فقد وصلني ــ على الخاص ــ تسجيل صوتي من الدكتور عبد الكريم بكّار
يهددني، ويتوعّدني فيه بأحد أمرين: إمّا أن أسحب كلماتي عنه، وردودي عليه، وتقديم
اعتذار علني له .. وإما أن يشكوني إلى محاكم الدولة التي يقيم فيها، والمجاورة
لسوريا، ليمنعني من الإقامة فيها، ويتم تسفيري منها، وتغريمي بمبلغ مالي كبير ..
على اعتبار أن له سمعة وكرامة .. وأنا قد قذفته .. وقد تجرأت وتطاولت على سمعته
وكرامته!
وهذه كلمات أرد عليها في النقاط التالية:
1- ليس في كلماتي وردودي عليه قذفاً للرجل .. معاذ الله أن أفعل
شيئاً من ذلك .. فكلماتي منشورة، ومن السهل مراجعتها لمن يريد .. فمثلي مع أطغى
طغاة الأرض لا يلتجئ لعبارات القذف .. والرجل إمّا أنه لا يعرف معنى القذف .. أو
أنه يريد أن يفتري عليَّ بشَيْنٍ أنا بريء منه.
2- من جهة نرى الدكتور البكار يدعو إلى حرية الفكر، وحرية النقد،
وتقبل النقد، وأن لا شخص فوق النقد والمساءلة والمعاتبة، ومن دون أن يستثني أحداً؛
حتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ــ كما يقول ــ ليس فوق النقد والمعاتبة، فلم
يستثنه من طائلة النقد والمعاتبة، كما هو مبين في موضع آخر من كلامه، ومن ردنا
عليه .. بينما لما اقترب النقد من جنابه، وأخطائه، انتفض، وأنكر .. واستشاط غضباً،
وهدد وتوعّد .. وكأنه فوق النقد أو المساءلة أو أن يُقال له أخطأت .. ومارس أقصى
درجات الإرهاب الفكري للمخالف .. فأي إرهاب فكري يعدل أن تهدد المخالف لك في الرأي
والفكر، والتوجّه، بالمحاكم، والطرد، والتسفير، ودفع الغرامات المالية الطائلة أو
السجن .. فأنت يا بكار تدعو إلى شيء تفقده، وفاقد الشيء لا يُعطيه .. وكان الأولى
بك أن تلتزمه، وتقبله لنفسك، قبل أن تدعو إليه، وقبل أن تقبله للآخرين!
تريد أن تَنقد ولا تُنقَد .. تريد أن تستشرف القضايا العامة ..
وقضايا الفكر .. وتشرّق وتُغرّب .. وتطعن وتغمز بثوابت، وتاريخ، وماضي الأمة .. من
دون أن تتعرض للنقد .. أو أن يُقال لك: أخطأت وأصبت .. فهذا ما كان، ولن يكون!
3- الدكتور البكار رغم أنه يجمعني به الانتساب إلى المجلس
الإسلامي السوري .. إلا أنه لا يعرفني جيداً .. ولو كان يعرفني لأدرك أن هذا
الإرهاب الفكري الذي يمارسه مع المخالفين له، لا يجدي نفعاً مع واحدٍ مثلي .. ولا
يمكن أن يثنيني عن المضي في أن أقول كلمتي، وما أراه حقاً!
4- نعترف بأن للدكتور بكار سمعة وكرامة .. ومن حقه أن يغضب لنفسه
وشخصه .. لكن أيضاً لأكثر من مليار مسلم ــ يدينون بالانتماء والولاء الفكري،
والمنهجي، والعقدي للرعيل الأول، في القرون الأولى من مبعث النبي صلى الله عليه
وسلم، والمشهود لها بالخيرية والفضل، عهد النبي صلى الله عليه وسلم الأمجد .. وعهد
صحابته الكرام، والتابعين لهم بإحسان ــ سمعة وكرامة .. ومن حقهم أن يغضبوا
لمقدساتهم، ولثوابت دينهم، وتاريخهم، وينكروا على من يقترب من مقدساتهم، وثوابت
دينهم بشيء من السوء!
5- حتى يُعرَف مَنِ الظَّالم، ومَن المظلوم .. من المعتدِي، ومن
المُعتدَى عليه .. مَن الذي ينبغي أن يَعتذر، ويُعتَذر له .. أعيد تفريغ ونشر
كلمات البكار من جديد، وأعيد تعليقي عليها كتابة، وبشيء من التفصيل .. ومن جهتي لا
أريد منه أن يعتذر لشخصي .. فلست حريصاً على هذا الاعتذار .. ولا أريده .. فأنا
عِرضي، وسمعتي، وكرامتي فداء للإسلام والمسلمين .. وأجري أبتغيه من الله تعالى
وحده .. وإنما الواجب عليه أن يعتذر للإسلام، وللمسلمين الذين طالتهم كلماته
بالغمز، والطعن، والتَّجريح في أقدس ما يعتقدون ويملكون!
وإليكم كلماته، والرد عليها:
قال الدكتور البكّار:"
الشيء الذي أريد أن أقوله: إن منهجيات التفكير التي بلورناها قبل خمسة عشر سنة،
كثير منها يحتاج إلى إعادة نظر اليوم.
السائل المحاور له: قبل خمسة
عشر سنة، والذي يعيش على قبل ألف سنة، أو قبل ..؟!
البكار: هذا خارج الساحة، وخارج
اللعبة، وخارج المعادلة ...".
قلت: نسأل ابتداء، ماذا كان
يوجد قبل ألف سنة، وقبل ذلك .. ومن المعني والمراد من السؤال الوارد أعلاه ..
المراد ــ وبكل وضوح ــ الفترة الزمنية التي نزل فيها القرآن الكريم على قلب سيد
الخلق صلوات الله وسلامه عليه .. المراد النبي صلى الله عليه وسلم وسنته المطهرة،
وسيرته العطرة .. المراد الصحابة وإرثهم وجهادهم العظيم .. والتابعون لهم بإحسان
.. المراد الأئمة الأربعة، وإرثهم الفقهي العظيم والمجيد .. كل هذه الأصناف يشملها
السؤال، ويعنيها السؤال .. والمسلمون يرجعون في دينهم ومنهجهم وفكرهم إلى تلك
الحقبة الذهبية من تاريخهم .. هذا المعنى هو الذي يرد إلى أذهان جميع الناس .. والبكار
بجوابه المتسرع والمتهور، والخاطئ، قد تعرض لجانبين عظيمين بالغمز، والطعن،
والتجريح، والأذى، أولهما: تلك الحقبة الزمنية
العظيمة، وما تضمنته من معانٍ سبق الإشارة إليها .. هذه الفترة الزمنية ــ بحسب
جواب البكار ــ فترة متأخرة .. ومتخلفة .. لا تلبي حاجيات العصر الفكرية والمنهجية
.. الرجوع إليها لا يغني ولا يسمن من جوع .. والراجع إليها يرجع إلى شيءٍ خيالي،
متخلف، وغير واقعي .. ويجعله خارج الساحة، وخارج اللعبة، والمعادلة .. كان
العلمانيون الحاقدون يلعنون الكتب الصفراء، ويرمون الذين يرجعون إليها بالتخلف والرجعية،
وعدم الواقعية .. وأنهم يريدون أن يعودوا بالناس إلى الوراء .. وكلمات البكار
شابهت كلماتهم!
ثانيهما: الطعن والتجريح بأكثر
من مليار مسلم يدينون بالولاء والانتماء الفكري، والعقدي، والمنهجي لتلك الحقبة
العظيمة .. ويرون فيها مشعلاً يُضيء لهم حاضرهم، ويستشرف لهم المستقبل .. وهؤلاء
في نظر البكار .. متخلفون .. جاهلون .. غير واقعيين .. برجوعهم إلى تلك الحقبة
المجيدة يجعلون من أنفسهم خارج الساحة، وخارج اللعبة، والمعادلة .. وأضحوكة
للآخرين .. وأي طعن، وتجريح، وأذى يوازي هذا التجريح، والطعن، والأذى ..؟!
والبكار إن كان يملك الشجاعة الكافية عليه أن يبادر إلى الاعتذر
من المسلمين، كل المسلمين .. فكلهم لهم حق عليه .. وهو بكلماته كما يُحزن المسلمين،
فإنه يُفرح العلمانيين، والليبراليين المتفلتين؛ الذين يرون في الرجوع إلى الماضي،
وإلى نصوصه، إلى القرون الأولى من البعثة النبوية الشريفة، المشهود لها بالخيرية
والفضل .. تخلفاً، وتقييداً لأهوائهم، ولحرياتهم، ونزواتهم .. فهؤلاء هم الأشد
فرحاً وطرباً بكلمات البكار .. وإذا أردت أن تعرف أين كلماتك من الحق؛ فانظر مَن يفرح
بها!
منهجُ
النبيّ صلى الله عليه وسلم، وصَحْبِه الكِرام، والتّابعين لهم بإحْسَانٍ، في
تَعَاطِيهم للأشْياءِ، وطريقةِ تَعامُلِهم معَها إقرَاراً وإنكاراً، هو ــ
بالنّقلِ والعَقْلِ، كان ولا يَزالُ، وإلى يومِ القيامةِ ــ المنهجُ الأسْلَمُ،
والأحْكَمُ، والأصْلَحُ، والأرْفَقُ .. والقولُ بخلافِ ذلك طعنٌ باللهِ، وبرسولِه،
وبالمؤمنين.
والمؤمنون؛
كل المؤمنين، على مدار الأزمنة والأمكنة، وإلى يوم القيامة .. يقتاتون ويعتاشون من
تلك الحقبة الزمنية العظيمة .. منها يستمدون وجودهم .. وتصوراتهم، وأفكارهم،
ومناهجهم .. وقيمهم الحضارية، والأخلاقية، والدينية .. وبها يتماجدون، ويسودون على
من سواهم .. وهم من دون تلك الحِقبة، أو بالانخلاع منها لا شيء .. غصنٌ مقطوع من
شجرة .. أيتام على موائد اللئام .. وأذلاء تتقاذفهم أطماع الأمم الظالمة ..
وبالتالي لا يُسمح لأحدٍ كائناً من كان أن يقترب من تلك الحقبة الزمنية بسوء ..
ومن يتجرأ، ويأبى إلا أن يفعل فسيجدنا وجميع المؤمنين له بالمرصاد!
وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا ذُكِرَ أصحابي فأمْسكوا "صحيح الجامع:545. فإما أن تدنوا وتقترب
منهم بخير، وتلتزم حدود الأدب .. أو تَسكُت، أو تُسْكَت. وقال صلى الله عليه
وسلم:" لا تَسُبُّوا أصْحابِي، فلوْ أنَّ أحَدَكُمْ
أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ، ولا نَصِيفَهُ "صحيح البخاري.
لننظر إلى تتمة جواب البكار
عن السؤال الوارد أعلاه، وإلى براهينه وأدلته العلمية الباهرة والمقنعة، التي
اعتمدها للتدليل على أن من يرجع بفكره ومنهجه إلى القرون الأولى، إلى ما قبل أكثر
من ألف سنة، هو خارج الساحة، وخارج اللعبة،
وخارج المعادلة ...؟!
قال البكار:" هذا خارج
المعادلة؛ لماذا؟ المنهج، نحن لمَّا نطور منهجاً، أن نبلور منهجاً؛ فنحن نريد أن
نفتح به قفلاً؛ يعني في عنّا قضية ثقافية معقدة نريد أن نتعامل معها، مثلاً: قضية
مثل قضية الإرهاب، قضية الفقر، قضية الاستبداد، قضية المثليّة ـ اللواطة ــ لو
أردنا أن نعالج قضية مثل هذه القضية؛ هذه القضية أشبه بصندوق مغلق، نحن نريد فتح
هذا الصندوق، طيب نفتحه بالمنهج، تحتاج أنت إلى منهج لمعالجة هذه القضية، إذا
القضية تغيرت؛ يعني إذا تغير القفل، فماذا تصنع بالمفتاح الذي عندك، القفل الآن
يتغير؛ بمعنى الذائقة الثقافية لدى الناس تتغير الآن بسرعة، المسلمات لدى الناس
تتغير بسرعة .. إذا تغير القفل، مفتاحك ما عاد ينفع في شيء، سواء كان من ذهب أو من
فضة، وسواء كان تاريخياً أو تراثياً، أو مغسولاً بماء زمزم، أو متوارثاً عن
الأجداد، هذا القفل تغير؛ فإذا تغير القفل عليك أن تُغير المفتاح "ا- هـ.
نرد على كلمات البكار الواردة أعلاه من
أوجه:
منها: أن كلمة المنهج
ومشتقاتها؛ كلمة ضخمة، واسعة المعاني، والمرامي، والمفاهيم، تحتمل أكثر من معنى
وتفسير، لا يحسن حملها على آحاد المسائل، أو استخدامها في كل جزئية وموضع، ومن دون
تقييد للمعنى المراد منها .. وبما يشوش على الناس دينهم، وأفهامَهم .. فلا يحسن أن
يقال نأكل البطيخة بمنهج .. نفتح الباب بمنهج .. نركب السيارة بمنهج! .. فمن معاني
كلمة المنهج: أنها تعني السُّنَّة والسُّنَن، والطُّرق، والطريق .. والطريق الواضح
الموصل إلى غاية .. سلوك طريق معين، واتباع طريقة معينة .. تعني الأسلوب،
والأساليب، والوسائل .. تعني مجموعة من النظم والقوانين، والإجراءت، التي تنظم
وتعالج جانباً من جوانب الحياة، أو قضية من القضايا .. تعني توصيف الأشياء، والحكم
عليها، وطريقة معالجتها، وفق مرجعية معينة، وأسلوب معين، ووسائل معينة .. قال
تعالى:[ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ]المائدة:48. منهاجاً؛ أي
طريقاً واضحاً تنهجونه وتسلكونه، في التزام وتطبيق الشرع المنزل عليكم .. قال ابن
كثير في التفسير:[ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ]؛ أمَّا المنهاج
فهو الطريق الواضح السهل، والسُّنن؛ الطرائق .. وعن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة،
والحسن البصري، وقتادة، والضحاك، والسُّدِّي، وأبي إسحاق السبيعي؛ أنهم قالوا في
قوله:[ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ] أي سبيلاً وسُنّة ا- هـ. ففسَّروا المنهج
بالسُّنَّة .. والبكَّار عندما يتكلم عن المنهج، ماذا يريد من هذه المعاني ...؟!
ومنها: عند مراجعة كلمات البكّار
عن المنهج .. نجد أنه هو صاحب ومصدر المنهج .. وهو الذي يصنّع ويصدّر المناهج ..
فلا يحتاج إلى الماضي الإسلامي وإرثه الفقهي الضخم في صناعة المنهج .. فهو بغنى
عنه، وعن غيره .. بل يذم من يرجع إليه كما تقدم .. وكما يقول:" المنهج، نحن
لمَّا نطور منهجاً .. أن نبلور منهجاً .. نفتحه بالمنهج .. تحتاج أنت إلى منهج .."؛
فصاحبنا عمَّا يبدو عنده مصنع مناهج .. يصدّر المناهج .. ويصنِّع منها ما يشاء،
وقتما يشاء، وفق هواه!
ومنها: نسأل البكّار؛ هذه
القضايا التي ذكرتها في حديثك: الإرهاب .. الفقر .. الاستبداد .. اللواطة .. هل تناولها
المنهج الإسلامي؛ القرآن والسنّة .. وبين حكمها، وكيفية علاجها، والتعامل معها ..
أم تركها سداً للأهواء، ومن غير بيان؟!
فإن قال: تركها سداً من غير
بيان ولا علاج ...!
نقول له: كذبت، قال تعالى:[ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ]المائدة:3. وقال
تعالى:[ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ]النحل:89.
عام لكل شيء؛ ما يضر منه وما ينفع فقد بينه الله تعالى في كتابه الكريم.
وقال تعالى:[ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي
مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن
سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ]الأنعام:153. والصراط
المستقيم هو المنهج الحق، وما سواه من المناهج سبل باطلة وضالة، تضل صاحبها عن
المنهج الحق؛ الصراط المستقيم.
وفي الحديث، فقد صحَّ عن النبي r أنه قال:" إنه
ليس شيءٌ يقربكم إلى الجنَّة إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد
نهيتكم عنه "[[1]]. وفي رواية:" ما تركتُ شيئاً يقربكم
إلى الله تعالى إلا وأمرتكم به ". وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال:"
تركَنا رسولُ الله r وما في السَّماء طائر يطيرُ بجناحيه إلا
عندنا منه عِلْم "[[2]]. فإذا كان ما من طائر يطير بجناحيه إلا وقد
بين لنا النبيُّ r منه عِلماً، فكيف بما هو أجل وأعلى من ذلك
من أمور الدين والدنيا؛ فهو r أشد لها تبياناً وإيضاحاً.
وإن قال:
نعم؛ قد بينها، وبين حكمها، وطريقة علاجها، وكيفية التعامل معها ..!
نقو له:
ما الحاجة إذاً إلى دكّانك الذي يصنّع، ويصدر المناهج ...؟!
ومنها:
حديثه عن اللواطة؛ بأنها مجرد قضية ثقافية، شأنها شأن القضايا الأخرى .. يحتاج
التعامل معها إلى منهج جديد، وحكم جديد، ومفتاح جديد .. توصيف مخل وخاطئ لا يرقى
إلى مستوى وحجم وزر وإثم اللواطة .. كما لا يليق برجلٍ يتصدر الحديث عن الإسلام ..
وينتسب إلى المجلس الإسلامي السوري، وهو في الدائرة الضيقة من قيادته!
أم أنها الضريبة المطلوبة للولوج إلى منتدى
الليبرالية الغربية، والتي منها تقبُّل ظاهرة اللواطة، والدفاع عنها، وعن حقوق
اللوطيين ...؟!
ومنها: قد
أكثر من الدندنة عن الصندوق، وعن القفل، وعن المفتاح .. فما مراده من هذه الكلمات،
والإطلاقات:
الصندوق:
يعني عنده الموضوع، القضية الثقافية، المسألة من مسائل الفكر والثقافة والأخلاق ..
فدلل عليه بقوله:" لو أردنا أن
نعالج قضية مثل هذه القضية؛ هذه القضية أشبه بصندوق مغلق، نحن نريد فتح هذا
الصندوق .."!
القفل: هو بمثابة النظرة
الحاكمة والسائدة، والضابطة لما في الصندوق من قضايا ومواضيع .. فهو المدخل
للصندوق، لا يمكن أن تفتح الصندوق، وتتناول وتعالج ما فيه من قضايا ومواضيع إلا
بعد فتح الصندوق .. وهذا الذي عبر عنه بقوله:" إذا القضية تغيرت؛ يعني إذا
تغير القفل، فماذا تصنع بالمفتاح الذي عندك، القفل الآن يتغير؛ بمعنى الذائقة
الثقافية لدى الناس تتغير الآن بسرعة، المسلمات لدى الناس تتغير بسرعة ..."!
فتغير القفل في نظر الدكتور يعني تغير توصيف الموضوع والقضية عند
الذوق الثقافي للناس، وتغيير المسلمات لديهم .. فما كان محظوراً ومحرماً بالأمس
أصبح ــ وفق الذوق الثقافي والمسلمات الجديدة لدى الناس ــ مباحاً، وحلالاً، وما
كان قبيحاً وشاذاً، أصبح جميلاً، ومقبولاً .. وما كان حلالاً ومباحاً أصبح حراماً
ومحظوراً .. فتغيير القفل؛ يعني عند البكار تغيير توصيف الموضوع، وتغيير الحكم
عليه من قبل غالبية الناس، وفق ذوقهم الثقافي الجديد .. وهو في تغيير مستمر، ما
دامت الذائقة الثقافية للناس في تغيير مستمر ...!
المفتاح: يعني عند الدكتور ــ
وبكل وضوح ــ الحكم .. المفتاح القديم؛ يعني الحكم القديم، والمفتاح الجديد؛ يعين الحكم
الجديد .. المنهج القديم، والمنهج الجديد .. والحكم الجديد للقضية يجب أن يتناسب
مع القفل الجديد، الذي يمثل الذوق الثقافي الجديد للناس، والمسلمات الجديدة لديهم ..
يعني ما كان يُقال عنه هذا حرام في دين الله، حرام بنص القرآن والسنّة .. لم يعد
يكفي أو ينفع .. لأن القفل قد تغير، وما دام قد تغير، فهو يحتاج إلى حكم جديد،
ونظرة جديدة، ومنهج جديد .. فالأحكام حظراً وإباحة، تحليلا وتحريماً، تحسيناً
وتقبيحاً تتغير مع تغير ذوق الناس للأشياء، ومع المستجد من المسلمات لديهم .. وإن
لم نفعل ذلك فنحن ــ على قول البكار ــ خارج الساحة، وخارج اللعبة، وخارج المعادلة
.. وقد دلل على هذا المعنى، وبكل وضوح، بقوله:" نحن نريد فتح هذا الصندوق .. إذا
القضية تغيرت؛ يعني إذا تغير القفل، فماذا تصنع بالمفتاح الذي عندك، القفل الآن
يتغير؛ بمعنى الذائقة الثقافية لدى الناس تتغير الآن بسرعة، المسلَّمات لدى الناس
تتغير بسرعة .. إذا تغير القفل، مفتاحك ما عاد ينفع في شيء، سواء كان من ذهب أو من
فضة، وسواء كان تاريخياً أو تراثياً، أو مغسولاً بماء زمزم، أو متوارثاً عن
الأجداد، هذا القفل تغير؛ فإذا تغير القفل عليك أن تُغير المفتاح ".
وكلامه أعلاه عن المفتاح؛ يُفيد أن المفتاح القديم؛ أي الحكم
القديم، مهما كان مقدساً، وله مرجعيته الدينية من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله
صلى الله عليه وسلم .. لم يعد ينفع .. مكانه أن يوضع على الرفوف، أو أن يُرمى به،
ويتم تغييره بمفتاح جديد .. فالدكتور البكار أجبن من أن يصرح صراحة بضرورة تغيير
الأحكام على الأشياء .. أو يقول الأحكام القديمة ــ مهما كانت مقدسة ولها مرجعيتها
من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ــ لم تعد تنفع .. ولم نعد
بحاجة إليها .. فلجأ إلى العبارات الباطنية والمضللة .. الصندوق، والقفل،
والمفتاح!!
مِثال تافه، وغبي: لكي يدلّل
البكّار على حجته القوية في حديثه عن " الصندوق .. والقفل .. والمفتاح
"، ذكر قصة في نفس المناسبة والتوقيت من حديثه الذي تكلم فيه عن الصندوق،
والقفـل، والمفتاح، خلاصتها تقول:" أن مدرساً في إحدى المدارس الإسلامية
والعربية ــ قبل أكثر من عشر سنوات! ــ كان يدرس تلاميذه عن حرمة الخنزير .. فقال
تلميذ للمدرس: ما هذه المبالغات، ومن أين لكم بها .. جراثيم، وأمور، وبأثر على
الأخلاق .. الغربيون يأكلون لحم الخنزير، وصحتهم أحسن من صحتنا، ويعيشون أكثر منّا
"، فحار المدرس جواباً، ولم يجب التلميذ .. كما أن سؤال التلميذ لمدرسه قد
حظي من الشخص المحاور للبكّار، ببسمات ونظرات تنم عن الإعجاب بالتلميذ وسؤاله،
وجرأته .. والبكار قد أثار هذه القصة، وهذا التساؤل التافه والغبي من دون أن يجيب
عنه، وتركه من غير إجابة ليدع المستمعين إليه في حيرة من أمرهم .. وربما بعضهم قد
يقتنع برواية التلميذ .. على اعتبار أن قضية حُرمة أكل لحم الخنزير تحتاج إلى
إعادة نظر .. لم يعد يكفي فيها أن نحكم عليها: بأنها حرام، وأن لحم الخنزير ضار ..
فهي قضية من جملة القضايا العديدة التي تغير فيها الذوق الثقافي للناس، التي تحتاج
إلى قفل جديد، ومفتاح جديد .. وحكم جديد!
وجوابنا عن هذا التساؤل الغبي، حتى لا يبقى معروضاً من غير جواب:
أن المستشفيات في أوربا تغص بأمراض لم يكن يعرفها أجدادنا في البلاد العربية والإسلامية
قبل أكثر من مائة عام .. ويُقال أيضاً: الغربيون أكثر الناس شرباً للخمر ..
وعلماؤهم قد أجمعوا على أن الخمر ضار، يتسبب بعدد من الأمراض .. ويُقال أيضاً: أن
الإنسان الغربي يحظى برعاية طبية جيدة وهو لا يزال في بطن أمه .. وفي جميع مراحل
طفولته .. وإلى أن يُصبح شيخاً كبيراً، المؤسسات الطبية المختصّة تتعهده وترعاه ..
وهو ما نفتقده في كثير من البلدان العربية والإسلامية وللأسف .. لذا نلحظ أحياناً
أن منهم من هو صحته أفضل من صحة البعض الآخر في البلاد العربية والإسلامية ..
فالقضية غير مرتبطة بأكل لحم الخنزير أو عدمه .. كما أنها لا تحتاج إلى قفل جديد،
ولا إلى مفتاح جديد!
ينبغي أن نعترف بأن البكَّار غابةٌ من الشذوذات والانحرافات
الفكرية والمنهجية .. وكثير من شذوذاته وانحرافاته تتسم بالغموض والباطنية، تحتمل
أكثر من معنى وتفسير .. تحتاج إلى فريق متفرغ لتتبع زلاته، ومزالقه، وشذوذاته ..
وهو وقت لا أملكه .. لكن حسبي فيما كتبت وقدمت عن فكر الرجل ومنهجه، وأسلوبه أن
يكون كافياً لتنبيه الناس على خطورة منهج وفكر الرجل .. والله حسبي، عليه توكلت،
وإليه أنيب، والحمد لله رب العالمين.
عبد
المنعم مصطفى حليمة
"
أبو بصير الطرطوسي "
2/7/1442 هـ.
14/2/2021
www.abubaseer.bizland.com