GuidePedia

0


س1156: شيخنا حفظكم الله .. أقلية مسلمة تعيش في دولة لا تحكم بما أنزل الله .. قام رجل بقذف امرأة مسلمة بالزنى وهو مبطل .. وقد قامت البينة على كذبه .. لكن لا سبيل لقيام الحكم أو الحد الشرعي عليه .. فهل يجوز إلزامه بعقوبة أخرى؛ كدفع غرامة مالية ونحو ذلك .. أم يُترك الأمر من غير معالجة لعدم وجود الإمكانية على تطبيق الحكم الشرعي .. والأمر ليس منحصراً في هذه المسألة، بل السؤال يمكن أيقع عاماً: إذا كانوا لا يستطيعون تنفيذ الحدود الشرعية فهل يجوز تنفيذ عقوبة أخرى؟ أسأل الله تعالى أن يثيبكم على جهودكم.

          الجواب: الحمد لله رب العالمين. هذه المشكلة المشار إليها في السؤال لا تعاني منها الأقلية المعنية من سؤالك وحسب .. بل يعاني منها جل المسلمين في أمصارهم .. بسبب غياب دولة الإسلام التي تحكم بما أنزل الله .. لم يُعايشها سلفنا من قبل .. وهي من النوازل المستجدة الملحة التي لا يجوز تجاهلها .. والتي ينبغي على العلماء أن يقولوا فيها قولهم .. فإن عُلم ذلك أقول: لا يجوز للمسلم أن يُطالب بحكم يُخالف ويُضاد حكم الله تعالى .. وفيما تم السؤال عنه: جزء منه مرتبط بحق العبد، وجزء منه مرتبط بحق الله تعالى المتمثل في التزام وتنفيذ حكمه.
          فالحق الخاص بالعبد أو الأمَة التي اعتدي عليها بالقذف يتم الاعتذار لها .. ويتراجع القاذف عن قذفه .. ولأولياء المرأة أن يُطالبوا بهذا الجانب من الحق .. لا حرج عليهم .. بينما حق الله تعالى المتمثل في تنفيذ حد القذف .. معطل لعدم وجود السلطان المسلم ـ أو من ينوب عنه ـ الذي يقدر على تنفيذه .. لا يجوز أن يُستبدل بحكم آخر لم يأذن به الله، ولم يرضه، والله تعالى أعلم.
          فالسارق مثلاً: يجوز للمسروق أن يُطالب باسترداد ما سُرِق منه .. فهذا حقه .. لا حرج عليه .. لكن لا يجوز أن يُطالِب بإنزال عقوبة في السارق تخالف عقوبة حد السارق الذي حده وشرعه الله تعالى، فهذا ليس من حقه.
          فإن قيل: ولكن محاكم الدولة الكافرة .. قد تحكم على الفاعل المذنب بحكم ما .. وتلزمه بعقوبة معينة بحسب قوانينهم وشرائعهم .. ومن دون أن يُطالَبوا بذلك؟
          أقول: هذا شأنهم لو فعلوا .. فليس بعد الكفر ذنب .. لكن المسلم لا يجوز أن يُطالبهم ابتداء بما هو مضاد لحكم وشرع الله عز وجل .. كما لا يجوز أن يسترد من السارق أكثر من حقه أو من ماله الذي سُرِق منه .. حتى لو حكمت له المحكمة بذلك .. والله تعالى أعلم.
          أما العقوبات التي لا تُضاد ولا تُخالِف حكماً ولا حداً شرعياً .. وإنما تُصنَّف تحت خانة العقوبات التعزيرية التي يُمكن الاجتهاد في تقديرها .. فالأمر فيها فيه سعة أكثر، وللمظلوم أن يختار ويقدر من تلك العقوبات المتاحة ـ لو شاء ـ ما يعتقد أنها الأقرب لإنصافه وللعدل ولروح وتعاليم الإسلام، والله تعالى أعلم.
          مثال ذلك: مسلم اعتقل في دولة كافرة لا تحكم بما أنزل الله ـ وهذه صورة تتكرر كثيراً ـ ثم تبين لمعتقليه أن المعتقل بريء مما نُسب إليه .. وقد ظلموه في اعتقالهم له .. وأرادوا أن يعتذروا له .. ويتحللوا من مظلمتهم له .. ويعوضوه عما نزل به من أضرار .. فهو مخير إما أن يشكوهم إلى الله تعالى .. ويقتص من ظالميه يوم القيامة .. وإما أن يقبل تحللهم من مظلمتهم له بالعفو عنهم أو بعطاء من المال يرضونه به يُكافئ مظلمتهم له والأضرار التي نزلت به بسبب ظلمهم له .. فالمسلم له أن يختار أحد الخيارات التالية لو شاء .. فهذا ممكن لا حرج فيه إن شاء الله .. فالمظالم التي لا حد ولا قصاصاً معلوماً فيها .. تُشترى وتباع في الدنيا قبل أن تُشترى وتباع يوم القيامة بالحسنات والسيئات؛ فيأخذ المظلوم من حسنات الظالم، فإن نفدت حسناته أخذ الظالم من سيئات المظلوم بالقدر الذي ينتصف فيه المظلوم من ظالمه .. في يوم تكون الحسنة فيه تساوي الدنيا وما فيها .. فقد روي أن عمر رضي الله عنه قد اشترى من المرأة أم الأطفال الجياع مظلمتها بمبلغ من المال ـ تلك المرأة التي قالت في عمر: أيلي أمرنا ثم يغفل عنا! ـ وقد أشهد على شرائه بعض الصحابة، والله تعالى أعلم.  

إرسال تعليق

 
Top