س72: في بلادنا ـ بلاد الكفر والردة ـ أغلب أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بيد المرتدين، ولا نشك في حرمة اقتنائها .. أما أجهزة إعلام التيارات الإسلامية فإن أكثرها لا تخلو من المحرمات؛ مثل سماع آلات اللهو وعرض الفتيات السافرات، ولكن هنالك القليل من هذه الأجهزة الإعلامية خالية من الموسيقى وصور الفتيات، ولكنها لا تخلو أيضاً من صور الرجال وهي حرام على النساء مشاهدتها ـ أي صور الرجال ـ فهل تصليح هذه الأجهزة في الورشات جائز ؟ وما حكم بيعها وشرائها، ووجودها داخل البيت .. بضوابط أو بدون ضوابط .. وهل صحيح أنها أجهزة ذات حدين تُستعمل للخير والشر .. أفتونا جزاكم الله خيراً ؟؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . القول بحرمة استخدام الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية على الاطلاق .. لا يخفاكم مزالقه ونتائجه، ولعل من لوازمه أن يجعل المسلمين يعيشون في غير زمانهم، وغير واقعهم .. ويفوت عليهم كثير من المصالح لا يستحسن شرعاً تفويتها .. وهي ترجح بكثير على بعض السيئات التي تم الهروب منها!
أذكر مرة أحد الإخوان الطيبين قد سألني عن قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما أرسل رسالة مع امرأة يخبر فيها كفار قريش عن توجه النبي -صلى الله عليه وسلم- لفتح مكة .. و عندما قال الصحابة للمرأة ـ لما أنكرت أن معها رسالة من أحد ـ: لتخرجنَّ الكتاب أو لنجردنّ الثياب ..!
فقال الأخ: كيف يكشفون عن امرأة وفي ذلك من الفساد والفتنة ما هو معروف ..؟!!
فقلت للأخ: أن يكشفوا عن امرأة .. خير من أن ينكشف ظهر المسلمين وظهر جيش رسول الله للأعداء .. فيحصل لهم من الأذى والضرر ما يرجح بكثير على مفسدة تجريد امرأة من ثيابها .. وهذا فقه لا بد من أن ننتبه إليه، ونستفيد منه !
ومثال ذلك في واقعنا: أن تجد مجلة أو جريدة فيها صور لبعض النساء المتكشفات .. وفيها كذلك من الأخبار والمعلومات ما تعنيك وتخصك، وتخص أمن إخوانك وجماعتك .. فإما أن تتجاهل الجريدة مطلقاً ـ بحجة وجود الصور فيها ـ فيقع حينئذٍ المحظور، والشر الأكبر، وإما أن تطلع على ما يعنيك منها فتسلم أنت وإخوانك وتأخذوا حذركم .. وإن حصلت بسبب ذلك بعض المفاسد؛ لكنها تجاه المفسدة الأولى فهي لا شيء.
ويحضرني في ذلك قصة " الجد بن قيس " الذي تخلف عن الجهاد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- خشية أن يقع في فتنة نساء بني الأصفر .. فأنزل الله تعالى فيه:] ألا في الفتنة سقطوا [ ..وقصته معروفة مشهورة!
ما تقدم لا يعني مطلقاً أننا نقر أو نؤيد القول بضرورة الانفتاح على هذه الوسائل على إطلاقها واستخدامها بغير وعي ولا ترشيد، ولا توجيه، ولا مراقبة .. فهذا ضرب من الانتحـار والجنون، وقتل لأخلاق الشعوب .. وهذا مما لا يقره نقل ولا عقل .. ولا يقول به إلا كل عديم مروءة وخلق ودين.
بل أقول: أن وسائل الإعلام المذكورة أعلاه هي وسائل المجرمين لغزو منازلنا، وأجيالنا، ونسائنا .. وأفكارنا وعقائدنا !!
فسهامهم المسمومة كلها توجه إلينا عن طريق هذه الوسائل .. ومن الغباء وقلة الدين أن نفتح النوافذ على مصارعها لنستقبل سهامهم المسمومة في ديارنا ومنازلنا .. !!
هم حريصون جداً أن لا يمسك المسلمون قناة من قنواتهم لساعة واحدة فقط لما يعلمون ما يمكن أن تفعله هذه الساعة من أثر .. فكيف نسمح لهم أن يبثوا سمومهم إلينا على مدار الساعة ؟!
فإن قيل: نحن لا نقدر على أن نمنعهم من البث ..؟!
أقول: ولكن تقدر بأن توقف بثهم إليك .. بضغطة واحدة على مفتاح التشغيل !
وكم يؤسفني بعض الإخوان تدخل لمنازلهم فتجد هذا التلفاز ـ نافذة المجرمين لمنازلنا ـ مفتوحاً على مدار الوقت والساعة .. وأطفالهم يتلقفون كل ما يُبث إليهم من شر وسموم .. ثم يأتي أحدهم بعد ذلك يسأل المشايخ: كيف لي أن أجعل ولدي مثل صلاح الدين الأيوبي ..؟!!
لذا فإن هذه الوسائل ـ إن لم نقل بحرمتها على الإطلاق للاعتبار المتقدم ـ إلا أننا نقول بضرورة مراقبتها، وتوجيهها، وترشيدها بقدر الإمكان إلى ما ينفع .. فإن عجز الأب أو القيم على البيت عن تحقيق ذلك، وغلبه أهل البيت على خلاف ما يريد .. فحينئذٍ لا أرى له جواز اقتنائها ولا إدخالها إلى منزله .. والله تعالى أعلم.
أما تصليح هذه الأجهزة فمرد ذلك إلى نية المصلِّح .. فإن كانت نيته أن يعين أهل الباطل على باطلهم فيما يقوم به من تصليح لتلك الآلات فهو آثم، وشريك لهم في الوزر .. وإن كانت نيته غير ذلك .. فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم.