س247: في منتدى أنا المسلم يدور حوار حول تكفير الحكام، وقد وضع أحدهم كلاماً أحببت أن أعرضه عليك لتفتينا فيه .. وقد وضع صاحبنا عنواناً لموضوعه وكأنه قاعدة:" لا تكفير قبل الاستتابة، ولا تكفير إذا لم تتحقق الاستتابة .. كلام شيخ الإسلام " فقال: أرجو ألا يأتي العباقرة ويقولون: إنني أتمسك بمتشابه كلام الشيخ وأترك محكمه .. يقول الشيخ في شرح العمدة 4/71: فأما إذا لم يدع ولم يمتنع فهذا لا يجري عليه شيء من أحكام المرتدين في شيء من الأشياء ولهذا لم يعلم أن أحداً من تاركي الصلاة ترك غسله والصلاة عليه ودفنه مع المسلمين ولا منع ورثته ميراثه ولا إهدار دمه بسبب ذلك مع كثرة تاركي الصلاة في كل عصر والأمة لا تجتمع على ضلالة وقد حمل بعض أصحابنا أحاديث الرجاء على هذا الضرب
. فإن قيل فالأدلة الدالة على التكفير عامة عموماً مقصوداً وإن حملتموها على هذه الصورة كما قيل قلت فائدتها وإدراك مقصودها الأعظم وليس في شيء منها هذه القيود.
قلنا الكفر على قسمين قسم تنبني عليه أحكام الدنيا من تحريم المناكح والذبائح ومنع التوارث و العقل وحل الدم والمال وغير ذلك فهذا إنما يثبت إذا ظهر لنا كفره إما بقول الامتناع عن الصلاة وشبه يوجب التكفير أو عمل مثل السجود للصنم القبلة ذلك فهذا النوع لا نرتبه على تارك الصلاة حتى يتحقق امتناعه الذي هو الترك لجواز أن يكون قد نوى القضاء فيما بعد، أو له عذر وشبه ذلك " ا- هـ. هذا مع أن مذهب الشيخ هو تكفير تارك الصلاة تكاسلاً .." انتهى كلامه ونقله عن ابن تيمية.
الجواب: الحمد لله رب العالمين.قد اطلعت على الكلام المنقول عن شيخ الإسلام .. وقد ذهبت للرابط الذي أشرت إليه .. وعليه أفيد بما يلي:
1- وللأسف الكتاب المذكور ليس بحوزتي الآن .. لأن الوقوف على الكلام الذي قبله والذي بعده مهم .. حيث يوضح المراد أكثر.
2- ناقل هذا النص عن الشيخ هو ناقل للمتشابه.. بدليل التفسيرات المتباينة للإخوان حول النص .. وناقله يعلم ذلك مسبقاً .. لذا نراه قطع الطريق مسبقاً فقال: لا تقولوا لي قد نقلت المتشابه أو تمسكت به .. وكأنه يشعر بأن أحداً سيرميه بذلك!
3- إن كان صاحب النقل يريد أن يتكلم عن مذهب الشيخ في تارك الصلاة .. فللشيخ كلام محكم واضح صريح .. لا يمكن تفسيره أو حمله على أكثر من وجه .. إليه يرد المتشابه من كلامه .. فعلام تُرك، والتجأ الناقل إلى هذا النص المتشابه .. حمال الأوجه..؟!
وإن كان صاحبه يريد أن يتكلم عن الاستتابة وأحكامها .. فكذلك للشيخ كلام محكم حول المسألة كان يستحسن أن يلجأ إليه ..!
4- النص المنقول .. ليس له أي علاقة بمسألة الاستتابة .. وهل يستتاب قبل التكفير أم لا.. فعنوان المسألة في واد .. والنص المنقول في واد آخر!
5- يستفاد من النص المنقول .. أن من يترك الصلاة .. لكنه لم يدعها مطلقاً .. ولم يمتنع عن أدائها حين يؤمر بها .. فهذا لا يكفر ولا تُجرى عليه أحكام الردة .. وهو المتوافق مع المحكم من كلام الشيخ في المسألة .. حيث أن الشيخ يفرق بين الترك الكلي للصلاة والترك الجزئي .. وقد أثبتناه في كتابنا"حكم تارك الصلاة ".
6- القول أن التكفير يكون بعد الاستتابة .. وأنه لا تكفير إلا بعد تحق الاستتابة .. هو قول باطل .. وهو مردود من أوجه:
منها: أن الاستتابة فرصة تُعطى لمن وقع في الكفر والردة ليراجع نفسه، قبل تنفيذ حكم
القتل عليه، وقدر مدتها أكثر أهل العلم بثلاثة أيام .. بينما التكفير هو حكم شرعي يحمل على من وقع بموجبه من غير مانع شرعي معتبر .. والاستتابة ليست مانعاً من موانع التكفير .. ولم يقل بذلك أحد من أهل العلم.
ومنها: أن الاستتابة تكون من شيء.. فإذا لم يحكم عليه بالكفر والردة .. فمما يستتاب.. ولما يستتاب؟!!
ومنها: أن اشتراط الاستتابة للتكفير هو شرط باطل ومحدث .. بخلاف ما دلت عليه النصوص الشرعية التي قضت بكفر المرتد قبل أن يستتاب .. وقد تأملت جميع النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ذات العلاقة بالمسألة فوجدتها قاضية بحكم الكفر على الكافرين المرتدين قبل أن يُستتابوا .. وعلى المخالف أن يأتي بالدليل.
قال تعالى:) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ( إلى قوله تعالى:)فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُم ( فسماهم الله تعالى مشركين وأمر بقتالهم قبل أن يتوبوا أو يستتابوا ..!
ومنها أن أبا بكر الصديق t ومن معه من الصحابة قد قاتلوا المرتدين، وحكموا عليهم بالردة .. قبل أن يستتابوا ..!
ومنها: قد مضت السنة بقتل المرتد ردة مغلظة قبل أن يُستتاب، ومن دون أن يستتاب، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع العرنيين الذين ارتدوا، وقتلوا، وسرقوا .. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا .. ولم يستتبهم.
وكذلك في عام الفتح قيل للرسول صلى الله عليه وسلم إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة! فقال:" اقتلوه " ولم يقل استتيبوه..!
قال ابن تيميه في الفتاوى20/103: ويُفرق في المرتد بين الردة المجردة فيقتل إلا أن يتوب، وبين الردة المغلظة فيقتل بلا استتابة ا ـ هـ.
فتأمل كيف أن ابن تيميه سمى المرتد ردة مجردة مرتداً قبل أن يستتاب .. وسمى المرتد ردة مغلظة مرتداً ومن دون أن يُستتاب .. هذا هو المحكم من كلام شيخ الإسلام إن أردنا معرفة قوله بحق!
ومنها: أن الراجح من أقوال أهل العلم أن الزنديق يقتل من دون أن يُستتاب.. وهذا من لوازمه أن يحكموا عليه بالكفر والزندقة بعينه قبل أن يقتل ويقام عليه الحد ..!
ومنها: أن القول بوجوب استتابة المرتد ردة مجردة فيه خلاف بين أهل العلم .. حيث أن منهم من حمله على الندب لا الوجوب .. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يصح عند هؤلاء العلماء أن يقتلوا المرتد من دون أن يستتيبوه .. قبل أن يحكموا عليه بعينه بالكفر والردة..؟!!
ومنها: أن هذا القول مفاده ومن لوازمه تعطيل جهاد أئمة الكفر والردة والزندقة .. لاستحالة الوصول إليهم فضلاً عن استتابتهم ..!
هذه بعض الأوجه الدالة على بطلان ما ذهب إليه الناقل .. وعنون به مسألته .. وهناك أوجه أخرى المقام لا يسمح بذكرها .. وسلامنا للإخوان والأحبة في منتدى " أنا المسلم ".