
          لا مجال للعمل السياسي المكتبي والحال كما ذُكر .. فالركون للعمل السياسي المكتبي في مثل هذه الظروف .. مؤداه للفتور والخمول .. وقتل روح الجهاد والمقاومة عند المسلمين وفي نفوس الأجيال القادمة .. واعلموا أن المرء الذي يخلد للراحة والدعة والخمول دهراً يصعب استنهاضه للجهاد والتضحية من جديد .. وربما تكون هذه النتيجة المؤلمة ـ التي تكون بسبب من عند أنفسكم ـ هي من جملة مآرب الصهاينة الغزاة التي من أجلها تغاضوا عنكم لتصلوا إلى ما وصلتم إليه!
          فيا أهل حماس: لا حكم بما أنزل الله .. ولا ولاء ولا براء .. ولا جهاد في سبيل الله .. ولا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر .. ولا ممارسة سياسية حرة مستقلة كاملة .. فأي نفق مظلم هذا الذي سلكتموه .. وأي نصر هذا الذي تفرحون به؟!
          فإن قالوا: ما حملنا على ولوج هذا النفق المظلم سوى الرغبة في تحصيل المصالح للشعب الفلسطيني ..؟!
          أقول: على افتراض وجود هذه المصالح .. فتحصيل هذه المصالح لا تتحصل بتفويت مصالح أعظم منها!
          لا ينبغي أن تتحصل على حساب العمل الجهادي .. وحرية قراركم الجهادي العسكري بعيداً عن القيود والضغوطات التي كبلتم أنفسكم وقراركم بها!
          إخوانكم في الجهاد يُذبحون أمام أعينكم .. ومع ذلك لا تجرؤون ـ مراعاة لهذه القيود والضغوطات المستجدة ـ على أن تذودوا عنهم .. ولا أن تُطلقوا طلقة واحدة نحو العدو دفاعاً عنهم وعن حرماتهم وأعراضهم!
          فأي مصلحة هذه التي تتغنون وتتذرعون بها ..؟!
          ونقول كذلك: هذه المصالح المزعومة .. يمكن أن تحققوها للناس ـ من دون أن تسلكوا هذا النفق المظلم وتعرضوا أنفسكم وحركتكم وقراركم للضغوطات والقيود ـ من خلال سيطرتكم على الوظائف الخدماتية الممثلة في البلديات وغيرها .. فهذا يكفي ويحقق الغرض في هذه المرحلة!
          فإن قيل: كيف الموقف من حماس بعد أن دخلت هذا النفق المظلم .. هل ندعها بمفردها ونتخلى عنها .. ونكتفي بالتفرج عليها .. أم نمد لها يد العون والغوث .. وهذا سؤال وردني من أطراف عدة؛ لذا أجدني ملزماً بالجواب عنه؟
          فأقول: رغم معارضتنا للمنهج الذي سلكته حماس .. والمآخذ الشرعية والسياسية التي تؤخذ عليها وعلى منهجها .. إلا أن ذلك لا يمنع شرعاً من مد يد العون والغوث والمساعدة، وإسدال النصيحة والمشورة لهم ـ وبخاصة في هذه الظروف العصيبة التي يمرون بها ـ فيما ليس فيه معصية لله تعالى ولا مخالفة شرعية .. من قبيل تقليل الضرر ما أمكن .. والعمل على نصرة المسلم لأخيه المسلم .. وعدم خذلانه في مواطن الحاجة والضيق .. عملاً بقوله تعالى:) وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (المائدة:2.
          وعملاً بقوله r:" المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يُسْلِمُه .."، والله تعالى أعلم.

عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
5/2/1427 هـ/ 5/3/2006 م.









[1]  على سبيل المثال لا الحصر، أنظر ماذا يقول عزيز دويك ممثل حماس، والرئيس الجديد للمجلس التشريعي الفلسطيني:" الحكومة الفلسطينية الجديدة تحت قيادة حماس لن تجبر الفلسطينيين على تبني مبادئ الشريعة الإسلامية في حياتهم اليومية، ولن تعمل على إغلاق دور العرض السينمائي، والمطاعم التي تقدم مشروبات روحية .. لا أحد في حركة حماس لديه نية تطبيق الشريعة بالقوة، هذا أمر غير وارد في برنامجنا ولن نقدم على فعله .. إن أي تغيير في التشريعات الفلسطينية المعمول بها في البرلمان السابق الذي كانت تهيمن عليه حركة فتح سيخضع لاستفتاء شعبي تجسيداً لمبادئ الديمقراطية التي فازت بموجبها حماس "ا- هـ. ( رام الله، رويترز ).
   ويقول الدكتور صلاح البردويل:" حماس لم ولن تفكر مطلقاً في سن أي قوانين يمكن أن يُفهم منها فرض تعاليم الدين الإسلامي بالإكراه على المجتمع "ا- هـ.( جريدة الشرق الأوسط ). 
[2]  وردتني بعض الرسائل يسألني أصحابها عن المصدر الذي ورد فيه أن حماس مستعدة للتخلي عن المقاومة مقابل انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967م؛ لأنه وُجِد من يشكك بصحة نسبة هذا الخبر إلى قادة حماس .. ومن يرمينا بأننا نتقول عليهم ما لم يقولوا!
   أقول: ما كنت أظن أن القوم لا يقرؤون أو أنهم مصابون بمرض النسيان السريع إلى هذا الحد .. وأن كل كلمة نقولها نحتاج إلى ذكر المصادر؛ وبخاصة عندما الخبر تتناوله وكالات الأنباء .. ولو كان الخبر قد مضى عليه سنوات لعذرناهم .. أما وأنه لم يمض عليه أكثر من شهرين .. فتلك مصيبة أن يكونوا قد نسوه .. وإليكم ما تناقلته بعض الوكالات عن إسماعيل هنية:" قال رئيس الكتلة البرلمانية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الأراضي الفلسطينية المحتلة إسماعيل هنية إن حركته مستعدة للتخلي عن المقاومة إذا انسحب الإسرائيليون حتى حدود عام 1967م وأفرجوا عن المعتقلين السياسيين .. وأضاف: فلينسحب الإسرائيليون حتى حدود عام 1967وليفرجوا عن المعتقلين السياسيين وسنتخلى عن المقاومة "ا- هـ. ( القاهرة- أثينا- وكالات- نقلاً عن موقع القناة العربية على الإنترنت، والخبر مذكور تحت عنوان:" هنية: لو انسحبت إسرائيل لحدود 67 وأطلقت الأسرى سنترك المقاومة " ).

إرسال تعليق

 
Top