بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال: شيخنا الفاضل حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. لعلكم سمعتم ما تناولته وسائل الإعلام، عن قيام النظام المصري ببناء جدار عازلٍ فولاذي، يمتد لأكثر من عشرين متراً تحت الأرض، على طول الحدود بين مصر وغزّة، الغرض منه حصار أهل غزة، ومنع أن يتسرب لأهل غزة من خلال الأنفاق المحفورة تحت الأرض أي عونٍ أو مددٍ أو غذاء، علماً أن هذه الأنفاق على قلة ما يدخل منها فهي المصدر الأساس إن لم يكن الوحيد للمواد والسلع الغذائية التي تدخل من مصر إلى غزة ... فما هو الحكم الشرعي في كل من يُشارِك في بناء هذا الجدار الفولاذي العازِل، وجزاكم الله عنا خير الجزاء؟
الجواب: الحمدُ لله رب العالمين. هذا الجدار العازل الفولاذي المشار إليه في السؤال أعلاه .. والذي يفصل باطن وظاهر الحدود المصرية عن غزة الرباط والجهاد، بغية حصار، وتجويع وتركيع المسلمين المرابطين والمجاهدين في غزة .. والإمعان في معاناتهم وفقرهم أكثر مما هم فيه .. هو جريمة أخلاقية نكراء تُضاف إلى سلسلة جرائم النظام المصري العميل الخائن .. الذي آذى فيها أهلنا في فلسطين .. والأمة الإسلامية كلها؟!
ذكرنا من قبل، وفي مقالات عدة .. أن جرائم النظام المصري بحق الأمة، وحق أهلنا في فلسطين .. لن تتوقف على حدث أو حدثين أو أكثر .. وإنما هي سلسلة من الجرائم الأخلاقية المستمرة استمرار وجود هذا النظام في سدة الحكم .. فهذا الذي فعله النظام المصري متوقع منه .. ومتوقع منه أكثر من ذلك ..!
من ذلة وخيانة وعمالة وإجرام هذا النظام أنه لا يعرف الحديث عن السيادة المصرية، وسيادة القرار المصري .. والأراضي المصرية .. إلا فيما يُؤذي أهلنا في فلسطين .. وبخاصة منهم أهلنا المحاصرين في غزة .. أما إذا جاء الاعتداء على مصر وأهل مصر من قِبل الصهاينة اليهود، أو من قبل أسياده الأمريكان .. فالحديث عن السيادة المصرية حينئذٍ فتنة وخيانة وطنية .. وخروج على النظام .. يُؤخَذ عليها بالنواصي والأقدام!
هذا النظام إذا تكلم وكان كلامه موجهاً إلى المستضعفين المحاصرين في غزة .. تكلم بكبر واستعلاء واحتقار، وأنَفَة .. بلهجة ـ وعلى طريقة ـ الفراعنة الأوائل .. وإذا توجه بحديث نحو أسياده الصهاينة ومن هم وراء الصهاينة .. خفض جناح الذل .. ورقّق من عباراته .. وتوسع في بسماته .. وخضوعه .. كالأرنب الوديع بين يدي صائده!
مهما تكلمنا عن كفر وعمالة وخيانة وإجرام وذل النظام المصري .. وسودنا في ذلك عشرات الصفحات .. فلن نوفه حقه .. وهو تقريباً اصبح مما هو معلوم للخاصة والعامة سواء .. وبالتالي فإن الجهد لا ينبغي أن يقتصر على توصيف هذا النظام وحسب .. وإنما يجب ـ كما أشرنا إلى ذلك مراراً ـ أن تتكاتف الجهود .. وبخاصة جهود الشعب المصري المسلم .. للعمل من أجل ما دلَّ عليه النقل والعقل .. من أجل خلاص مصر، مما ألحقه هذا النظام الخسيس بها وبشعبها من خزي وذل وفقر وتخلف وعار .. هذا إذا أرادت الشعوب أن توقف سلسلة جرائم هذا النظام، وتضع لها حداً تنتهي عنده.
يُؤسفني أن أقول: أن علماء وشيوخ ومثقفي مصر .. لا يزالون مختلفين فيما بينهم على هذا الأمر .. بل أن منهم لا يتورع من تجريم من يفكر بهذا الأمر .. ولهؤلاء أقول: لا تتباكوا على مآسي الأمة .. ومآسي الشعب الفلسطيني المسلم الذي يتسببها هذا النظام العميل .. لا يحق لكم أن تفعلوا شيئاً من ذلك؛ فأنتم شركاؤه في الوزر .. وأنتم متواطئون معه فيما يرتكبه من جرائم بحق الإسلام والمسلمين .. وحق أهلنا في فلسطين وبخاصة منهم أهل غزة الرباط .. فأنتم عقبة كأداء أمام أي عملية تغيير تستحقها مصر .. ويستحقها الشعب المصري .. ليستلم ويستأنف دوره الريادي في قيادة الأمة من جديد .. ولتُسألُنَّ عما تفعلون وتمكرون!
أما فيما تمَّ السؤال عنه، أقول: لا بد أولاً من أن نصف واقع المسألة .. ثم نبين فيها الحكم الشرعي الذي تستحقه.
هذا الجدار العازل المشار إليه في السؤال أعلاه، تتحقق منه النتائج والأغراض التالية:
1- إضعاف جهاد المجاهدين في غزة، وتجويع وتركيع وإذلال من معهم من المسلمين من أبناء وأهالي غزة.
2- حمل المسلمين في غزة بكل أطيافهم على الرضى بالحلول الاستسلامية الذليلة التي تحقق مصالح الصهاينة اليهود .. ليكون مقابل ذلك .. فك جزئي للحصار .. ليسمح ـ بعد ذلك ـ بتمرير بعض المؤن الغذائية!
3- في هذا الجدار خدمة ونصرة يقينية لجيش ودولة الصهاينة اليهود .. وعون لهم على جهاد ورباط المسلمين في غزة.
4- في بناء هذا الجدار خدمة وطاعة لنظام كافر عميل مرتد .. لا يأبه لمصالح الأمة ولا الإسلام ولا المسلمين .. غرضه من بناء هذا الجدار أن يستدر عليه عطف ورضا أسياده من الصهاينة اليهود، ومن وراءهم من الأمريكان والغربيين!
وعليه: فمن يُشارك ـ بأي جهد ـ في بناء هذا الجدار العازل الملعون أو يرضى به، فهو يُشارك يقيناً في تحقيق الأغراض والنتائج المراد تحقيقها من وراء بنائه .. والمشار إليها في النقاط الأربعة الآنفة الذكر أعلاه.
وبالتالي فهو شريك للمجرمين والكافرين والمرتدين في الوزر .. وهو ـ إن كان عالماً بنتائج فعله وصنيعه ـ مثلهم: مجرم كافر مرتد، والدليل على ذلك قوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (المائدة:51.
وقال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (التوبة:23.
وقال تعالى:) لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ (آل عمران:28.
قال ابن جرير الطبري في التفسير: ومعنى ذلك: لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهراً وأنصاراً، توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء يعني بذلك فقد برىء من الله، وبرىء الله منه بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر ا- هـ.
وهذا الذي أشرنا إليه هو محط اتفاق وإجماع جميع أهل العلم المعتبرين لدلالة النص عليه دلالة قطعية لا تحتمل صرفاً ولا تأويلاً.
يا أيها الناس .. اعلموا أن الطاغية لا يمكن أن يفرض قانونه .. وإجرامه .. وكفره .. وخيانته .. إن لم يجد منكم جنداً وأعواناً له على الباطل .. أتظنون أن الطاغية يمكنه أن يبني هذا السد والجدار العازل .. ليقتل به شعب غزة المسلم المجاهد المرابط .. من دون سواعدكم .. ودعمكم .. وتعاونكم!
فحذار يا أهل مصر أن يستخفّ بكم فرعون مصر .. فتطيعوه .. كما استخف فرعون موسى قومه فأطاعوه .. فيُرديكم كما أرداهم .. واعلموا أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
من قبل كان فرعون وكان جنده الذين أطاعوه على كفره وظلمه وباطله، فأين فرعون وجنده الذين انتصر بهم على موسى ومن معه من المؤمنين .. إنهم حطب جهنم وبئس المصير:) إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (القصص:8. وقال تعالى:) وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (القصص:6. فلا تسمحوا لفرعون مصر المعاصر أن يكرر فيكم سنة وسيرة فرعون مصر الأول .. فيقودكم إلى نار جهنم .. كما قاد فرعون موسى قومه وجنده إلى نار جهنم وبئس المصير!
حذار يا أهل مصر أن تكونوا عوناً للطاغية على قتل شعب بكامله جوعاً؛ بنسائه وأطفاله وشيوخه .. أنسيتم حديث المرأة التي دخلت النار بهرة، فحبستها حتى ماتت جوعاً؛ فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض .. فما ظنكم بمن يتواطأ ويتعاون على حبس وتجويع وقتل شعب بكامله .. يتجاوز تعداده المليون ونصف المليون نسمة .. فما ظنكم .. فما ظنكم؟!!
الله، الله .. في إخوانكم وأهلكم وجيرانكم في غزة الرباط والجهاد .. فإنه باب خير قد فُتح لكم لم يُفتَح لغيركم .. فاغتنموه قبل أن يُغلَق دونكم فتُحرَموه .. فتندموا، ولات حين مندم!
أما أنتم يا أهلنا في غزة الرباط والجهاد .. فوصيتي لكم أن تتقوا الله ما استطعتم .. أن تفزعوا إلى التقوى .. وأن تتحروا فيما بينكم حكم الله تعالى ما استطعتم .. ها أنتم لم تحكم حكومتكم فيكم بما أنزل الله كما يجب، خشية الحصار، وخشية أن ينقم عليكم طاغية وفرعون مصر .. فيحاصركم ويُحاربكم في قوت يومكم .. فها قد جاءكم الحصار من البر والبحر، ومن فوق الأرض ومن تحت الأرض .. من دون أن تحكم حكومتكم بما أنزل الله .. فما أغنى عنكم عدم الحكم بما أنزل الله شيئاً .. واعلموا أن ما عند الله تعالى لا يُطلب بمعصيته، وإنما يُطلب بطاعته وتوحيده، وامتثال أمره، كما قال تعالى:) وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (الطلاق:2-3. وقال تعالى:) وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (الطلاق:4.
اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
6/1/1431 هـ. 23/12/2009 م.