س1162: يتناقل بعض الأخوان في بعض المنتديات الحوارية عبر الإنترنت
صوراً تسيء للنبي صلى الله عليه وسلم بحجة التعريف بالجهة التي قامت بهذا العمل
المسيء، ليتخذ المسلمون الإجراءات المناسبة والممكنة كالمقاطعة ونحوها تجاه هذه
الجهة أو الدولة التي صدرت منها تلك الإساءة .. ما مدى شرعية هذا العمل؛ وهو تناقل
الصور المسيئة، للحجة الآنفة الذكر، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. لا يجوز
نشر ولا توزيع الصور المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم تحت أي ذريعة أو حجة كانت؛
فكم من مدافعٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم يُسيء إليه من حيث لا يدري .. فنشرها ـ
تحت أي ذريعة كانت ـ تحقق الأغراض التالية:
1-
تزيد من مساحة انتشارها .. ومن عدد الناس ـ وبخاصة منهم المسلمين ـ الذين يطلعون
على الإساءة والطعن بسيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه.
2-
إدمان النظر إلى مثل هذه الصور المسيئة تورث الاستخفاف بسيد الخلق .. ولو بطريقة
غير مباشرة .. وهذا مزلق خطير ينبغي الحذر والاحتياط منه.
نقل
الشتم والسب على وجه التفصيل .. ثم تكرار هذا النقل وإعادته أكثر من مرة ومرة ..
هو نفسه سب وشتم وانتقاص من قدر المشتوم .. فالحذر الحذر عباد الله .. والأدب
الأدب مع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .. ولا يغرنك كثيراً الاتكاء على القاعدة
الشائعة " نقل الكفر ليس بكفر "؛ لأن فعلك قد تعدى حدود النقل المجرد ..
وزدت عليه بما لا ينبغي لك!
لو
قيل لأحدنا فلان شتمك .. لاستُسيغ استقبال الخبر من الناقل .. لأنه نقل عام ..
ولكن لو تعدى ذلك لينقل تفاصيل الشتم وماذا قال الشاتم على وجه التفصيل والتدقيق
فيك وفي أمك وأبيك وأختك من قذف وسب وكلام فاجر .. لقلت مباشرة للناقل: تأدَّب، لا
تشارك الشاتم في شتمه لي .. ولعددت نقله للشتم لك بهذه الصورة هو من الشتم لك ..
وإذا كان أحدنا لا يقبل لنفسه أن يُعامل بهذه الطريقة غير المؤدبة .. ويعد ذلك من
التطاول عليه وعلى عِرضه وتعدي حدود الأدب .. فكيف يرضاه بحق الخالق سبحانه وتعالى،
وحق نبيه صلوات الله وسلامه عليه.
أذكر
مرة أنني والمصلين ابتلينا بخطيبٍ في يوم جمعة لا أسمعكم الله إياه ـ ما أكثر
أمثاله من الخطباء في هذا العصر ـ أخذ الخطيب ينقل ما تعرَّض له النبي صلى الله
عليه وسلم من أذى وسبٍّ من قبل كفار قريش ـ أنا هنا لا أجرؤ على نقل عبارات السب
هذه التي أسمعنا إياها ذاك الخطيب المغفَّل ـ قلنا أول مرة: ناقل الكفر ليس بكفر
.. غض الطرف يا فلان .. إلا أن الرجل أعادها ثانية .. وثالثة .. ورابعة .. وسابع
مرة .. وفي كل مرة يتوسع في نقل تفاصيل السب والشتم ما تقشعر منه الأبدان .. قلنا
هذا لم يعد ناقلاً؛ لأن النقل قد تم من أول مرة، والمعلومة كذلك قد نقلت ووصلت
للمصلين من أول مرة ـ فعلام التكرار ؟! ـ هذا التكرار لا يمكن أن يُدرج إلا في
خانة الاستخفاف بسيد الخلق .. وإن كان الخطيب المغفل الجاهل لم يتفطن أو لم يقصد
هذا المعنى .. لكن هذا الاستخفاف قد وجدناه في أنفسنا .. وقد كان له أثره السيء في
نفوسنا .. ورغم صبري الشديد على خطباء السوء هؤلاء إلا أنني وجدت نفسي مشدوداً
لإيقافه وتوجيهه، وتنبيهه لسوء صنيعه هذا .. ولما فعلت وجدت أن المصلين كلهم قد
وجدوا الذي وجدت وشعروا بالذي شعرت .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
3-
نشرها من قبل المسلمين يحقق غرضاً نفسياً للعدو الكافر الذي يكمن من وراء نشر هذه
الصور والرسومات المسيئة .. هذا الغرض بالنسبة له قد لا يُقدر بثمن.
فهو
يكفي لأن ينشر صورة مسيئة في مجلة أو جريدة أو موقع محدود الانتشار .. ليأتي بعد
ذلك بعض المغفلين من المسلمين لينشروها في مئات الجرائد والمواقع والمنتديات،
وربما القنوات .. ويعمم انتشارها على أكثر من مليار مسلم .. والملايين الأخرى من
غيرهم ـ بحجة الذريعة الآنفة الذكر في السؤال ـ فينعكس ذلك حسرة وألماً في نفوس المسلمين
.. وعلى العدو الكافر ينعكس بالتشفي، والسرور، والفرح لما أحدثه صنيعه الخبيث هذا
من أذى للمسلمين .. وأنه استطاع أن يشغل بفعلته الخبيثة هذه أكثر من مليار مسلم،
ويؤذيهم بها!
ومما
يُذكر في هذا الصدد أن من المواقع الخبيثة الكافرة المنتشرة على الإنترت .. تنشر
إعلاناً مفاده أنهم سينشرون صوراً مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم .. لكن لو وقَّع
على منعها مليون إنسان فإنهم سيمتنعون من نشرها .. والمسلمون ما إن يسمعوا هذا
الخبر إلا ويدخلون إلى تلك المواقع بالآلاف .. ويتنادون في المنتديات أن اذهبوا
إلى موقع كذا وكذا .. ووقعوا فيه لمنع نشر الصور المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم
.. فيطلعون على الشر الموجود في تلك الموقع .. ويزيدون من عدد زوارها .. ويدللون
عليها .. وهذا هو الغرض الأكبر لأصحاب تلك المواقع الخبيثة الكافرة!
أقول
ذلك: لأنني ممن وصلتهم رسالة من أحد الغيورين المغفلين يُطالبني بها بأن أذهب إلى
موقع فلان وأسجل اسمي عسى أن يبلغ العدد النصاب .. فيمتنع صاحب الموقع عن الإساءة
ونشر تلك الصور!
هذا
الأسلوب الخبيث الوضيع أصبح متبعاً عند كثير من المواقع الفاشلة التي يريد أصحابها
أن تنتشر ويعرفها الناس بأي طريقة ووسيلة خبيثة .. لكن الذي ساعدهم على ذلك هو
غباء بعض الغيورين المغفلين من أبناء جلدتنا .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
والذي
أقوله في الصور المسيئة ونشرها .. أقوله كذلك في المقالات الساقطة التي يتطاول
فيها أصحابها الساقطون ـ من ذكور وإناث ـ على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم
بالانتقاص والطعن .. ليُعرَفوا .. وليُشْهَروا بين الناس .. ولينشغل بالرد عليهم
العلماء والدعاة .. وبالرد عليهم تنتشر أسماؤهم، وينتشر ويعم الطعن أكثر وأكثر؛
لأن من لوازم الرد على الطعن ذكر الطعن .. وهذا الذي يريدونه ويستشرفون له ..
فهؤلاء أيضاً لا تحققوا لهم غرضهم .. تجاهلوهم ليموتوا في غيظهم وكفرهم .. فقافلة
الحق تسير والكلاب تنبح .. فدعوهم ينبحون؛ لأن الوقوف عن كل نباح يجعل للنباح
قيمة.
فإن
قيل: هل يعني ذلك أن لا نرد على الطاعنين مطلقاً ..؟
أقول:
لا؛ لا يعني ذلك، ولكن عند الرد لا بد من مراعاة بعض الشروط والضوابط:
منها:
أن لا يتضمن الرد الإساءة للإسلام، أو لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم من حيث لا
يدري الراد ولا يقصد؛ أي لابد من أن يكون الراد كفأ للرد ولما يرد عليه.
ومنها:
أن لا يكون الرد سبباً في انتشار الإساءة أكثر مما هي منتشرة.
ومنها:
أن يكون السكوت على المردود عليه مؤداه إلى فتنة الناس في دينهم .. والرد عليه
يزيل هذه الفتنة أو يقلل منها ومن أثرها.
ومنها: أن يكون المردود عليه علَماً من أعلام
الكفر والباطل .. يعرفه أو يسمع به القاصي والداني من بني قومه ومن هم على نهجه؛
الرد عليه لا يزيده شهرة بين الناس .. ويكون في الرد عليه تحجيم له ولباطله!
ومنها:
أن لا يحقق الرد أي مطلب أو مقصد من مطالب ومقاصد الطاعنين الخبثاء الآنفة الذكر،
والمشار إليها أعلاه، والله تعالى أعلم.