بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
فقد تنادت قوى الكفر والإلحاد والشرك والنفاق من جميع أقطارهم وبلدانهم .. لا تذرن آلهتكم .. لا تذرنَّ أصنامكم وأوثانكم تُزال وتُهدم .. انصروا آلهتكم وأصنامكم .. انصروا بوذا الصنم .. ولا تذرنَّ الطالبان تدمر آلهتكم وأصنامكم ..!!
وهو نفس التنادي الذي توجهت به قوى الجاهلية الأولى، قوى الكفر والشرك لنصرة أصنامهم وأوثانهم، وآلهتهم .. كما قال تعالى عنهم في كتابه الكريم:] وقالوا لا تذرُنَّ ودَّاً ولا سواعاً ولا يغوثَ ويعوقَ ونسراً [.
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية: قد ثبت في صحيح البخاري، وغيره عن ابن عباس وغيره من السلف: أن هذه أسماءُ قومٍ صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا، عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد، فعبدوهم، وأن هذه الأصنام بعينها صارت إلى قبائل العرب، ذكرها ابن عباس قبيلةً قبيلة ا- هـ.
وإلى هؤلاء الذين يريدون أن يتشفعوا عند الطالبان للإبقاء على هذه الأصنام الآلهة التي تعبد من دون الله ..!!
إلى هؤلاء الذين يريدون أن يثنوا الطالبان عن نصرة التوحيد .. وعن تهشيم هذه الأوثان الآلهة .. بحجج واهية ساقطة لا قيمة لها في ميزان التوحيد الخالص !!
نقول لهم: أنتم بفعلكم هذا وإنكاركم على الطالبان تصادمون قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وتردون على الله تعالى حكمه وأمره ..!!
فالطالبان لم يفعلوا ما فعلوه من تحطيم لهذه الأصنام ـ الآلهة التي تعبد من دون الله ـ من تلقاء أنفسهم .. بل هم إذ يدمرون ويُزيلون هذه الأصنام الآلهة .. فهم يفعلون ذلك بأمرٍ من الله ورسوله .. ولا يجوز لهم أن يقدموا على أمر الله ورسوله أمراً، ولا على طاعة الله ورسوله طاعة.
قال تعالى:] ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلمُ في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يُشركون [.
وقال تعالى:] ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [.
والطاغوت باتفاق أهل العلم والتفسير: هو كل ما عُبد من دون الله تعالى ـ في أي وجه
من أوجه العبادة ـ من صنم،ٍ أو وثن، أو حجرٍ، أو شجرٍ، أو بشر .. أو غير ذلك!
وقال تعالى:] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [.
فهم مفلحون في الدنيا والآخرة لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .. ولا معروف يُؤمر به أجل وأعظم من معروف التوحيد .. ولا منكر يُزال أكبر من منكر الشرك وعبادة الأصنام والأوثان ..!
كما قال تعالى:] إن الشرك لظلم عظيم [.
وقال تعالى:] إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [.
وفي الحديث، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي الهَّياج الأَسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أمرني أن لا أدع قبراً إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته .
وفي الصحيحين البخاري ومسلم: أنه ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته كنيسة بأرض الحبشة وذُكر له من حسنها وتصاوير فيها فقال:" أولئك إذا مات فيهم الرجل بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ".
وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك ".
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:" دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول:" جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق، وما يبدي الباطل وما يُعيد ".
ومن رواية عند ابن أبي شيبة في المصنف، من حديث جابر رضي الله عنه قال: فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبت كلها لوجوهها، ثم قال:] جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً [.
والأحاديث التي تفيد وجوب تحطيم الأصنام والتماثيل ـ وبخاصة منها الأصنام التي تعبد من دون الله ـ هي أكثر من أن تحصر في هذا الموضع .
وإن كنت أعجب فأعجب لشيخ المنافقين ـ الذي باع دينه بعرض من الدنيا ـ وهو يقول في تصريح له لمجلة الحياة منكراً على ما تفعله الطالبان: لا يجوز تحطيم التماثيل والأصنام التي صنعها الأقدمون قبل الإسلام .. لاعتبارها تمثل تراثاً وتاريخاً لا يقدر بثمن !!!
فحرم ما أحل الله بل ما أوجبه الله، ومما هو معلوم وجوبه بالنص والإجماع .. !!
ثم نسأل الشيخ الذي آثر الكذب على الله ورسوله .. وآثر إلا أن يقف في مصـاف
الطواغيت الظالمين المعادين للتوحيد وأهله .. وكتم العلم الذي يجب أن يظهره للناس: هل الأصنام التي كانت منصوبة في الكعبة والتي أزالها النبي صلى الله عليه وسلم وحطمها .. صنعت قبل الإسلام أم بعد الإسلام ؟!!
فقد تقدم أثر ابن عباس الذي أخرجه البخاري في صحيحه وغيره: أن من هذه الأصنام والتماثيل ما له امتداد تاريخي ينتهي إلى ما قبل عهد نوح عليه السلام، وقد نُقلت بأعيانها إلى قبائل العرب .. ومع ذلك ما تردد النبي صلى الله عليه وسلم ـ حاشاه ـ لحظة في تدمير وإزالة هذه الأصنام والتماثيل باعتبارها تراثاً وتاريخاً لا يُقدر بثمن ..!
فإن قيل ـ وقد قالوا ـ إن هذه الأصنام التي تحطمها الطالبان لا تعبد من دون الله ..؟!
نقول: كذبتم وما صدقتم .. فهذا الصنم الإله الذي يسمونه " بوذا " يعبده أكثر أهل الأرض؛ أي أن الذين يعبدون بوذا الصنم الحجر .. هم أكثر بكثير من الذين يعبدون الله تعالى وحده، خالق الخلق الذي له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عما يُشركون !
ثم نسأل أمريكا الطاغوت الأكبر .. ووراءها الأمم المتحدة على الإسلام .. ومن تابعهم من دول الشقاق والنفاق .. علام هذا الضجيج وهذا الاستنكار الشديد على الطالبان .. ما الذي حملكم على أن تدفعوا الملايين إن لم يكن المليارات مقابل هذه الأصنام والحجارة ؟!!
أهو حقاً غيرتكم على حضارة وتاريخ وتراث الإنسان .. أم أنكم تريدون أن تحدثوا شرخاً لا يلتئم بين حركة الطالبان ـ الممثل الشرعي والحقيقي لشعب أفغانستان المسلم ـ وبين المسلمين الموحدين في الأرض، لتكملوا خناقكم على هذه الفئة المؤمنة ..؟!!
قد نجحتم في عزل الطالبان عن دول العالم وعن الميادين الدولية والرسمية .. وها أنتم تحاولون عزلهم عن الشعوب المؤيدة لهم من خلال استجابتهم ـ لا قدر الله ـ لأوامركم في المحافظة على هذه الأوثان والأصنام ..؟!
فأنتم تعلمون أنهم لو استجابوا لضغوطاتكم وإغراءاتكم هذه .. أنهم سيخسرون آخر رصيد لهم من الشعوب الموحدة .. وحينئذٍ ستخلو الساحة بينكم وبين الطالبان !!
ثم إذا كانت هذه الحجارة عزيزة عليكم إلى هذا الحد فعلام تقتلون في كل يوم آلاف الأطفال .. تقتلون الإنسان صانع الحضارات والتاريخ .. من خلال سياسات التجويع والحصارات، وقصف الطائرات، وراجمات الصواريخ العابرة للقارات ..؟!
أيهما أعز عليكم .. هذه الأصنام أم شعب أفغانستان .. هذه الأصنام أم هذه الملايين من البشر التي تقتلونها في سياسات الحصارات والتجويع والحرمان .. ؟!!
يهون عليكم قتل شعب بكامله .. بينما يعز عليكم تحطيم صنم ؟!!
أخذتكم الشفقة والرحمة على أصنام أفغانستان .. وأنتم في نفس الوقت تقتلون شعب أفغانستان .. تقتلون الإنسان في أفغانستان، وفي غير أفغانستان ..؟!!
من أجل خلافكم مع شخص واحد .. تقتلون وتحاصرون عشرين مليون إنسان ؟!!
لا عجب من ذلك كله .. فنحن في زمن تسحق فيه حقوق الإنسان باسم المحافظة على حقوق الإنسان .. في زمن يُسحق فيه إرهاب المستضعفين الذين يبحثون عن عيش كريم من أجل المحافظة على الإرهاب الأكبر؛ الممثل في إرهاب الطواغيت لشعوبهم المقهورة، والمكبلة بالحديد والنار ..؟!!
هذا كله يتم بفضل شريعة الغاب؛ الشريعة التي تقدس حقوق الأصنام والأوثان .. وتقتل وتزهق حقوق الإنسان !!
أما أنتم أيها الطالبان .. فإنه لا يسعنا إلا أن نقول لكم: جزاكم الله خيراً على ما فعلتم، وعلى ما قدمتم وما أخرتم، وسلم الله آياديكم الطاهرة المتوضئة التي حطمتم بها تلك الأوثان والأصنام .. ولكم منا كل حب وإعجاب وتقدير، ودعاء.
ونخص بذلك الشيخ القائد الأمير ملا محمد عمر حفظه الله من كل سوء ومكروه، ونصر به الدين والتوحيد، والملة .. إنه تعالى سميع قريب.
وإن كان لنا طلب من الشيخ القائد ومن معه من إخوانه الموحدين: هو أن لا يدع صنما ولا تمثالاً، ولا قبراً ناشزاً، ولا مناراً يُعبد من دون الله إلا وحطمه أو طمسه .. كما أوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك علياً.
فأنتم أيها الطالبان في خيار صعب .. لكنه سهل على من سهله الله عليه ونشد رضوانه والدار الآخرة .. أنتم في خيار بين إرضاء أمريكا ـ ولن ترضى عنكم حتى تتبعوا ملتهم وتدخلوا في عبوديتهم وطاعتهم ودينهم ـ وبين إرضاء الله .. أنتم مخيرون بين إرضاء الطاغوت وبين إرضاء رب الأرباب خالق الخلق، الذي بيده الملك والأمر كله.
الناس كل الناس يراقبكم ويراهن على أيهما سيقع خياركم في نهاية المطاف .. على الله أم على الطاغوت .. على الله .. أم على أمريكا راعية الاستكبار والطغيان، والإرهاب، والكفر العالمي.
قال تعالى:] ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله [.
نسأل الله تعالى أن تكونوا من الذين هم أشد حباً لله تعالى، كما نسأله تعالى أن يحفظكم،
وينصركم على أعدائكم، ويثبت أقدامكم ] ولينصرنًّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز [.
وأخيراً فإني أطالب جميع إخواني من الدعاة والمشايخ والعلماء المخلصين العاملين ـ على اختلاف مواقعهم وبلدانهم ـ أن لا ينسوا دورهم وحظهم في نصرة الحق والتوحيد .. فاليوم يومهم .. والفرصة فرصتهم .. والله تعالى ناظر ماذا يفعلون ..فلا يدعونها تمر منهم من دون أن يسجلوا موقفاً ينصرون فيه الله ورسوله .. ينصرون فيه التوحيد وأهله .. فيقومون ـ وهذا أقل الواجب وأضعف الإيمان ـ بخط برقية شكر وتأييد ونصرة لإخوانهم الطالبان .. ترافقها برقية تنديد لقوى الكفر والشرك والنفاق التي اجتمعت على صعيد واحد ضد الحق وأهله .. ضد التوحيد وأهله.
ليميز الله الخبيث من الطيب .. ويُعرف الحق وأهله من الباطل وأهله .. ] ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركُمَه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون [.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبها نصرة للتوحيد وأهله .. وتنديداً بالشرك وأهله
10/12/1421 هـ. الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة
4/3/2001 م. أبو بصير