GuidePedia

0
      سؤال: لعلكم ــ شيخنا ــ سمعتم عما تفعله جماعة الدولة"الدواعش"، من تدمير وتفجير لمساجد المسلمين القديمة في مدينة الموصل، بحجة أن فيها قبراً، منها مسجد النبي يونس بن متى في نينوى الموصل .. فهل عملهم هذا جائز، وكيف تقيمون فعلهم .. وجزاكم الله خيراً؟ 
      الجواب: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد. 

      ما يقوم به الدواعش؛ خوارج جماعة الدولة من تدمير وتفجير للمساجد القديمة الأثرية في نينوى ومدينة الموصل ــ والتي تربط المدينة بالقرون الأولى من التأريخ الإسلامي ــ بحجة أن فيها مقاماً أو قبراً .. عمل غير جائز ولا شرعي .. وهو ينم عن جهل، وتوحش، وغلو، وسفاهة هذه الجماعة .. التي لم يسلم من شرها وفسادها الأحياء ولا الأموات.
وبيان بطلان هذا العمل من أوجه: 
      منها: أن الشريعة قد قررت أن حرمة المسلم ميتاً، كحرمته حياً، والاعتداء عليه ميتاً كالاعتداء عليه حياً .. وتفجيره ميتاً كتفجيره حيّاً. 
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كسرَ عظمِ المسلمِ ميتاً ككسرِه حيَّاً" [صحيح الجامع:2346].والذي يفجر قبر المسلم بالقنابل والمتفجرات لا يكسر عظمه وحسب .. بل يفتت عظامه تفتيتاً! 
      وقال صلى الله عليه وسلم: "لأن أمشي على جمرةٍ أوسَيفٍ أو أخصفَ نعلي برجلي، أحبُّ إليَّ من أن أمشي على قبرِ مسلمٍ، وما أبالي أوسَطَ القبورِ قضيتُ حاجتي أو وسطَ السُّوقِ" [صحيح ابن ماجه:1283]. أي كما ينبغي على المرء أن يتحاشى السوق فلا يقضي حاجته فيه فيستحي من الناس، وحتى لا يتأذى به أحد، كذلك عليه أن يتحاشى القبور ويستحي منها، وحتى لا يتأذّى به الأموات!
      وقال صلى الله عليه وسلم: "لأن أطأ على على جمرة أحبّ إلي من أطأ على قبر مسلم" [صحيح الترغيب:3565]. 
      وعن عمارة بن حزم رضي الله عنه قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على قبر، فقال: "ياصاحِبَ القبْرِ! انزِلْ من على القَبرِ لا تُؤذِي صاحِبَ القَبرِ ولا يُؤذِيكَ" [صحيح الترغيب:3566]. 
      وقال صلى الله عليه وسلم: "لأن يجلس أحدُكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلصُ إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر" مسلم. 
      وقد رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يمشي في القبور، وعليه نعلان، فقال: "يا صاحب السِّبْتِيَّتَينِ، أَلْقِ سِبْتِيَّتَيكَ"، فنظر الرجلُ، فلما رأى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خلع نعلَيه، فرمى بهما.[صحيح الأدب المفرد:596]. 
      فأين صنيع خوارج الدواعش الأجلاف من هذا الأدب الرفيع، ومن هذا التوجيه النبوي العظيم في التعامل مع قبور المسلمين .. بل مع قبور هي مظنة أن يكون أصحابها أنبياء؟! 
      ومنها: إن تقرر شرعاً إخراج أو عزل قبر عن مسجد .. فهناك طرق عديدة تتسم بالرفق .. واحترام الميت .. وتحقق الغرض .. ليس منها اللجوء إلى التفجير والتدمير .. وما قد يترتب على ذلك من محاذير! 
      وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فإنّ الرِّفقَ لم يكن في شيءٍ قطُّ إلا زانه، ولا نزع من شيءٍ قطُّ إلا شانَه" [صحيح سنن أبي داود:2478]. 
      ثم ما بالهم ــ بذريعة إزالة القبر من المسجد ــ يتوسعون .. فيدمرون المسجد كاملاً .. بجميع ما فيه من مرافق .. ومراكز دعوية وخدماتية .. يحتاجها المسلمون في حياتهم اليومية. 
      فعملهم هذا لا أجد له دليلاً من كتاب الله، سوى قوله تعالى: [وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ] البقرة:114. ومن خرابها تفجيرها وتدميرها ..! 
      ومنها: إن قيل: أن هذه القبور تُعبَد أو هي مظنة أن تعبَد من دون الله ..؟! 
      أقول: هذا الخطأ والجهل ــ إن وجد ــ يواجه بتعليم الناس التوحيد وشؤون دينهم .. وبشيء من الرفق والحكمة .. وليس بتفجير المساجد والقبور على من فيها .. فهذا صنيع لا يزيد الجهّال إلا جهلاً وإصراراً على جهالتهم وخطئهم .. وهم عند أول فرصة تسنح لهم .. يعيدون الكرة فيبنون القبور ثانية .. ويقيمون عليها المقامات على أشد ما كانت عليه ..! 
      قال تعالى: [ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ]النحل: 125. وقال تعالى:[ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ]آل عمران: 159. 
      ولكن لما كان خوارج الدواعش .. يفتقدون العلم الشرعي .. الذي يمكنهم من تعليم الناس شؤون دينهم بالرفق، والحكمة والموعظة الحسنة .. نراهم يلجأون إلى خيارهم الوحيد ــ والأسهل بالنسبة لهم ــ الذي لا يتقنون غيره؛ وهو خيار العنف والشدة .. وخيار التفجير، والتدمير، والتفخيخ! 
      ومنها: أن كثيراً من المسلمين يعتقدون أن هذه المساجد والقبور تنم بنوع صلة إلى الأنبياء، أو تصح نسبتها إليهم، وبخاصة مسجد وقبر النبي يونس بن متى عليه السلام .. حيث أن من الروايات ما تفيد أن النبي يونس عليه السلام قد توفي بين قومه في مدينة نينوى .. وبالتالي لا يستبعد أن يكون قبره في نينوى. 
      وبالتالي فالإقدام على تفجير وتدمير المسجد والقبر اللذان يُنسبان للنبي يونس عليه السلام ــ وغيرها من المساجد والقبور ــ بالطريقة التي أقدم عليها الخوارج الدواعش .. فيه فتنة لكثير من الناس .. ووقْع الحدث بالنسبة لهم لا يحتمل .. مما يحملهم على ردة فعل لا تحمد عواقبها.. وهذا فقه كان ينبغي مراعاته والانتباه إليه .. لكن أنّى للدواعش السفهاء أن يتفطنوا له! 
      وفي السنة ما يدلل على مراعاة هذا الفقه؛ فرغم أن الكعبة قد أعاد المشركون بناءها على غير أصولها وقواعدها .. وقد أخرجوا منها ما هو منها .. ومع ذلك قد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن هدمها وإعادة بنائها من جديد على أصولها الصحيحة التي بناها عليها إبراهيم عليه السلام .. لحداثة الناس بجاهلية وكفر .. وخشية أن يفتنوا فلا يتحملون وقع الحدث .. ولا مشاهدة الكعبة وهي تُهدَم! 
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشةُ! لولا أنَّ قومَكِ حديثوعهْدٍ بشرْكٍ ــ وفي رواية بجاهلية وكفر ــ لهدَمْتُ الكَعْبَةَ، فألْزَقْتُها بالأرْضِ، وجعَلْتُ لها بابَيْنِ بابًا شرْقِيًّاوبابًا غربِيًّا، وزدتُّ فيها ستَّةَ أذرُعٍ منَ الْحِجْرِ، فإِنَّ قريشًا اقتصرتْها حيثُ بنتِ الكعبةَ" مسلم. 
      ومنها: أن صنيع الخوارج الدواعش .. يجرئ الأعداء، والطواغيت على الاستخفاف ببيوت الله تعالى والاعتداء عليها .. وقصفها بالصواريخ والدبابات والمدافع .. كما يفعل الطاغية بشار الأسد في سوريا، والصهاينة اليهود في غزة .. ولسان حالهم يقول: لا تعيبوا ولا تنكروا علينا الاعتداء على المساجد .. وقصفنا لها بالصواريخ والمدافع .. فقد وجد منكم من يفعل أكثر من ذلك؛ من ينسفها نسفاً .. ويفجرها من أصولها .. ولا يراعي لها أدنى حرمة أو قدسية! 
      وهذا محذور لو يتنبه له الخوارج الدواعش .. وأنى! 
      يوجد من الأعداء من يقاتل ويُثير الحروب من أجل عظام أمواتهم .. ويوجد منا؛ من سفهائنا ــباسم الدين ــ من يفجر ويدمر قبور المسلمين والصالحين على من فيها .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.  
      بهذا أجيب عن السؤال الوارد أعلاه .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عبد المنعم مصطفى حليمة
أبو بصير الطرطوسي
1/10/1435 هـ. 28/7/2014 م


إرسال تعليق

 
Top