فَنُّ إدخَالِ النَّكَدِ والحزَنِ على قلُوبِ الآخَرين!
فريق واسع من الناس ـ ليسوا بقليل ـ تراهم يتفنَّنون في كيفية إدخال النكد، والحزن على قلوب الآخَرين. لا يهدأ لهم بال، ولا تطيب لهم حياة إلا بإدخال النكد، والحزن على قلوب الآخرين. تسيئهم الحسنات، والمسرَّات، وتضيق بهم ذرعاً، فلا يدعون مناسبة سارة، وسعيدة تمر من دون أن يعكروها، بكلماتهم، وسمومهم، ورسائلهم. لا يعطون فرصة للجمال، ولا للخير أن يمضيا بخير وسلام، ومن دون أذى.
برامج ثقافية كاملة؛ تُقام لها الدورات، ويُدفع في سبيلها الأموال، تحت عنوان وزعم علم النفس، والتنمية البشرية، وعلم الطاقة، ومتعلقاته الباطلة، وفن التواصل، والتجاهل، وإدارة العلاقات، وغيرها. كلها تقوم على تعليم الناس فن إدخال النكد، والحزن إلى قلوب الآخرين. كيف تقهر، وتذل، وتحزن الآخرين. كيف تقطع على الآخرين سعادتهم، وتمنعهم من الاستمرار في السرور والسعادة. كيف تتبلّد في مشاعرك، وأحاسيسك، وفي المقابل كيف تدوس على مشاعر الآخرين.
ولعمر الحق، فهذا ليس بفنِّ، ولا علم، وإنما هو سموم الشيطان يبثها على أتباعه، وأعوانه، ليؤذوا بها الناس. إدخال الحزن والنكد على قلوب الآخرين، لا يحتاج إلى علم، ولا إلى فن، ولا إلى ثقافة، وسعَةِ إطلاع. يتقنه الحمقى، والسفهاء من الناس. يكفيهم أن يقولوا كلمات عن طيش، وسفاهة، وحمق، وحسد، لا يلقون لها بالاً، يهدمون بها كثيراً من الخير، والعلاقات النافعة والسعيدة بين الناس.
ما أسهل أن تدخل الحزن والنكد على قلوب الآخرين، فهذه بضاعة يتقنها كل بطَّال وضيع. وإنما الفن الحقيقي، والبطولة الحقيقية، والعلم النافع الحقيقي: كيف تدخل السعادة والسرور على قلوب الآخرين. كيف تُضحكهم بعد بكاء. كيف تذهب عنهم النكد، والكآبة، والحزَن. كيف ترسم على وجوههم البسمة. هذا هو الفن، وهذا هو الميدان الذي ينبغي أن يتنافس فيه المتنافسون، من المصلحين، والمربين.
وفي الحديث: "أفضلُ الأعمالِ أن تُدخِلَ على أخيكَ المؤمن سُروراً". وعن عبد الله بن عمرو: أنَّ رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني جئتُ أبايُعكَ على الهجرةِ، ولقد تركتُ أبوَيَّ يبكيَان!! قال صلى الله عليه وسلم: "ارجعْ إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما". ليست المهارة في أن تُبكيهما، فهذا يتقنه كل أحد. وإنما المهارة، والبطولة أن تُضحكهما، وكيف تكون سبباً في إضحاكهما وسعادتهما!