GuidePedia

0


س1200: ما الفرق بين الشكوى والتي تدل على عدم الصبر وبين طلب الشفاء .. بمعني هل لو أنني قلت لصاحبي أنني أشعر بصداع شديد في رأسي ليدلني على علاج آخذه يعتبر شكوى أم هو من قبيل طلب التداوي .. أم أن طلب الدواء نفسه يعتبر شكوى .. أنا في حيرة شديدة تجعلني خائف جداً من أن أكون ممن يشتكي وهو لا يدري .. هذا الأمر يشغلني كثيراً كلما مرضت؛ حيث أقول: إذاً لن أرتقي لهذه المنزلة العظيمة منزلة الصبر علي البلاء .. أرجوك شيخنا أرح قلبي لأني تعبت في فهم هذه المسألة لم أصل إلى نتيجة؛ هل التوجع بألمٍ عضوي شديد يفقد الإنسان معه القدرة علي التفكير والتركيز، فيصدر من لسانه بصورة تلقائية كلمة ( آه ) يعتبر من عدم صبر  .. وجزاك الله خيرا؟

          الجواب: الحمد لله رب العالمين. الأنين وكذلك التأوه القليل والضعيف .. المنبعث عن الألم الذي يصحبه ـ ومنذ اللحظة الأولى ـ الصبر على البلاء .. والثناء على الخالق سبحانه وتعالى بعبارات الحمد والشكر وبما هو أهله .. وكذلك طلب التداوي مع تعلق القلب بالله تعالى خالق الدواء .. والتوكل عليه .. والاعتقاد الجازم بأنه هو الشافي الذي أودع في الدواء خاصية الإشفاء إن شاء أمضاه وإن شاء أمسكه ومنعه .. فهذا مشروع .. قد أذن به الشارع .. وصاحبه يؤجر .. لا يدرج في خانة شكوى الخالق للمخلوق.
أما الذي يُدرج في شكوى الخالق للمخلوق .. هو انتفاء الصبر على البلاء .. وحصول الضجر والسخط .. والنياحة .. وضرب الصدور .. وشق الجيوب .. وحصول سوء الظن بالخالق سبحانه وتعالى .. وعدم استقبال المرء لما نزل به من بلاء ومصاب بالرضى والتسليم .. وكذلك تعلق القلب .. بالمخلوق والأسباب .. وسؤال المخلوق فيما لا يجوز السؤال فيه .. فهذه المعاني كلها مذمومة شرعاً ـ تُبطل أجر صاحبها أو تنقصه ـ يُمكن أن تُدرج في معنى شكوى الخالق للمخلوق.
لكن هناك معنى خفي بعض الشيء .. يتفاضل فيه العباد والزهاد والعلماء الربانيين .. فالصبر مثلاً .. فمنهم من تراه يصبر ويحتسب عند الصدمة الأولى من نزول البلاء .. ومنهم من تراه يتأخر صبره لحظة أو لحظات أو ساعة أو ساعات أو يوم أو أيام من نزول البلاء .. فأفضلهم الذي يصبر ويحتسب منذ اللحظة الأولى من نزول البلاء، كما في الحديث:" إن الصبر عند الصدمة الأولى ".
ومن ذلك ما جاء في الحديث لما قاتل طلحة بن عبيد الله في موقعة أحد وهو يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقطعت أصابعه، فقال لحظة الضرب وانقطاع أصابعه:" حَسْ "، وهو كقول أحدنا عندما يُصيبه ألم مفاجئ " أخْ .. آه! " فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" لو قلت ـ أي لحظة إصابتك وانقطاع أصابعك ـ بسم الله ـ بدلاً من حَس ـ لطارت بك الملائكة والناس ينظرون إليك " .. هذا ميدان وإن لم يترتب على المخالف فيه وزر .. إلا أنه ميدان للمنافسة بين الصالحين من عباد الله الموحدين!
ونحو ذلك السؤال .. وأعني به السؤال المباح .. الذي لا يضر الإيمانَ شيئاً .. ومع ذلك فالناس تتفاضل في هذا الجانب .. فمن الصحابةمن كان يُبايع النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يسأل الناس شيئاً ـ زيادة في تربية قلوبهم على التعلق بالخالق سبحانه وتعالى ـ حتى أن أحدهم لو سقط سوطه وهو على فرسه كان ينزل عن الفرس ليتناوله .. ولا يسأل أحداً أن يعطيه إياه .. لكن هذا من يُطيقه .. لذا لم يعرف سوى عن قلة قليلة من الصحابة كانوا قد بايعوا هذه البيعة العظيمة .. بعد أن عرض النبي صلى الله عليه وسلم الجنة لمن يعطها ويوفها حقها، كما في الحديث:" من يضمن لي أن لا يسأل الناس شيئاً وأضمن له الجنة "!
نسأل الله تعالى لنا ولكم ـ ولجميع المسلمين ـ المعافاة في الدنيا والآخرة .. اللهم آمين، وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

إرسال تعليق

 
Top