المأساويون ـ سواء كانوا من الذكُورِ أم من الإنَاث ـ يَستهويهم الجانب المأساوي من كل حَدَثٍ، وكُلِّ قصة، حتى القصة الجميلة ـ مهما كانت جميلة ـ تراهم يبحثون في ثناياها عن الجانبِ المأساوي؛ ليتلبَّسوه، ويَتقَمَّصُوه، ويعيشوه في أنفسهم بكل مشاعرهم، وأحاسيسهم، وكأنهم هم أصحابُه .. مما يَعكس سلباً على حياتهم، ونفسيَّاتهم، وعلى محيطهم الاجتماعي، وعلاقاتهم بالآخَرين .. هذا الفريق المأساوي قد يتنبَّه ـ في مرحلة من مراحل حياته ـ لسوء صنيعه، ومنهجه، وسوء مَسلكه، وتَعاطيه للأمور، وتعامله مع الأحداث، والقصص .. وأنه ظالم لنفسِه .. وبخاصَّة مع ظهُور دَعواتِ الليبراليَّةِ، والحَدَاثَةِ، والتنميةِ البشريَّة؛ التي تعزز ثقافة الأنانية .. والأنا .. وأنا وحَسْب، إلى درجة الغُلُو، والإفراط .. فينقلبون إلى الاتجاه المرَضِي المعاكس؛ فتَتبلَّد مشاعرُهم، وعواطفُهم تجاه الرَّحمِ، والأصدقاء، وأقربِ الناسِ إليهم .. ولم يعد يَقبلون الإصغاءَ لما يُصيب المسلمين، والمستضعفين من آلام ومصَائب، ولا الاهتمام بهم، ولم يروا في الحياةِ إلَّا أنفُسَهم، ومتعتهم؛ كردة فعل على منهجهم المأسَاوي الآنف الذكر .. فيَفرُّون من مرَضٍ إلى مرض .. ومن خطأ إلى خطأ .. ومن ظُلمٍ إلى ظُلم .. في مرضهم الأول؛ ظلمُوا أنفسَهم، وفي مرضهم الآخَر، ظلموا الآخَرين، وكل من له حق عليهم .. ولو علموا ـ من الأسَاس ـ أن لأنفُسِهم حقَّاً .. وللرَّحِم حَقاً .. وللأصحابِ حقَّاً .. وللمسلمين، والمستضعفِين حقَّاً .. وللجار حقاً .. وتعاملوا مع جميع الحقوق باتِّزانٍ واعتدال من غيرِ إفراطٍ ولا تَفريط .. لسَلِمُوا، ولما وقعوا في المرض الأوَّل، ولا الآخَر المعَاكِس والمضادِّ للأول!