بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
للشعب الليبي المسلم الأبي بعامة .. وللثوار الأبطال منهم بخاصة، أقول: أن يبقى كل واحدٍ منكم سلاحه بيده .. يأخذ حقه بيده، ووفق قانونه وهواه .. هذا يعني أن يوجد في ليبيا دول وحكومات عديدة بعدد من يحمل السلاح من الشعب الليبي .. وهذا عين الفوضى .. والأذى والضرر لليبيا أرضاً وشعباً .. وأملاً ومستقبلاً .. وهو خيار لا يُرضي إلا أعداء ليبيا .. وإن تظاهروا بحبها!
أن نشرِّع لظاهرة بقاء السلاح ـ بأحجامه المتنوعة ـ بيد جميع أفراد الشعب الليبي .. هذا يعني أن يبقى السلاح مع الصالح والطالح سواء .. مع المجاهد الثائر الصالح ومع المفسد والمخرب سواء .. وأن يجد المفسدون من بقايا مخلفات ورواسب نظام الطاغوت الهالك المبرر القانوني بأن يحملوا السلاح، ويحتفظوا به لنفسهم، ويستخدموه لمآربهم السيئة وقتما يشاؤون .. ولو أردت منعهم لاحتجوا عليك بأنهم ليبيون مثلهم مثل أي ليبي آخر .. فعلام يُنزع منهم ويُترك مع غيرهم .. فإما أن تنزع السلاح من يد جميع المدنيين من الشعب الليبي أو تبقيه معهم جميعاً .. وهذه نتيجة لا يرضاها من كان محباً لليبيا أرضاً وشعباً، وثورة، ومستقبلاً.
ثم هو خيار سيعطي ـ في النهاية ـ فرصة للعدو الخارجي أن يتدخل .. ويُؤذي ويلعب ألاعيبه .. بزعم نصرة الفريق الذي يريد أن يسلم أسلحته للدولة ما بعد الثورة .. ضد الفريق الذي يأبى أن يسلم أسلحته .. وحينئذٍ قد تحصل فتنة ومقتلة فيم بينكم .. لا تسر إلا الأعداء .. فحذار ـ أيها الأحبة ـ أن تشمتوا بنا وبكم الأعداء، بعد أن من الله عليكم بالفتح والخير الكثير.
لذا فالمطلوب، والمرجو منكم ـ ومن جميع أفراد الشعب الليبي الأبي ـ في هذه المرحلة الحاسمة .. أن تسلموا أسلحتكم للجهات الرسمية والمختصة التي تمثلكم وتمثل بلدكم من المجاهدين والثوار .. وأن تتصرفوا على أنكم أنتم الدولة، وأنتم الحكومة .. وأنتم البلد وأهلها وملحها .. وأن تنخرطوا في الجيش الليبي الوليد .. وتكونوا نواته من داخله، وليس من خارجه!
النظرة القاتمة المرافقة للجيش الليبي أيام الطاغية الهالك .. ينبغي أن تنقضي وتذهب بذهاب الطاغية ونظامه .. وأن لا تظل مخيمة في أذهانكم .. وعقولكم .. وبالتالي عليكم أن تتصرفوا بمسؤولية .. وأن تشاركوا في الجيش الليبي الجديد .. وتكونوا أنتم قوته الضاربة التي تحفظ لليبيا ـ أرضاً وشعباً ـ كرامتها وعزتها وأمنها .. واستقلالها .. وحينئذٍ تملكون القوة والسلاح بطريقة قانونية وشرعية .. وإلا ما معنى أن ليبيا أصبحت حرة كريمة عزيزة .. وأنها قد عادت إلى أهلها .. بعد أن اختطفها الطاغوت من أحضانكم أربعين عاماً .. إذا كنا سنستمر في نظرتنا القاتمة لجيشها الجديد .. ولكل مؤسسة أفرزتها وتفرزها الثورة الليبية المباركة؟!
ستقولون: ولكن نخشى أن يُغدَر بنا .. وبالثورة وأهدافها .. وبمصالح وآمال ليبيا المنشودة .. وبقاء السلاح بأيدينا ـ بصورته الفردية ـ هو العاصم من كل ذلك ..!
أقول: هذا من سوء الظن بالثورة وإنجازاتها .. وسوء الظن بأنفسكم وبموقعكم الهام والحساس في ليبيا ما بعد الثورة .. وكأنكم تقولون البلد لم تعد إلينا بعد .. ولا إلى أهلها .. إلى الشعب الليبي المسلم الأبي .. وأنكم لم تتحرروا بعد من الطغاة والظالمين .. وهذا لا ينبغي ولا يصح .. ولا يليق بكم!
أصارحكم القول: أحياناً ينتابني شعور ـ أرجو أن يكون خاطئاً ـ أن من الثوار المجاهدين، ممن نحبهم ونكن لهم كل حب واحترام .. لا يزالون لا يصدقون بأن ليبيا قد عادت إليهم .. وأنها قد تحررت فعلاً من الطاغوت وجنده .. وأنهم هم أهلها .. ومن أهلها .. يجب أن يُحيطوها بالرعاية والنصح والحب .. فهم ـ وللأسف ـ لا يزالون يعيشون كابوس وآلام وهواجس الماضي .. بينما هم في الواقع يعيشون عهداً جديداً، عهد ما بعد انتصار الثورة الليبية المجيدة .. وتحقيق الحرية والاستقلال لليبيا الحرة أرضاً وشعباً ..!!
ثم بعد ذلك نقول: إن عادت ليبيا ـ لا سمح الله ـ إلى عهدها السابق ما قبل الثورة .. وهذا لن يكون بإذن الله .. ووجد من يحاول الالتفاف على الثورة وأهدافها بالقوة .. والعودة بها إلى عهد الطغيان والاستبداد من جديد ... أقول: الذي يسّر لكم السلاح في ثورتكم على الطاغية الهالك .. ييسر لكم السلاح على كل طاغية يريد الالتفاف على ثورتكم وأهدافكم بالقوة .. وعندما تكونوا أنتم الجيش .. وأنتم قوته وعناصره .. لم تعد حينئذٍ مشكلة السلاح .. مشكلة يُقلَق لأجلها!
وعلى افتراض أن بقاء السلاح بيد عامة الناس من الشعب الليبي له بعض الحسنات ـ كما يقول بذلك البعض ـ فإن سيئاته أكثر بكثير من حسناته .. ومفاسده ومضاره ترجح كثيراً على المصلحة المرجوة من حمله .. والقاعدة الفقهية تقول:" بتقديم أكبر المصلحتين، ودفع أكبر الضررين والمفسدتين "، ولو لم يكن من مفسدة راجحة من وراء بقاء السلاح بأيدي الناس سوى زهق الأنفس البريئة المعصومة عند أدنى شجار أو خلاف يحصل فيم بين الناس ـ وقد حصل شيء من ذلك ـ ومن ثم غياب الأمن والأمان .. وإشاعة الخوف والرعب والفوضى فيم بين الناس لكان ذلك بمفرده كافياً، وداعياً لجمع السلاح ونزعه من أيدي الناس .. فكيف لو ضُمَّت إليه ما تقدم ذكره من أسباب .. وغيرها مما لم نذكره!
هذا الذي أنصحكم به .. وهي نصيحة من أخ محب مشفق .. وما أردت إلا الخير والإصلاح .. [إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ]هود:88.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "
8/12/1432 هـ. 5/11/2011 م